23/04/2018 - 14:18

تحية لنتالي بورتمان... الفنّانة موقف

رغم إعلان نتالي بأنها لا تؤيد حركة المقاطعة لإسرائيل، الـ( بي دي إس)، ورغم أنني لا أذكر أي فيلم لها، لكن أسجّل احترامي لموقفها الأخلاقي، إذ عملت بقناعتها، ورفضت الوقوف على منصة يقف عليها بيبي نتنياهو، فهذه صفعة كبيرة له

تحية لنتالي بورتمان... الفنّانة موقف

منذ عقدين وأكثر، توقّفت عن متابعة أخبار السينما الأجنبية وفنّانيها، ونادرًا ما أشاهدها.

يبدو لي أن الأفلام الوثائقيّة والتقارير المصوّرة والتحقيقات سرقت وهج السينما، يوم كانت وسيلة الترفيه الأولى، وكانت تحمل الرسائل الإنسانية البسيطة الأولية، وهي الصراع الأبدي بين الخير والشر، فتحوّلت إلى وسيلة ترفيه شبه خالية من المضامين الإنسانية الأصيلة، بل صارت تعزّز قيم العنف، وخصوصا السينما الأميركية.

بتنا ندرك أن وراء صناعة السينما توجد أيادٍ مُحرّكة، كثيرٌ منها موالٍ للفكر والنفوذ الصهيوني، وقد عملت السينما الأميركية على مدار عقود طويلة على تشويه الإنسان العربي وتصويره في معظم أفلامها كإرهابي، أو غبي، أو حيوان جنس، ممكن شراؤه وخداعه بساق أنثى عارية، وعمومًا هي منحازة تمامًا للموقف الصهيوني في الصراع على أرض فلسطين.

منذ زمن وصلت إلى قناعة، بأن للسينما والمسلسلات الأميركية حصة كبيرة في انتشار العنف، على صعيد أميركا نفسها أولا ثم العالم كله، حيث يشعر المراهقون بأن إطلاق النار والقتل حدثٌ سينمائي عابر، وليس حدثًا يقضي على حياة بشر، فوجبات العنف التي قدّمتها السينما الأميركية على مدار عقود، تكفي لإبادة البشرية جمعاء، من أفلام إبادة الهنود الحمر إلى إبادة الأفارقة إلى إبادة الفيتناميين والصينيين والكوريين والألمان، إلى إبادة العرب والمسلمين، التي تحوّلت إلى صناعة معاصرة في جميع المجالات.

عجب، ونحن مكشوفون لعشرات الفضائيات التي تبث هذه الأفلام والمسلسلات (الأكشن)، أن يغلغل العنف في حياتنا اليومية.

إلى جانب هذا تراكمت تجارب سيئة مع معظم الفنانين الذين يبدّلون مواقفهم ومبادئهم، حسب العروض المالية التي تقدم لهم، من قبل مخرجين ومنتجين.

أشعر أن مواقف الفنانين مصطنعة، باستثناء قلة نادرة تتمسّك بمواقف إنسانية عميقة، وتعتبر الفن رسالة، هدفها الأسمى القيم العليا ومصلحة الإنسان، وليس النجاح والربح المادي والانتشار السريع على حساب مبدأ، أو موقف، قد يضرّ شعوبًا وليس أفرادًا فقط.

المُمثّل مثله مثل الكاتب والشاعر، يجب أن يكون صادقًا مع نفسه، لا يمكن أن تمثّل ضد دكتاتورية فرانكو في إسبانيا، ثم تقدم ولاءك لها في الحياة الحقيقية في بلد آخر، لا يمكن أن تمثّل ضد الاحتلال الفرنسي للجزائر، أو الياباني للصين، ثم تصمت عن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وتتعامل معها كأمر استثنائي ومختلف.

الفنانة نتالي بورتمان، يهودية ولدت في القدس، ثم انتقلت للعيش في أميركا، وهي يهودية تحترم يهوديتها، رفضت القدوم لتسلّم جائزة إسرائيل، التي تقدّم ليهود أبدعوا في مجالاتهم على مستوى العالم.

رفضتْ الجائزة كي لا تظهر كمؤيدة لسياسة نتنياهو، متأثرة بالأحداث الأخيرة على الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وطريقة التعامل مع المتظاهرين العزّل في مسيرات العودة.

رغم إعلان نتالي بأنها لا تؤيد حركة المقاطعة لإسرائيل، الـ( بي دي إس)، ورغم أنني لا أذكر أي فيلم لها، لكن أسجّل احترامي لموقفها الأخلاقي، إذ عملت بقناعتها، ورفضت الوقوف على منصة يقف عليها بيبي نتنياهو، فهذه صفعة كبيرة له، وللفكر الذي يمثلّه، حتى أن بعض أصوات فاشية في الكنيست، صارت تطالب بسحب الجنسية الإسرائيلية منها.

الأنظمة العربية المستبدّة تعلّمت مع مرور الزمن، أهمية الفن والفنان والكاتب والشاعر وصارت تهتم بـ"تكريمه"، والمقصود بالتكريم، في معظم الأحيان هو شراؤه وإسكاته، خصوصًا إذا كان ذا شعبية كبيرة، فالأنظمة مستعدة لتقديم جوائز مالية لهذه الفئة، كي تأمن "شرّ" فنّها، وغالبا ما تُجيِّرُ شعبية هؤلاء لصالحها، أما الفنان أو المثقف المعارض، فعادة ما يجري تجاهله، ووقف التعامل معه بهدف إفقاره وإخضاعه.

الأكثرية الساحقة من الفنانين والمثقفين العرب موالون للسلطات في بلدانهم، وعندما تظهر على أحدهم بوادر معارضة، يقدمون له جائزة ترضية وهي أقل بكثير من مليون دولار، قد تكون عشرة آلاف دولار أو حتى خمسة آلاف، وإذ به ينقلب رأسًا على عقب، وإذا رفضها سوف يعاقب عقابا شديدًا.

وعادة يصمت ويتجاهل ممارسات النظام، تحت حجج شتى.

لست ساذجًا، وأعرف الثمن الذي يدفعه الفنان والمثقف المعارض العربي الصادق في بلده، ولكن ماذا مع أولئك الذين يعيشون في فلسطين أو أوروبا وأميركا! أي أنهم غير قلقين على محاسبتهم أو سجنهم واغتيالهم من قبل أذرع الأنظمة، ولكنهم ينافقون من بعيد، لعل وعسى يعطف عليهم هذا النظام أو ذاك بجائزة أو بدرعٍ وإشهار وتقريظ!

كان بإمكان نتالي بورتمان، أن تأتي إلى القدس وتحصل على الجائزة، ثم تعلن قبل أو بعد تسلّم الجائزة بأنها تعارض سياسة بيبي نتنياهو، وتندّد بممارسات الاحتلال في قطاع غزة والضفة المحتلين، ولن يحاسبها أحد على ذلك.

لا أعرف أفلام نتالي، ولا أعرف مضامينها، ولا أستطيع أن أحكم عليها، رغم حصولها على جوائز سينمائية عدة، ولكن عندما ترفض الوقوف مع نتنياهو على منصة واحدة مقابل مليون دولار! حينئذ صار اعتراضها حقيقيًا، وله مصداقية ووزن كبيرين، وتستحق تحية كبيرة ومحبة لشخصها الكريم.

 

التعليقات