12/12/2017 - 11:30

بيانات ومظاهرات تنفيس الغضب

لا بديل عن ما بدأ به البوعزيزي في تونس وعودة الشعوب العربية لامتلاك زمام المبادرة واستعادة حلمها بالحرية من خاطفيه، فقط باستعادة الثورة العربية لدورها الذي بدأته عام 2011 ستتغير كل الحسابات والمعادلات في المنطقة والعالم.

بيانات ومظاهرات تنفيس الغضب

تسعى أنظمة العار العربية لتجميل وجوهها القبيحة، التي تفتقد إلى الحد الأدنى من الشرعية، فتصدر بيان استنكار هنا وبيان احتجاج وتصريح باهت هناك في نفاق واضح للجماهير وطمعًا باسترضائها ووضع نفسها في قارب واحد معها. هذه البيانات التجميلية من طراز "لقد أخبرنا الرئيس الأميركي بأن قراره هذا لا يخدم التقدم في العملية السلمية، ويجب العودة إلى مائدة التفاوض والحفاظ على الوضع القائم"! و"نحن نرى بعين القلق إعلان الرئيس ترامب عن القدس عاصمة لإسرائيل".

هذه البيانات تهدف إلى تنفيس غضب الجماهير وليس الاحتجاج الحقيقي الفاعل الهادف فعلا للضغط، طالما لا تتبعها أي خطوات عملية كطرد السفيرين الإسرائيليين من عمان والقاهرة، وسحب السفيرين المصري والأردني من تل أبيب، وإعلان انتهاء اتفاقات أوسلو والانسحاب منها، الأمر الذي ربما يجعل بعض الإسرائيليين يستيقظون من خمرة القوة والعربدة. كذلك فإن موقفا حازمًا كهذا ممكن أن يكون عائقا فعليا أمام المهرولين للتطبيع مع إسرائيل مثل السعودية والبحرين والإمارات.

جاء قرار ترامب صفعة قاسية لحلفائه العرب والمسلمين، وخصوصًا أولئك الذين تجاهلوا لعقود طويلة ما يجري على أرض الواقع في القدس وفلسطين. هؤلاء من حقهم أن يتفاجأوا، فماذا كانت ضرورة هذه الصفعة ـ لِمَ هذا الإحراج وهذا الإذلال؟ وما الذي كان سيئا لو بقيت الأمور جارية كما كانت؟

منطق هذه الأنظمة هو أن استمرار إسرائيل بتهويد القدس بدون ضجيج واستفزازات أفضل وأقل وجع رأس. ترامب حاول أن يؤجل ما وعد به قبيل الانتخابات بنقل السفارة الأميركية إلى القدس ولكنه بات مطالبا بإثبات أنه رجل ينفذ وعوده، خصوصًا أنه يقف مشلولا أمام تهور كيم جونغ أون من كوريا الشمالية، وغير قادر على فعل شيء أمام برامجه في تطوير منظومة صواريخ قد تصبح خطيرة بالفعل على حلفاء أميركا في وقت قريب، ما لم يتم وقفها وردعها. وكي لا يتحول ترامب إلى رجل فرقعة كلامية ومسخرة فقد وجد بالعرب والفلسطينيين جدارًا منخفضًا يقفز عليه ومطيّة يركبها. هكذا منح نفسه فرصة للتعبيرعن جدية وعوده على حساب العرب، وفي الوقت ذاته منَح صديقه الحميم نتنياهو دفعة معنوية، في الوقت الذي يحاصر فيه بيبي بشبهات الرشاوى والفساد وبمطالبة قوية باستقالته.

العلاقات الدبلوماسية استمرت بين مصر والأردن وإسرائيل رغم عدة حروب شنتها إسرائيل على غزة ولبنان وعلى منظمة التحريروعلى الشعب الفلسطيني والقدس وعلى الأرض التي تصادر وعلى قطاع غزة المحاصر بدون أي اعتراض سوى بالبيانات. هذا شجع السعودية والبحرين والإمارات على السعي لإنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل. لقد كانت بيانات استنكار وقلق في كل حالة وحالة من قبل القاهرة وعمّان وفيما بعد من قبل رام الله، ولكن بات واضحًا أنها لم تكن سوى مساعٍ لتنفيس غضب الجماهير.

المظاهرات في العواصم العربية والعالمية والإسلامية هي أمر جيد وحقيقي، فالشعوب غير الأنظمة، الشعوب تتظاهر مدفوعة بمشاعر الكرامة القومية والدينية والتاريخية والإنسانية، وبعضها يقاطع البضائع الأميركية كما فعل عمال الموانئ في تونس بامتناعهم عن استقبال وتنزيل البضائع الأميركية، وكذلك إعلان نقابة الصيادلة في مصر الامتناع عن استيراد الأدوية الأميركية وهذا ممتاز ويجب أن يتسع. كذلك دعوة مجلس النواب الأردني لإعادة النظر باتفاقات وادي عربة، فهذا يجب أن يسفر عن إلغاء الاتفاقات. كذلك فإن أردوغان مطالب بتنفيذ ما أعلنه بقطع العلاقة مع إسرائيل في حال إعلان ترامب ليكون نموذجا يتّبعه غيره. فبدون خطوات عملية لن يكون أي تأثير على أرض الواقع للمظاهرات الصاخبة في هذه البلدان سوى أنها عمليات تنفيس لغضب الجماهير، سرعان ما ستتوقف إذا لم تجد صدى على أرض الواقع، وإذا لم تترجم لأفعال ترفع معنويات الناس وتمنحهم أملا.

إلا أن التجربة علمتنا بأن لا نتوقع تغييرات جدية من هذا النوع، فهناك من سيجد ألف مبرر لاستمرار العلاقات والاتفاقيات، علما أن إسرائيل أخلّت بها جميعها، وسوف تستمر السعودية والبحرين والإمارات بما هم بصدده من تطبيع، ربما يخففون النار تحت الطبخة ريثما يبتلع العرب الصفعة الجديدة ولكنهم لن يتراجعوا.

حسنا وما دام أن المظاهرات الاحتجاجية لم تعد مجدية، وأنه لا أمل من هذه الأنظمة بخطوات جديّة فما العمل؟ الجواب هو أن لا بديل عن ما بدأ به البوعزيزي في تونس وعودة الشعوب العربية لامتلاك زمام المبادرة واستعادة حلمها بالحرية من خاطفيه، فقط باستعادة الثورة العربية لدورها الذي بدأته عام 2011 ستتغير كل الحسابات والمعادلات في المنطقة والعالم.

التعليقات