08/03/2018 - 10:49

تأملات ما بين برلين، ماري كوري وجميلات درويش

أكتب هذه السطور وأنا على متن الطائرة المتجهة إلى برلين. أعشق هذه المدينة ليس فقط لجمال أزقتها المكتظة بالمارة، تفاصيل أشجارها العارية، بناياتها الرصينة والدقة بتصميمها، متاحفها المثرية، أناقة أفرادها واختلاف أصولهم، بل أيضًا لتاريخها الصاخب والمؤثر!

تأملات ما بين برلين، ماري كوري وجميلات درويش

أكتب هذه السطور وأنا على متن الطائرة المتجهة إلى برلين. أعشق هذه المدينة ليس فقط لجمال أزقتها المكتظة بالمارة، تفاصيل أشجارها العارية، بناياتها الرصينة والدقة بتصميمها، متاحفها المثرية، أناقة أفرادها واختلاف أصولهم، بل أيضًا لتاريخها الصاخب والمؤثر!

برلين التي عاشت حربين عالميتين كانت، وضواحيها كبوتسدام، مركزا مؤثرا في أحداث كثيرة خلال وبعد الحرب العالمية الثانية التي نتائجها صقلت العالم السياسي الذي نعيشه!

بروفيسور أشرف إبريق

وحين أزورها كل عام أعود وأعيش تاريخها من خلال زياراتي لأماكن مدهشة يعرفها أصدقائي المحليّون فيشدني ذلك لقراءة تاريخها عبر الروايات المثيرة التي دارت أحداثها ببرلين. إحداها كانت رواية "مدينة النساء" التي تعيش فيها أحداثا "برلينية" إبان الحرب العالمية الثانية، أبطالها من النساء في مدينة تكاد تخلو من الرجال! في برلين اُجبرت المرأة أن تكون أو ألا تكون حين كان الرجال يتساقطون الواحد تلو الآخر في حروب أزهقت أرواح الملايين! وبرلين هي مثال لما كان يدور في تلك الفترة في مدن عديدة في العالم، وبداية لتحول كبير في مكانة المرأة على عدة أصعدة.

لا أرغب بتقسيم عالمنا إلى نساء ورجال وكأننا في سباق وتحدٍ! بل أودّ تقسيمه إلى أفراد يسعون أو لا يسعون لعالم أفضل في أي دور يأخذونه، صغيرًا كان أم كبيرًا! ولا شك أن هناك تحديات جمّة أمام المرأة في جوانب عديدة وفي كثيرٍ من المجالات! ولكن ما أراه اليوم في مجتمعنا يبعث الكثير من الأمل، كون نسبة الطالبات الجامعيات في ازدياد مستمر الأمر الذي سيعود بالفائدة حتمًا على المجتمع ككل وعلى زيادة في الإبداع في المواضيع المختلفة من ضمنها الهندسة والعلوم.

واحتفاءً بيوم المرأة، وكعالم في موضوع الكيمياء، أودّ أن أُذكر بماري كوري وزميلتي عادا يونات اللتين حصلتا على جائزة نوبل في الكيمياء تقديرًا للاكتشافات العظيمة التي قامتا بها في أوقات مختلفة! فكوري الحاصلة أيضا على جائزة نوبل في الفيزياء، كانت من اكتشف عنصري الراديوم والبولونيوم. والأخيرة أطلقت عليه بهذا الاسم نسبة إلى بلدها الأصلي، بولندا، التي كانت مقسمة آنذاك بين عدة دول وبذلك أرادت إلقاء الضوء عليها لتحريرها. وهي الامرأة الأولى التي كانت قد فازت بهذه الجائزة والأولى أيضًا بين الرجال والنساء التي فازت بها في موضوعين مختلفين تلاها عالم واحد حتى الآن هو لينوس باولنيچ، الذي حاز على جائزة نوبل في الكيمياء وأخرى في السلام. أما العالمة يونات فكانت من ساهم في فهم مبنى وعمل الريبوسوم، الماكنة الجزيئة الرهيبة التي تقوم بتحويل المادة الوراثية إلى سلاسل بيبتيدية التي تنطوي لتكتسب مبان ثلاثية الأبعاد ولتكوين البروتينات التي تقوم بوظائف مختلفة في الكائنات الحية.

أعيش كل يوم المشاعر التي تُراود أفراد أية أقلية كانت، لكنني لم أكن يوما من الذين أعطوا أي اهتمام لهذا الجانب لتحفيز مشاعر الشفقة عند الآخر! تزودت بالثقة وعملت جاهدًا لتحقيق الكثير على الصعيد المحلي والعالمي، رغم التحديات والصعوبات الكبيرة! والنجاح الذي يُحقق بهذه الطريقة له الكثير من الأثر النفسي والإيجابي الذي تعجز الكلمات أحيانا عن وصفه، أعيشه في الأوقات الصعبة ليزيدني قوة والجميلة ليزيدها جمالا.

فجميلات درويش هُنّ الجميلات... والجميلات هُنّ ايضاً الأمهات، المجتهدات، العالمات، المثقفات والمحبات لكونهن نساء يزرعن الحب على أشكاله في عالم يفقد رويدًا رويدًا الكثير من طبيعته وإنسانيته!

تحياتي إلى نساء الأرض.


*الصورة المرفقة تجمع بروفيسور أشرف إبريق عادا يونات خلال المؤتمر الذي عقد في اليابان عن عالم البيبتيدات، غلاف كتاب مدينة النساء وماري كوري.

* بروفيسور أشرف إبريق عالم في مجال الكيمياء- معهد التخنيون، حيفا.

التعليقات