20/06/2018 - 15:34

السبب الحقيقي للعنف في مجتمعنا...

غياب الهدف القومي الجامع لدى أكثر فئات الناس، أحدث فراغًا هائلا، فالحاضر غير مُطَمئِن والمستقبل غامض، ولا أحد يستطيع أن يعطيَ إجابة شافية إلى أين نحن ذاهبون، فلا يوجد مشروع متبلور في وعي الأكثرية

السبب الحقيقي للعنف في مجتمعنا...

بعد موجة العنف التي شهدناها خلال أيام العيد، في عدة أماكن، وبين أناس يفترض أنهم شعب واحد يعيش أجواءً احتفالية، أثيرت تساؤلات كثيرة وبحق، حول الأسباب الكامنة وراء هذا العنف، وهل يمكن التغلب على هذه الظاهرة؟ أم أنها ستتفاقم أكثر وأكثر كما يقول متشائمون؟!

كثيرون يركّزون على الجانب التربوي والاقتصادي، وبلا شك أنهما جانبان مهمّان جدًا، ولكن باعتقادي أن القضية أعقد من أن نصنّفها فقط في خانة الفشل التربوي والوضع الاقتصادي الضاغط.

هناك من يزعم أن نسبة العنيفين ضئيلة، والحقيقة أنها ليست ضئيلة، فهناك دول تعد عشرات الملايين من البشر، ولا يحدث في أعيادها هذا العدد من الاشتباكات، وإذا حدثت، فإنها تبقى فردية، ولا تتسع لتشمل معظم المتواجدين في مكان عام.

مجتمعنا يعيش حالة من الفراغ والسطحية، وفقدان المعنى، وغياب الهدف الذي يجتمع حوله أي شعب، والذي يمثل قيمة عليا نلتف حولها، ونسعى من خلالها إلى تحقيق هدف جماعي نبيل.

غياب الهدف القومي الجامع لدى أكثر فئات الناس، أحدث فراغًا هائلا، فالحاضر غير مُطَمئِن والمستقبل غامض، ولا أحد يستطيع أن يعطيَ إجابة شافية إلى أين نحن ذاهبون، فلا يوجد مشروع متبلور في وعي الأكثرية، ولا نعرف ما الذي نريده بالضبط، ولا ما يخطط لنا، فكأننا محايدون، ولكن المعركة تدور ضدنا.

بعضنا يتحدث عن المشروع الفلسطيني كأنه يخص شعبا في جنوب شرق آسيا، والبعض يتحدث عن السلام والمساواة بشكل طوباوي، وكأن هذه القيم ستهبط علينا لمجرد تكرار المطالبة بها من دون تضحيات تذكر، أو من خلال، تقديم ورقة في الكنيست، الأمر الذي تحول إلى كلاشيهات غير مقنعة وغير شافية.

غياب المشروع الوطني الواضح حوّل أولويات الناس إلى الوظائف والشهادات والتحصيل المالي، وهذا السباق أو الصراع بحد ذاته يسبب توترًا وضغطًا، لأن المال المنشود ليس سهل المنال، والفشل يكون مُحبِطا لدى كثيرين من الشباب، الذين قد يلجأون إلى وسائل غير شرعية لتحصيله.

السباق محموم في جمع المال على اعتبار أنه الملاذ والأمن، أضعف رابطة التراحم بين الناس، وهذا يؤدي إلى استسهال الاشتباك العنيف مع الآخر، بغض النظر عن النتائج، وذلك أن الرابط القومي والوطني المشترك بات ضعيفا، والذي يفترض أن يجعل الناس يترفعون عن الصغائر والخلافات التافهة، لصالح الهدف الأسمى.

فلننتبه مثلا أن فريقًا لكرة القدم، قد يوحّد فئات واسعة تؤيده، وقد نجد فيه الرابط الذي يجمع فئات كثيرة من الناس بعضها ببعض، فيترفعوا عن الخلافات الشخصية فيما بينهم، وقد يصطلح بعضهم خلال مباراة كرة قدم بعد قطيعة طويلة، وذلك لوجود هدفٍ ما يوحّدهم.

غياب المشروع الوطني، أضعف الروابط الاجتماعية بين الناس، وجعلهم ينظرون بريبة وشكوك إلى المحيطين بهم، واستبدلت المشاعر الوطنية الجامعة بالإنجازات الفردية.

كثيرون يزعمون أن أعداد المصلين في تزايد مستمر، ورغم ذلك فالعنف في تفاقم، هذا صحيح، ولكن أيضا أصحاب الشهادات والألقاب الأكاديمية في تزايد كبير، وصار لدينا في كل قرية مئات الأكاديميين، ورغم هذا فالعنف في تفاقم.

بلا شك أننا لا نستطيع إهمال التربية، فالبيت هو المدرسة الأولى، ولكن حتى البيوت المسالمة تجد نفسها فاقدة للسيطرة خلال هذا الصراع المتوحش على المكاسب المادية.

أكثر مشاكل مجتمعنا مشتركة ومتشابهة، إلا أن فقدان المشروع القومي والثقة بقادة هذا المجتمع، يفتح المجال واسعاً أمام الأنانية ومحاولات الخلاص الفردية، وتعويض النقص في دور السلطة الحاضنة أو المشروع الوطني ببدائل أخرى، مثل التسلّح غير المرخص لفرض الهيبة الشخصية على المحيط، وللدفاع عن النفس في واقع معقّد، والربح المادي كخلاص فردي من مأزق الحياة، وانتفاخ الأنا على حساب الكل، وهذا ما جعل فئة واسعة من الشبان مادة قابلة للاشتعال السريع، والاستعداد للصدام دون تفكير بالنتائج، وصار البعض يرى بقضية تافهة جدًا كأنها مواجهة مصيرية على كرامته وكبريائه، وذلك بعد انخفاض سقف الكرامة والكبرياء العام.

بغياب الهدف الجماعي النبيل، نشأت حالة من العبث وعدم الاكتراث واللامبالاة والاستهتار بالقيم، وحتى بقيمة الحياة نفسها، ولهذا أصبح استعمالنا للعنف ضد بعضنا البعض أكثر سهولة، وذلك أننا لا نرى بالإنسان الذي يقابلنا شريكا في الهم، بل نراه جانحًا أو منافسًا معتديًا على مجالنا الحيوي، فنتصدى له ونحقد عليه.

الخلاصة أننا لا نستطيع فصل العنف عن واقعنا السياسي المتردّي، ولن نوقف هذه الآفة ونحاصرها، إلا إذا تمكنا من تحديد هدف قومي مشترك للجميع، نسعى معاً لتحقيقه، بحيث تأخذ قيمة الإيثار والتضحية مكانها، حينئذ سوف تختلف نظرة كل واحد منا إلى الآخر، وسنرى بعضنا البعض كشركاء في المصير، وسوف تتسع مساحة التسامح والتفاهم والمحبة أكثر مما نراه الآن، وسنكون أقوياء في مواجهة الشاذين الذين يحلمون لمجتمعنا بالدمار، بل وننقذهم ونساعدهم في العودة إلى أنفسهم وإلى الطريق القويم.

 

التعليقات