30/11/2017 - 13:35

قرار التقسيم: بين الشرعية الدولية وميزان القوى على الأرض

لم يتغير العالم كثيرا رغم مرور 70 عاما هي الفترة الزمنية الفاصلة بين قرار تقسيم فلسطين وبين ما يمثله واقع اليوم من هيمنة الصهيونية الكاملة على كافة أجزاء فلسطين التاريخية.

قرار التقسيم: بين الشرعية الدولية وميزان القوى على الأرض

لم يتغير العالم كثيرا رغم مرور 70 عاما هي الفترة الزمنية الفاصلة بين قرار تقسيم فلسطين وبين ما يمثله واقع اليوم من هيمنة الصهيونية الكاملة على كافة أجزاء فلسطين التاريخية.

فالعالم يحترم الأقوياء، بل أن الأقوياء هم من يفرضون احترامهم وسلطانهم على العالم، بينما لا تحظى مصطلحات مثل الحق والأخلاق والعدالة بأي رصيد في حساباته السياسية ولا يمكن صرفها في أي مؤسسة من مؤسساته الدولية، هكذا كان واقع الحال في ألـ 47 - 48 وهذا هو واقع الحال اليوم أيضا، رغم ازدياد عدد الأصابع المؤيدة للقضية الفلسطينية في الجمعية العامة بعد انضمام الدول الآسيوية والأفريقية للأمم المتحدة.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ما كتبه نداف هعتسني، وهو مستوطن ابن مستوطن، في صحيفة "معاريف" أن "إسرائيل لم تقم بفضل قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة بل بفضل قوة ‘الييشوف اليهودي‘"، والدليل هو أن حدود إسرائيل التي قامت عليها حتى 1967 هي "خطوط توقف قوات الجيش الإسرائيلي في بداية 1949، التي نصت عليها اتفاقات الهدنة المؤقتة". أي "ما نجحنا في تحريره بالقوة، علما بأن حدود مشروع التقسيم هي، للتذكير، أقل بكثير"، كما يقول.

وبالرجوع لموضوع القوة التي امتلكتها الحركة الصهيونية وكانت وما زالت سببا رئيسيا في "انتصاراتها" و"انكساراتنا" إلى يومنا هذا، يفيدنا تقرير لجنة الاستقصاء البريطانية - الأميركية: بأنه كان لدى "اليهود في فلسطين" في الأول من نيسان/ أبريل 1946 أي قبل سبعة عشر شهرًا من إقرار مشروع التقسيم في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة، الأعداد التالية من المسلحين رجالاً ونساءً في المنظمات الإرهابية الصهيونية: الهاغاناه: 62000، الإرغون: 3000 - 6000، شتيرن: 2000، وذلك بالإضافة إلى قوات المستعمرات وقوة الشرطة المركزية.

ويشير وليد الخالدي في كتابه "خمسون عاما بعد حرب 1948" إلى أنه في 15 أيار/ مايو 1948، كما جاء في مذكرات بن غوريون وفي كتاب "تاريخ الهاغاناه"، كانت الهاغاناه تملك 10 ألوية منها ثلاثة ألوية للبالماح مجموعها 6000 وهي: لواء يفتاح (2000 مقاتل)؛ لواء هرئيل: (2000 مقاتل)؛ لواء هنيغف: (2000 مقاتل)؛

أما سائر الألوية فهي: لواء كرملي: 2238 مقاتلًا؛ لواء غولاني: 3588 مقاتلًا؛ لواء ألكسندروني: 3588 مقاتلاً؛ لواء كرياتي: 2504 مقاتلين؛ لواء غفعاتي: 3229 مقاتلاً؛ لواء شيفع: 800 مقاتل؛ لواء عتسيوتي: 3166 مقاتلاً؛ هذا بالإضافة إلى 4161 مقاتلاً في أسلحة الخدمات، أي المدفعية والهندسة والطيران والنقل.

أما الأسلحة التي كانت هذه القوات تملكها يوم انتهاء الانتداب، فكانت كالتالي: 25 مدفع "هيسبانو سويزا" (hispano-suiza) السويسرية 20 ملم، 105 مدافع هاون 3 بوصات، 682 مدفع هاون 2 بوصة، مدرعات (صنع محلي): 600 - 800 مدرعة، نصف مجنزرات أميركية: 52 مجنزرة، قاذفات لهب: 29 قاذفة، مدافع ضد الدروع (حهشف): 30 مدفعًا، رشاشات متوسطة: 182 رشاشًا، رشاشات: 1269 رشاشًا، بنادق: 28 ألف (بما فيها بنادق شرطة المستعمرات التابعة لحكومة الانتداب)، رشاشات أوتوماتيكية (صنع محلي): 10264 رشاشًا، قنابل يدوية (صنع محلي): 94926 قنبلة، ألغام (صنع محلي): 31 ألف لغم.

ويضيف الخالدي أن هذه "الأسلحة لا تشمل الطلبات الضخمة الكثيرة التي كان بن غوريون، قد أوصى بجلبها من الخارج. وكانت جميعها في طريقها الفعلي إلى فلسطين قبل 15 أيار/ مايو. ويذكر بن غوريون، في مذكراته بتاريخ 19 أيار/ مايو، أن سفينة تحمل شحنة كبيرة من هذه الطلبات كانت راسية خارج ميناء حيفا في ذلك اليوم، تنتظر نهاية الانتداب البريطاني لتفريغها، وأن حمولتها كانت: 10 آلاف بندقية، 1421 رشاشًا، 16 مليون رصاصة بندقية، تضاف طبعًا إلى ما ورد أعلاه.

وتفيد رواية "تاريخ الهاغاناه" الرسمية أنه وصل إلى البلاد مابين 15 أيار/ مايو و31 منه، أي خلال أسبوعين على قيام إسرائيل، من هذه الطلبات: 10 مدافع أخرى عيار 75 ملم، 30 مدفعًا عيار 65 ملم، و5 مدافع هيسبانو سويزا عيار 20 ملم، بالإضافة إلى 70 ألف قذيفة مدفع و12 مدفع ميدان 120 ملم. ومن بين الأسلحة التي وصلت تباعًا بعد 15 أيار/ مايو: 10 طائرات ميسر شميت، 20 طائرة نورماند، 40 دبابة، 92 مجنزرة، 200 بازوكا، 59 سفينة من مختلف الأنواع، 30 مليون رصاصة، وما يزيد على 200 مدفع ميدان.

والحال كذلك من ناحية ميزان القوى، إذا ما أدركنا أن الجيوش العربية التي دخلت الحرب ليس أنها لا تملك العديد والعتاد الموازي للعصابات الصهيونية، بل أنها لا تملك إرادتها وقرارها السياسي المستقل، ندرك أن قرار التقسيم هو تحصيل حاصل الميزان الموجود على أرض الواقع، وأن هذا الميزان الذي كان وما زال يميل بشكل حاد لصالح الصهيونية، هو الذي لا زال يتحكم بمجريات الأمور السياسية منذ 70 سنة فاتت رغم صدور عشرات بل مئات القرارات الدولية المؤيدة للحقوق الفلسطينية.

وعودة إلى مقال هعتسني عن قرار التقسيم، فإنه يرى أن موافقة "الطرف اليهودي بمعظمه على قرار الأمم المتحدة، كان بمثابة أداة تكتيكية فقط لإعادة البلاد كلها إلى حكمنا"، كما يقول، وهو يقتبس ما كتبه بن غوريون لابنه قبل عشر سنوات من ذلك التاريخ، مع نشر تقرير لجنة بيل، حيث يقول بن غوريون: إن "فرضيتي هي أن الدولة اليهودية الجزئية ليست النهاية بل البداية… وإقامة الدولة وحتى جزئيا هي تعزيز قوة قصوى في هذه الفترة، وهي ستستخدم رافعة شديدة القوة في مساعينا التاريخية لإنقاذ البلاد بكاملها… لا شك عندي أن جيشنا سيكون من الجيوش المميزة في العالم ـ وعندها فإني واثق بأنه لن يمنع عنا الاستيطان في باقي أرجاء البلاد كلها".

ويرى هعتسني أن "الييشوف اليهودي" مخلصا لهذا الخط، ما زال يستوطن ويتعاظم ويفرض حقائق على الأرض، وأن قوته وحدها هي من ستقرر وجود إسرائيل وحدودها.


 

التعليقات