26/06/2018 - 10:50

لماذا فرحت وسأفرح لتركيا؟

على الصعيد الفلسطيني، تقف تركيا بقيادة أردوغان موقفا جيّدا من القضية الفلسطينية، له وزنه وثقله الإقليمي والدولي، وهو أفضل بكثير موقفها السابق في زمن حكم العسكر، وهذا جعل نتنياهو ووزراءه يكنون البغضاء لأردوغان

لماذا فرحت وسأفرح لتركيا؟

كثيرون انتقدوا بل وهاجموا وسخروا من حالة التعبير عن الفرح، التي عمّت شبكات التواصل الاجتماعي، وتساءل هؤلاء، لماذا يفرح بعض العرب بفوز أردوغان وحزبه؟ وقال بعضهم"يبدو أن هؤلاء مشتاقون لخوازيق العثمانيين"، وقال البعض الآخر"إن العرب يعشقون أن يكونوا مستعبدين"، وأطلق البعض على الرئيس التركي لقب "السلطان أردوغان"، وهي تسمية إسرائيلية هدفت لشيطنة الرئيس التركي، وبأنه يسعى لتحقيق حلمه بأن يكون أميرًا للمؤمنين، بل وقال بعضهم إنه يسعى للتوسع وضم قطاع غزة إلى تركيا؟ هل تذكرون؟

بينما تساءل البعض مستنكرًا، ما علاقتنا نحن بتركيا حتى نفرح لها؟! فنحن مختلفون ومنقسمون وتحكمنا دكتاتوريات حتى في مجالسنا البلدية؟

في الحقيقة أنها فرحة مشوبة بالمرارة.

أولا وقبل كل شيء، فإن هذه النتيجة أفرحت ملايين السوريين النازحين من وطنهم تحت وطأة الحرب الأهلية الطاحنة، وكانت أحزاب المعارضة لأردوغان في تركيا، قد توعّدت هؤلاء بطردهم من تركيا، هؤلاء يستحقون أن نفرح لفرحتهم، أردوغان فتح ذراعي تركيا لهؤلاء المضطهدين، ويعيش هؤلاء في تركيا في وضع إنساني مقبول نسبيًا، وبعضهم في وضع جيد جدًا، وكل من يزور تركيا، يعرف أنه لا يخلو متجر واحد أو مطعم أو مقهى أو مكان عام من السوريين الذين يعملون ويكسبون باحترام، باستثناء قلّة، ووجودهم في تركيا يشكل حماية أساسية لهم، في بيئة قريبة منهم، ومن عاداتهم وتقاليدهم، ولن يتعرضوا لعنصرية على أساس ديني كما حدث ويحدث في بعض المواقع في أوروبا وأمريكا، وهو أمر آخذ في التصاعد ضد المهاجرين حتى لدى أكثر دول ديمقراطية؛

إذا نظرنا إلى مواقف الأنظمة في السعودية ومصر والإمارات وسورية نرى أنهم يحرضون ضد نظام أردوغان، ويتهمونه بشتى التهم ولا يتمنون له الخير، لأنه يمثل النموذج المختلف عن فاشيتهم ودكتاتوريتهم.

أضف لهذا موقف أمريكا ومعظم الدول الأوروبية التي تكن البغضاء لحزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان ويتمنون سقوطه؟

بكل بساطة لأن سياسة هذا الحزب الاقتصادية تعتبر نجاحا كبيرًا في فترة زمنية قصيرة، قفزت بتركيا من المكان 111 في العالم إلى المكان 17، وهذا يعني أن تركيا في طريقها لتثبيت كونها دولة إقليمية قوية وليست ألعوبة أو رهينة للبنك الدولي والدول المانحة وقرارها السياسي أكثر استقلالية، ونجد الفرق الهائل عندما نقارن تركيا بمصر، في مستوى الحياة والخدمات، والحريات الشخصية، والنظام الديمقراطي، حيث حصل الرئيس المصري على أكثر من 95% من أصوات المشاركين في الانتخابات المصرية الذين لم تبلغ نسبتهم ال50% ،بينما شارك حوالي 90% من الأتراك في الانتخابات، بصورة طوعية، فلا توجد عقوبة على من لا يشارك، أضف إلى هذا دولا لم تعرف الانتخابات الحقيقية منذ قيامها مثل سورية والمغرب والسعودية واليمن وليبيا وغيرها من دويلات الخليج، وهذا يعني أن القرار الذي صدر عن الناخب التركي هو حقيقي مئة بالمئة، ويمثل بالفعل رغبة الشعب التركي، وهذا ما يجب أن يكون بالنسبة الشعوب العربية مثالا يحتذى، فشعب تركيا ليس بعيدًا عنا، والكثير منه من أصول عربية وكردية، وهذا يدحض مقولات تزعم أن الديمقراطية لا تصلح للعرب، فما يصلح للأتراك القريبين جدا منا في العادات والتقاليد وبالكثير من التراث الاجتماعي والديني يصلح للعرب.

نفرح لتركيا لأنها تنتخب قيادتها بعد محاولة انقلابية أفشلها الشعب، بينما نجح الانقلاب في مصر، وسُجن وقتل الآلاف، وأعدمت إنجازات ثورة 2011 واختطفت، وعاد الشعب المصري إلى حكم العسكر وإلى نتيجة ال 95% من الأصوات للمرشح الذي لا منافس له، إذ جرى سجن أو إلغاء كافة المرشحين الجديين أمام السيسي.

رأينا في تركيا القريبة جدًا منا احترام المعارضة وعدم الزج بها في السجون، وقد حصل منافسو أردوغان على نسبة مهمة من أعداد الناخبين، ولم يكونوا كومبارس لتتمة المشهد، بل معارضة جدّيّة، طرحت برامجها بحرية.

على الصعيد الفلسطيني، تقف تركيا بقيادة أردوغان موقفا جيّدا من القضية الفلسطينية، له وزنه وثقله الإقليمي والدولي، وهو أفضل بكثير موقفها السابق في زمن حكم العسكر، وهذا جعل نتنياهو ووزراءه يكنون البغضاء لأردوغان، في الوقت الذي يتمرغ بعض العرب في أوحال التآمر على القضية الفلسطينية ويلتقون نتنياهو سرّا وعلنا لتنفيذ رغباته.

في تركيا الحالية، تستطيع أن تدخل المسجد ولن يمنعك أحد من ذلك، وإذا شئت أن تدخل المقهى الليلي وتحتسي العرق وغيره، فهذا أيضا مضمون لك، ما دمت لا تؤذي غيرك.

توجد حرية تعبير وصحافة نسبية، وإن كانت منقوصة، ولكن لا مقارنة بينها وبين حرية الصحافة والتعبير المغيّبة بشكل كبير أو تام في الوطن العربي كله.

القيادة التركية تضع مصلحة شعبها فوق كل شيء، نرى هذا من خلال تعامل أردوغان وإدارته للأزمات، بينما تضع أنظمتنا العربية الكرسي نصب عينيها، حتى ولو خرّبت البلاد وأهلكت العباد.

من يزر تركيا من العرب، لا يشعر بأنه في بلد غريب، فالكثير من لغتهم فيها مفردات عربية، واللغة العربية ما زالت منقوشة على أبواب العمارات القديمة وجدرانها.

في الوقت الذي نجحت الأنظمة العربية برسم صورة إرهابية للإسلام وشيطنته، وجعلت من الإسلام أمرًا مخجلا، فكل من يزور تركيا يرى بلدا مسلمًا بأكثريته ولكنه ديمقراطي، يحترم العقائد الأخرى، والحريات الشخصية، وهذا حدث منذ تسلم حزب العدالة والتنمية زمام هذا البلد بقيادة أردوغان وحزبه، فلماذا لا نفرح له.

وأخيرًا، يحدد الدستور الجديد مدة الرئاسة لدورتين فقط، مجموعها عشر سنوات، مثل أعرق الديمقراطيات في العالم، وهذا إنجاز نتمناه في الواقع العربي.

فلماذا لا نفرح، نعم فرحت وسأفرح، والعقبى للعرب.

التعليقات