22/01/2018 - 14:39

سنفقد كل التمثيل العربي في الكنيست...

فكرة الترانسفير، أي طرد السكان، تتخذ صورًا أكثر خطورة الآن من مجرد تداولها بين كوادر حزب هامشي في الكنيست، ما يجري هو منح الفكرة جماهيرية يهودية عميقة وواسعة، والأخطر هو محاولة شرعنتها دوليا وعربيا بحيث تكون جزءا من صفقة القرن،

سنفقد كل التمثيل العربي في الكنيست...

باتت موضة في إسرائيل أن دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، وهنالك إصرار وقح على مطالبة العرب والعالم بالاعتراف بذلك، الدولة تقول لحوالي 20% من مواطنيها أنتم درجة أقل، أنتم غير مرغوب فيكم، والأوقح أنها تريدنا أن نقول لها فهمنا وقبلنا وأطعنا.

وأسوأ من هذا أن هناك عربًا يريدون منا أن نقتنع ونرضى بهذه المعادلة العنصرية المريضة.

يسعى بنيامين نتنياهو وحلفاؤه بعد سبعة عقود من قيام إسرائيل إلى تجديد مناقشة وضع العرب القانوني مثلما كان وضعهم بعيد قيام الدولة بأشهر قليلة، حيث ساد نقاش وقتها ما العمل مع المئة وخمسين ألف عربي الذين بقوا داخل حدود دولة إسرائيل، في تلك الفترة، وحسب وثائق نشرتها صحيفة "هآرتس"، تقريرا على ضوئها قبل ثلاثة أسابيع، قال موشيه دايان: علينا أن نتعامل مع العرب بأن مصيرهم لم يبت به نهائيا بعد، وأن نأخذ بعين الاعتبار إمكانية إجراء طرد جماعي لهم".

ما يحاول نتنياهو وحكومته العودة إليه، من خلال القوانين الجديدة التي يجري سنّها بتسارع كبير، وجاء إلغاء اللغة العربية كلغة رسمية ثانية في إسرائيل كجزء من هذه الحملة، والتلويح بإلغاء المواطنة عمّن يثبت عدم ولائه لدولة إسرائيل، إضافة إلى ممارسات طويلة من العنصرية المقوننة على مر السنين التي صارت بديهيات، مثل تحريم بيع أراضٍ من "دائرة أراضي إسرائيل" للعرب، وحرمان العرب من الاستفادة من أراضي ألكيرن كييمت ومشاريعها، وحرمانهم من السكن في مئات التجمعات السكنية بصور قانونية مختلفة.

فكرة الترانسفير، أي طرد السكان، تتخذ صورًا أكثر خطورة الآن من مجرد تداولها بين كوادر حزب هامشي في الكنيست، ما يجري هو منح الفكرة جماهيرية يهودية عميقة وواسعة، والأخطر هو محاولة شرعنتها دوليا وعربيا بحيث تكون جزءا من صفقة القرن، وكشرط لإنهاء الصراع، وهذا ما يوافق عليه ترامب وربما ساسة عرب متورطون.

لأن أحد بنود صفقة القرن هو الاعتراف بأن دولة إسرائيل هي دولة اليهود، هذا يعني نزع شرعية وجود غير اليهود داخل إسرائيل.

تطبيق القوانين الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية وعلى القدس ومحيطها، يعني في نهاية الأمر أمرين، إما دولة ثنائية القومية يتساوى فيها العرب واليهود عدديا، وهذا ما لا يريده أصحاب القرار، البديل للمساواة العددية هو عمليات طرد واسعة، أو تركيز العرب في تجمعات محدودة ومحاصرة، بانتظار فرصة مواتية لحملة طرد واسعة، ليبقى أقل عدد منهم داخل دولة اليهودية.

القوانين المقترحة بسحب الإقامة من أهالي القدس والجولان المحتلين الذين لا يدينون بالولاء لدولة إسرائيل لن تتأخر كثيرا لتسري على عرب الداخل بحجة عدم الولاء، والقانون مغيطة، فعدم الولاء ممكن أن يكون مجرد الدعوة لمقاطعة منتجات المستوطنات.

الشارع الإسرائيلي بمعظمه يعارض سكن عرب في العمارة وحتى البلدة التي يسكن فيها، ومعظمهم يرفض مساواة العرب في الحقوق، ويرى أكثرهم بالمواطنين العرب أعداء، ويدعو لإسقاط حقهم بالانتخاب.

حتى رئيس حزب العمل أعلن أنه لا مكان للتعاون مع القائمة المشتركة في الكنيست، وبهذا ينزع الشرعية عن حق العرب في العمل البرلماني والتأثير.

إن التسامح في الاعتداءات على العرب يذكر بالممارسات النازية، إذ أعلن وزير ألماني في حكومة هتلر الأولى، أي قبل حكومة الحرب العالمية الثانية بسنوات، بأنه يتفهم الاعتداءات على اليهود، عندما نجري مقارنة نجد من يتفهمون قتل جريح فلسطيني ويطالبون بالعفو الكامل عن قاتله، الذي حكم أصلا بتسامح كبير.

الدعوة لمقاطعة التجار العرب هي نفس الدعوات لمقاطعة اليهود اقتصاديا في ألمانيا النازية وكذلك في بولونيا في الثلاثينات قبيل الحرب العالمية الثانية!

يذكر أن اليهود دخلوا البرلمان البولوني في فترة الجمهورية البولونية الثانية من 1919 إلى 1939، بتمثيل كبير وبقائمة مشتركة حصدت أكثر الأصوات اليهودية، كذلك كان من أيد أحزاب السلطة ومن خاض الانتخابات منفردا، إلا أن تمثيلهم الواسع لم يلجم صعود اللاسامية ضدهم.

بل تحولت عضويتهم الواسعة في البرلمان البولوني إلى سلاح ضدهم، الأمر الذي حذا بالساسة البولونيين إلى إجراء الانتخابات حسب المناطق وليس حسب عدد الأصوات العام، فهبط التمثيل اليهودي وغيره من أقليات إلى الحضيض.

بناء عليه يمكن القول إن الحديث عن قائمة عربية من عشرين مقعدا أو حتى ثلاثين تحول دون قيام حكومة من دونهم وترغمهم على التعامل معنا بندية، هو ضرب من الوهم، فالأحزاب الصهيونية لن تتعامل معنا إلا كأعداء غير مرغوب فيهم في الكنيست وخارجها، بل ويتفاقم هذا العداء كلما شعروا بقوتنا البرلمانية المنافسة لهم، وأخطر ما نواجهه هو تحويل الكنيست إلى بديل لساحات النضال الأخرى المحلية والدولية، وأن نستبدل النضال بكليشيهات جاهزة مثل: المشتركة قدمت استجوابا لوزير الدفاع، وقدم النائب فلان استجوابا لوزير الداخلية، ورد وزير الصحة على النائب فلان، ومقاطعة خطاب النائبة علانة من قبل فلان.

أهمية هذا، ولكن قضيتنا أعقد بكثير من أن تجد حلها في الكنيست، ليس بعيدا ذلك اليوم الذي سنفقد فيه تمثيلنا في الكنيست بطرق قانونية، وذلك بإجراء التصويت حسب المناطق، وحينئذ لن يمثل العرب إلا في منطقتي الناصرة وأم الفحم، أما في بقية المناطق فسيكون العرب أقليات انتخابية وملاحق للمدن الكبيرة من حولهم، الأمر الذي يعني عدم تمثيلهم إلا بعدد أقل بكثير مما هم عليه الآن. علينا أن نفكر بإبداع أعمق وأبعد في كيفية ضمان مستقبل غير ذلك الذي يعدونه ويحلمون به لنا.

 

التعليقات