21/06/2016 - 22:06

الصحافة الإلكترونية بين الموقع والمدونة

ارتبط مصطلح الصحافة الإلكترونية في الوطن العربي فعليا بظهور أول موقع لصحيفة عربية هي الشرق الأوسط على الإنترنت.

الصحافة الإلكترونية بين الموقع والمدونة

مع عدم تماثل الصحف الإلكترونية في الوطن العربي ومع النمو الهائل للمنشورات الإلكترونية عالميا، وخصوصا في ما يتعلق بتناسب هذه الأرقام مع أعداد الصحف العربية وعدد سكان الوطن العربي، ظهرت المواقع الإلكترونية وما يعرف بالمدونات أو "بلوجرز"، ليملأوا تلك الفجوة ويشغلوا هذا الفراغ، ويصبحوا جزءا لا يتجزأ من الصحافة الإلكترونية، التي أصبحت تتصدر الإعلام تأثيرا وفاعلية.

ارتبط مصطلح “الصحافة الإلكترونية” في الوطن العربي فعليا بظهور أول موقع لصحيفة عربية هي “الشرق الأوسط ” على الإنترنت، وذلك في سبتمبر عام 1995، ثم تلتها عدة صحف أخرى، وكان يقصد بذلك آنذاك استخدام الكمبيوتر وبعض البرامج المتخصصة في عمليات النشر الورقي على الإنترنت، إلا أنه سرعان ما ظهرت “المواقع الإخبارية” العربية على الإنترنت، والتي كانت في البداية تابعة لمؤسسات وشبكات إعلامية، كموقع “الجزيرة نت” و”العربية نت”، قبل أن يفتح الباب على مصراعيه لآلاف المواقع الإلكترونية، ما مهد لظهور “المدونات” كأحد أبرز أنواع الصحافة في العالم حاليا، الأمر الذي دفع باتجاه ضرورة التمييز بين ما يطلق عليه “صحيفة إلكترونية” وبين الموقع الإخباري الإلكتروني، والمدونة “بلوجر”.

وهنا يوضح إسلام الكلحي، المتخصص في الصحافة الإلكترونية، أنه من أبرز الفروقات بين “الصحيفة الإلكترونية” و”الموقع الإخباري الإلكتروني” هو طبيعة النشأة، فأصل الصحيفة الإلكترونية أنها نشأت ابتداء على الورق بالصورة التقليدية كأي صحيفة عادية، لكن القائمين عليها ارتأوا لمجاراة لغة العصر ضرورة وجود نسخة إلكترونية من هذه الصحيفة على الإنترنت، فأنشأوا لها موقعا على الإنترنت، ومن ثم فإن الصحيفة الإلكترونية تمثل نسخة من الصحيفة التي تصدر بطبعاتها المختلفة ورقيا في السياسة والاتجاه والتحرير، حيث يحكم الصحيفة الإلكترونية ضوابط الصحافة الورقية، في حين أن الموقع الإخباري الإلكتروني قد نشأ ابتداء على الإنترنت، وليس له أصل ورقي، وإنما بيئته الأساسية هي تلك البيئة الافتراضية اللامتناهية المسماة بفضاء الإنترنت، فيخضع لقوانينها وضوابطها، والتي قد تبتعد عن المهنية الصحفية.

وتابع: من طبيعة النشأة يظهر الاختلاف في طاقم العمل، وهو بالنسبة للصحيفة الإلكترونية الصحفيون إضافة إلى مجموعة من التقنيين، لرفع محتويات الصحيفة الورقية، في المقابل يتسع فريق العمل داخل الموقع الإلكتروني ليشمل مكونات غرفة التحرير بما تحويه من ديسك ومحررين ومدققي اللغة، إضافة إلى الإدارة التقنية.

وعن سياسة التحرير والمحتوى الصحفي، يشير الكلحي إلى أن الصحافة الإلكترونية استطاعت أن تحدث انقلاباً ليس فقط في نوعية الصحافة، وفي سرعة تناقل الخبر، ولكن أيضاً في صياغة الخبر وشكله وطريقة تحريره، لافتاً إلى أن هناك فرق يميز الموقع الإخباري الإلكتروني عن الصحيفة الإلكترونية، وهو التركيز والاختصار، والذي يعتبر السمة المميزة للخبر على الإنترنت، كذلك زمن تحديث الأخبار، ففي الصحيفة الإلكترونية يرتبط زمن التحديث في الغالب بضوابط الصحيفة الورقية، أما بالنسبة للموقع الإخباري الإلكتروني فهو في صراع مع الزمن لنشر الأخبار حال حدوثها أو حال ورودها من المصادر الموثوقة، ما يجعلها تتفوق على التلفزيون والإذاعة فيما يتعلق بزمن النشر قياسا إلى زمن حدوث الخبر، إلا أن تلك المواقع تقع في كثير من الأحيان في فخ مصداقية الخبر ومدى حياديته.

هذا وفي ظل التحدي الذي جلبته شبكة الإنترنت، فرضت الصحافة الإلكترونية نفسها على الساحة الإعلامية كمنافس قوي للصحافة الورقية، بل تفوقت عليه وسبقته في إطار التطور التكنولوجي حتى كادت تندثر بسببها، حيث ظهرت المواقع الإلكترونية التي تحل محل النسخ الورقية في الكثير من الصحف والتي تحولت إلى الصحافة الإلكترونية، إضافة إلى المواقع الإلكترونية والمدونات.

حيث يقول د. شريف درويش، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة: إنه مع التطور التكنولوجي الكبير وما يتمتع به الإنترنت من مميزات، إضافة إلى الأجيال الجديدة التي لا تقبل على الصحف المطبوعة، أصبحت الصحافة الإلكترونية بكل مكوناتها جزءا رئيسيا من الإعلام، بل أكثر وأبرز وسائل الإعلام تأثيراً وفعالية، موضحاً أن من أهم مميزات الصحافة الإلكترونية هي نقلها للنص والصورة معا لتوصيل معلومة متكاملة متعددة الإشكال، بجانب السرعة في معرفة الخبر، إضافة إلى ما تتمتع به من حرية وتراجع القيود على حرية التعبير، كذلك قدرتها على نقل المعلومات والأحداث عبر الحدود والحواجز الجغرافية والفكرية والقانونية، بل إن المدونات “بلوجرز″ فتحت الباب أمام الجميع لكي يعبروا عن رأيهم ويساهموا في صنع الحدث ونقل الخبر.

إلا أنه بحسب درويش، هناك مجموعة من التحديات التي تواجه هذا النوع الجديد من الصحافة في العالم العربي، من بينها انخفاض أعداد مستخدمي الإنترنت العرب، إضافة إلى غياب آليات التمويل في مختلف صورها سواء كان تمويلا ذاتيا أو في صورة إعلانات، فضلاً عن نقص المحتوى العربي على شبكة الإنترنت، والذي يقف وراء عدم انتشار الصحافة الإلكترونية العربية بصورتها الواضحة كما هي الحال في الغرب.

ومن جانبها، توصف د. هويدا مصطفى، عميد المعهد الدولي للإعلام، الـ”بلوجرز″ أو المدونين، بأنهم مؤرخو العصر الذين يوثقون أدق تفصيلاته، كما أنهم المحررون الجدد الذين ينقلون الأخبار والأحداث، موضحة أن هؤلاء الـ”بلوجرز” عبارة عن شرائح من الرجال والنساء غالبيتهم في عمر الشباب، يستخدمون خدمات “بلوجرز″، والتي تتيح لهم تسجيل ما يريدون على مفكرات إلكترونية على شبكة الإنترنت بالطريقة التي يراها كل واحد منهم، فمدونات (blogs)، هي صفحة إنترنت تظهر عليها تدوينات (مدخلات) مؤرخة ومرتبة ترتيبا زمنيا تصاعديا، حيث تمكن “المدون” من نشر ما يريد على الإنترنت، سواء كان أخبارا أو أحداثا، أو آراءه الشخصية، وبثها بشكل مباشر ولحظة بلحظة، ليتسنى للآخرين في العالم الاطلاع عليها، مؤكدة أن صحافة الـ”بلوجرز″ أصبحت من أهم وأبرز أنواع الصحافة على مستوى العالم.

وتضيف مصطفى: استطاعت الصحافة الإلكترونية أن تخلق جيلاً جديداً من الصحفيين المتطوعين والهواة، الذين ينقلون الأخبار ويصورونها وينشرونها لحظياً، مشيرة إلى أن صحفيي المدونات والمواقع الإلكترونية يختلفون عن صحفيي الصحف الإلكترونية، سواء من حيث المهارات والقدرات، أو من حيث طريقة العمل والمهنية، وكيفية الصياغة والسياسة التحريرية، حيث يعتمد محررو المواقع أكثر على الاختصار وتركيز المعلومة لسرعة إصدارها، بينما يركز صحفيو الصحف على المحتوى التحريري والمضمون، والالتزام بالمهنية وضوابط العمل الصحفي.

وفي سياق متصل، يرى د. محمد إبراهيم، أستاذ الصحافة بجامعة المنيا، أن العلاقة بين مكونات الصحافة الإلكترونية، من صحف ومواقع ومدونات، هي علاقة تكاملية أكثر منها تنافسية، وإن كان هناك تنافسا فهو في الإنتاج المثمر الذي يخدم المعلومات وسرعة وصولها إلى المتلقي، مما يصب في صالح القارئ وتوفير مادة صحفية جيدة، حيث أصبح هناك تفاعلا وتكاملا بين الصحف والمواقع الإلكترونية من جهة والمدونات “بلوجرز” من جهة أخرى، والتي تعتمد على الصحف والمواقع في الحصول على المعلومات والأخبار التي تنشرها على صفحاتها الشخصية.

وتابع إبراهيم: المستقبل يصب في صالح الصحافة الإلكترونية، ولكن هذا لا يعني إلغاء الصحافة الورقية، بل إنها ستستمر وستستفيد من الصحافة الإلكترونية في تطوير نفسها وتزيد من حيويتها وتأثيرها ودورها الإعلامي وحجم انتشارها في إطار التطور التكنولوجي، مشيراً إلى أن وجود الصحافة الورقية بجانب الصحافة الإلكترونية ضروري لحماية العمل الصحفي وحفظ أساسيات المهنة وقواعدها.

اقرأ/ي أيضًا| "الزمن الأغبر" ... ما لا تعرفه عن الإعلام السعودي

 

التعليقات