04/01/2018 - 13:18

صراع على القبور أم صراع على الأرض..

ورد ذكر قبر يوشع بن نون لأول مرة لدى ناصر خسرو في كتابه سفر نامه في شهر شعبان 438 للهجرة، آذار/ مارس 1047 للميلاد حيث يقول: "وفي الجانب الغربي من مدينة طبرية مسجد اسمه مسجد الياسمين...

صراع  على القبور أم صراع على الأرض..

يوشع بن نون هو خليفة موسى عليه السلام، وهو الذي دخل بلاد كنعان بجيشه. وقد اختلفت الروايات حول مكان قبره.

في شمال قرية كفل حارس، الواقعة على بعد 23 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من نابلس، مقام إسلامي بني في عهد الدولة الأيوبية. على أحد جدرانه كان حجر عليه كتابة يستفاد منها أن جوهر بن عبد الله، أحد خدمة الضريح، حج بالنيابة عن مولاه الشهيد نجم الدين أيوب بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر، وأن تلك الحجة كانت يوم الثلاثاء التاسع من ذي الحجة سنة 610 هجرية، ويوجد في ساحة البناء المكشوفة قبر يذكر أهل القرية أنه لجوهر بن عبد الله هذا. (مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، ق2، ج2، ص 530-531).

بعد حرب 1967ميلادي بدأ المستوطنون بالدخول إلى قرية كفل حارس، بدعوى أن البناء المذكور أعلاه يضم رفات يهوشع بن نون، وسرعان ما سيطروا على المكان، وراحوا يقومون بأداء شعائرهم وطقوسهم، غير آبهين بما يقوله أهل البلدة.

ورد ذكر قبر يوشع بن نون لأول مرة لدى ناصر خسرو في كتابه سفر نامه في شهر شعبان 438 للهجرة، آذار/ مارس 1047 للميلاد حيث يقول: "وفي الجانب الغربي من مدينة طبرية مسجد اسمه مسجد الياسمين، وهو مسجد جميل في وسط ساحة كبيرة بها محاريب وحولها الياسمين، الذي سمي به المسجد، وفي الرواق بالجانب الشرقي قبر يوشع بن نون، وتحت هذه الساحة قبور سبعين نبيًا عليهم السلام". (سفر نامة، الترجمة العربية، ص 63-64).

وقد أكد ذلك الرحالة اليهودي المشهور الرابي فتحياه من مدينة ريغنسبورغ بألمانيا، الذي زار فلسطين وهي تحت حكم الفرنجة قبل معركة حطين عام 1187ميلادي بقليل، حيث يقول في كتابه "الرحلة": "ثم ذهبنا إلى الجليل الأعلى ووقفنا في الجبال على قبر نيتائي الأربلي في أربل، وهناك جبل بركاني عال جدًا، وبه قبر النبي عوبديا، وفي وسط الجبل قبر يهوشع بن نون، وبجواره قبر كالب بن يفونه وبالقرب منهما نبع ماء عذب من الجبل". وهو يصف تمامًا منطقة طبرية ذات التربة البركانية، وقلعة أربل التي ما زالت آثارها قائمة هناك. (نشر كتاب الرابي فتحياه بجميع اللغات الأوربية منذ سنة 1595م، راجع الترجمة العبرية ص 56-57 على جوجل).

أما الهروي فذكر في عام 569 الهجري، الموافق لعام 1173 ميلادي، أن في قرية عورتا، الواقعة على طريق القدس من نابلس، مغارة فيها قبر يوشع بن نون ومفضل ابن عم هارون ويقال بها سبعون نبيًا. (كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات، القاهرة، 1423 ﮬجرية، ص 31). وقرية عورتا تقع إلى بعد ثمانية كيلو مترات إلى الجنوب الشرقي من نابلس.

وتابعه في قوله هذا ياقوت الحموي، المتوفي سنة 626 ﮬجرية، 1229 ميلادي، حيث يقول: "عورتا بليدة بنواحي نابلس بها قبر العزير النبي عليه السلام في مغارة وكذلك قبر يوشع بن نون عليه السلام، ومفضل ابن عم هارون ويقال بها سبعون نبيًا عليهم السلام". (معجم البلدان، ج 4، ص 167).

كان أول من قال إن قبر يوشع بن نون موجود في كفل حارس هو مجير الدين الحنبلي (توفي عام 929 ﮬجري/ 1522 ميلادي) في كتابه الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، حيث يقول: "ثم توفي يوشع وله من العمر مائة وعشرون سنة ودفن في كفل حارس، وهي قرية من أعمال نابلس، وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين لوفاة موسى، وقيل إنه مدفون في المعرة". (الأنس الجليل، ج 1، ص 104). وفي مكان آخر ذكر أن في كفل حارس قبر بشر بن أيوب المكنى ذا الكفل. (ج 1، ص 73).

ليس بالصدفة أن جاء الرحالة الصوفي عبد الغني النابلسي سنة 1101ﮬ/ 1689م برواية الهروي أولاً ثم برواية مجير الدين الحنبلي دون أن يبت في الأمر، بينما أطنب في ذكر فضائل عورتا ومكانة رجال الصوفية لدى أهلها. (الحضرة الأنسية في الرحلة القدسية، بيروت، 1990، ص 88-89).

من الجدير بالذكر أنه بالقرب من مدينة السلط يوجد ضريح ليوشع بن نون، وفي بغداد ضريح لهذا النبي.

في جنوب شرقي كفل حارس يقع قبر النبي ذي الكفل. يرى المسلمون أن ذا الكفل هو بشر بن أيوب عليه السلام، بينما يرى اليهود أن هذا القبر يضم رفات كالب بن يفنه أحد الجواسيس الاثني عشر، الذين أرسلهم النبي موسىى إلى بلاد كنعان، وقد أشرنا سابقًا إلى ما قاله الرابي فتحياه، من أن قبر كالب يقع بالقرب من طبرية.

في جنوب غربي كفل حارس يوجد قبر ذي النون، وهو عبارة عن ضريح كبير مكشوف تقع في شرقه غرفة خصصت للعبادة. وذو النون هذا هو يونس عليه السلام، وفي قرية حلحول من أعمال الخليل قبر يعرف بقبر النبي يونس، وفي الموصل بالعراق مقام للنبي يونس. ويذكر السامريون بأن ذا النون هذا هو قبر نون والد يوشع.

إن دعوى وجود قبر ليوشع بن نون في كفل حارس ظهرت متأخرة من باب دعوة الناس للتمسك بأرضهم إزاء المحتل الفرنجي. لقد نجح المسلمون في تبني شخصيات توراتية وتوظيفها خلال صراعهم مع الفرنجة، وليس بالضرورة أن يكون لهذه الشخصيات وجود فعلي. هذه القبور والضرائح والمقامات في طول البلاد وعرضها كانت نتاج فكر إسلامي يعتمد على استغلال الفطرة الدينية للتمسك بالأولياء ومن ثم بالأرض.

فلو كانت القدس مقدسة لليهود لكانوا قبروا فيها قائدهم يهوشع بن نون، ولو كانت كفل حارس مكان قبره لحجوا إليها قبل عام 1948م.

 

التعليقات