15/07/2018 - 16:00

كيف تُعسكر إسرائيل الانتخابات المحلية في النقب؟

يعاني أهالي النقب من النظرة الأمنية لمؤسسات الدولة العبرية تجاههم، والمحاولات المستمرة للسيطرة على المجتمع العربي في النقب واختراق منظومة القضاء العشائري، التي تمثل إنقاصًا للسيادة الإسرائيلية على المجتمع والأرض.

كيف تُعسكر إسرائيل الانتخابات المحلية في النقب؟

قوات الهدم في النقب (أ ف ب)

يعاني أهالي النقب من النظرة الأمنية لمؤسسات الدولة العبرية تجاههم، والمحاولات المستمرة للسيطرة على المجتمع العربي في النقب واختراق منظومة القضاء العشائري، التي تمثل إنقاصًا للسيادة الإسرائيلية على المجتمع والأرض.

دخلت العقلية الأمنية الإسرائيلية مواجهةً مباشرة مع المجتمع العربي في النقب في العديد من المراحل، كان آخرها انتشار مقاطع "أبوك يا الملح" (إطلاق نار من على يد شبان عرب في شوارع رئيسية بالنقب) منذ 3 أشهر، وعجّت المفترقات الرئيسية ومداخل القرى العربية بوحدات الشرطة وحرس الحدود، وانتشرت مشاهد على جوانب الطرق لتفتيش سيارات المواطنين العرب بشكل عشوائي وموجه، ورغم عدم إعلان الشّرطة الإسرائيليّة عن أيّة نتائج لحملتها المسعورة، إلّا أنّ الحضور الشرطي لا يزال موجودًا على مداخل القرى والمفترقات حتى اليوم، وكأنه تصريح من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تجاه عرب النقب بوجود الشرطة ومراقبتها للعرب.

ودخل ما يمكن تسميته بـ"الإعلام الحربي" لإسرائيل سباقَ التحريض المسعور من معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية، كما لعبت جمعيّة رغافيم العنصريّة، وحركة أور المرتبطتان بحزب البيت اليهودي (يرأسه وزير التعليم، نفتالي بينيت) بشكلٍ مباشر ووزير الزراعة المسؤول عن شؤون النقب والمعادي له، أوري أريئيل.

يد من حديد على عرب النقب

شنّت الشرطة الإسرائيلية، وتحديدًا وحدة يوآف وحرس الحدود إلى جانب الجمعيات اليمينية وموظفي سلطة ترحيل البدو، حملة ضد أهل النقب من خلال عمليات هدم البيوت ومن خلال الحملات الشرطوية الجنائية في النقب على مدار السنوات الماضية، ومنذ بداية العام 2018 بشكلٍ خاصّ، نتجت عنها صدامات عنيفة نتيجة استخدام الشرطة المفرط للقوة في كل حالات التصادم، حسب شهادات الأهل، ومن نتائجها الإصابة والاعتقال، وجرى توثيق العديد من الحالات في مواد سابقة لموقع "عرب 48"، منها قرية الظحية مسلوبة الاعتراف، وما تخلّل استفزازات الشرطة من تهديد بالسلاح واعتداء على أطفال مطلع العام الجاري، وكذلك في قرية عوجان مسلوبة الاعتراف من اعتداء وهدم بالإجبار، وفي قرية بير المشاش مسلوبة الاعتراف، حيث تم الاعتداء واعتقال 5 أفراد بينهم نساء، وفي قرية أم نميلة، حيث تم الاعتداء وهدم بالإجبار واعتقال 8 أفراد، بالإضافة إلى قرية العراقيب التي تشهد اعتداءات متكررة واستفزاز للأهالي وهدم بيوت، وفي رهط حيث تم الاعتداء على شابين مقيدين وجرى توثيق ذلك سجل في فيديو انتشر على شبكات التواصل، وغيرها من الحالات.

ينضاف إلى كل هذه الاعتداءات، اغتيال الشهداء سامي الجعار وسامي الزيادنة ومحمود القاضي ويعقوب أبو القيعان وغيرهم برصاص الشرطة خلال السنوات الماضية.

كل هذه العوامل وغيرها، يرى فيها أهالي النقب دليلًا على العقيدة الإسرائيليّة الأمنية في التعامل معهم، إذ تراهم المؤسسة خطرًا أمنيًا بحكم التواصل الجغرافي مع الضفة وغزة وسيناء، والدور الذي لعبه عرب النقب في الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية بشكل خاص، بالإضافة إلى المخاوف الاسرائيلّية ممّا يسمى "الخطر الديموغرافي"، بسبب ارتفاع نسبة الولادة في البلدات والتجمعات العربية العالي في الجنوب، الذين ارتفع تعدادهم من 11 ألفا غداة النكبة في العام 1948 عربيًا إلى 240 ألف عربي تقريبًا اليوم.

صناعة القيادة

تحاول إسرائيل زرع الخوف في نفوس المواطنين العرب، مرةً بالملاحقة السياسية، أو باستخدام العنف تجاههم، أو هدم البيوت وتدفيع الغرامات، ثم تحاول اختراق وتقسيم المجتمع العربي في النقب، عبر الوعود والتقرب إلى الشيوخ البدو وآخرين، لكي يلعبوا دور الوسيط بين المؤسسة الأمنية والشارع العربي، ومنحهم الصلاحية لتوفير الخدمات "وتخفيض العقوبات" المفروضة من السلطة الإسرائيليّة على المواطنين العرب، لكن بشرط التعاون معها.

بموازاة ذلك، تهدف المؤسسة الإسرائيلية إلى تحويل هؤلاء إلى قيادة جديدة خريّجة المؤسسة الأمنية وصديقة لها، وبهدف عموم المواطنين قدر الإمكان عن قضية ملكية الأراضي المتنازع عليها مع الحكومة الإسرائيليّة، الأمر الذي يظهر جليًا في انتخابات السلطات المحلية.

تستخدم السلطات الإسرائيليّة التقسيمات العشائرية في النقب، التي يظهر حدّ سيفها في الانتخابات المحلية، للتقسيم والسيادة ولزرع أسماء جديدة أو قديمة معروفة بتبعيّتها العمياء للمؤسسة الأمنية الإسرائيليّة، ولديها القابلية لذلك، الأمر الذي بدأ يتضح مع بدء أجواء انتخابات السلطات المحلية الحالية، وفي حين سجّلت الانتخابات المحلية الماضية، في العام 2013، العديد من حالات العنف في بلدات النقب في أعقاب نتائج الانتخابات المحلية.

تميز العام 2018، حتى الآن، بترشّح العديد من الأسماء التي خدمت في الجيش الإسرائيلي، والتي قد تكون تبوأت مناصب في الجيش وخدمت لفترات طويلة بشكل طوعي في الجيش.

نقل عناوين السكن من قرى الصمود

لا يتقبّل المجتمع العربي في النقب مجنّدي الجيش الإسرائيليّ، ولكن تطغى، في بعض الأحيان، العصبيّات القبليّة في المجتمع النقباوي الأبوي والمنغلق، وذلك على حساب الاعتبارات المهنية والمعايير الموضوعية، الأمر الذي يؤدي لخسارات أخرى، قد يكون أخطرها في قضية ملكية الأراضي العربية، ونقل الآلاف من عرب النقب لعناوين سكناهم من القرى مسلوبة الاعتراف إلى البلدات المخططة والمجالس الإقليمية، وذلك من أجل المشاركة في الانتخابات المحلية ودعم القرارات العشائرية.

ومن هذه الحالات، نقل 3 آلاف مواطن عربي عناوين سكناهم، من قرى خط 25 مسلوبة الاعتراف إلى نفوذ المجلس المحلي القسوم، من أجل دعم المرشح العشائري، بالإضافة إلى نقل الآلاف من أهالي قرى منطقة البحر الميت، وكذلك نقل أهالي بلدة وادي النعم مسلوبة الاعتراف عنوان سكنهم إلى بلدة شقيب السلام لنفس الغاية.

يضعف نقل عناوين السكن بشكل جذري من قدرة عرب النقب على إثبات ملكيتها أو تحصيلها على أرضهم، والذي أصبح شبه مستحيل بعد "نص قرار العقبي"، ويسهّل على المؤسسات الإسرائيلية مزاعمها بأن عرب النقب يريدون العيش في البلدات المخططة السبع، ويلغي الإمكانية التي يمنحها القانون الإسرائيلي لإثبات الملكية على الأرض من خلال الإقامة فيها طيلة سنوات.

في الخلاصة، تضغط الدولة الإسرائيلية على المواطن العربي في النقب، تلاحقه وقد تصل حد القتل إن استمر خوفها منه، ثم تروج الوعود الكاذبة في محاولة للوصول إلى تقسيم المجتمع وقلبه على ذاته، وذلك عبر صنع عناوين لها، لتشكّل انتخابات السلطات المحلية والتكتّلات العشائرية، التي شكّلت في السابق خطَّ دفاعٍ في وجه الجرّافة الإسرائيليّة، الفرصة الأمثل لزرع الوجوه الجديدة التي تتقن لغة التقسيم العشائري وتعزز الشرخ والانقسام، وتضرّ بقضيّة ملكيّة الأراضي لعرب النقب بشكل غير قابل للإصلاح في الكثير من الأحيان، والأخطر أنها تعسكر مجتمعنا.

التعليقات