26/03/2018 - 12:56

بين مفصلية يوم الأرض وتآكل المعنى

الترهل المزمن البنيوي المصابة به الهيئات التمثيلية من لجنة المتابعة واللجنة القطرية إلى جانب ترهل قيادات سياسية والصراع الفئوي والشخصي، خيب الآمال ويضع علامات استفهام حول إمكانية ترميم المعنى وإعادة جذوة النضال الشعبي وثقة الجمهور بقيادته وقواه السياسية

بين مفصلية يوم الأرض وتآكل المعنى

مر 42 عاما على انفجار الغضب الشعبي لفلسطينيي الداخل، في 30 آذار من العام 1976، بكل ما حمل من معاني ودلالات الإذلال والتهجير ومصادرة الأراضي الذي أعقب النكبة عام 1948، مرورا بالحكم العسكري وبطشه في حالات القمع والترهيب. ومع استمرار سياسة المصادرة والتمييز العنصري وملاحقة النشطاء السياسيين، بعد إخراج حركة الأرض خارج القانون وملاحقة رموزها، بدأت في أوائل السبعينيات تتشكل محاولات إعادة بناء نواة حركة وطنية تنشط خارج الكنيست.

برزت حركة أبناء البلد، التي انطلقت نواتها من نشطاء وأكاديميين من مدينة أم الفحم متأثرة بخطاب اليسار الفلسطيني لا سيما خطاب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتشعبت وأقامت فروع في مختلف البلدات العربية، ونشطت في الجامعات. وكان لها دور في تأكيد الهوية الوطنية لعرب الداخل والمساهمة المتواضعة في التأكيد على الرواية التاريخية للشعب الفلسطيني. إلا أنها لم تتمكن من أن تتمدد و تتحول إلى حركة جماهيرية لأسباب عدة لا مجال لذكرها في هذا المقام. وغالبا ما كانت هذه الحركة تصطدم مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي ولاحقا مع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة خاصة في مناسبات وطنية مثل يوم الأرض وغيره من المناسبات، بسبب خطاب وشعارات هذه الحركة التي نادت بـ"فلسطين من المي للمي"، ورفعت العلم الفلسطيني في المسيرات والتظاهرات والذي كان محط خلاف بين الطرفين وحظر رفع العلم من السلطات الإسرائيلية. ذلك إلى جانب محاولة الحزب الشيوعي احتكار العمل السياسي واعتبار ابناء البلد حركة متطرفة ومغامرة. لكن لاشك أن مجمل النشاط السياسي الجماهيري والثقافي في أوساط عرب الداخل، إلى جانب بطش السلطة وأجهزتها القمعية، شكل نواة الوعي والإرادة للمواجهة القادمة والتي تمثلت بتوفير المقدمات الضرورية لانفجار الحدث المتمثل في الهبة العارمة في يوم الأرض.

تم التعامل مع يوم الأرض كنقطة تحول جذرية ومحطة مفصلية لاكتشاف مواطن القوة الكامنة لدى المواطنين العرب، وكحدث تاريخي مفصلي أحدث انقلابا وحمل الكثير من الدلالات والمعاني، سواء كان ذلك في تعاطي السلطة وأجهزتها مع أقلية قانطة تحت بطش الخوف والترهيب والقمع من جهة، وتأكيد الوعي والإرادة الجماعية كمدماك أساسي للتصرف كأقلية قومية أصلانية وكسر حاجز الخوف واستعادة الثقة بالنفس في إطار الإرادة الجماعية، التي عبرت عن نفسها بهذا الحجم لأول مرة منذ العام 1948 من جهة أخرى. أي أن هذا الغضب لم يأت كنضال مطلبي يومي بل كانت الهوية الوطنية والحقوق الجماعية في صلبه.

لقد شكل يوم الأرض أهم مقولة نضالية وجدانية في نفوس وأذهان الأجيال ممن عايشوا الحدث، وما أكسبه جذوة هو الإجماع الشعبي على معانيه والتمسك بإحياء الذكرى السنوية. وباتت المشاركة في إحياء الذكرى السنوية والفعاليات الأخرى معيارا لوطنية الفرد.

واستمر هذا الحال حتى بداية التسعينات، حيث بدأ عزوف عن المشاركة الجماهيرية لحد مذهل ومقلق. وهناك من يعزو ذلك إلى سببين. الأول هو أن اتفاقيات أوسلو تسببت بإحباط كبير لدى المواطنين الفلسطينيين في الداخل، وخاصة لدى النشطاء الذي أحبطوا جراء اعتبار فلسطينيي الداخل شأنا إسرائيليا. والسبب الثاني يتعلق بتعالي أصوات اتهمت القوى السياسية وقياداتها بالإخفاق في تكريس وتأكيد معاني هذا اليوم الخالد من خلال السلوك السياسي غير المسؤول وبروز مظاهر انتهازية وفئوية كانت في كثير من الاحيان تطمس المعنى بعد تحويل المسيرات والمنصات الى مسرح استعراض شخصي وفئوي هزيل، الأمر الذي جرد الكثير من القيادات من الثقة والمصداقية، ما أدى إلى الإحباط لدى قطاعات واسعة من الجمهور والنشطاء.

لكن مقابل ذلك، شهد أواخر التسعينيات حالة من ترميم الصورة والحراك الجماهيري بعد مراجعة الفكر والسلوك السياسي والأداء، خصوصا بعد ظهور حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي أحدث انقلابا على الخطاب التقليدي، مما خلق حالة حراك قوية وتنافس شديد بين الأحزاب السياسية العربية، التي أدت بالتالي إلى إعادة شيء من الاعتبار للعمل السياسي والجماهيري إلى حين اندلعت انتفاضة القدس والأقصى، عام 2000، التي ساهمت في إحياء الروح للعمل السياسي والجماهيري. إلا أن الترهل المزمن البنيوي المصابة به الهيئات التمثيلية من لجنة المتابعة واللجنة القطرية إلى جانب ترهل قيادات سياسية والصراع الفئوي والشخصي، وانعكاس ذلك في قضية التناوب في القائمة المشتركة، خيب الآمال مؤخرا ليضع علامات استفهام حول إمكانية ترميم المعنى وإعادة جذوة النضال الشعبي وثقة الجمهور بقيادته وقواه السياسية.

التعليقات