06/06/2018 - 10:52

"أقتل وازنِ ولكن لا تترك الصّلاة"

الاحتلال والاستبداد في نهاية المطاف لا يميز بين معتدل ومتطرف، ولا بين علماني أو متدين، إلا من خلال تكتيكات سياسية وتحالفات آنية لخدمة استراتيجية تبقي على سلب حقوق الشعب الفلسطيني وحرمانه من وطنه إلى الأبد

عن واتس أب، عن فيس بوك، عن يوتيوب، عن شيخ يخطب بلسان فرنسي، في شريط حظي بتداول كبير بين الناس، وأما سبب الإقبال عليه، فهو ما يقوله هذا الشيخ، "اقتل ولا تترك الصلاة، إزنِ ولكن لا تترك الصلاة، إسرق ولكن لا تترك الصلاة، إكذب ولكن لا تترك الصلاة"، ليتحوّل شريط هذا النكرة المعتوه، إلى شريط مطلوب، يحظى بمشاهدة الآلاف في اليوم واحد.

معظم من ينقلون مثل هذه الأشرطة، يقصدون إظهار مدى التطرف والهذيان الذي وصل إليه البعض، وبحسن نية في غالب الأحيان. ولكن في مستنقعات الشبكة العنكبوتية الملوّثة يتكاثر الباعوض والطفيليات، فينقله البعض إلى صفحاتهم مع مقدمات بتساؤل استنكاري مثل: "أهذا هو الإسلام؟"، "أهذا هو دينكم؟". "إذا كان هذا دينكم فأنا كافر!إلى الجحيم أيتها الدواعش".

ومثل هذا الشريط ليس وحيدًا، فهناك مئات وآلاف الأشرطة لشيوخ من مختلف المذاهب الإسلامية، بعضها يثير السخرية والضحك، بسبب ما يبلغه من شطط، خصوصا عند الحديث عن معجزات بعض الأئمة. ولكن بعضها ليس مضحكًا، بل هو خطيرٌ ويُنشرُ بقصد وسبق إصرار، ضمن برنامج إعلامي منهجي لشيطنة المسلمين، وإلصاق صورة التطرف والإجرام فيهم.

فما معنى "اقتل ولكن لا تترك الصلاة"، عندما ينطقها شيخ باللغة الفرنسية؟ ما هو الاستنتاج الذي يستنتجه من يسمع هذا الكلام من فرنسيين وغيرهم من الأمم؟ هذا يعني أن الدين الإسلامي يدعو للقتل. وعمليا هذه دعوة لعدم الثقة بالمسلمين والابتعاد عنهم ونبذهم والنظر إليهم كمخلوقات شريرة، غير متسامحة، بل ومستعدة للقتل باسم الدين.

ألا يهدف من ينشر هذا في نهاية الأمر إلى التعاطف مع من يدّعون محاربة الإرهاب الإسلامي؟

قبل أيام صرّح أحد مسؤولي الموساد السابقين، أن هناك من يعملون لصالح الموساد، دون أن يعلموا من هي الجهة التي يخدمونها.

أعتقد أن مثل هذا الشيخ المعتوه، يشكل نموذجًا لهذه النوعية التي تعمل لصالح الموساد دون أن تدري. فماذا يريد الموساد خدمة أكبر من تشويه المسلمين والإسلام بهذا الشكل الخطير؟ فما يقوله هذا الشريط هو إن القتل الذي يمارسه إرهابي مسلم هنا وآخر هناك، ليس حالة فردية طائشة، بل هو نابع من صلب العقيدة الإسلامية.

بلا شك أن هذا يؤدي إلى كراهية الأمم للمسلمين، والنظر إليهم كقتلة بدوافع وقناعات دينية، وبالتالي منح شرعية لمعاداتهم، وتجاهل معاناتهم، ومن ثم الوصول إلى نتيجة، أن إسرائيل تواجه في فلسطين متطرفين وقتلة، وليس حركة تحرر وطني. كذلك فإن شريطا كهذا يبرّر للأنظمة العربية وحلفائها الجرائم التي ترتكبها بادعاء محاربة التطرف الإسلامي، وتُفهم على أنها دفاع عن الحرية والقيم الجميلة، أمام عقلية مجرمة يمثلها هذا الشيخ العميل الهامل.

هناك مثقفون من العرب ومن المسلمين يرفعون راية التنوير والتقدم، ولكن عند الحديث عن الإسلام يلتقون تلقائيًا مع الدعاية المشوِّهة، يجدون أنفسهم مع بنيامين نتنياهو وترامب والأنظمة الاستبدادية، وذلك من خلال نشر مقولات أو فيديوهات انتقائية وتعميمها، علما أنها حالات فردية ساقطة، من أناس منحرفين، أو من إعداد أجهزة مخابرات.

أصبح بقدرة كل إنسان إطلاق لحية وتسجيل خطبة ونشرها بدون أية عوائق.

المؤسف أن بعض المثقفين المتنوّرين هبطوا من النقاش الموضوعي والحجج الفلسفية في نقد الدين، وهذا مشروع جدًا ومطلوب، إلى منشورات انتقائية تافهة، لمثل ذلك الشيخ المعتوه. يوزعون شريطه على الواتس أب والفيس بوك والمسنجر، وكأن هذا يمثل تيارًا إسلاميا أساسيًا، علمًا أنه نكرة، لا يعرفه سوى مشغليه من أجهزة المخابرات، وقد يكون غير مسلم أصلا وفصلا.

توجد خطب وفتاوى بلا أي منطق، ومنها ما هو متطرف جدًا وإجرامي، وبلا شك أن بين المسلمين تجارًا في الدين، وليست فراخ عمرو خالد الوطنية سوى نموذج لهذه التجارة ، مثل أي تجّار في ديانات أخرى. فكل ديانة فيها ما يكفيها من الخزعبلات والمتطرفين ومستغلّي الدين لأجل مصالح دنيوية لا علاقة لها بالإيمان، ولهذا ليس من العدل أيها المثقفون التعميم، وتحويل حالات فردية كأنها من صلب الإسلام. عليكم أن تفهموا أن الاحتلال والاستبداد في نهاية المطاف لا يميز بين معتدل ومتطرف، ولا بين علماني أو متدين، إلا من خلال تكتيكات سياسية وتحالفات آنية لخدمة استراتيجية تبقي على سلب حقوق الشعب الفلسطيني وحرمانه من وطنه إلى الأبد، وتحرم الشعوب العربية التخلص من الاستبداد، ومن العدل والحرية المنشودة، وتعيق لحاقها بركب الحضارة.

التعليقات