29/05/2018 - 15:30

العنف والسلاح والوجه الحسن..

واقعنا سيئ، ويجب أن نحسّنه ولدينا إمكانية فعل ذلك، وعلى رأس هذه الوسائل، أن نوجّه غضبنا إلى السلطة العنصرية الغاشمة، وأن نتوحد في مواجهتها، وأن لا نسمح للصغائر بأن تشغلنا عن القضية الأساسية

العنف والسلاح والوجه الحسن..

قبل يومين، فقد أحدهم حوالي 130 ألف شيكل أكثرها نقدًا، وهي حصيلة تجارة ما، لأحد أبناء بلدي، وما لبث أن أعلن أحدهم دون أن يعلن عن اسمه، بأنه عثر على المبلغ، ويطلب من صاحبه أن يأتي لاستلامه.

سهرة عند صديق تحدثنا عن جمال وقيمة هذه الحادثة، فتحدث آخر، وقال إنه اقتنى سيارة من شخص ما، وبعد أيام قرّر غسلها، وأثناء تنظيفها عثر تحت مقعد السائق على مبلغ عشرين ألف شيكل، ذهب إلى صاحب السيارة الأول، وسأله إذا ما كان قد فقد شيئا؟ فأجاب بأنه فقد عشرين ألف شيكل، وداخ في البحث عنها، ولا يدري أين وضعها في لجّة عرس ابنه. فأعاد له المبلغ المفقود.

أن تتصوروا فرحة اللذين عاد إليهما مالهما، كذلك فرحة أولئك الذين أعادوها، وكم من المشاعر الإيجابية التي تبثها مثل هذه الصور الاجتماعية، وهي كثيرة.

يتضرر بيت ما نتيجة حريق أو ما شابه، فيهبُّ الناس لمساعدة هذه الأسرة، وترميم بيتها، ويعوضوها خسارتها خلال أيام.

ينجح طالب في الحصول على شهادة ما في موضوع ما، فيفرح به ذووه، وترى مئات التهاني القلبية له ولأسرته والمباركات بالتخرج، حتى ممن لا يعرفهم.

يجتهد فريق في كرة القدم أو السلة وغيرها، أو شخص ما في مجال الفن، فترى الناس يدعمون ويتبرعون بسخاء.

تعلن حملة لجمع المال لشراء مواد طبية لقطاع غزة، فترى الناس يهرعون للدفع، رغم كل الشكوك التي تدور حول إمكانية وصول هذه المواد إلى العنوان الصحيح، أم لا.

يعلن أحدهم حاجته لفصيلة ما من الدم، فترى المئات يصطفون ليتبرعوا بالدم.

رمضان الكريم، تخرج حافلات يومية من كل بلدة ومدينة عربية إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه، في هذا الشهر الفضيل، والحافلات على حساب الأسر العربية، وخصوصًا الجيل الشاب.

أن يفتح باب الصدقات والتبرعات والفُطرة والزكاة، حتى تسمع عن مبالغ كبيرة تُجمع خلال أيام.

تدخل المستشفى لعيادة مريض يخصّك، وإذا بك تنتقل من قسم إلى قسم لزيارة جميع أبناء البلدة، في كل الأقسام، وتتحول إلى زيارات متبادلة بين جميع ذوي المرضى وأصدقائهم.

الوجه الحسن لشعبنا يلقى جانبا، يحجبه خبر سيّئ، ثم يتحول الأمر إلى جلد للذات، فنصبح الأمة الأسوأ والأكثر إجرامًا، أمة اللصوص والاغتصاب والفوضى والقتل، نشتم ونلعن أنفسنا، ونضخّم أعمال الخير التي يقوم بها غيرنا من الأمم، ونقلل من قيمة أعمال الخير التي يقوم بها أكثرنا.

لا شك أن هناك ارتفاعا ملحوظا بنسبة العنف في مجتمعنا، ويكفينا بضع عشرات من الجهلة الأشرار حتى يعكّروا صفاء المجتمع ويخربوا إنجازاته.

من ناحية أخرى لا نستطيع أن نتعامى عن أن السلطة بكل أذرعها تتعامل معنا بعدائية، هذا ما نلمسه في كل يوم ومناسبة، ومن إهمال للسلاح غير المرخص، وعدم الجدّية في التعامل مع جرائم القتل في مجتمعنا، سواء جرائم قتل نساء أو غيرها.

واضح لنا أن هناك سياسة رسمية تريد لنا أن نعيش في جحيم الفوضى، سياسة تندرج في رؤية الدولة اليهودية لنا، فهذه وسيلة تيئيس لكلِّ فرد فينا، لحملنا على الانشغال ببعضنا البعض عن القضية الأساسية الكبيرة، وهي قضية تكريس كوننا أقلية مهمّشة غير مرغوب ببقائها في وطنها، ودفع أبنائنا على التفكير بالهجرة عن هذا الوطن، ودفع فئات كبيرة للاستسلام، والبحث عن حلول فردية مثل الخدمة العسكرية والوطنية، وإهمال الشأن الفلسطيني والقومي العام.

كذلك فهم يحاولون دق الأسافين بين شعبنا وممثليه، فأول كلمات يتفوه بها المسؤولون وفي كل مناسبة أن ممثلي الجمهور العربي لا يمثلونه!

كأن ممثلي الجمهور العربي هم العائق أمام رفع الميزانيات وتوسيع الخرائط الهيكلية، وهم الذين يعيقون زيادة عدد الموظفين في الشركات والمؤسسات الحكومية، وهم من يمنعون جمع السلاح غير المرخص.

الخلافات بين جزء كبير منا، وبين ممثلي الجمهور العربي، وعدم رضا كثيرين منا عن أداء هؤلاء، وتمسك بعضهم بالصغائر، ولكن الذي يتحمل مسؤولية وضعنا هي مؤسسات الدولة التي تمارس التمييز العنصري ضدنا في كل مجالات الحياة، بشكل منهجي مدروس.

بلا شك أن حوادث العنف والإهمال وما يدور حولنا في الدول العربية من انهيارات سياسية، باتت سببا في الشعور بالضياع والإحباط لدى كثيرين، ولكنه شعور تغذيه أرواح هابطة ونفوس ضعيفة تستمتع بجلد ذاتها.

واقعنا سيئ، ويجب أن نحسّنه ولدينا إمكانية فعل ذلك، وعلى رأس هذه الوسائل، أن نوجّه غضبنا إلى السلطة العنصرية الغاشمة، وأن نتوحد في مواجهتها، وأن لا نسمح للصغائر بأن تشغلنا عن القضية الأساسية.

أن نرفض عزل أنفسنا عن قضيتنا الكبيرة، فما يجري عندنا غير منفصل عما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والشتات الفلسطيني، فالمخطط الاقتلاعي يشمل الجميع، ويجب أن نستنهض المشاعر الوطنية والهمم التي توحدنا كشعب، وأن لا نستسلم لتقسيمنا كتجمعات جغرافية وبيئية مختلفة.

عدم الفصل بين الاجتماعي والسياسي، فالعنف المنتشر وفوضى السلاح هي نتيجة لسياسة مرسومة وليس صدفة.

فليبدأ كل واحد منا بنفسه وبأبناء بيته، بأن نعمم ما هو خير ونبرزه، وأن نكف عن جلد الذات المَرَضي، وإعطاء كل قضية حجمها الصحيح، وأن لا نفصل معاناتنا كعرب 48 عن معاناة بقية أبناء شعبنا، فالمصير واحد، وقضايانا لا تتجزأ، وأن نرفض لعبة دق الأسافين وتشتيت القوى، وعلى هذا الأساس، يجب أن يكون نضالنا متناسقًا ومتناغمًا بين الاجتماعي والسياسي، وكذلك بيننا وبين جميع أبناء شعبنا في مواجهة الاحتلال والاستعمار الكولونيالي العنصري البغيض، فالقضية واحدة والمصير واحد.

التعليقات