عملية صنع قرار حرب حزيران/ يونيو 1967 في إسرائيل

زادت إسرائيل من قوتها العسكرية زيادة كبيرة جدًّا في السنوات الأربع التي سبقت حرب حزيران. فإضافة إلى السلاح الفرنسي الذي استمرت إسرائيل في الاعتماد عليه حتى حرب حزيران، ولا سيما طائرات الميراج، بدأت الولايات المتحدة الأميركية في العام 1962.

عملية صنع قرار حرب حزيران/ يونيو 1967 في إسرائيل

(نشرت هذه الدراسة في مجلة سياسات عربية، العدد 26، الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)


تدعي الرواية الإسرائيلية الرسمية أن حرب حزيران/ يونيو 1967 اندلعت من دون أن ترغب فيها إسرائيل ومن دون أن تخطط لها سلفًا، ولكن المعلومات الدقيقة والتفاصيل الكثيرة المتناثرة فيما صدر بالعبرية من كتب ومذكرات ودراسات ووثائق إسرائيلية؛ ترسم صورة مناقضة تمامًا لهذا الادعاء. تعالج هذه الدراسة عملية صنع قرار حرب حزيران/ يونيو في إسرائيل، ليس فقط من خلال متابعة قرارات الحكومة الإسرائيلية، وهي المؤسسة المخولة رسميًا وقانونيًا اتخاذَ قرار الحرب، بل من خلال متابعة موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ودورها الحاسم في عملية صنع قرار الحرب تخطيطًا وتصعيدًا؛ فقد سعت المؤسسة العسكرية لخلق الفرصة المواتية لشن الحرب ورفضت أي حل سلمي للأزمة، واستعملت مختلف أشكال الضغط على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ هذا القرار. وتقف الدراسة على عوامل تأثير المؤسسة العسكرية في قرار حرب حزيران/ يونيو، والخطط العسكرية التي وضعتها هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي بغرض توسيع حدود إسرائيل.

مقدمة

إن عملية صنع قرار الحرب في إسرائيل عملية مركبة يتداخل فيها ويتفاعل معها كثير من العوامل الداخلية والخارجية؛ بعضها رسمي، علني أو غير علني، وبعضها الآخر غير رسمي وغير علني. الحكومة في إسرائيل هي السلطة التنفيذية في الدولة، وهي مركز القوة في النظام السياسي، وفيها تتم من الناحية الرسمية عملية صنع القرارات التي تخص الأمن القومي، وهي الجسم الوحيد المخول اتخاذ قرار الحرب من الناحية الرسمية والقانونية. ويتمتع رئيس الحكومة الإسرائيلية بعوامل قوة مهمة تعزز من مكانته في عملية اتخاذ القرارات التي تخص الأمن القومي؛ فهو زعيم الحزب الذي يشكل الحكومة الائتلافية وهو الذي يقود الحكومة ويرأس جلساتها ويحدد جدول أعمالها، واستقالته تعني استقالة الحكومة. إلى جانب ذلك؛ هو المسؤول مسؤولية مباشرة عن جهازي أمن مهمين جدًّا، وهما "الموساد" و"الشاباك"، وكذلك عن الملفات النووية والبيولوجية والكيميائية بهيئاتها ومؤسساتها ومنتجاتها المختلفة.

إلى جانب منصب رئيس الحكومة؛ ثمة منصبان مهمان في عملية صنع القرارات التي تخص الأمن القومي في قسم كبير من الدول، وهما منصبا وزير الدفاع ووزير الخارجية. أما في إسرائيل فيحتل وزير الأمن أهمية أكبر بكثير في التأثير على القرارات التي تخص الأمن القومي من وزير الخارجية. ومنذ تأسيسها وحتى حرب حزيران شغل رئيس الحكومة الإسرائيلية إحدى الوزارتين، إما الأمن وإما الخارجية، فخلال فترة رئاسته للحكومة كان دافيد بن غوريون وزيرًا للأمن أيضًا. وخلال العامين 1954 و1955 اللذين اعتزل فيهما بن غوريون الحكم، رأس موشيه شاريت الحكومة واحتفظ لنفسه بوزارة الخارجية.

اعتقد بن غوريون، مؤسس إسرائيل وواضع نظرية أمنها القومي، أن الحكومة ليست المكان الملائم لوضع السياسة في ما يتعلق بالأمن القومي على العموم، والحرب على الخصوص. وقد أبعد بن غوريون مجال الأمن القومي، ولا سيما قرار الحرب، عن الحكومة وحرص أثناء رئاسته الحكومة على تجنّب بحث قضايا الأمن القومي المهمة في الحكومة وفي لجنة الوزراء لشؤون الأمن. وعوضًا عن ذلك، رسم بن غوريون سياسة الأمن القومي مع قادة المؤسسة العسكرية والأمنية، ولا سيما رئيس هيئة الأركان العامة للجيش وبعض مقربيه المختصين بالأمن، في الاجتماعات غير الرسمية التي كان يعقدها في "مطبخه"، وبعد ذلك كان يعرضها على الحكومة للموافقة عليها رسميًا؛ ما فتح المجال لتدخل المؤسسة العسكرية في اتخاذ القرارات التي تخص الأمن القومي[1].

بعد استقالة بن غوريون في العام 1963 تولى ليفي إشكول رئاسة الحكومة، واحتفظ لنفسه أيضًا بمنصب وزير الأمن تقليدًا لسلفه. وكانت خبرة إشكول في قضايا الأمن ضعيفة جدًّا، وكانت علاقاته بالمؤسسة العسكرية محدودة، ولم يتمتع بالكاريزما والسطوة اللتين اتسم بهما بن غوريون؛ ما ترك أثره الكبير في ازدياد قوة رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي إسحاق رابين، في عملية صنع قرارات الأمن القومي وفي الحد من قدرة رئيس الحكومة ووزير الدفاع ليفي إشكول، في السيطرة على المؤسسة العسكرية في أول أزمة جدية واجهها عشية حرب 1967[2].

عوامل تأثير المؤسسة العسكرية في قرار حرب حزيران

تمتعت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بتأثير كبير جدًّا في عملية صنع القرارات التي تخص الأمن القومي، ولا سيما قرار حرب حزيران، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل، أهمها[3]:

المشاركة في الاجتماعات: شارك قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية مشاركةً فعالةً في عملية صنع قرار الحرب، سواء من خلال مشاركتهم في اجتماعات الحكومة الإسرائيلية ولجنة الوزراء لشؤون الأمن، أو من خلال الاجتماعات والمشاورات غير الرسمية التي كان يجريها معهم رئيس الحكومة ووزير الأمن ليفي إشكول.

احتكار المؤسسة العسكرية المعلومات وقراءة الواقع: احتكرت المؤسسة العسكرية منذ إنشاء إسرائيل المعلومات وقراءة الواقع وتفسيره في كل ما يتعلق بالأمن القومي. وجهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) في الجيش الإسرائيلي، هو المكلف رسميًا بقراءة الواقع وتفسيره، وتقديم التصورات وتقديرات الموقف للحكومة. ولم تكن للحكومة، عشية حرب حزيران، أية مؤسسة أخرى تقدم لها تصورات وتقديرات للموقف أو التي في إمكانها التحقق من دقة تقديرات الموقف التي تقدمها المؤسسة العسكرية.

التأثير في الرأي العام: تمتعت المؤسسة العسكرية بتأثير كبير جدًّا في الرأي العام وفي وسائل الإعلام بشأن قضايا الأمن القومي، من خلال علاقات جنرالات الجيش وقادته بمحرري الصحف وكبار المحللين الصحفيين وبالمسؤولين عن وسائل الإعلام وبالنخب الإسرائيلية المختلفة.

تأثير العقيدة العسكرية الهجومية: أثرت عقيدة الجيش الإسرائيلي الهجومية في القرار السياسي الإسرائيلي بشأن حرب حزيران؛ فهي تفترض أن على إسرائيل القيام بالضربة الاستباقية وبالحرب الوقائية ونقل المعركة إلى "أرض العدو"، وهو ما أثّر بجلاء في القرارات السياسية، سواء أكان ذلك في قرار بدء الحرب أم في سيرها أم في إنهائها.

أهداف الحرب: تصوغ الحكومة الإسرائيلية أهداف الحرب على العموم؛ ما يفسح المجال للمؤسسة العسكرية بأن تقوم هي نفسها بتحديد أهداف الحرب ونتائجها المتعلقة بالمساحة الجغرافية التي تحتلها وفق الخطط التي وضعتها سابقًا.

الخطوط الحُمْر الإسرائيلية والحالات التي تستدعي الحرب

أعلنت إسرائيل في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956 وفي السنوات الممتدة من العدوان الثلاثي حتى حرب حزيران/ يونيو 1967، عن خطوط حُمْرٍ، وعن حالات تمثّل سببًا في أن تشن إسرائيل الحرب ضد الدول العربية Causus Belli، كان أبرزها: إغلاق مضائق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، ودخول الجيش المصري بأعداد كبيرة إلى سيناء، ودخول الجيش الأردني أو جيش عربي بأعداد كبيرة إلى الضفة الغربية، وعمليات فدائية فلسطينية واسعة النطاق في داخل إسرائيل[4]. ولم يعنِ ذلك أنه إذا ما حدثت حالة واحدة أو أكثر من هذه الحالات أن تبادر إسرائيل بشن الحرب تلقائيًا؛ فالفرضية الأساسية التي طورها بن غوريون وورثها عنه إشكول والتزم بها؛ اشترطت أن لا تشن إسرائيل حربًا إلا بعد أن تتفق سلفًا مع دولة عظمى على الأقل.

العوامل التي أثرت في إسرائيل في عملية صنع قرار حرب حزيران/ يونيو

ثمة مجموعة من العوامل التي أثرت في عملية صنع قرار الحرب التي شنتها إسرائيل على مصر في حزيران/ يونيو 1967، وسنذكر باقتضاب أبرزها، ثم نعرض ونحلل الدور المهم والحاسم الذي قامت به المؤسسة العسكرية في صنع قرار الحرب.

العامل الأيديولوجي الصهيوني والتبرير الأمني لتوسيع حدود الدولة: كانت الفرضية الأساسية السائدة والمسلم بها في المؤسسة العسكرية، وكذلك لدى القيادة السياسية؛ أن حرب 1948 لم تنته لأنها لم تحقق أهداف إسرائيل بشأن حدودها، وأنها لم تكن سوى جولة واحدة من سلسلة جولات الحروب التي يجب على إسرائيل الاستعداد لها، وتحين الفرص المواتية للقيام بها لتوسيع حدودها في جميع الاتجاهات واستكمال احتلال كل أرض فلسطين وسيناء والجولان وجنوب لبنان. وكان مفهوم التوسع الإقليمي متينًا ومجذرًا في جميع هيئات الأركان العامة في عقدَيِ الخمسينيات والستينيات، تحت غطاء أيديولوجي صهيوني أو غطاء الضرورات العسكرية بأن حدود الهدنة لعام 1949 لا يمكن الدفاع عنها. وقد بلورت هيئات الأركان العامة للجيش الإسرائيلي منذ سنة 1950 إستراتيجية التوسع الإقليمي ووضعت الكثير من الخطط العسكرية من أجل التمدد الإقليمي في "المجال الحيوي الإستراتيجي لإسرائيل" والوصول إلى "حدود طبيعية لإسرائيل"[5].

موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية: أدّت المؤسسة العسكرية دورًا حاسمًا في قرار الحرب الإسرائيلي. وتبنت المؤسسة العسكرية منذ أن تبوأ رابين رئاسة هيئة الأركان العامة موقف توسيع إسرائيل لحدودها في أقرب فرصة تسنح، وعملت في الوقت نفسه في التأثير على خلق هذه الفرصة في التصعيد العسكري المنظم الذي اتبعته تجاه سورية الذي قاد إلى تدخل مصر وتفجر الأزمة. وقد رفضت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الحل الدبلوماسي للأزمة وتمسكت بشدة بالحل العسكري كما سنرى لاحقًا.

موقف الولايات المتحدة من الحرب: كانت الفرضية الأساسية السائدة في إسرائيل، والتي كان دافيد بن غوريون قد طورها وورثها عنه رئيس الحكومة ليفي إشكول وتمسك بها؛ أن إسرائيل لا تشن الحرب إلا بعد أن تتفق سلفًا مع دولة عظمى واحدة على الأقل. وبعد أفول قوة الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط، في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في حرب 1956، أصبحت الفرضية المسلم بها في الحكومة الإسرائيلية أن إسرائيل لا تشن حربًا إلا بعد حصولها على موافقة الولايات المتحدة.

موقف الاتحاد السوفياتي من الحرب: اهتمت إسرائيل عشية حرب حزيران بموقف الاتحاد السوفياتي من الحرب. وكان السؤال المركزي الذي حظي باهتمام إسرائيل هو: هل سيتدخل الاتحاد السوفياتي تدخلًا عسكريًا مباشرًا في الحرب لمصلحة الدول العربية أم لا. وقد ساهم تيقن القيادة الإسرائيلية بأن الاتحاد السوفياتي لن يتدخل تدخلًا عسكريا مباشرًا في الحرب؛ في اتخاذها قرار شن الحرب على مصر. وقد أدركت القيادة الإسرائيلية ذلك من خلال علاقاتها مع الولايات المتحدة وكذلك من خلال اتصالاتها وعلاقاتها المباشرة مع الاتحاد السوفياتي، ومن خلال مواقف الاتحاد السوفياتي من الأزمة وردّات فعله.

الصراع في داخل الحكومة الإسرائيلية: شهدت الحكومة الائتلافية الإسرائيلية صراعًا حادًّا في داخلها بين الوزراء المتشددين الذين تبنوا موقف المؤسسة العسكرية عمومًا، والوزراء المعتدلين الذين سعوا أولًا وقبل اتخاذ قرار الحرب إلى استنفاذ الجهد الدولي لحل الأزمة حلًا سلميًا.

ميزان القوى العسكري بين إسرائيل والدول العربية: كان لرجحان ميزان القوى العسكري عشية حرب حزيران بين إسرائيل وجميع الدول العربية، لمصلحة إسرائيل، التأثير الكبير في قرار الحرب؛ فقد كانت قيادة المؤسسة العسكرية متيقنة من تفوقها العسكري على مصر وعلى جميع الدول العربية، وواثقة جدًا بأنها ستتمكن من إلحاق الهزيمة بمصر وبالدول العربية مجتمعة.

تولي إشكول رئاسة الحكومة

عند تبوئه رئاسة الحكومة ووزارة الدفاع، حضر ليفي إشكول في تموز/ يوليو 1963 ثلاثة اجتماعات مطولة لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي. وعرضت وناقشت هيئة الأركان العامة بحضور إشكول، مخططات بناء القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي في السنوات الخمس المقبلة. ومن المهم الإشارة إلى أن مداخلات جنرالات هيئة الأركان العامة لم تقتصر على مسألة بناء قوة الجيش الإسرائيلي أو على القضايا العسكرية المختلفة، وإنما عالجت أيضًا قضايا سياسية؛ وفي مقدمتها توسيع حدود إسرائيل في الدول العربية المجاورة في أقرب فرصة سانحة.

وقد طرح إسحاق رابين، نائب رئيس هيئة الأركان العامة حينئذ، في اجتماعات إشكول المشار إليها مع هيئة الأركان، أن إسرائيل لا تستطيع الصمود فترة طويلة في حدودها الحالية استنادًا إلى الأسلحة التقليدية، مقابل القوة العسكرية العربية، بسبب التفوق العربي الكبير جدًّا في الطاقة البشرية والثروات والجغرافيا ... إلخ. و"الحل الأفضل" الذي طرحه رابين هو توسيع حدود إسرائيل إلى قناة السويس ونهر الأردن ونهر الليطاني إذا ما استجدت الأوضاع التي تسمح لإسرائيل بشن حرب لتوسيع حدودها[6]. أما عازر وايزمان فإنه أكد في مداخلته في هذا الاجتماع أن على الجيش الإسرائيلي العمل في جميع الأحوال، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية، على توسيع حدود إسرائيل انطلاقًا من أن ذلك ضرورة عسكرية. فسباق التسلح بين إسرائيل والدول العربية في السنوات الخمس المقبلة يخلق وضعًا خطرًا على إسرائيل؛ الأمر الذي يضطرها إلى شن حرب وقائية لتوسيع حدودها. وقد أكدت معظم مداخلات جنرالات هيئة الأركان العامة ضرورة استعداد الجيش الإسرائيلي لشن "حرب وقائية" ضد مصر في السنوات المقبلة، سواء بغرض تدمير قوتها العسكرية أو من أجل توسع حدود إسرائيل أو لتحقيق الهدفين معًا[7].

وعند توليه رئاسة هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي في الأول من كانون الثاني/ ديسمبر 1964 عقد رابين اجتماعا لهيئة الأركان العامة، أشار فيه إلى إمكان أن تبادر إسرائيل إلى شن حربٍ هدفُها "تدمير قوة العدو" واحتلال مناطق جديدة. وأكد رابين أنه "لا يوجد أي عيب أخلاقي في التفكير في توسيع حدود إسرائيل بل العكس هو الصحيح". وأضاف، إن المشكلة لا تكمن في قدرة الجيش الإسرائيلي في احتلال مناطق وتوسيع حدود إسرائيل، وإنما تعود إلى عدم قدرة الدولة على الحفاظ على المناطق التي يحتلها الجيش. فالجيش الإسرائيلي احتل في حرب 1948 مناطق في سيناء واحتل أيضًا جنوب لبنان، بيد أن الضغط الدولي أرغم إسرائيل على الانسحاب منها. ولاحظ رابين أن الضغط الدولي لم يرغم إسرائيل على الانسحاب من أية منطقة من فلسطين احتلها الجيش الإسرائيلي في حرب 1948؛ ولم تكن تابعة للدولة اليهودية وفق قرار التقسيم، وعدّ في الوقت نفسه أن انسحاب إسرائيل من قطاع غزة الذي احتلته في حرب 1956 مثّل سابقة خطرة؛ لأنه يمثّل جزءًا مما أطلق عليه رابين "أرض–إسرائيل". وأضاف رابين؛ إنه يجب عدم الاستخلاص أن تلك "السابقة الخطرة" ستنطبق على المناطق التي يحتلها الجيش الإسرائيلي في المستقبل، فقد تبادر إسرائيل إلى شن حرب على الأردن بغرض احتلال مناطق والاحتفاظ بها[8].

ازدياد قوة إٍسرائيل العسكرية والتصعيد نحو الحرب

زادت إسرائيل من قوتها العسكرية زيادة كبيرة جدًّا في السنوات الأربع التي سبقت حرب حزيران. فإضافة إلى السلاح الفرنسي الذي استمرت إسرائيل في الاعتماد عليه حتى حرب حزيران، ولا سيما طائرات الميراج، بدأت الولايات المتحدة الأميركية في العام 1962 بتزويد إسرائيل بالأسلحة الأميركية على نحو مباشر. في البداية زودت الولايات المتحدة إسرائيل بأسلحة "دفاعية"؛ إذ باعتها في العام 1962 صواريخ "هوك" المضادة للطيران لحماية المفاعل النووي في ديمونه. ثم ما لبثت أن شرعت بتزويدها بأسلحة هجومية متطورة، وزودت الولايات المتحدة وفرنسا ودولٌ أخرى إسرائيلَ بالأسلحة الهجومية الحديثة وفي مقدمتها الطائرات الحربية الحديثة والدبابات والصواريخ والمدفعية[9].

بعد تولي إشكول رئاسة الحكومة صعدت المؤسسة العسكرية من تصريحاتها وعملياتها العسكرية ضد سورية. وارتبط هذا التصعيد بثلاثة موضوعات أساسية، وهي: قيام إسرائيل بإفشال تحويل روافد مجرى نهر الأردن، وسعي إسرائيل لاستكمال سيطرتها على المناطق منزوعة السلاح بينها وبين سورية والبالغة مساحتها نحو 55 ألف دونم، ومحاولة إسرائيل الحد من العمل الفدائي الفلسطيني. وفي سياق هذا التصعيد شرع الجيش الإسرائيلي في استعمال سلاح الجو ليس فقط في الحالات النادرة التي قصفت فيها المدفعية السورية المستوطنات الإسرائيلية ردًّا على الاعتداءات الإسرائيلية، كما كان متبعًا حتى تلك الفترة، وإنما عندما تصدى الجيش السوري للمحاولات الإسرائيلية زراعةَ الأراضي منزوعة السلاح، وضمها عمليًا إلى إسرائيل.

استخلصت هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي في صيف 1966، أن سياسة الردع الإسرائيلية والوسائل التي يتبعها الجيش الإسرائيلي غير كافية لثني سورية من مقاومة ضم إسرائيل إلى لمناطق منزوعة السلاح، ومن دعمها للنشاط الفدائي الفلسطيني الذي كان ينطلق أساسًا من الحدود الأردنية-الإسرائيلية والحدود اللبنانية-الإسرائيلية. وتوصلت هيئة الأركان العامة إلى نتيجة؛ أنه يجب أن يقوم الجيش الإسرائيلي بضرب سورية ضربة عسكرية حاسمة، لكن الحكومة الإسرائيلية رفضت ذلك[10]. وعلى الرغم من موقف الحكومة، واصلت المؤسسة العسكرية في التصعيد وفي السير نحو هدفها. وفي هذا السياق؛ هدّد رئيس الأركان رابين والعديد من قادة المؤسسة العسكرية باحتلال دمشق وإسقاط النظام السوري، وصعد الجيش الإسرائيلي في الوقت نفسه من اعتداءاته على سورية، ولا سيما في سلاح الطيران.

وفي الاجتماع الذي عقدته هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي مع رئيس الحكومة ووزير الدفاع إشكول في 23 كانون الثاني/ يناير 1967، أكد جنرالات هيئة الأركان العامة بالإجماع، وفي مقدمتهم رئيس الأركان رابين، على ضرورة أن تقوم إسرائيل بشن حرب على سورية أو أن تقوم بعملية عسكرية واسعة النطاق ضدها لإرغامها على تغيير سياستها، لكن إشكول عارض ذلك[11]. بيد أن قادة المؤسسة العسكرية استمروا في التهديد وفي التصعيد العسكري ضد سورية، ووصل هذا التصعيد إلى ذروته في السابع من نيسان/ إبريل 1967. ففي ذلك اليوم، وبعد أن وضعت هيئة الأركان العامة سلاح الجو الإسرائيلي على أهبة الاستعداد، قامت العديد من الجرافات الإسرائيلية بالتقدم في الأراضي منزوعة السلاح الواقعة في جنوب هضبة الجولان. وعندما تصدى لها الجيش السوري قامت غالبية طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، من دون الحصول سلفًا على موافقة رئيس الحكومة ووزير الدفاع إشكول، ولا على موافقة الحكومة، على شن غارات على المواقع السورية في الجبهة، وحلقت فوق دمشق واشتبكت مع الطائرات السورية وأسقطت ستة منها. وكان هذا العدوان المبيت كبيرًا بكل المقاييس؛ فقد شنت الطائرات الإسرائيلية في ذلك اليوم 171 غارة، وألقت 65 طنًّا من المتفجرات على المواقع السورية[12]. ودشن هذا العدوان مرحلة جديدة قادت إلى السير بسرعة نحو شن إسرائيل الحرب على مصر في حزيران/ يونيو 1967.

الخطط العسكرية للتوسع

منذ تولي رابين رئاسة الأركان في الأول من كانون الثاني/ يناير 1964، وضعت هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي عدة خطط عسكرية مفصلة، تهدف إلى توسيع حدود إسرائيل في جميع الاتجاهات. وكان أهم هذه الخطط:[13]

خطة كلشون קלשון (الشوكة المذراة أو السهم): وهي خطة الجيش الإسرائيلي لاحتلال سيناء وقطاع غزة، والوصول إلى قناة السويس خلال ستة أيام. ووضعت هيئة الأركان هذه الخطة في آذار/ مارس 1964، أي بعد تولي رابين رئاسة الأركان بشهرين. واستندت هذه الخطة إلى تفعيل خطة "موكيد" (الموقد) التي وضعها سلاح الجو الإسرائيلي لضرب المطارات المصرية وتدمير الطائرات فيها، ومن ثم تتقدم القوات البرية لاحتلال سيناء من عدة محاور.

خطة فرجول פרגול (الكرباج): وهي خطة الجيش الإسرائيلي لاحتلال الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية والوصول إلى نهر الأردن خلال 72 ساعة. وهي تطوير لخطط إسرائيلية سابقة بهذا الشأن.

خطة ملكحايم מלקחיים (الكماشة): وهي الخطة العسكرية لاحتلال هضبة الجولان السورية حتى مشارف دمشق، واستندت إلى خطط عسكرية سابقة، وجرى تطويرها في سنة 1966.

خطة موكيد (الموقد): وضعت هذه الخطة عشية العدوان الثلاثي على مصر في سنة 1956، وجرى تطويرها وتحديثها خلال العقد الذي سبق حرب حزيران/ يونيو 1967. وهدفت الخطة إلى تدمير سلاح الجو المصري تدميرًا شاملًا من خلال ضرب المطارات المصرية وتدمير الطائرات وهي في المطارات.

إغلاق مضائق تيران وضغط الجيش الإسرائيلي لشن الحرب

بعد إعلان الرئيس جمال عبد الناصر إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية بعدة ساعات، عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية إشكول اجتماعًا تشاوريًا مع قادة هيئة أركان الجيش الإسرائيلية؛ كان من بينهم رئيس الأركان إسحاق رابين ورئيس شعبة العمليات عازر وايزمان ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية أهرون ياريف. كان موقف المؤسسة العسكرية واضحًا في هذا الاجتماع؛ أن على إسرائيل شن الحرب بأسرع وقت ممكن، وبفترة لا تزيد عن عدة أيام. فقد قدم رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية أهرون ياريف في هذا الاجتماع تقديرًا للموقف قال فيه إن المشكلة لا تكمن في إغلاق مضائق تيران فحسب، وإنما في كون هذا الإغلاق يدشن مرحلة جديدة، وأنه ينبغي لإسرائيل الرد عسكريًّا على الإغلاق، وإلا فإنها تفقد قوة الردع. وطالب عازر وايزمان بشن الحرب على مصر فورًا وتفعيل خطة "موكيد" لتدمير سلاح الجو المصري، لأن الزمن، وفق ما ذكره وايزمان، لا يعمل لمصلحة إسرائيل. ولخص رابين موقف المؤسسة العسكرية بتأكيده أن على إسرائيل الرد على الخطوة المصرية بشن الحرب بأسرع وقت. أما إشكول فقال إن هناك أسبوعًا قبل وصول ناقلة النفط الأولى المتجهة إلى إيلات، وإلى حين وصولها يجب استغلال الوقت في مختلف الأنشطة لتعزيز موقف إسرائيل[14].

وبعد المشاورات الأولية مع القيادة العسكرية؛ عقد إشكول في التاسعة من صباح 23 أيار/ مايو اجتماعًا للحكومة بصفتها لجنة وزراء لشؤون الأمن، لبحث الخطوة المصرية ورد إسرائيل عليها. وتركز النقاش الأساسي حول سؤال: هل تبادر إسرائيل بشن الحرب على مصر. بعد مقدمة قصيرة أشار فيها إشكول إلى أن إغلاق مضائق تيران لا يستدعي فقط إجراء مشاورات، بل اتخاذ قرارات، وطلب من رابين تقديم تقرير للوزراء. أشار رابين في حديثه إلى أن الأوامر التي صدرت للقوات المصرية في شرم الشيخ هي إغلاق الملاحة المتجهة إلى إسرائيل في الساعة 12 ظهرًا من ذلك اليوم، ولكن مع عدم التعرض بأي حال من الأحوال للسفن التي ترافقها قوة عسكرية بحرية أميركية. ثم أكد ضرورة أن ترد إسرائيل عسكريًا على الإغلاق لأنه إذا لم تقم بذلك فإن قوة الردع الإسرائيلي تتضعضع. ووضح أنه لا إمكان لتقليص العملية العسكرية الإسرائيلية في شرم الشيخ ومضائق تيران؛ لأن ذلك يعني بدء الحرب في المكان الأصعب، والأشدّ ضررًا عسكريًا بالنسبة إلى إسرائيل. واستخلص رابين أنه ينبغي أن تشن إسرائيل حربًا على مصر بأسرع وقت ممكن، تبدأها بتوجيه ضربة لسلاح الجو المصري وفي الوقت نفسه تشن حربًا برية على الجيش المصري في سيناء. وبعد مداولات بين الوزراء بين مؤيد ومعارض لشن الحرب، اقترح وزير الخارجية آبا إيبن أن يسافر هو إلى واشنطن، وباريس ولندن، للحصول من الرئيس الأميركي على التزام واضح بأن الولايات المتحدة ستحترم تعهدها الذي قدمته هي وبريطانيا وفرنسا لإسرائيل في سنة 1957، والذي يضمن حرية الملاحة لإسرائيل في خليج العقبة، وأن أسطولها سيرافق السفن المتوجهة إلى إسرائيل. وأضاف إيبن إن زيارته لواشنطن لا تلغي شن إسرائيل عملية حربية ضد مصر، وإنما تؤجلها لاستيضاح ما إذا كان يوجد حل سلمي بديل من الحرب. وفي ختام اجتماعها عدّت الحكومة إغلاق مصر مضائق تيران عملًا عدوانيًّا، وأجّلت ردة فعل إسرائيل العسكرية عليه بـ 48 ساعة ليستوضح وزير الخارجية آبا إيبن موقف الولايات المتحدة خلال هذه الفترة، وأقرت سفر وزير الخارجية إلى واشنطن[15].

فور انتهاء اجتماع الحكومة الذي شهد نقاشًا ساخنًا بين المؤيدين والمعارضين لقيام إسرائيل بشن الحرب، اجتمع رابين بمبادرته مع زعيم حزب المفدال حاييم موشيه شبيرا الذي كان هو وحزبه أشد المعارضين لشن إسرائيل الحرب. كان هدف رابين تخفيف معارضة شبيرا للحرب، بيد أن شبيرا تمسك بموقفه وهاجم رابين وسأله كيف يجرؤ هو وإشكول على الدعوة بأن تبادر إسرائيل لشن الحرب ما يعرض وجودها للخطر؛ الأمر الذي لم يجرؤ موشيه ديان وبن غوريون عللا القيام به. وأضاف شبيرا إن بن غوريون انتظر خمس سنوات بعد إغلاق مصر مضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية في سنة 1951 ولم يبادر إلى الحرب إلا بعد أن اتفق مع دولتين عظميين، وحصل على الحماية الجوية لإسرائيل. واستطرد؛ إن إغلاق مضائق تيران لا يعرض وجود إسرائيل للخطر، وشن إسرائيل الحرب في هذه الظروف هو جنون، وعلى إسرائيل بدل أن تشن الحرب اتباع إستراتيجية الدفاع والتخندق، وصد أي هجوم وأن لا تبادر إلى الحرب في أي حال من الأحوال[16].

الجيش يضغط للبدء في الحرب

بعد فشلها في إقناع اللجنة الوزارية لشؤون الأمن بالمبادرة في شن الحرب، شرعت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية منذ 24 أيار/ مايو في الضغط بقوة على الحكومة الإسرائيلية لاتخاذ قرار شن "حرب وقائية" ضد مصر. وقد ازداد هذا الضغط واشتد يومًا بعد آخر.

لم تكن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية راضيةً إطلاقًا عن النشاط الدبلوماسي لحل الأزمة سلميًا، وعدّت زيارة وزير الخارجية آبا إيبن إلى واشنطن مضرة بإسرائيل؛ لأنها تكبل يدها وتمنعها من شن الحرب. ولتحقيق أهدافها ضغطت المؤسسة العسكرية على الحكومة، وتدخلت في العملية الدبلوماسية بغرض إفشالها. فعندما اتضح لقادة المؤسسة العسكرية أنه لا توجد فرصة للقيام بالحرب قبل استنفاد النشاط الدبلوماسي، تدخلت المؤسسة العسكرية في الجهد الدبلوماسي من أجل التأثير فيه من خلال تغيير القضية المركزية في الأزمة، من إغلاق مضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية، إلى قضية دخول الجيش المصري إلى سيناء. وادّعت المؤسسة العسكرية أن دخول الجيش المصري إلى سيناء يمثّل خطرًا على وجود إسرائيل. لذلك يجب منحه الأولوية القصوى قبل أي قضية أخرى.

ففي 25 أيار/ مايو اجتمع قادة المؤسسة العسكرية؛ رابين وعازر وايزمان وأهرون ياريف وحاييم بارليف برئيس الحكومة إشكول. وطرح هؤلاء القادة على إشكول أن القضية المركزية التي تواجه إسرائيل ليست إغلاق مضائق تيران، وإنما دخول الجيش المصري إلى سيناء. وادعى قادة المؤسسة العسكرية أن مصر ستشن حربًا على إسرائيل خلال اليومين المقبلين، وطالبوا أن تشن إسرائيل الحرب فورًا على مصر، وادّعوا أيضًا أن كل تأخير في شن إسرائيل الحرب يزيد من احتمال أن تقوم مصر بالمبادرة بالحرب. وأضافوا أن كل يوم يمر من دون شن إسرائيل الحرب يساعد مصر في حشد المزيد من القوة العسكرية في سيناء؛ الأمر الذي يمثّل تهديدًا جديًا لنجاح الحرب التي ستشنها إسرائيل بعد استنفاد العملية الدبلوماسية، ويزيد من الخسائر البشرية التي ستتكبدها إسرائيل[17]، والتي قد تصل إلى 50 ألفًا[18].

لم يكن صعبًا على قادة المؤسسة العسكرية إقناع إشكول بخطر دخول الجيش المصري إلى سيناء وبمنحه الأولوية العليا؛ فبعد تهويلهم من المخاطر التي تتربص بإسرئيل إلى درجة الادعاء أن هذه المخاطر باتت تهدد وجود إسرائيل من جرّاء دخول الجيش المصري إلى سيناء، ومبالغتهم في الخسائر التي ستتكبدها إسرائيل إذا بادرت مصر بشن الحرب، وادعائهم أن الهجوم العسكري المصري على إسرائيل بات وشيكًا؛ تمكن رابين وزملاؤه في قيادة المؤسسة العسكرية من إقناع إشكول بإرسال برقية إلى وزير الخارجية آبا إيبن، وصاغها رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية أهرون ياريف، أكّدت أن القضية المركزية التي تواجهها إسرائيل لم تعد إغلاق المضائق، وإنما دخول الجيش المصري إلى سيناء، والذي "بات يمثّل خطرًا على وجود إسرائيل". وطلبت البرقية من إيبن أن يطلب من الرئيس جونسون توضيح ما هي الأعمال التي سيقوم بها من أجل منع الانفجار الذي يقترب ساعة بعد الأخرى[19]. وكانت البرقية تعني أنه إذا لم تقم الولايات المتحدة باتخاذ خطوات عملية فورًا فإن إسرائيل ستكون مضطرة إلى شن الحرب بنفسها وأنها تتوقع أن تدعمها الولايات المتحدة وتمنحها غطاءً سياسيًّا ودوليًّا.

ولم تكتف المؤسسة الأمنية بهذه البرقية، وضغطت على إشكول لإرسال برقية ثانية، بعد ساعات عديدة من إرسال البرقية الأولى. واستجاب إشكول لهذا الضغط وأرسل برقية ثانية، وجهها هذه المرة إلى سفير إسرائيل في واشنطن أفراهام هيرمان. وكانت هذه البرقية أشدّ حدةً وتهويلًا. فقد طلبت هذه البرقية أن يقوم آبا إيبن بإبلاغ الرئيس جونسون فورًا بأن هناك خطرًا وشيكًا في أن تشن مصر حربًا على إسرائيل في كل لحظة، وأنه من الضروري أن تعلن الولايات المتحدة فورًا أن أي هجوم على إسرائيل هو بمنزلة هجوم على الولايات المتحدة نفسها، وأن يرافق هذا الإعلان إصدار أمر إلى القوات العسكرية الأميركية في المنطقة بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي ضد أي هجوم مصري محتمل[20].

ومن المهم الإشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية أرسلت هاتين البرقيتين، على الرغم من أنه لم تكن لديها معلومات عن هجوم عسكري مصري وشيك. فقد وضح أهرون ياريف رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في شهادة له بعد مرور خمس سنوات على الحرب؛ أنه لا يعتقد أن أحدًا في إسرائيل كان يفكر في الخامس والعشرين من أيار/ مايو أن مصر ستشن حربًا في اليوم التالي[21].

وفي 26 أيار/ مايو اجتمعت الحكومة الإسرائيلية بوصفها لجنة وزراء لشؤون الأمن القومي، وذلك قبل ساعات من اجتماع آبا إيبن مع الرئيس جونسون. وبعد مداولات بشأن الحرب وإمكان أن تقوم مصر بشن حرب على إسرائيل كما كانت تدعي المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، قررت الحكومة تخويل إشكول ورابين الردَّ إذا تعرضت إسرائيل لهجوم مصري، ورفضت في الوقت نفسه اقتراحات بض الوزراء تخويل إشكول ورابين المبادرة إلى الحرب، وأصرت على دعوة الحكومة بوصفها لجنة وزراء لشؤون الأمن للبت في قرار الحرب، وقررت كذلك عقد اجتماع للحكومة فور عودة آبا إيبن.

وفي مساء 26 أيار/ مايو اجتمع آبا إيبن بالرئيس جونسون ووزير الدفاع الأميركي روبرت مكنامارا، واستمر الاجتماع ساعتين. وأخبره الرئيس جونسون بأن الولايات المتحدة ستتخذ جميع الإجراءات التي تكفل بقاء مضائق تيران مفتوحة للملاحة الإسرائيلية. أما ما يخص ادعاء إسرائيل أن مصر تتأهب لشن حرب على إسرائيل، فقال روبرت ماكنامارا إن جميع أجهزة المخابرات الأميركية تؤكد أنه لا توجد لدى مصر القدرة العسكرية ولا النية ولا القرار لمهاجمة إسرائيل، وأنه إذا ما هوجمت إسرائيل من مصر والدول العربية فإن إسرائيل وفق تقدير أجهزة المخابرات الأميركية ستنتصر عليها جميعًا[22].

قال الرئيس جونسون لآبا إيبن إن الولايات المتحدة ستتدخل لوقف الهجوم في حال شنت مصر حربًا على إسرائيل، بيد أنه رفض طلب إسرائيل أن يعلن رئيس الولايات المتحدة أن شن مصر الحرب على إسرائيل بمنزلة هجوم على الولايات المتحدة. وشدد جونسون في هذا الاجتماع على ضرورة أن لا تبادر إسرائيل في بشن الحرب، وأضاف إن إسرائيل لن تكون وحدها إلا إذ قررت أن تتصرف وحدها. وفي ختام الاجتماع سلم الرئيس جونسون آبا إيبن رسالة خطية إلى إشكول، أكد فيها التزام الولايات المتحدة بأن تبقى مضائق تيران مفتوحة للملاحة الإسرائيلية[23].

اجتماع الحكومة عند عودة آبا إيبن

اجتمعت الحكومة الإسرائيلية في مساء يوم 27 أيار/ مايو بصفتها لجنة وزراء لشؤون الأمن، واستمر اجتماعها حتى الساعة الرابعة من فجر 28 من أيار/ مايو. قدم أهرون ياريف تقديرًا للموقف في هذا الاجتماع، كرر فيه التهويل من المخاطر المتربصة بإسرائيل في حال تأخرت في اتخاذ قرار الحرب، وذلك بغرض حث الحكومة على الاعتقاد أن الخيار الوحيد أمام إسرائيل هو فقط شن الحرب. وشدد رابين في مداخلته أنه يتم في الأيام الأخيرة تشديد الخناق على إسرائيل، وأنه كلما مرت الأيام صعب فك هذا الخناق، وأن عدم قيام إسرائيل بعمل عسكري يخدم فقط أعداءها، وأن كل يوم يمر من دون قيام إسرائيل بالحرب يزيد من الخطر على أمنها، ويزيد زيادة فادحة من الخسائر والدمار التي ستلحق بها، ولكن "إذا ما قمنا غدًا بالحرب فإننا نتجنب هذه الخسائر".

وفي هذه اللحظة وصل وزير الخارجية آبا إيبن إلى الاجتماع مباشرة من المطار؛ فطلب منه رئيس الحكومة تقديم تقرير عن محادثاته في واشنطن. قدم إيبن تقريرًا مفصلًا عن محادثاته في واشنطن، وأخبر الحضور بأن الأميركيين دحضوا ما ورد في البرقيتين اللتين أرسلهما إليه إشكول، وأنهم عدّوا هدف ما ورد بهما هو التمهيد لهجوم عسكري إسرائيلي، وتوريط أميركا في الحرب. وشرح رؤية الرئيس جونسون لحل الأزمة ووصف الحل الذي اقترحه الرئيس جونسون لفك إغلاق مضائق تيران بأنه مقنع. واقترح إيبن أن لا تتخذ الحكومة قرارًا بالحرب وتأجيل التصويت في الحكومة بشأن الحرب بـ 48 ساعة تطلب خلالها إسرائيل من الولايات المتحدة ترجمة التزاماتها إلى خطة عملية. وأيد الوزراء المعتدلون موقف إيبن، وأكدوا أن شن إسرائيل الحرب هي مغامرة محفوفة بالمخاطر، وتقود إلى عزلتها دوليًّا، وأن الخطة التي تقترحها الولايات المتحدة للحل وقيام سفن حربية دولية بمرافقة السفن المتجهة لإسرائيل ستضر بهيبة الرئيس عبد الناصر من دون أن تخسر إسرائيل شيئًا.

أما الوزراء المتشددون، وفي مقدمتهم وزراء حزب أحدوت هعفوداه، فقد تبنوا وجهة نظر المؤسسة العسكرية، وبالغوا في تقدير الأخطار على إسرائيل إذا لم تشن الحرب فورًا، وشددوا على تضعضع قوة الردع الإسرائيلي وتراجع مكانة إسرائيل الدولية، وخطر أن تبادر مصر بشن الحرب، وخطر ازدياد العمليات الفدائية الفلسطينية، واحتمال قيام الدول العربية بالمس بالملاحة الإسرائيلية في البحر المتوسط، وعجز إسرائيل عن الحفاظ على التعبئة العامة للجيش فترة طويلة. وفي ضوء تمسك الطرفين في الحكومة بمواقفهما وفي ضوء التعادل في موازين القوى بينهما والإرهاق الذي ألم بهم جميعًا، أنهى رئيس الحكومة المداولات في الساعة الرابعة من فجر 28 أيار/ مايو، من دون اتخاذ قرار بشأن الحرب، على أن تعود الحكومة وتجتمع بعد الظهر من اليوم ذاته[24].

بعد انتهاء اجتماع الحكومة الإسرائيلية بساعة ونصف الساعة، سلّم سفير الولايات المتحدة في تل أبيب رئيس الحكومة الإسرائيلية إشكول رسالة من الرئيس جونسون، أبلغه فيها بمضمون رسالة مهمة وصلته من رئيس الحكومة السوفياتية ألكسي كوسيغن، أكدت وجود معلومات لدى الاتحاد السوفياتي بأن إسرائيل تحضر لشن الحرب، وأن الدول العربية لا تريد مواجهة عسكرية. وبناء على ذلك؛ إذا شنت إسرائيل حربًا فإن الاتحاد السوفياتي سيقدم المساعدة للدول العربية التي تتعرض للهجوم الإسرائيلي. وطلب جونسون في رسالته لإشكول أن لا تبادر إسرائيل بالحرب بأي حال من الأحوال، وإلا فإنها ستكون هي المسؤولة عن الشروع في الحرب. وأخبر السفير الأميركي في تل أبيب إشكول عند تسليمه هذه الرسالة بأن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تعمل بجدية في التحضير لخطة المرافقة العسكرية البحرية الدولية للسفن المتجهة إلى إسرائيل، وأن إسرائيل مدعوة إلى المشاركة فيها. وأكد السفير لإشكول أن قيام إسرائيل بعملية عسكرية ضد مصر ستكون "غير مسؤولة وكارثية"[25].

أثرت رسالة جونسون تأثيرًا كبيرًا في رئيس الحكومة الإسرائيلية، وفي الحكومة الإسرائيلية، وسرعان ما غيرت موازين القوى في داخل الحكومة، ورجحت كفة الوزراء الذين ينادون بالتروي، وباستنفاد العملية الدبلوماسية، من دون تسرع في شن الحرب. ففي اجتماع الحكومة في الثالثة بعد الظهر من 28 أيار/ مايو، والذي شارك فيه رابين ووايزمان وأهرون ياريف وبارليف، تابعت الحكومة تطورات الموقف الأخيرة، وعبر إشكول عن موقفه بأن إسرائيل لا تستطيع تجاهل ما قاله الرئيس جونسون لآبا إيبن، ولا رسالة كوسيغن إلى جونسون، ولا رسالة جونسون إلى إشكول. واستخلص أنه ينبغي منح النشاط الدبلوماسي لحل الأزمة فترة ثلاثة أسابيع، وفي الوقت نفسه الاستمرار في الحفاظ على التعبئة العامة للجيش، واستغلال فترة انتظار فتح مضائق تيران بصورة سلمية لزيادة شراء الأسلحة، ولا سيما الطائرات والذخيرة والقيام في الوقت نفسه بحملة لجمع الأموال في الولايات المتحدة ودول أخرى.

كان موقف إشكول مناقضًا لموقف المؤسسة العسكرية التي كانت تصر على قيام إسرائيل بحرب وقائية حالًا بغض النظر عن الحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية. ودافع رابين عن موقف المؤسسة العسكرية في هذا الاجتماع، وعاد وكرر تبريراتها لشن الحرب فورًا، وقال إن تأجيل الضربة العسكرية لمصر يعيد إسرائيل إلى ما كان الوضع عليه قبل حرب 1956، وأنه لا يثق بأن الجهد الدولي سيفتح المضائق، وأن عدم توجيه ضربة عسكرية لمصر حالًا يمس بأمن إسرائيل، وبالردع الإسرائيلي، وبهيبة الجيش الإسرائيلي، وبمكانة إسرائيل وهيبتها. فرد عليه إشكول مشددًا على الأهمية القصوى للموقف الأميركي، وقال لرابين إنه لا يريد أن يضغطه بالحائط كما فعل مع الوزراء عندما وجه إليهم السؤال: هل نقول لأميركا نعم أم لا؟

وكان واضحًا أن الحكومة الإسرائيلية لا تستطيع إلا قبول طلب الرئيس جونسون. وقد قررت الحكومة الإسرائيلية، في ضوء الموقف الأميركي، بإجماع أعضائها باستثناء وزير واحد من حزب أحدوت هعفوداه، الامتناع عن البدء بعملية عسكرية في الأسابيع الثلاثة المقبلة، حتى اتخاذ قرار آخر، والحفاظ في الوقت نفسه على التعبئة العامة للجيش الإسرائيلي ووضعه في حالة استنفار دائمة للقيام بعملية عسكرية إذا اقتضت الضرورة، وأن يلقي رئيس الحكومة خطابًا في الكنيست بروح القرارات الي اتخذتها الحكومة[26].

بيد أن قرار الحكومة هذا لم يصمد طويلًا؛ فقد زادت المؤسسة العسكرية من ضغطها على الحكومة بوسائل متعددة، سيتم التطرق إليها لاحقًا. ولم يكن الرأي العام الإسرائيلي يعلم في تلك الأيام عن رسالة جونسون إلى إشكول، وساد انطباع في الرأي العام بفضل نشاط قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية واتصالاتهم مع النخب الإسرائيلية، ولا سيما قادة وسائل الإعلام والعديد من قادة الأحزاب السياسية؛ أن الحكومة مترددة ولا تستطيع اتخاذ القرارات الضرورية بشأن الأخطار التي تواجه إسرائيل.

وفي هذه الأجواء دعا رابين إشكول إلى هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي لاطلاعهم على تطورات الوضع والاستماع إلى آرائهم وتحليلاتهم. وقبل أن يتوجه إلى هيئة الأركان ألقى إشكول خطابًا إلى الرأي العام الإسرائيلي من راديو إٍسرائيل، وبدلًا من أن ينجح إشكول في طمأنة الرأي العام الإسرائيلي زاد خطابه من البلبلة ومن تأكيد الانطباع بأن إشكول والحكومة الإسرائيلية غير قادرين على مواجهة الأزمة، وأن إشكول غير قادر على قيادة إسرائيل إلى بر الأمان. فقد تأتأ إشكول في الخطاب عدة مرات فبدا ضعيفًا ومترددًا في نبرته وفي أسلوبه؛ الأمر الذي زاد من سخط الرأي العام عليه[27]. وسرعان ما شنت مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية هجومًا لاذعًا عليه، وطالبته بالتخلي عن وزارة الأمن من ناحية وشددت من دعوتها لإقامة حكومة وحدة وطنية.

اجتماع إشكول بهيئة الأركان

بعد إلقائه خطابه توجه إشكول إلى مقر هيئة الأركان، ورحب به رابين في بداية الاجتماع، ولكنه، بخلاف المتبع، طلب من إشكول الحديث مباشرة من دون أن يطرح رابين موقفه وموقف المؤسسة العسكرية من الأزمة وتطوراتها. أطلع إشكول هيئة الأركان على تطورات الأوضاع الدبلوماسية، وعلى الجهد الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لفتح المضائق، وعلى تعهدها القيام بذلك وحدها إذا فشل الجهد في تشكيل قوة دولية للقيام بذلك. وأطلعهم أيضًا على تفاصيل الاتصالات مع الإدارة الأميركية، وعلى الرسالة الشخصية التي أرسلها إليه الرئيس جونسون، وعلى تحذير الولايات المتحدة إسرائيل أن لا تبادر إلى شن الحرب، وأنه إذا بدأت هي في الحرب فإن ذلك سيقود إلى كارثة[28].

ساد التوتر الشديد الاجتماع، وكان السخط باديًا بوضوح على وجوه جنرالات هيئة الأركان، وتحدث بعضهم بأسلوب فج وبعصبية. كان هدف هيئة الأركان الإسرائيلية إقناع إشكول والحكومة بضرورة شن الحرب بأسرع وقت، وعدم الانتظار ثلاثة أسابيع. واستعمل جنرالات هيئة الأركان أسلوب التهويل والمبالغة في الأخطار المحدقة بإسرائيل إذا لم تشن الحرب خلال عدة أيام. واتهموا الحكومة الإسرائيلية بالتردد وبعدم القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية، وبأنها تصرفت بعدم مسؤولية عندما استجابت للضغط الأميركي وقررت تأجيل القرار مدّة ثلاثة أسابيع بشأن شن الحرب، وأنها بقرارها هذا وضعت أمن إسرائيل في خطر. ولم يشكك جنرالات هيئة الأركان في حق الحكومة القانوني والرسمي في اتخاذ القرار، بيد أنهم ادّعوْا جميعًا أن الحكومة غير مدركة لحقيقة الأزمة، ومدى حجم الأخطار المحدقة بإسرائيل والتي بالغوا في وصفها، وأن المشكلة لم تعد تكمن إطلاقا في إغلاق المضائق، وإنما في الخطر على وجود إسرائيل الذي يمثّله دخول الجيش المصري إلى سيناء. وشددوا على خطر فقدان إسرائيل قوة الردع، وعلى الأهمية القصوى في أن تقوم إسرائيل بالضربة الأولى، وعلى عدم قدرة إسرائيل على الحفاظ على التعبئة العامة للجيش فترة طويلة، وعلى سهولة تحقيق الجيش الإسرائيلي الانتصار إذا شن الحرب فورًا، وعلى ازدياد ثمن الحرب في الخسائر؛ في الأرواح والمعدات، كلما تأخرت إسرائيل في شن الحرب، وبالغوا كثيرًا في حجم الخسائر من جرّاء تأجيل الحرب ثلاثة أسابيع. وكان الأشدّ في نقد الحكومة؛ أرئيل شارون الذي اتهمها بالضعف وبإضعاف روح الشعب وبتعريض وجود إسرائيل للخطر في رفضها شن الحرب فورًا. ودان شارون الجهد الدبلوماسي لفتح المضائق بواسطة أميركا والقوة الدولية، وأكد أن هذا الجهد يلحق ضررًا بإسرائيل، ليس فقط لأنه يؤجل شن إسرائيل الحرب، وإنما لأنه يجب أن يكون الحل عسكريًا، وأن تشن إسرائيل الحرب وحدها لتظهر قوتها، وتفرضها على العرب، وأن لا يكون لها شريك في الانتصار كما حدث في حرب 1956[29].

بيد أن إشكول رد على نقد جنرالات هيئة الأركان وتمسك باستنفاد النشاط الدبلوماسي، وبالأهمية القصوى للموقف الأميركي، وأكد أن الحكومة الإسرائيلية زودت الجيش بكل ما طلبه من أسلحة ليكون قويًّا، وليتمكن من ردع الدول العربية، وليس لكي يأتي ويقول نستطيع اليوم تدمير الجيش المصري في سيناء، فقوة الردع تكمن في قدرة الانتظار واستنفاد جميع الوسائل الأخرى لحل الأزمة[30].

وبعد خروج رئيس الحكومة ليفي إشكول من الاجتماع واصلت هيئة الأركان العامة اجتماعها، وساد السخط بين صفوف الجنرالات من الحكومة. وفي اليوم التالي عقدت هيئة الأركان العامة اجتماعًا مطولًا بحثت فيه المعاني والنتائج العسكرية المترتبة على قرار الحكومة الانتظار مدة ثلاثة أسابيع. وكانت هيئة الأركان في هذا الاجتماع موحدة في موقفها الرافض للانتظار، وجرى النقاش حول كيفية إقناع الحكومة بضرورة عدم الانتظار وشن الحرب بأسرع وقت ممكن. أكد رابين في هذا الاجتماع أنه يجب أن تتّضح للحكومة بلا أي لبْس ولا غموض؛ نتائجُ دخول الجيش المصري إلى سيناء، واستمرار تعزيزه وتقوية دفاعاته في الأسابيع الثلاثة المقبلة. وشدد رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية أهرون ياريف على ضرورة أن يقال للحكومة بوضوح إن الجيش يؤكد أنه ينبغي شن الحرب الآن ومن دون تأخير، وإن الانتظار يضع علامة سؤال على مكانة إسرائيل وعلى قدرتها على الحفاظ على وجودها إذا ما تأخرت في شن الحرب. أما عازر وايزمان فقال إنه يجب أن تقوم هيئة الأركان العامة بإرغام الحكومة على تغيير موقفها واتخاذ قرار بشن الحرب بأسرع وقت، واقترح بحث كيفية إرغام الحكومة على اتخاذ القرار بشن الحرب بأسرع وقت في هيئة مصغرة من هيئة الأركان العامة لكي يتم شن الحرب خلال أسبوع[31].

وفي سياق الضغط على الحكومة لتغيير موقفها بأسرع وقت؛ اتخذت المؤسسة العسكرية سلسلة واسعة من الأعمال والخطوات، في المرحلة التي وصل التوتر بين المؤسسة العسكرية والحكومة إلى أشده، وهي الفترة الممتدة من 28 أيار/ مايو إلى 2 حزيران/ يونيو 1967. وسنعرض هنا باختصار أهم هذه النشاطات التي قامت بها المؤسسة العسكرية في هذه الفترة لإرغام الحكومة على تغيير موقفها وشن الحرب بأسرع وقت[32].

أولًا، قرر رئيس الأركان رابين ورئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) تكليف جهاز الاستخبارات العسكرية بتقديم تقدير موقف للحكومة، يعالج بتوسعٍ النتائجَ الخطرةَ المترتبةَ على قرار الحكومة الانتظار ثلاثة أسابيع. وفعلًا أعد جهاز الاستخبارات العسكرية تقدير موقف بسرعة وقدمه إلى الحكومة. واتسم تقدير الموقف بالتهويل والمبالغة، وإثارة المخاوف من الأخطار الشديدة التي ستلحق بإسرائيل في حال لم تغير الحكومة قرارها، وأصرت على الانتظار ثلاثة أسابيع. وشدد تقدير الموقف على النقاط التالية:

تعاظم قوة الجيش المصري في سيناء يومًا بعد آخر من جراء استمرار تدفقه إليها.

خطر حصول سلاح الجو المصري على مزيد من الطائرات الحديثة ومنظومات حرب إلكترونية.

كل يوم يمر يزيد من صعوبة قدرة إسرائيل على الحفاظ على تفوقها الجوي.

خطر ازدياد وصول قوات عربية إلى دول الطوق.

خطر تضعضع قوة الردع الإسرائيلي واهتزاز مكانتها وهيبتها إقليميًا ودوليًا.

خطر أن تبادر مصر في توجيه ضربة استباقية للمطارات الإسرائيلية ولمفاعل ديمونه، وخطر أن تستعمل أسلحة كيماوية وصواريخ أرض–أرض بعيدة المدى وأسلحة مشعة.

خطر تنشيط العمل الفدائي الفلسطيني بدرجة كبيرة.

ثانيًا، قام قادة من المؤسسة العسكرية بالاتصال بقادة الأحزاب ومحرري الصحف وكبار المحللين على نحو مثابر، وأبلغوهم وجهة نظر المؤسسة العسكرية بشأن الضرورة القصوى في أن تشن إسرائيل الحرب بأسرع وقت ممكن، لتمارس الضغط على الحكومة لتغيير موقفها. وقد استجابت وسائل الإعلام لهذا الضغط، وشرعت تكثف انتقاداتها للحكومة على نحو منهجي، وتشكك في قدرة ليفي إشكول رئيس الحكومة ووزير الأمن على قيادة إسرائيل في هذه المرحلة الصعبة.

ثالثًا، قام رابين وقادة الجيش فور انتهاء اجتماع هيئة الأركان العامة مع إشكول في 28 أيار/ مايو، تحت غطاء الحفاظ على معنويات الجيش، بعرض موقف هيئة الأركان بشأن الضرورة القصوى في أن تشن إسرائيل الحرب بأسرع وقت، وأن المشكلة تكمن في موقف الحكومة التي لم تعد لديها القدرة على فهم الواقع، وعلى تحمل المسؤولية وقيادة إسرائيل في هذه المرحلة.

رابعًا، أصبح التناقض بين موقفَيِ الحكومة والمؤسسة العسكرية واضحًا لقادة الجيش وضبّاطه. ووصل هذا التناقض إلى تلك الحدة التي قال عازر وايزمان إن إسرائيل لم تكن في أي مرحلة من المراحل في تاريخها قريبة من حدوث انقلاب عسكري مثلما كان في تلك الفترة.

خامسًا، خلقت المؤسسة العسكرية الانطباع في اتصالاتها بالنخب الإسرائلية، ولا سيما الإعلامية والحزبية، أنه ليس في الإمكان الثقة بالحكومة، ولا بقدرة وزير الدفاع إشكول، الذي لم تكن له أي خبرة عسكرية، على أن يتخذ القرارات المناسبة بشأن الحرب، وأن إسرائيل في حاجة إلى قائد ذي خبرة عسكرية وتجربة في هذه الفترة بالذات. ونتيجة لهذه الاتصالات التي أجراها بعض قادة المؤسسة العسكرية والتي ترافقت مع مواقف العديد من الأحزاب، ولا سيما حزب رافي بقيادة بن غوريون وحزب جاحل بقيادة منحم بيغن؛ ازداد ضغط النخب والضغط الشعبي المصحوب بالعديد من المظاهرات، وضغط العديد من قادة الأحزاب لتغيير وزير الدفاع، ولإقامة حكومة وحدة وطنية لكي تتمكن إسرائيل من مواجهة الوضع الصعب.

سادسًا، إرسال رئيس الموساد إلى واشنطن: بعد يومين من عودة آبا إيبن من واشنطن، أي في 29 أيار/ مايو، اقترح أهرون ياريف رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية على إشكول، إرسال رئيس جهاز الموساد مئير عميت إلى واشنطن لإجراء اتصالات مع القيادة الأمنية والعسكرية الأميركية واستيضاح موقف الولايات المتحدة[33]. وقد وافق إشكول على ذلك.

لم يكن هدف المؤسسة العسكرية في حقيقة الأمر استيضاح الموقف الأميركي فقط، وإنما شرح وجهة نظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من الأزمة للقيادة الأميركية، والضغط عليها أيضًا للموافقة على قيام إسرائيل بشن الحرب، ولا سيما في ضوء مستجدات الأزمة، وفي مقدمتها توقيع مصر والأردن اتفاقية الدفاع المشترك في 30 أيار/ مايو.

وفي الفترة بين 29 و31 أيار/ مايو، أي عشية وصول رئيس الموساد إلى واشنطن، أخذ الموقف الأميركي يتغير تدريجيًا من مسألة قيام إسرائيل بشن الحرب. وقد حدث هذا التغيير في الموقف الأميركي نتيجة مجموعة من العوامل، كان من بينها تيقن الولايات المتحدة بأن الاتحاد السوفياتي لن يتدخل تدخلًا عسكريًّا مباشرًا في الحرب، إلى جانب الاتصالات والاجتماعات التي أجرتها وكالة المخابرات الأميركية مع بعض قادة الدول في المنطقة. وقد توج هذا التغيير في لقاءات رئيس الموساد مئير عميت مع قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية الأميركية.

وصل رئيس الموساد مئير عميت إلى واشنطن في 31 أيار/ مايو، واجتمع حال وصوله مع رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية CIA. وفي اليوم التالي اجتمع مع وزير الدفاع الأميركي روبرت مكنامارا، وأخبره بأن إسرائيل لا تستطيع الانتظار ثلاثة أسابيع، كما كانت قد قررت الحكومة الإسرائيلية، وإنما ثلاثة أيام إلى أربعة على أبعد تقدير. وأخبره أيضًا أن إسرائيل لا تريد أن يقاتل إلى جانبها أي جندي أميركي، لكنها تريد من الولايات المتحدة ثلاثة أمور:

منع أي تدخل سوفياتي في الحرب.

مساعدة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة خلال الحرب لكي يتمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيق أهدافه.

ملء مخازن السلاح الإسرائيلية بالسلاح الأميركي بعد انتهاء الحرب.

وسأل مكنامارا عميت كم من الوقت يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تحمل حالة التعبئة العامة للجيش الإسرائيلي؟ وكم من الوقت ستستغرق الحرب؟ وما حجم الخسائر الإسرائيلية المتوقعة فيها؟ فأجابه عميت بأن إسرائيل لا تستطيع البقاء على هذه الحالة لأسباب اقتصادية وغير اقتصادية أكثر من عدة أيام، وأن الحرب ستستغرق أسبوعًا، وأن خسائر إسرائيل فيها ستكون أقل من خسائرها في حرب 1948. ولم يُبْدِ مكنامارا أية معارضة أو تحفظ على ما قاله عميت، وهاتف مكنامارا خلال هذا الاجتماع الرئيس جونسون، وقدّم إليه تقريرًا عما سمعه من عميت، ثم واصل الحديث معه. وأدخلت خلال هذا الاجتماع ورقة إلى مكنامارا تخبره بأنه جرى تعيين موشي ديان وزيرًا للأمن، فأخبر مكنامارا عميت بمضمونها، ووقف وعانق عميت وقال له: أنت عليك العودة إلى إسرائيل فمكانك هناك. ولم يحصل مئير عميت في زيارته هذه لواشنطن على عدم معارضة الولايات المتحدة شن إسرائيل الحرب فحسب، وإنما على ضوء أخضر للقيام بشن الحرب[34].

وعند عودة رئيس الموساد عميت من رحلته إلى واشنطن، والتي استغرقت 36 ساعة، توجه فورًا من المطار إلى بيت رئيس الحكومة الإسرائيلية ليفي إشكول لتقديم تقريره عن زيارته لواشنطن. كان موشيه ديان ويغآل ألون ورابين وقادة إسرائيليون آخرون حاضرين في الاجتماع إلى جانب إشكول، عند وصول عميت قبل منتصف الليل بقليل إلى بيت إشكول. وفورًا قدم عميت تقريرًا عن رحلته، وأكد لهم أن الولايات المتحدة تبارك قيام إسرائيل بالحرب، ولا سيما إذا تمكنت من تحطيم عبد الناصر. وبعد تقديم عميت تقريره جرت مداولات تقرر على إثرها في هذا الاجتماع أن تشن إسرائيل الحرب على مصر، في صباح يوم الإثنين 5 حزيران/ يونيو، وأن تعقد الحكومة الإسرائيلية في صباح 4 حزيران/ يونيو اجتماعًا لإقرار قرار الحرب رسميًّا. وفي صباح يوم الأحد، وقبل اجتماع الحكومة، وصلت رسالة من الرئيس جونسون إلى إشكول، أكد فيها مواقف الولايات المتحدة السابقة من تطورات الأزمة، ولكنه أضاف إليها "تبادلنا الآراء على نحو شامل وكامل مع الجنرال عميت"؛ الأمر الذي أكد ما قاله عميت في تقريره، من أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل بشن الحرب. وفي اجتماعها في صباح 4 حزيران/ يونيو أقرت الحكومة شن الحرب على مصر، وهو القرار الذي كانت تدعو له المؤسسة العسكرية منذ تفجر الأزمة، وتضغط بكل قوتها على الحكومة لاتخاذه بأسرع وقت.

الخاتمة

أدّت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية دورًا مهمًّا وحاسمًا في صنع قرار شن إسرائيل الحرب على مصر في حزيران/ يونيو 1967. كانت هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي قد تبنت قبل حرب 1967 بسنوات موقف توسيع حدود إسرائيل في أقرب فرصة، ووضعت الخطط العسكرية لتحقيق ذلك. وعملت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على خلق هذه الفرصة، من خلال التصعيد العسكري المنظم الذي اتبعته تجاه سورية، وهي تدرك جيدًا أن تصعيدها العسكري واعتداءاتها المتكررة على سورية وتهديدها العلني باحتلال دمشق، سيقود إلى تدخل مصر التي كانت مرتبطة باتفاقية دفاع مشترك مع سورية. وعند تفجر الأزمة رفضت المؤسسة العسكرية الحل الدبلوماسي، وعملت بكل طاقاتها على إفشاله، وتمسكت بشدة بالحل العسكري، ومارست جميع أشكال الضغط التي كانت بحوزتها على الحكومة الإسرائيلية من أجل شن الحرب على مصر، لتدمير قوتها العسكرية ولتوسيع حدود إسرائيل في جميع الاتجاهات، لتستكمل احتلال كل أرض فلسطين إلى جانب احتلال سيناء وهضبة الجولان. وما إن استكملت إسرائيل احتلال كل أرض فلسطين حتى شرعت الحكومة الإسرائيلية في أول اجتماع لها بعد الحرب، بوضع الخطط لتهويد المناطق الفلسطينية المحتلة حديثًا، بواسطة الاستيطان الكولونيالي اليهودي، وفي وضع الخطط وإقامة اللجان وتخصيص الميزانيات لتهجير الفلسطينيين من المناطق الفلسطينية المحتلة.

 

 

[1] للمزيد عن عملية صنع القرارات التي تخص الأمن القومي في إسرائيل ودور رئيس الحكومة الإسرائيلية فيها والعلاقات بين المستوى العسكري والمستوى المدني، انظر: محمود محارب، سياسة إسرائيل النووية وعملية صنع قرارات الأمن القومي فيها (الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013)، ص 69–133؛ وللمزيد من التعمق بشأن العلاقة بين المستويين العسكري والمدني في إسرائيل، انظر: عزمي بشارة، من يهودية الدولة حتى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائيلية (رام الله: مواطن، 2005)، ص 75-119.

[2] للمزيد عن العلاقة المركبة بين وزير الأمن ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، انظر: محارب، ص 86-92.

[3] للمزيد عن عوامل تأثير المؤسسة العسكرية في عملية صنع القرارات التي تخص الأمن القومي انظر: المرجع نفسه، ص 109-133.

[4] للمزيد عن الحالات التي تسبب الحرب والخطوط الحُمر الإسرائيلية، انظر: أفنير ينيف، سياسة وإستراتيجية في إسرائيل [عبري]، (تل أبيب: مكتبة بوعليم وجامعة حيفا، 1994)، ص 51-79، ص 151-158؛ وكذلك انظر: يغآل ألون، ستار من الرمل [عبري]، ط 2 (تل أبيب: هاكيبوتس هاميؤحاد، 1968)، ص 369-370.

[5] للمزيد انظر: دوف تماري، الأمة المسلحة: صعود ظاهرة الاحتياط في إسرائيل وأفولها [عبري]، (تل أبيب: وزارة الدفاع، 2012)، ص 167-171.

[6] عامي غلوسكا، إشكول أصدِرْ الأمر [عبري]، (تل أبيب: معرخوت ووزارة الأمن، 2004)، ص 49-51. كان موقف إسحاق رابين واضحًا للنخبتين العسكرية والسياسية بشأن ضرورة توسيع إسرائيل لحدودها. وقد أشار دان مرجليت إلى أن رابين أعرب عن رأيه في العام 1962 أنه من دون امتلاك إسرائيل السلاح النووي، فإنه من المحبذ أن تبادر إسرائيل إلى شن الحرب من أجل توسيع حدودها، انظر: دان مرجليت، رأيتهم [عبري]، (تل أبيب: زمورا بيتان، 1979)، ص 60.

[7] المرجع نفسه، ص 49-56.

[8] المرجع نفسه، ص 58.

[9] كان من ضمن ما حصلت عليه إسرائيل في السنوات الأربع التي سبقت حرب حزيران/ يونيو؛ 140 طائرة عسكرية حديثة، وشملت 48 طائرة سكاي هوك الأميركية الصنع، و50 طائرة ميراج الفرنسية، وكذلك 500 دبابة أميركية حديثة، إضافة إلى الصواريخ والمدفعية الحديثة والأسلحة الأخرى.

[10] غلوسكا، ص 144.

[11] المرجع نفسه، ص 178-184.

[12] المرجع نفسه، ص 192-193.

[13] للمزيد عن هذه الخطط انظر: المرجع نفسه، ص 258-265.

[14] إيتان هابر، اليوم تنشب الحرب: مذكرات الجنرال يسرائيل ليؤور السكرتير العسكري لرئيس الحكومة ليفي إشكول وغولدا مئير [عبري]، (تل أبيب: عيدنيم، 1987)، ص 164. انظر أيضًا: توم سيغف، 1967: البلاد غيرت وجهها [عبري]،
(تل أبيب: دار كيتر للنشر، 2005)، ص 259-260.

[15] هابر، ص 166-170.

[16] إسحاق رابين، مذكرات خدمة [عبري]، (تل أبيب: مكتبة معاريف، 1979)، ص 156-158.

[17] غلوسكا، ص 182.

[18] دوف بن مئير، مؤسسة الأمن: التاريخ والبنية والسياسة [عبري]، (تل أبيب: مسكال ويديعوت أحرونوت، 2009)، ص 182.

[19] استاء آبا إيبن كثيرًا من البرقية التي استلمها من إشكول، وكتب في مذكراته: "استصعبت أن أفهم كيف حدث تغيير حاد جدًّا في وضعنا العسكري منذ سماعي تقارير جنرالاتنا في تل أبيب"، انظر: آبا إيبن، فصول حياتي [عبري]، مج 2 (تل أبيب: مكتبة معاريف، 1978)، ص 345.

[20] للمزيد من التفاصيل عن حيثيات إرسال هاتين البرقيتين، انظر: زكي شلوم، "اجتماع وزير الخارجية آبا إيبن مع الرئيس ليندون جونسون عشية حرب الأيام الستة"، يهدوت زمانينو، العدد 11–12 (1997)، ص 301-336؛ وكذلك: سيغف، ص 275-277.

[21] غلوسكا، ص 288.

[22] نشر زكي شلوم محضر اجتماع إيبن مع جونسون استنادًا إلى الوثائق الأميركية، انظر محضر هذا الاجتماع في: شلوم، ص 322-336.

[23] المرجع نفسه.

[24] لم يجر إشكول تصويتًا رسميًا في هذا الاجتماع بشأن اتخاذ قرار الحرب، ولكن كان واضحًا من مداخلات جميع الوزراء وجود تعادل بين الوزراء، إذ انقسموا إلى معسكرين؛ تسعة وزراء أيدوا قيام إسرائيل بشن الحرب، وتسعة وزراء عارضوا ذلك. انظر: ميخائيل بار زوهار، الشهر الأطوَل [عبري]، (تل أبيب: ليفين- أبشطاين للنشر، 1968)، ص 144.

[25] غلوسكا، ص 321.

[26] جرت مشاورات بين إسرائيل والولايات المتحدة على مضمون خطاب إشكول في الكنيست بطلب من الرئيس جونسون. وقد أرسلت إسرائيل مسودة خطاب إشكول إلى واشنطن وجرى تعديله بالتشاور بين الطرفين. للمزيد انظر: غلوسكا، ص 325.

[27] تعود تأتأة إشكول إلى إدخال بعض الكلمات بخط اليد إلى خطابه في اللحظات الأخيرة قبل إلقائه الخطاب، ووجد إشكول صعوبة في قراءتها، وتمتم بصوت مسموع متسائلًا: من أضاف هذه الكلمات؟ للمزيد انظر: هابر، ص 193-194.

[28] غلوسكا، ص 320-321.

[29] هابر، ص 194-198؛ انظر كذلك: غلوسكا، ص 332-338.

[30] المرجع نفسه.

[31] للمزيد عن نشاط المؤسسة العسكرية في الضغط على الحكومة الإسرائيلية بجملة واسعة من الوسائل انظر: أريه نؤور، "إقالة ليفي إشكول من منصب وزير الأمن ونتائج حرب الأيام الستة: أناتوميا التطلع للمخلص"، في: دبوراه هكوهين وموشيه ليساك (محرران)، مفترقات الحسم وقضايا مركزية في إسرائيل [عبري]، (القدس: معهد بن غوريون لدراسة إسرائيل والصهيونية في جامعة بن غوريون، 2010)، ص 446- 486.

[32] للاستزادة عن دور المؤسسة الأمنية المكثف في هذه الفترة في الضغط متعدد الجوانب على الحكومة بهدف تغيير موقفها، انظر: هابر، ص 177–198؛ وكذلك: نؤور، "إقالة إشكول"؛ غلوسكا، ص 327-375.

[33] مئير عميت، رأس برأس: نظرة شخصية على أحداث كبيرة وقضايا مجهولة [عبري]، (أور يهودا: هد أرتسي للنشر،1999)، ص 237.

[34] أمنون جاكونت، مئير عميت الرجل والموساد [عبري]، (تل أبيب: مسكال- يديعوت أحرونوت، 2012)، ص 216–225؛ انظر كذلك: عميت، ص 237-243.

التعليقات