24/07/2018 - 11:37

"قانون القومية": أبعاد بناء "جماعة الالتزام" وحصرية الحقوق

العربي ليس إلا مشكلة يجب إبعادها وإزالتها عن الطريق، لكي تحتفل جماعة الالتزام بنصرها وحقها في بناء ديموقراطيتها الحصرية على خرائب أهل البلد.

تنطلق الرؤية الأساسية الموجهة لقانون أساس "إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي"، كما تجلت في بنوده المختلفة وكما عبرت عنها تصريحات السياسيين المبادرين والداعمين له، من حقوق ومصالح الشعب اليهودي الحصرية في "أرض/ دولة إسرائيل في العالم"، ومن اعتبار اليهود شعبًا وحيدًا يستحق الحقوق القومية والجماعية، ووفق ما جاء في البند أ من المبادئ الأساسية "أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة إسرائيل"؛ أما في البند ب، فجاء "إن دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير"؛ وفي البند جـ تم التحديد بأن "ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي".

ولفهم معنى الحصرية وأبعادها ووضعها في سياقها، من الضروري التوضيح أن الفلسطينيين يشكلون في ما يشير له القانون بمسمى "أرض إسرائيل" حوالي نصف السكان ويشكل اليهود النصف الثاني منهم. أما في حدود دولة إسرائيل التي أشير في القانون إلى أنها قامت في "أرض إسرائيل" (دون تحديد حدودها)، فيشكل الفلسطينيون 20 في المئة من سكانها ومواطنيها، وهي نسبة سيالة وغير نهائية ويمكن أن تتقلب لو قررت إسرائيل ضم مناطق إضافية من "وطنها التاريخي"، "أرض إسرائيل"، لحدود دولة إسرائيل!

وفي ما عدا ما كتب عن الأبعاد القانونية والقومية المباشرة للقانون، أود أن أركز على المعاني العميقة لتأسيس الحقوق القومية الحصرية اليهودية في مكان نصف سكانه ("أرض إسرائيل")، و20 في المئة من مواطنيه (دولة إسرائيل) من الفلسطينيين ممن عاشوا قبل ولادة الصهيونية في هذه البلاد، والتي محت معالمها خلال النكبة وبعدها وشيدت على أنقاضها إسرائيل كدولة يهودية.

تتأسس الرؤية الحصرية للحق اليهودي في البلاد على فكرة القومية - الاثنية المتمركزة على الذات اليهودية والمبنية على ثنائية "الاحتواء/ الطرد"، حيث تحتوي الجماعة اليهودية كل من يعرف بأنه يهودي وفق "قانون العودة" من العام 1950 وقانون الجنسية وتنظيم الدخول لإسرائيل من العام 1952، ووفق تعريفات إجرائية مبنية بالأساس على هوية الدم تم اجتراحها وتعديلها كل الوقت، تقابلها عملية طرد وإبعاد لكل الذوات التي تعتبر خارجة عن حدود هوية الجماعة/ القبيلة، ودفعها إلى خارج دائرة النظر الأخلاقي والحسابات الأخلاقية. وتتشكل "الحصرية اليهودية" للحقوق بالتوازي بحصر قضايا الأخلاق والحقوق بـ"القبيلة اليهودية"، واعتبار كل من لا ينتمي لها بأنه خارج مجال الاعتبار. وفي هذا السياق، من الممكن الاستعانة بما اسمته الباحثة هلن فاين بـ"حدود الالتزام"، وهو عبارة عن جماعة من الناس تربطهم التزامات متبادلة لحماية بعضهم البعض وتوحدهم مرجعية مقدسة أو إله مقدس، إذ إن "عالم الالتزام" يشير إلى الحدود الخارجية للفضاء الاجتماعي الذي تطرح فيه القضايا الأخلاقية، حيث لا يكون لهذه القضايا أي معنى خارج هذه الحدود، ولا تكون الوصايا الأخلاقية ملزمة خارج هذا العالم، بحيث لا يبقى سوى طرد الضحايا من عالم الالتزام حتى يتم إخفاء إنسانيتهم، وفي حالة الفلسطينيين فقد مرت عملية طرد الفلسطيني من عالم الالتزام على مراحل، بدأت بطردهم من المكان عام النكبة ومنع عودتهم وبالتالي إخفائهم فعليا عن مجال نظر الإسرائيلي، فيما تم إخراج المتبقين العرب الذين نجوا من النكبة من عالم الالتزام مباشرة مع الإعلان عن إسرائيل دولة يهودية ووضعهم تحت الحكم العسكري الذي انتهى في العام 1966.

تحوّل إخراج الفلسطينيين من عالم الالتزام إلى المخيمات إلى جزء مؤسس لإسرائيل، وطبقة لا وعيها الحاملة لأخلاقياتها الحصرية، وكان رفع الحكم العسكري عن البقية خطوة باتجاه تحويل حدود عالم الالتزام إلى حدود غير مفكر فيها راسخة، عبر محاولة إدخال العرب في إسرائيل ضمن هوامش حدود الالتزام، مقابل ترسيخ طرد اللاجئين من حدود الالتزام ونزع أي شرعية عن مطالب إعادتهم إلى بلدهم التي هجروا منها، باعتباره خطاب تهديد ومكمن خطر على جماعة الالتزام.

ضمن هذه الرؤية الإثنو-قومية لخط حدود جماعة الالتزام، أخرج العربي من الجماعة بداية جسديا ثم أغلق في عتم المخيم وخانة اللامبالاة لا يرى ولا يحسب ولا يعتبر. أما الفلسطيني الذي أعطي المواطنة الإسرائيلية، فوضع بحكم تعريف الدولة وتاريخ إقامتها الاستعماري على طرف جماعة الالتزام/ المواطنة المعتبرة، يتأرجح على حفتها بين الدمج مرة والتهديد بالإخراج مرة أخرى، تتجاذبه التيارات المتقاتلة في جماعة الالتزام وتخضع مكانته لحساباتها للربح والخسارة الانتخابية، دون أن تدخله حقا إلى عالم التزامها أو تقر به كائنا متساويا.

ظل هذا الوضع هو المسيطر حتى جاء "قانون القومية" ليحسم مكانته نهائيا كعنصر خارجي لجماعة الالتزام، كشيء يجب أن يزاح إلى عتم المواطنة، خارج حدود الأخلاق والالتزام ومجال رؤية جماعة الالتزام وحساباتها.

لم يخرج الفلسطيني بنص واضح، فهو لم يحضر أصلا في النص، كان غيابه طاغيا في كل بند ينادي الجماعة اليهودية، والهوية القومية اليهودية والأرض اليهودية. لقد أخرج من حيز السلب فيما عدا إشارة إلى لغة عربية ذات مكانة خاصة تشكل أصلا لغة موروث لنصف اليهود من الشرقيين. كان غياب الفلسطيني غيابا كاملا راديكاليا وطاغيا، محي من النص لأنه إن استوعب في البنية فهو يستوعب تماما كحضوره هذا: لا شيء. غياب في اللغة والنص والوجود وحسابات جماعة الالتزام.

بإخراجه هذا من جماعة الالتزام، يكون الفلسطيني فعليا مكشوفا لممارسات الإخضاع والقمع والعنصرية دون أي رادع، بلا أية حماية مستقبلية، كل شيء ممكن تجاهه، هدم العراقيب في النقب أو الخان الأحمر في مناطق جـ، من أجل إقامة القرى والمستوطنات اليهودية الحصرية هو نموذج الارشاد للدولة اليهودية القومية.

العربي ليس إلا مشكلة يجب إبعادها وإزالتها عن الطريق، لكي تحتفل جماعة الالتزام بنصرها وحقها في بناء ديموقراطيتها الحصرية على خرائب أهل البلد.

التعليقات