04/12/2017 - 13:49

لعبة القط والفأر بين المواطن وشركات التأمين

شعور المواطن بأن الدوائر والشركات تسرقه ومنها ضريبة الدخل مثلا ومخالفات السير والبناء وغيرها من مظالم، يجعل كثيرين من المواطنين وخصوصا العرب في حالة من لعبة القط والفأر مع شركات التأمين ومؤسسات الدولة مثل التأمين الوطني ومصلحة الضرائب وضريبة التلفزيون

لعبة القط والفأر بين المواطن وشركات التأمين

هل صحيح أن بعض وكلاء التأمين يتهربون من تأمين سيارات العرب؟ وهل صحيح أن تأمين سيارات العرب يكلف أكثر من سيارات اليهود؟

في يوم ما وقع أمامي حادث طرق على منعطف في منحدر بمحاذاة قرية في البطوف، سائق السيارة أمامي تقدم ببطء واصطدم بالحاجز المعدني بجانب الشارع، شككت أنه فقد الكوابح ولحسن الحظ أنه لم يكن مسرعًا.

المهم أوقفت سيارتي بحذر على يمين الطريق الضيق، في هذه الأثناء رأيت شابًا كان واقفا من الجهة الأخرى من الحاجز فقفز من فوقه ثم فتح باب السيارة واستلقى على المقعد إلى جانب السائق، لم أفهم ما الأمر وكيف ولماذا! ثم أنه أرخى رأسه ورماه على كتفه وصار يصدر أنينا، ويبدو أنه والسائق متفقان، خلال هذا توقف سائقون آخرون للمساعدة، وأُغلق الشارع، وراحوا يسألون السائق وضيفه إذا ما كانوا يشعرون بألم وأوجاع وصاروا يمدونهما بالماء ويفركون لهذا صدره ولذاك رأسه، ومنعوهما من التحرك حتى وصول المسعفين.

وصلت سيارتا إسعاف تصفران من بعيد، وبعد ربع ساعة تم إنزالهما على نقالتين إلى سيارتي الإسعاف فالمستشفى.

دهشت عندما بدأت أستوعب مثل غيري ممن رأوا أن الشاب الذي ألقى بنفسه إلى جانب السائق إنما يريد بهذا التقدم بدعوى تعويضات ضد شركة التأمين، وبت أشك بأن السائق ارتطم بالحاجز بسيارته القديمة بقصد رفع دعوى ضد شركة التأمين.

أهل العلم يقولون إنه بمجرد وصوله المستشفى في سيارة الإسعاف، وادعاء وجع في عنقه وظهره يلفون عنقه بشاش مقوى أو جبص يمنعه من تحريك رقبته، وهذا بعد صور لعظام الرقبة والظهر، وبعد أسابيع يتم فك الرباط أو تجديده وقد يمتد الموضوع لأشهر، وفي المحصلة يقدم شكوى ضد تأمين السيارة، والتأمين سيعوضه عن الأوجاع والآلام وأيام العمل التي خسرها وهكذا قد يحصل على تعويض مالي بدون عناء.

مثل هذه الحوادث كثيرة، فما أن تتحدث بها حتى يحدثوك عن كثير مثلها. هناك حادثة وقعت لسيارة فيها خمسة ركاب فانضم سادس وقال لهم خذوني معكم وذلك كي يدخل نفسه في عداد المصابين، ولكنهم في المستشفى فطنوا أن السيارة ممنوع أن تقل أكثر من خمسة وكادوا أن يخسروا كلهم لولا تنكرهم للزبون الدخيل عليهم.

هناك من أصيب ابنه الصغير في البيت ورفع شكوى ضد تأمين السيارة، ولكن محققا من شركة التأمين جمع شهادات من أبنائه وأطفال الحارة وحتى من زوجته وأثبت كذبه، في النتيجة تم تغريمه بتكاليف المحكمة والمحقق وأيام العمل بمبلغ 18 ألف شيكل.

أما طلبات التعويض من مجالسنا المحلية وبلدياتنا نتيجة الحفر والمطبات والمفاجآت في الطرق فهي أكثر من أن تحصى وبهذا تتحمل المجالس البلدية مسؤولية، ولكن في الواقع أن أكثر الشكاوى مفبركة.

هذا لا يقتصر على العرب، فهناك يهود يفعلون هذا أيضا وربما بصورة أكثر إحكاما. أذكر رجلا في محطة للوقود في كريات بيالك، تمدد فجأة على الأرض وصار يصرخ بأنه أصيب في ظهره نتيجة انزلاقه على بقعة زيت كانت على الأرض في المحطة. أقسم أنني رأيت الرجل يستلقي بهدوء بتمثيل واضح، لم تكن في تلك الأيام كاميرات مراقبة وإلا لانفضح أمره.

هذا جعل شركات التأمين تنطلق من الشك بكل شكوى فترسل محققين أكثر من مرة للبحث عن ثغرات في قضايا التأمين، وهذا أيضا رفع أثمان التأمين.

لدى العرب وبسبب الانتشار الواسع للفقر ولأن البنى التحتية متردية وبسبب تورط العرب بحوادث طرق أكثر فإن الشكاوى أكثر، ونتيجة لذك ترتفع أثمان تأمين السيارات وخصوصًا إذا كان صاحب السيارة متورطا في حوادث وشكاوى من قبل، وبعد تورط السائق بثلاث قضايا يجد صعوبة كبيرة في العثور على شركة تؤمن سيارته. أما النكتة فإنك إن كنت من المستقيمين ومنذ عقود لم ترفع شكوى، وتورطت بحادث بسيط وكلفك تصليح السيارة ثلاثة آلاف شيكل مثلا، حينئذ ينصحك وكيل التأمين بأن لا ترفع قضية تعويض لأنك ستدفع مشاركة وسيرتفع ثمن تأمين سيارتك لثلاث سنوات قادمة، وحينئذ تتساءل لماذا التأمين إذن ما دمنا سندفع مشاركة وسيرفعون الثمن في السنوات التالية عندما نحتاجه! أي أنهم يستعيدون ما عوضوك به! هذا هو قانون التأمين ومن لا يعجبه فليفعل ما يشاء!

هناك أسباب كثيرة ومركبة أوصلتنا إلى ما نحن فيه. فللفقر حصة وللتربية والأخلاق حصة وللبنى التحتية في قرانا ومدننا نصيب. كذلك فإن شعور المواطن بأن الدوائر والشركات تسرقه ومنها ضريبة الدخل مثلا ومخالفات السير والبناء وغيرها من مظالم، يجعل كثيرين من المواطنين وخصوصا العرب في حالة من لعبة القط والفأر مع شركات التأمين ومؤسسات الدولة مثل التأمين الوطني ومصلحة الضرائب وضريبة التلفزيون التي ما زال البعض يعاني منها. هكذا وبسبب فقدان الثقة المتبادل بين المواطن والمؤسسات باتت السرقة والغش والخداع والشك سادة الموقف.

التعليقات