11/07/2018 - 14:11

الاختلاف حق والتخوين رذالة

كلنا متفقون أننا نواجه سياسة عنصرية لا تفرّق بين هذا العربي أو ذاك، بغض النظر عن انتمائه الفكري أو الديني أو المذهبي أو التنظيمي.

الاختلاف حق والتخوين رذالة

الاختلاف هو تباين في وجهات النظر في قضية ما، ولا يُفترض أن يوصل إلى القطيعة والعداء والتهجمات الجارحة بين المختلفين، والأهم يُمنع منعًا باتا القذف بتهمة الخيانة، وخصوصًا، عند الحديث عن شخصيات أو تنظيمات جماهيرية، لأن التهمة تضر المجتمع بأكمله، ولا تقتصر على فردين أو تنظيمين مختلفين.

نختلف في وجهات النظر مثلا في المشاركة أو عدم المشاركة في الكنيست، حل الدولة الواحدة أو الدولتين، أو على طريقة إحياء مناسباتنا الوطنية، والموقف من القوى الديمقراطية اليهودية، الموقف من تدويل قضايانا الملحّة أو عدم تدويلها، نختلف على الموقف من القضية السورية، أو من الوضع في مصر قبل وبعد انقلاب السيسي، أو في الموقف من تركيا وقطر، أو من السعودية والإمارات والأردن.

كلٌ يطرح وجهة نظره، فإما أن نصل إلى موقف مشترك يوحّد الجميع، أو أن يبقى كل طرف متمسّكا برأيه دون الوصول إلى خلاف عنيف، والأهم من كل هذا، أن لا نتهم المختلف بأنه خائن أو عميل لقوى أجنبية، وذلك لما لهذه التهمة من إسقاطات كارثية على العمل المشترك بمجمله، والقدرة على مواجهة السلطة والصمود في وجه مخططاتها.

يتضح لنا بعد الانكشاف الهائل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أن كل واحد منا هو نسيج نفسه، ولا يوجد اثنان متطابقان، أو متفقان حول فكرة واحدة بصورة تامة ومطلقة، فهناك عوامل كثيرة تؤثر على تفكير الناس وتصرفاتهم وقناعاتهم ومواقفهم.

كلنا متفقون أننا نواجه سياسة عنصرية لا تفرّق بين هذا العربي أو ذاك، بغض النظر عن انتمائه الفكري أو الديني أو المذهبي أو التنظيمي.

النظام العنصري يقرُّ في هذه الأيام قوننة بناء تجمّعات سكنية لليهود فقط، ويضع اليهودي درجة فوق الآخرين، بغض النظر عن أفكار هذا اليهودي وأيديولوجيته أو مذهبه أو تصرفاته أو أخلاقه، كذلك يلغي من دولة إسرائيل صفة الديمقراطية، وهذا يعني أن ما ينتظر الجماهير العربية لا يحتمل التأويل، نحن باتجاه من ضيق إلى أضيق، ولن تسعفنا سوى وحدتنا.

من حق الماركسي أن يختلف مع الإسلامي أو القومي أو غيرهما في إدارة الصراع، وطرح الحلول والرؤى، قد تكون هذه مجدية أو غير مجدية. إلا أن توجيه تهمة الخيانة لهذا المختلف مهما كان الخلاف معه عميقًا، فهي جريمة بحق شعب يواجه هذه المخاطر المحدقة، ويحتاج إلى رصّ صفوفه مثل الهواء والماء.

كتابة منشورات تخوّن هذا القيادي أو ذاك، حتى ذلك الذي يقضي أو قضى في السجن والمعتقلات والتنكيل سنوات من عمره، الشيخ رائد صلاح مثلاً، والتنظير بأن إسرائيل تقصد تلميع هؤلاء! ثم استقبال عشرات التعقيبات على منشور تافه كهذا بـ"صدقت يا رفيق"، وإضافة تعليقات فيها شتائم وسفاهات أخرى بحق التيارات الفكرية والسياسية الأخرى، وتوسيع دائرة التخوين من المحلي إلى العربي إلى العالمي، هو عمل خطير جدًا.

هذا السلوك الأناني غير المسؤول، يؤدي إلى تفتيت مجتمع هو بأمس الحاجة إلى الوحدة الكفاحية، ولا أقول الوحدة الفكرية، نحن بحاجة إلى احترام وتعزيز الثقة ببعضنا البعض، فالثقة تقوّي موقفنا في مواجهة آلة العنصرية والأبرتهايد التي تعمل ضدنا في الليل والنهار، وتمنح الأجيال الصاعدة أملا.

نهج التخوين قديم، امتاز فيه بعض من تسملّوا قيادة هذا الشعب في حقبة زمنية معينة، ولكنّه موجود أيضا لدى فئات أخرى، فهناك من يكفّر المُختلف، ويشكّك بأخلاقه، ويجرّ مجتمعنا إلى خلافات هامشية، مثل التحريض ضد عرض مسرحي، أو فيلم، أو احتفال فنّي ومسيرة رياضية تقيمها النساء، أو مهرجان مختلط، فهؤلاء أيضا يريدون من شعبنا كله أن يكون على مقاسهم.

هذه الاتهامات المتبادلة نراها كذلك، بين قطبي الحركة الوطنية الفلسطينية الكبيرين، فتح وحماس، يتحدثون عن المصالحة، وفي الوقت ذاته يخوّنون بعضهم ويصفون بعضهم بالمتآمرين والقابضين ثمن مواقفهم، من إيران وقطر أو من إسرائيل والسعودية.

الخيانة ليست تهمة ممكن تجاوزها كتهمة الكذب أو الانتهازية أو الخطأ في تقييم الوضع، الخيانة هي أم الرذائل كلها، ولهذا ممنوع السكوت على أيٍ كان يُشْهِر سيف التخوين بوجه فئة من أبناء شعبه، ما لم يكن لديه إثباتات وتحقيقات وقرائن على الخيانة.

الخيانة عمل يقوم به الفاعل مع قصد وسبق إصرار ضد أبناء شعبه، ومن يلقي هذه التهمة على عواهنها على الناس وخصوصًا على القياديين، فهو في الواقع يصنع الفتنة، وهو محراك للشرّ، وهو أناني يحاول احتكار الوطنية والنظافة والقيادة، حتى لو أدى هذا إلى إضعاف الجماهير المضطهدة، فيما هي أحوج ما يكون إلى وحدة الصف، بمختلف مركباتها تحت خيمة نضالية واحدة.

التعليقات