03/05/2018 - 14:04

أ. ب. يهوشواع بين نهاية حل الدولتين والأبارتهايد

خطة يهوشواع لا تختلف عن المخططات السياسية التي يسعى اليمين الإسرائيلي إلى ترجمتها على الأرض عبر سياسة الضم الزاحف، لكنه يحرص على ألا تبدو بصورة نظام الفصل العنصري - الأبارتهايد البشع.

أ. ب. يهوشواع بين نهاية حل الدولتين والأبارتهايد

أثار إعلان الكاتب أبراهام ب. يهوشواع الطلاق مع حل الدولتين غضب بقايا معسكر السلام الإسرائيلي الذي شكل هذا الأديب الإسرائيلي، حتى فترة قريبة مضت، أحد أركانه، فيما اعتبر المعلقون الإعلان حلقة أخرى في مسيرة تراجع هذا المعسكر وانكساره أمام المد اليميني الديني الاستيطاني الذي يجتاح المجتمع الإسرائيلي ويؤسس لنظام أبرتهايد.

وكان يهوشواع، إلى جانب ثلة من رجال الثقافة والفن والأدب والأكاديميا الإسرائيليين، بمثابة حزام الأمان الأخلاقي بمفهوم اليسار الصهيوني، وأحد القادة الروحيين، وشكل على مدى سنوات طويلة أحد الأعمدة الرئيسية لدعاة حل الدولتين، ولذلك لا غرابة في أن يُعتبر انسحابه بمثابة صك استسلام، بلسان عضو الكنيست من حزب العمل ستاف شفير، التي دعته إلى عدم إعلان الاستسلام باسم الجميع.

وأعلن يهوشواع، الذي كان قد اقترح منح الإقامة الإسرائيلية لـ100 ألف فلسطيني يسكنون في المناطق "جـ"، حسب تصنيفات أوسلو، بادعاء تخفيف أعباء وظلم الاحتلال عن كاهلهم، أعلن هذه المرة عن توجهه عبر مقال في صحيفة "هآرتس"، يُقرأ من عنواني حلقتيه "آن الأوان للانفصال عن حلم حل الدولتين" وإعداد "خطة وقف زحف الأبارتهايد".

ويدعي يهوشواع أنه كمن عمل بلا كلل من أجل حل الدولتين، على مدى خمسين سنة، يتضح له أنه في الوقت الذي يتحول فيه مفهوم "دولة فلسطينية" إلى مفهوم دائم سواء في الأجزاء الواسعة في الخطاب السياسي الإسرائيلي أو في أوساط معظم الدول (من الهند وحتى أفريقيا) فإن حلم الدولتين "لم يعد قابلا للتحقيق في الواقع، وبات يستخدم فقط كغطاء مضلل ومخادع للزحف البطيء وتعميق وجود الاحتلال الشرير والأبارتهايد القانوني والاجتماعي".

وفي ديباجة نظرية تاريخية طويلة، يرى يهوشواع أن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يختلف في جوهره عن الصراعات التي شهدها التاريخ وانحصرت عادة بالخلاف على الحدود، بأنه يمتد فيه الخلاف على كامل الأرض التي يتنازع الطرفان على السيادة عليها.

ضمن هذه الرؤية، هو يتفهم رفض الفلسطينيين القاطع لوعد بلفور، عام 1917، لأنه لم تكن لبريطانيا أية صلاحية أخلاقية بوعد اليهود بـ"أرض إسرائيل" (فلسطين التاريخية)، مثلما لا توجد لديه صلاحية أخلاقية بمنح كينيا للسنغاليين أو الهند للفلبينيين او أوغندا لليهود.

الأمر ذاته، برأي يهوشواع، ينطبق على قرار التقسيم، من عام 1947. فالأمم المتحدة، التي لا تملك هي الأخرى صلاحية أخلاقية أو قانونية لتقسيم بلاد معينة بين سكانها الأصليين وبين "شعب آخر جاء من الخارج"، وذلك استنادا إلى قاعدة إنسانية مفادها بأن البلاد تتبع لسكانها وليس لأي قوة احتلال أجنبية، وهي قاعدة تنطبق حتى على ألمانيا المجرمة والقاتلة بعد الحرب العالمية الثانية.

"لقد صدق الفلسطينيون"، كما يقول، "عندما رفضوا تقاسم البلاد مع اليهود عام 1917 وعام 1947. ففي عام 1917 عند إعلان بلفور كان في البلاد نصف مليون فلسطيني وكان في العالم 15 مليون يهودي، وعام 1947 كان في فلسطين 1.3 مليون فلسطيني و600 ألف يهودي. ولكن كان ينتظر في الخارج 12 مليون يهودي بعضهم من لاجئي الكارثة وبعضهم مرعوبين من حجم العدوانية التي مورست ضدهم في الحرب العالمية الثانية ووحشيتها".

وعليه فهو يرى أن معارضة الفلسطينيين لقرار الأمم المتحدة الذي طلب منهم تقسيم بلادهم وإعطاء نصفها لشعب، كانت واضحة وطبيعية، حتى لو أن الشعب الآخر كان قد عاش بها قبل ألفي سنة ولكنه انتشر من وقتها في جميع أنحاء العالم.

شعب آخر كان سيتصرف مثل الفلسطينيين ويمزق القرار إربا إربا، وحتى العشرة ملايين سويدي المشبعين بالقيم الإنسانية السامية ما كان يخطر ببالهم أن يقوموا بإعطاء جزء من بلادهم الشاسعة لكي يقوم اليهود اليائسون والمهانون بترميم أنفسهم في قطعة أرض خاصة بهم".

ويشير الأديب الإسرائيلي إلى أن اليهود الذين بلغ عددهم في العالم مليونين ونصف المليون نسمة في مطلع القرن التاسع عشر، سكن عشرة آلاف منهم فقط في فلسطين. وللمقارنة، فقد سكن في أفغانستان 40 ألف يهودي وفي اليمن 80 ألفا وفي بولندا مليون يهودي، وبعد مئة عام، أي عند إعلان بلفور عام 1917، كان عدد اليهود في فلسطين 50 ألفا فقط من بين 14.5 مليون يهودي في العالم

ويلفت يهوشواع الانتباه إلى أن يهود العالم العربي، الذي كان ضمن حدود الإمبراطورية العثمانية، لم يفكروا حتى بالانتقال إلى فلسطين، رغم سهولة الانتقال في إطار حدود الدولة الواحدة، مشيرا إلى أن عدد اليهود المذكور في إحصائية 1917 أي عشية الاحتلال البريطاني يشمل الهجرات اليهودية الأوروبية.

وبانتقاله الى واقع اليوم، الذي خلقه الاحتلال والاستيطان، يستنتج في ضوء المعطيات الديمغرافية والسياسية أن التوصل إلى انفصال يقود إلى دولتين مستقلتين بات أكثر صعوبة وتعقيدا، وأن هناك من يرى بهذا التصور مجرد وهم يتم بواسطته إسكات الضمير، بينما يتم الاكتفاء حاليا بالمسرحيات والأفلام والروايات التي تنتج حول القضية الإسرائيلية الفلسطينية.

وهو يرى بالأفكار التي تطرح في الآونة الأخيرة بين أوساط معسكر اليمين وبين أوساط معسكر السلام حول الكونفدرالية والفدرالية، على غرار "دولتان ووطن واحد" وغيرها تطورا إيجابيا في الجمود الفكري الذي أصاب أجزاء واسعة من الجمهور الإسرائيلي وأوساطه السياسية المختلفة.

"وبغض النظر عن القنابل التي قد تنفجر بك عند طرح أي فكرة جديدة"، كما يقول، "فان حالة الأبارتهايد المتنامية والآخذة بالتجذر هي أخطر بكثير، لأن اقتلاعها بعد حين سيصبح من الصعب بمكان".

ويبني يهوشواع تصوره على "النموذج الناجح نسبيا"، برأيه، للتعايش بين اليهود و"الفلسطينيين الإسرائيليين"، كما يسميهم، والذي ما زال صامدا منذ 70 عاما رغم الزلازل الصعبة التي مرت على الجانبين خلال تلك الفترة، مثل الحروب مع الدول العربية والاحتلال بعد الـ67 والانتفاضات والحكم العسكري ومصادرة الأراضي.

وهو يرى أن المواطنة التي أعطيت للفلسطينيين في إسرائيل، في الـ48، شكلت أرضية صلبة لعلاقات الأغلبية والأقلية في الدولة اليهودية التي تعيش فيها اليوم أقلية قومية كبيرة غير إقليمية تشكل 20% من السكان.

وبنظرة موضوعية في الحكم على هذه التجربة يرى انه حتى قاض أجنبي مشبع بالأخلاق الإنسانية السامية كان ليعطي للطرفين اليهودي والعربي في إسرائيل علامة عالية بسبب حكمة التعايش الذي طوروه خلال 70 عاما من عمر إسرائيل.

ويسعى يهوشواع وإن بشكل تدريجي إلى سحب هذا النموذج على الضفة الغربية دون قطاع غزة، الذي يعتبره منطقة سيادية فلسطينية مسلحة كما يجب وتدار من قبل حكومة مستقلة ولها معبر حدودي مع مصر ومنه إلى العالم، على حد ادعائه، ربما للحفاظ على بعض التوازن الديمغرافي بإخراج مليوني فلسطيني من المعادلة، وربما انسجاما مع توجه اليمين الإسرائيلي والتغيير من داخله،

ويطرح يهوشواع خطة تقوم على مجموعة نقاط أساسية يمكن تلخيصها بالتالي:

إبقاء سيطرة إسرائيل الكاملة على الحدود الشرقية مع الأردن إلى جانب منح الإقامة لسكان الضفة الغربية، على غرار سكان القدس، وبعد خمس سنوات منحهم جنسية مشمولة بالحقوق والواجبات المشتقة منها.

السماح مبدئيا بحرية الحركة للفلسطينيين داخل إسرائيل، كما هو حال سكان القدس وقسم كبير من سكان الضفة اليوم.

تحويل نظام الحكم في البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي وانتخاب الرئيس في انتخابات عامة، على غرار الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم، بهدف تقليص تبعية السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية.

تقسيم البلاد إلى ألوية، بحيث يرسل كل لواء مندوبين اثنين إلى المجلس (البرلمان) الأعلى بغض النظر عن عدد سكانه (على غرار الولايات المتحدة) ويتم إعطاء صلاحيات أوسع للألوية في مجال الإدارة الداخلية والقوانين البلدية والتربية والثقافة والأديان.

تغيير طريقة الانتخابات للمجلس السفلي من انتخابات نسبية إلى انتخابات منطقية لإعطاء أهمية اكبر للمناطق على غرار بريطانيا ودول أخرى.

دمج القوى الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، التي يقوم "تنسيق أمني معقول" معها اليوم، بالقوى الإسرائيلية وشرطة مشتركة.

يكتب في هوية المواطنين الفلسطينيين الجدد "الفدرالية الاسرائيلية الفلسطينية" في حين تكون الحقوق والواجبات المشتقة منها مماثلة للهوية الإسرائيلية.

يتم عرض إمكانية حقيقية نشطة وكريمة لتوطين اللاجئين في تجمعات فلسطينية جديدة أو عبر توسيع تجمعات قائمة.

يبقى قانون العودة الإسرائيلي (لليهود فقط) كما هو ولكن بتعامل أكثر شدة في التنفيذ، ولا يسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين من خارج البلاد إلا من خلال إطار مشدد للم شمل العائلات.

ويمكن الملاحظة ان الخطة تقوم على عزل القطاع ودمج الضفة ودفن حق العودة، بينما تبقى العودة إلى إسرائيل حق ليهود العالم، وهي في هذا السياق لا تختلف عن المخططات السياسية التي يسعى اليمين الإسرائيلي إلى ترجمتها على الأرض عبر سياسة الضم الزاحف، اللهم أن يهوشواع يحرص على ألا تبدو تلك المخططات بصورة نظام الفصل العنصري - الأبارتهايد البشع.

التعليقات