25/07/2018 - 10:19

عسى أن تكرهوا قانونا وهو خير لكم...

الكأس التي حاولنا أن نمتنع عن احتسائها، وصلت إلى الشفتين، ولم يعد لنا مناص من شربها، إنها كأس النضال الحقيقي الموجع، ولكنه ثمن الحرية الذي لا بد منه، إذا كنا مخلصين حقًا لفكرة الحرية والكرامة في وطننا.

عسى أن تكرهوا قانونا وهو خير لكم...

بعد سن قانون القومية، لا يسعنا سوى القول "عسى أن تكرهوا قانونا وهو خير لكم".

بيبي نتنياهو ومنظّرو يهودية الدولة عاشوا ويعيشون أزمة وصراعًا داخليًا شديدًا، تفرضه عنصريتهم عليهم، وعدم قدرتهم على رؤية حقيقة وجود الآخر وحقه في العيش بحرّية وكرامة في وطنه، وجود هذا الآخر العربي ينغّص على بيبي وأمثاله حياتهم، فهو يذكرهم دائمًا بأن هذا الوطن اغتصب بالقوة، وما هذا الهوس في سن القوانين العنصرية وما تفرزه ضد الآخر، سوى محاولة للتهرّب، وحجب الحقيقة وراء جدار سميك من القوانين.

العنصرية ليست أمرًا مريحًا لمن تعيش في دمه، إنها حالة مرَضيّة، فكلما تنفس هذا الآخر أو بنى بيتا أو أسس مشروعًا، أو أنجب طفلا أو عزف لحنا أو لعب لعبة، أو تناول وجبة في مطعم، تضايق هذا العنصري وشعر بالألم.

ليس سهلا أن تعيش في كل مكان تكره سكانه، فالعرب باتوا في كل مكان، رغم كل محاولات الحصار والخنق، قراهم ومدنهم تكبر وتتسع وترتفع أبنيتها، وتجدهم منتشرين على شواطئ البحار وفي الشوارع وورش العمل والكليات والجامعات والمستشفيات والمنتجعات، وحيثما ذهبت، تسمع لغة هذا الذي تكرهه، إضافة إلى موسيقاهم التي تنتشر في كل مكان، نعم ليس سهلا أن تكون عنصريًا.

نُذكر هذا البرلمان العنصري الذي يضم بين جدرانه عددًا كبيرًا من الزعران الجنائيين، والذي سن "قانون القومية"، أنه لم يكن أي يهودي من مواليد فلسطين في دورته الأولى عام 1949 سوى عضو واحد من مواليد طبرية، وأن ما ملكه اليهود عام 1948 من الأرض لم يكن أكثر من 7% من الأرض، وما تبقى اغتصب اغتصابًا بقوة السلاح والمجازر حتى يومنا هذا.

رغم "قانون القومية" وإسقاطاته التي فصّلها كثيرون من الخبراء والسياسيين في مقالاتهم، فممكن أن نرى الجانب الآخر منه.

هذا القانون قد يكون محفّزا لتجميع الطاقات وانطلاقة قوية في مواجهة هذا النظام الفاشي العنصري، وعاملا لصحوة جديدة من أوهام كثيرة عاشها وما زال يعيشها البعض، بأن عشرين أو خمسة وعشرين نائبًا عربيا في الكنيست قد يغيرون الصورة، أو يؤثرون على القرارات الجوهرية.

لا شك أن النظام العنصري "مستكلب علينا" وعلى حقوق شعبنا كله، ولا شك أن مقاومة هذا النظام في الظروف المحيطة عربيًا ليست أمرًا سهلا، ولكن منذ متى كانت النضالات الحقيقية سهلة، أم أننا نريد الحرية والكرامة من خلال المراسلة مع النظام؟

هل نسينا مظاهرات الأفارقة الراقصة التي كان يسقط فيها المئات من القتلى برصاص الرجل الأبيض ثمنا للحرية؟!

كان يبدو أن جنوب أفريقيا لن تتحرر إلى الأبد، فالسلاح والقوة بيد الرجل الأبيض، المدعوم من قبل إسرائيل وأميركا بشكل خاص، ولكن بعد تراكم سنين من النضال والتضحيات وبقيادة مناضلين حقيقيين نذروا أنفسهم لوطنهم وشعبهم، وقضوا أجمل سنوات أعمارهم في سجون العنصرية، تحققت الحرية وخرج نلسون مانديلا من سجنه بعد عقود ليتوّج رئيسا لبلاده، وتصبح زنزانته متحفًا للتاريخ والأجيال.

هل ننسى ثورة الجزائر وانتصارها، رغم أن فرنسا "العظيمة" اعتبرت الجزائر جزءًا لا يتجزأ منها، وسنت قوانين لأجل هذا.

حان الوقت للتخلص نهائيا من وهم حل الدولتين، وأوهام المفاوضات مع عتاة العنصريين، وهي مناسبة لطرح فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية من النهر إلى البحر.

حان الوقت لأن يذوّت كل فرد وأسرة بأن التضحيات الكبيرة، هي التي ستمنحنا فرصة العيش كرامًا في وطننا.

في الكنيست العنصري لم يعد سوى غطاء لديمقراطية زائفة، وردًا على قانون كهذا، ممكن أن يستقيل نوابنا بشكل جماعي تظاهري وهجر البرلمان، على الأقل في هذه الدورة، لأنه لم يعد لهم أي فائدة ترجى، هذا سيكون له أثر وصدى أكبر بكثير من تمزيق الأوراق على منصة الكنيست.

حان الوقت لأن نرد على العنصرية المقوننة في الساحة الدولية وبقوّة، فهذا ليس شأنا إسرائيليًا داخليًا كما يريده نتنياهو وغيره.

يجب أن لا تأخذ انتخاباتنا المحلية كل هذا الحيّز من الاهتمام، وعلينا الترفّع عن الخلافات المحلية على رئاسة مجلس بلدي وعضويته، وأن تجري هذه بسلاسة ووعي لما يدور من حولنا من مخاطر.

علينا أن لا نسمح لأي كان من أبناء جلدتنا بأن يكون عصا بيد السلطة لضربنا من خلال العنف وفوضى السلاح، ونحن قادرون على فعل ذلك.

علينا أن نستثمر هذا القانون والعمل على تعرية من ظنوا أن الخدمة العسكرية ستجعلهم متميزين عن غيرهم من أبناء جلدتهم، وبالوقت نفسه فتح الذراعين لهم واستيعابهم.

نحن عشنا القلق الكبير الذي شعر به العنصريون يوم رأوا ملايين العرب في الميادين والشوارع في مواجهة أنظمة الفساد.

العربية "المنهرقة" على التطبيع لا تملك المستقبل، فهي مأزومة كذلك، ونظرة إلى الغليان الشعبي في العراق والمغرب ومصر والأردن والسعودية وغيرها، وإلى ما جرى في سورية واليمن وليبيا وتونس، يقول إن الشعوب العربية لم تعد كما كانت، ولن تستكين، وأنها في طريقها لتغيير حقيقي عميق، رغم كل العوائق والمؤامرات عليها، وسيكون لهذا تأثيره على المنطقة والعالم والقضية الفلسطينية.

القانون العنصري يدفع بقوة إلى حل الدولة الواحدة من البحر إلى النهر. صحيح أن نتنياهو وعصابته يريدونها من دون عرب، ونحن نريدها للشعبين من البحر إلى النهر، دولة ديمقراطية واحدة، لأن حل الدولتين لم يعد سوى وهم، وفي كل الأحوال لسنا نحن من أعاق حل الدولتين بل بيبي وعصابته ومن سبقوهم.

نتنياهو وعصابته ليسوا قادرين على كل شيء، ونحن نعرف الهشاشة الحقيقية التي يعيشها هؤلاء، وما هذه القوانين سوى تعبير عن الضعف واهتزاز الثقة بالنفس وليست تعبيرًا عن قوة.

الكأس التي حاولنا أن نمتنع عن احتسائها، وصلت إلى الشفتين، ولم يعد لنا مناص من شربها، إنها كأس النضال الحقيقي الموجع، ولكنه ثمن الحرية الذي لا بد منه، إذا كنا مخلصين حقًا لفكرة الحرية والكرامة في وطننا.

التعليقات