22/11/2016 - 12:38

مصر "تنحر" حرية الصحافة بسيف القانون

تصاعدت الأزمة بين نقابة الصحافيين والنظام المصري بعدما رفضت النقابة اقتحام قوات الأمن لمقرها وإلقاء القبض على الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا مطلع مايو الماضي، بالمخالفة للمادة 70 من قانون النقابة، وعلى إثرها تصاعدت حدة التوتر.

مصر

(رويترز)

في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ الأنظمة المصرية، قضت محكمة جنح قصر النيل بحبس نقيب الصحافيين يحيى قلاش وعضوي مجلس النقابة خالد البلشي وجمال عبد الرحيم عامين مع الشغل، وغرامة 10 آلاف جنيه لكل منهم لإيقاف التنفيذ حتى الاستئناف، بتهمة إيواء مطلوبين أمنيا، مما أثار جدلا واسعا حول طبيعة الحكم بين كونه سياسيا يستهدف حرية الصحافة أو قانونيا يأتي في إطار تطبيق القانون.

تصاعدت الأزمة بين نقابة الصحافيين والنظام المصري بعدما رفضت النقابة اقتحام قوات الأمن لمقرها وإلقاء القبض على الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا مطلع مايو الماضي، بالمخالفة للمادة 70 من قانون النقابة، وعلى إثرها تصاعدت حدة التوتر، حيث حشدت النقابة الصحافيين وعقدت جمعية عمومية طالبت فيها بإقالة وزير الداخلية واعتذار رئاسة الجمهورية، في المقابل استدعت النيابة يحيى قلاش واثنين من أعضاء مجلس النقابة، ووجهت لهم اتهامات بنشر أخبار كاذبة و”إيواء مطلوبين للعدالة".

وكانت النيابة العامة قد أصدرت في مايو الماضي قرارا بالإفراج عن الصحافيين الثلاثة بكفالة مالية قدرها عشرة آلاف جنيه مصري لكل منهم، مع استمرار التحقيقات إلا أن الصحافيين الثلاثة رفضوا دفع الكفالة، معتبرين أن الاحتجاز غير قانوني من الأساس، والاتهامات الموجهة لهم تتعلق بالنشر “ولا يجوز قانونا فرض كفالة بموجبها".

وقد نظم المئات من الصحافيين وقفة احتجاجية أمام وعلى سلم النقابة، بالتزامن مع اجتماع طارئ لمجلس إدارة النقابة، احتجاجا على الحكم الذي اعتبروه تقييدا للحريات وموجه لمهنة الصحافة في شخص النقيب، وردد الصحافيون المتظاهرون هتافات مناهضة لحكم حبس النقيب وعضوي المجلس، ورفعوا شعارات “الصحافة ليست جريمة” ومطالبات بحرية التعبير.

وعلق يحيى قلاش على الحكم الصادر بحقه قائلا: “الحكم القضائي تحصيل لأزمة استمرت 7 أشهر وإذا كان ثمن دفاعنا عن الكيان النقابي هو الحبس فيعتبر ثمن بخس ونحن نرحب به”، وتابع قلاش: “كان الأولى أن يتم التحقيق في جريمة اقتحام نقابة الصحافيين خاصة أننا لم نطالب سوى بتطبيق القانون وليس استخدام قانون القوة".

من ناحيتها، أدانت اللجنة الدولية لحماية الصحافيين ومقرها نيويورك الحكم، قائلة: “إن السلطات المصرية تعاقب بهذا الحكم قلاش وعبد الرحيم والبلشي، اللذين يمثلان صوتا مؤثرا للدفاع عن حرية الصحافة في مصر والعمل على حماية الصحافيين من المضايقات والتهديد والاعتقال".

فيما اعتبرت منظمة العفو الدولية الحكم بحبس نقيب الصحافيين “سابقة لم تشهد البلاد مثيلا لها، وهي أكثر الهجمات على الإعلام سفورا في البلاد منذ عشرات السنين”، مؤكدة أن الحكم يعد مؤشرا على تصعيد خطير في حملة السلطات المصرية شديدة القسوة ضد حرية التعبير وتشديد قبضتها الحديدية على الإعلام والصحافة.

بدوره، يؤكد عبد الله السناوي، الكاتب الصحافي، أن الحكم بحبس نقيب الصحافيين والسكرتير العام ووكيل أول النقابة، سابقة خطيرة لم تحدث من قبل في تاريخ مصر، حيث تعد يوما أسود في تاريخ الصحافة المصرية من الناحيتين السياسية والمهنية، لافتا إلى أن الحكم يسيء لسمعة مصر خارجيا، ويعطي صورة سلبية عن الحريات الصحافية، والنظام الحالي لا يحتمل فضيحة دولية بمثل هذا الحجم، متوقعا أن يتدخل رئيس الجمهورية بإصدار عفو رئاسي إذا تم تأييد الحكم في درجات التقاضي المقبلة.

ويشير السناوي إلى أنه يجب النظر إلى الحكم في إطار السياق العام للمجتمع المصري والتعامل معه كجزء من قضية الحريات العامة، وألا يتحول لأداة لإشغال الرأي العام والجماعة الصحافية عن القضايا الرئيسية في نقابة الصحافيين، وفي مقدمتها  قضية الحريات العامة، وحرية الصحافة والإعلام وقضايا المعتقلين، هذا بجانب قضية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في هذا المجتمع، وأثر القرارات الاقتصادية الأخيرة على المواطنين، وعلى مهنة الصحافة، وكيفية التصدي لتأثيراتها، كذلك “قانون الإعلام الموحد”، والذي يعد معركة فاصلة لمستقبل الصحافة وحرية التعبير في مصر، ومن ثم لا يجب أن تتحول القضية الوقتية رغم أهميتها إلى وسيلة لإشغالنا عن قضايا المستقبل.

ويضيف جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: بغض النظر عن الجوانب القانونية، فإن الحكم يؤكد أن الصورة السياسية عن حرية الصحافة قاتمة وغير معتد بها داخل أروقة السلطة الحالية، فالسلطات تستخدم سياسة قاسية في التعامل مع حرية التعبير، في إطار “إما أن تقول ما نريد أو لتصمت أو لتعتقل”، لافتا إلى أن الحكم رسالته سياسية لأنه قانونيا سيلغى من محكمة الاستئناف، فالحكم لم يراع الأبعاد القانونية لأن الاتهام عبثي، كون أن الإيواء والخفاء يكون في مكان غير معلوم وليس في نقابة معروف مكانها، كما أن عمرو السقا ومحمود بدر تم الإفراج عنهما في وقت سابق لذا لا توجد قضية من الأساس والحديث عن إيواء مطلوبين أمنيا غير متماسك أو مقنع، مما يجعل الحكم يحمل دلالات سياسيا مخيفة، فضلا عن كونه عكر المناخ المتفائل بعد العفو الرئاسي عن بعض السجناء.

وينوه عيد إلى أن الحكم كان متوقعا وليس صادما، لأن الدولة كانت في طريقها لمعاقبة نقابة الصحافيين لتكون تهديدا لباقي النقابات، موضحا أنه لا يمكن رؤية الحكم بمعزل عن قمع حرية الصحافة والتنكيل بكل من يتخذ مواقف معارضة ضد النظام، فهو رسالة تهديدية لأي معارض ويدل على تخبط السلطة واستخدام جهاز العدالة في الانتقام السياسي، فهناك أكثر من 28 صحافيا يدفعون ثمن الحرية داخل السجون، مشيرا إلى الحكم على النقيب ووكيلي المجلس أشد من الحكم على قاتل 37 مواطنا بسيارة ترحيلات أبو زعبل.

اقرأ/ي أيضًا| قمع مستمر للحريات: حبس نقيب الصحافيين المصريين

من جانبه، تضامن النائب حسني حافظ، عضو مجلس النواب، مع نقيب الصحافيين، موضحا أن الحكم أول درجة، وعلى مجلس النقابة أن يقوم بالطعن عليه، واتخاذ كل الإجراءات القانونية بشأنه، مشيرا إلى أن الحكم وإن كان صادما للجماعة الصحافية ومهنة الصحافة، إلا أنه لابد من احترام أحكام القضاء واتخاذ كافة الإجراءات القانونية أمام المحكمة للطعن عليه والوصل إلى الحقيقة الكاملة، فالحكم يأتي في إطار تنفيذ القانون، وهو حكم ابتدائي ليس نهائيا، ويمكن الاستئناف عليه بعد دفع الكفالة، مؤكدا أن الكل سواسية في دولة القانون، مطالبا الصحافيين وخاصة الشباب منهم بضبط النفس واتخاذ القانون وسيلة للحصول على الحقوق ورد المظالم في إطار دولة القانون.

التعليقات