07/06/2018 - 15:39

إسرائيل: بين المقاطعة وتصدير الأمن

رغم اتساع ظاهرة المقاطعة لإسرائيل، كما برز في قرار المنتخب الأرجنتيني بإلغاء المباراة مع المنتخب الإسرائيلي، ورغم الخلافات بين قادة الدول الأوروبية الكبرى ونتنياهو، إلا أن إسرائيل تعتمد حاليا على العلاقات الاقتصادية وتزويد الأمن للغرب

إسرائيل: بين المقاطعة وتصدير الأمن

أثار قرار المنتخب الأرجنتيني لكرة القدم نشوة لدى الفلسطينيين خصوصا، وأوحى بأن إسرائيل تخضع لمقاطعة دولية. وفي المقابل، يتبين من التقارير الصحفية أن جولة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأوروبية الحالية باءت بالفشل، بعد أن عبّر زعماء الدول التي زارها، ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، عن قلقهم من مجازر دولة الاحتلال في غزة، وعن تمسكهم بالاتفاق النووي مع إيران ورفضهم مطالب نتنياهو بإلغائه.

فيما يتعلق بمقاطعة إسرائيل، لا يبدو أن قادة دولة الاحتلال متأثرون من هذه المقاطعة رغم غضبهم من خطوة المنتخب الأرجنتيني. ويمكن القول أيضا إن القيادة الحالية في إسرائيلية اعتادت خطوات مقاطعة كهذه، بل أنها تترقب مقاطعة مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن)، التي على ما يبدو ترفض إجراء المسابقة في القدس المحتلة، العام المقبل. وسبق ذلك، لأسباب سياسية أيضا، إلغاء فنانين عالميين، مثل المغنيتين لورد وشاكيرا، لحفلهما في إسرائيل. كذلك فإن العديد من شبكات التسويق الأوروبية تزيل منتجات المستوطنات، في الضفة الغربية وهضبة الجولان المحتلتين، عن رفوفها.

وتحاول بعض الجهات السياسية والإعلامية في إسرائيل أن تلعب دور العقلانيين، بأن اعتبرت أن نقل المباراة بين المنتخبين الأرجنتيني والإسرائيلي من حيفا إلى القدس فقط، كان السبب من وراء القرار الأرجنتيني. في المقابل، كعادتها، راحت الحكومة الإسرائيلية، على لسان وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغف، تبرر قرار المنتخب الأرجنتيني بتهديد نجم المنتخب، ليونيل ميسي، وممارسة "الإرهاب الفلسطيني" ووصف الفلسطينيين بـ"المخربين". ورغم الانتقادات التي وُجهت إلى ريغف، إلا أن تصريحاتها كانت بارزة للغاية في المشهد الإعلامي الإسرائيلي، بدون استثناء.

في موازاة ذلك، بدت جولة نتنياهو الأوروبية كأنها فاشلة، في أعقاب تعبير كل من المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، عن معارضتهم لمواقف نتنياهو وحكومته فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وللمجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة خصوصا، كما برز الخلاف العميق حول الاتفاق النووي.

لكن مواقف القادة الأوروبيين الذين التقاهم نتنياهو معروفة ومعلنة من هذه القضايا، وصرحوا بها مرارا وتكرارا، ومن المؤكد أن نتنياهو ووزارة الخارجية الإسرائيلية تابعتها وتعرفها جيدا. لذلك، فإن هذه القضايا، التي أعلن نتنياهو شخصيا أنه سيطرحها أمام القادة الأوروبيين في جولته الحالية، لم تكن، على الأرجح، هي السبب التي كلف نفسه عناء السفر من أجلها، خاصة وأنه يعلم أنه لن يحقق شيئا بشأنها.

ولا شك في أن نتنياهو سعى إلى تحقيق أمور أخرى، اقتصادية وأمنية. وفي المجال الاقتصادي، ذكر تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، هذا الأسبوع، أن الميزان التجاري بين إسرائيل وبريطانيا، على سبيل المثال، قد ارتفع بشكل كبير مؤخرا، وأن بريطانيا باتت ثاني مستورد للبضائع الإسرائيلية بعد الولايات المتحدة، وأنه في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستكون إسرائيل واحدة من أهم عشر دول تتعامل معها بريطانيا في الناحية الاقتصادية، خاصة في مجال التكنولوجيا والهايتك والتحديث.

أما في المجال الأمني، فالعلاقات بين إسرائيل وهذه الدول الأوروبية الكبرى الثلاث هي أعمق وأخطر. إذ أن الإنتاج الأمني الإسرائيلي المُصدّر للغرب ينقسم إلى قسمين، السلاح والمعلومات الاستخبارية. ورغم أن هذه الدول الأوروبية الثلاث متطورة جدا، إلا أنها تحتل مكانا كبيرا في لائحة زبائن الصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية. والأخطر من ذلك، هو أن إسرائيل هي مزودة معلومات استخبارية هامة بالنسبة للغرب عموما. فمن جهة، هذه الدول، وخاصة بريطانيا وفرنسا، متورطة بشكل عميق في الصراعات في الشرق الأوسط، ومن الجهة الأخرى، وقعت هجمات إرهابية في أراضيها. وخطورة المعلومات الاستخباراتية التي تزودها إسرائيل للغرب يكمن في تشويه حقائق وخلط الحابل بالنابل، بهدف تشويه صورة الشرق. ويكفي الإصغاء إلى الخطاب الإسرائيلي، وخاصة ضباط الاستخبارات، حول "إرهاب التنظيمات الإسلامية" من أجل التأكد من ذلك، فهي تضع حركات ومنظمات مقاومة في هذه الخانة أيضا.

اللافت في كل ما تقدم هو عدم اكتراث الإسرائيليين بالمواقف والقرارات الدولية، ويعتبرون أنهم فوق القانون، ويحاولون تسويق ذلك دون نجاح، ويصفون الانتقادات ضد ممارساتهم بأنه مسعى لنزع الشرعية عن إسرائيل، ناهيك عن الخلط بين العداء للسامية ومناهضة ممارسات إسرائيل كونها دولة احتلال.

وفيما يتعلق بالمقاطعة، حذرت دراسة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، العام الماضي، من أنه في الوقت نفسه يتعين على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان أنه مثلما شكل الاعتبار الاقتصادي وحده محفزا لدفع صفقات تجارية مع دول أجنبية، فإن "من شأنه أيضا أن يكون في المستقبل السبب في لجمها" مع اتساع ظاهرة المقاطعة.

التعليقات