03/04/2017 - 18:58

حرب اللجان الإكترونية في مصر...

في منصات التواصل الاجتماعي بمصر، إذا لاحظت انتشار وسم (#هاشتاغ)، يحمل مشاركات بعبارات إما تشويهية مسيئة أو إيجابية للترويج، فأنت غالبا أمام "حملة إلكترونية منظمة"، وأيًا كان من يقف وراءها فهو دوما ما يؤكد أنه "مخلص" للوطن.

حرب اللجان الإكترونية في مصر...

في منصات التواصل الاجتماعي بمصر، إذا لاحظت انتشار وسم (#هاشتاغ)، يحمل مشاركات بعبارات إما تشويهية مسيئة أو إيجابية للترويج، فأنت غالبا أمام "حملة إلكترونية منظمة"، وأيًا كان من يقف وراءها فهو دوما ما يؤكد أنه "مخلص" للوطن.

هذا الأمر أخذ أشكالا بارزة في الصراعات السياسية في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، واستمر بعدها، لاسيما بين النظام الحالي ومعارضيه، كما زادت حدته على خلفية صعوبة إمكانية تنظيم التجمعات والتظاهرات على أرض الواقع، وفق خبراء.

"الميليشيات أو اللجان أو الكتائب" الإلكترونية، مسميات تم تداولها على نطاق واسع خلال السنوات الست الأخيرة عبر الفضاء الإلكتروني لاسيما موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، ويتوقع خبير مصري استمرارها في ظل عدم استطاعة الدولة فرض قيود على وسائل التواصل، كما فعلت فعليا في الشارع والميادين المصرية، عبر الفضاء الإلكتروني أو انتهاء الصراع السياسي ذاته بالبلاد.

حرب السنوات الـ 6 الإلكترونية

الصراع الفضائي في مصر، الذي بدا كالحرب، وفق مبرمج المواقع والمسوق الإلكتروني المصري، بلال طه، بدأ منذ نحو 6 سنوات عقب ثورة 25 يناير.

وأكد طه أن اللجان الإلكترونية بدأت تظهر بشكل لافت مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية في آذار/ مارس 2011، والتي أجريت إبان حكم المجلس العسكري، الذي أدار البلاد عقب تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وأضاف أن تلك اللجان، الذي لم يحدد انتماءاتها، قد "نجحت في التأثير حينها، وتكرر ذلك في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التالية".

وبعد ثورة 25 يناير، ظهر صراع عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين جبهة مؤيدة للثورة وأخرى معارضة لها، قبل أن يتفرع لصراع بين مناصري الثورة نفسها لاسيما بين الإسلاميين والتيار المدني، غير أن الصراع الأول بدأ يخفت نسبيا، خاصة بعد تعديلات آذار/ مارس 2011، حيث انقسم مناصرون للثورة بين مؤيدي الخيارين المتضادين بنعم ولا.

وانتشرت انتقادات وقتها لما عرف باسم "اللجان الإلكترونية" المحسوبة على الإسلاميين.

وعاد الصراع الإلكتروني للواجهة مع حلول الانتخابات البرلمانية في نهاية 2011، ثم في الانتخابات الرئاسية عام 2012، التي فاز بها محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، على حساب الفريق طيار المتقاعد أحمد شفيق، المحسوب على نظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، الذي أطاحت به الثورة حيث كان يشغل منصب رئيس الوزراء حينها.

لكن بعد الإطاحة بمرسي، في 3 تموز/ يوليو 2013، فيما يراه أنصاره "انقلابا" ومعارضوه "ثورة"، اختصر الصراع بشكل استقطابي لافت بين مناصري نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومعارضيهم، لاسيما من جماعة الإخوان ومؤيديها.

وكان هذا واضحًا، في أكثر من حديث للسيسي، أبرزها قوله إن "هناك حروبا، وكتائب إلكترونية، وقصة كبيرة يتم تنفيذها"، وفي موضع آخر مهددا أنه يمكن أن يسيطر بكتبتين (لم يحدد نوعيتهما) على المواقع الإلكترونية وتكون تابعة له.

هذا التلويح الأخير عده البعض، ومنهم الفنان المصري المعارض للسلطة الحالية خالد أبو النجا، إشارة لوجود كتائب تتبع النظام.

مسلسل تحركات إلكترونية

ومن أحدث تحركات تلك اللجان الإلكترونية، ما كشف عنه في آذار/ مارس المنصرم، خالد البلشي، وكيل نقابة الصحفيين السابق، والمرشح وقتها في انتخابات الصحفيين.

وقال البلشي، وقتها، في تدوينات بصفحته على موقع "فيسبوك"، أنه تعرض لحملة منظمة تشنها لجان إلكترونية، حيث قامت الأخيرة بتدشين صفحة تحمل اسمه، بنفس شكل صفحته وألوانها بنحو 45 ألف متابع، وتقوم بنقل تدويناته الأصلية ووضع تدوينات مزيفة وسطها لسبه ونشر شائعات.

وقبلها في حزيران/ يونيو 2016، ذكر أستاذ بجامعة قناة السويس الحكومية، خالد رفعت، في تدوينات عبر صفحته على "فيسبوك"، أسماء قيادات مؤيدة للنظام قال إنها تدير لجانا إلكترونية لـ"توجيه الرأي العام، في قضايا تشغله والسخرية من معارضين"، دون أن يعطي مصدرا موثوقا لمعلوماته.

وسبقت ذلك، حملات إلكترونية منظمة مؤيدة ومعارضة تشتبك بوسوم (هاشتاغات) مع قضايا المصريين، ومنها عقب تحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وإعلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، المعروفة باسم "تيران وصنافير" في نيسان/ أبريل العام الماضي، والتي أثارت جدلا واسعا في الشارع.

كما كان لتلك الحملات في عامين متتاليين أثر في إقالة مسؤولين، أحدهما في آذار/ مارس 2016 هو وزير العدل المصري وقتها، أحمد الزند، بعد تصريح اعتبر مسيئا للنبي محمد، وفي الشهر ذاته في 2015، أقيل محفوظ صابر، وزير العدل السابق للزند هو الآخر عقب تصريح له تم اعتباره طبقيا ومهينا لفئات من البسطاء بالمجتمع.

وفي آذار/ مارس 2014، برزت حملات مؤيدة لترشح السيسي، لرئاسة البلاد في مقابل معارضة تصدرت وقتها بهاشتاغ مسيء له.

وعقب الإطاحة بمرسي في صيف 2013، كانت الحملات الإلكترونية لافتة متصدرة بوسم (هاشتاغ) #مرسي_رئيسي، و#رابعة_بؤرة_إرهاب، في إشارة إلى مكان اعتصام معارض، وهي امتدادات لحملات ظهرت في عام 2012، تطالب برحيل مرسي وأخرى تدعمه.

"مخلصون" لوطنهم ضد "مدافعين"

أحد المشاركين في اللجان المؤيدة للنظام المصري، قال متحفظا على ذكر اسمه، "أعمل بشكل تطوعي من منزلي ولا أتلقى أي أموال من أية جهة"، واصفًا العاملين معه بـ"المخلصين" لوطنهم الذي يواجه إرهاب.

وبحسب خبرة هذا الشاب، فهناك لجان إلكترونية مؤيدة للنظام تقوم بأعمال أخرى بخلاف الترويج لنجاحه، وهو تبليغ الأمن عن الحسابات التي يبدو من تدويناتها أو تغريداتها أنها مخربة أو داعية للعنف أو على "الطرف الآخر من ضفة الوطن"، بخلاف اختراق الصفحات وتدشين الحملات.

فيما أرجع مقرب من جماعة الإخوان المسلمين، رافضا ذكر اسمه هو الآخر، انزواء لجان الجماعة بشكل كبير بعد الإطاحة بمرسي، إلى الملاحقات الأمنية التي طالت أغلب قياداتها ومموليها ومنعتهم من التعبير عن رأيهم على الأرض، لافتا إلى أن اللجان الإلكترونية الآن تعمل من الخارج وتمرر يوميا حملات لها لـ"الدفاع عن الوطن".

مستقبل الصراع

القيادي البارز بالإخوان ومقدم أحد البرامج التلفزيونية بالخارج، حمزة زوبع، قال إن "الفضاء الإلكتروني أصبح مؤثرًا للغاية في ظل امتلاك السيسي وطنا كاملا بإعلامه المقروء والمسموع والمرئي وقمعه لحرية التعبير"، بحسب قوله.

وأضاف زوبع أن "النظام الحالي يحاول التأثير على الرأي العام عن طريق لجانه وميليشياته الإلكترونية، ووسائل إعلامه"، رافضا الحديث عن لجان الإخوان الإلكترونية.

أما رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي (يساري)، عبد الغفار شكر، فأشار إلى أن "لجان الإخوان استحوذت بشكل كبير على مواقع التواصل قبل ثورة 25 يناير وحتى وصولهم للحكم".

وأوضح شكر، وهو أيضا نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي)، أن "هذه اللجان ضعفت بشكل كبير، خاصة بعد إدراك الدولة لأهمية مواقع التواصل".

ومقيما الصراع الإلكتروني "المسيس" ومستقبله، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي، محمد سيد أحمد، إن "اللجان الإلكترونية استطاعت أن تصيغ وتوجه الرأي العام بعد ثورة يناير، فأثرت بشكل كبير في الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية منذ ثورة يناير وحتى الآن".

ولفت إلى أن "المصريين بجميع مستوياتهم يتعاملون مع مواقع التواصل ما يسهل عمل هذه اللجان في مخاطبتهم والتأثير على آرائهم".

وحول مستقبل حرب الفضاء الإلكتروني في مصر، تابع الأكاديمي المتخصص في علم الاجتماعي السياسي أن "الصراع سيظل مستمرًا ما بين لجان النظام والمعارضة، في ظل عصر المعلومات المفتوحة والذي لن تستطيع الدولة فرض قيود عليه أو إغلاقه".

وأشار أحمد إلى أن "الدولة بدأت مواجهة هذه الكتائب عن طريق مباحث الإنترنت (تابعة لوزارة الداخلية)، والتوجه لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق سن تشريعات تعاقب المتجاوزين".

وكان العميد رئيس إدارة مكافحة جرائم الحاسبات وشبكات المعلومات بوزارة الداخلية المصرية، علي أباظة، قد قال في مقابلة مع الوكالة الرسمية المصرية، مؤخرا، إنهم استطاعوا إغلاق 1045 صفحة إلكترونية خلال 2016، "تقوم بالتحريض على العنف وقطع الطرق".

وكشفت دراسة غير حكومية بمصر، أعلنت في كانون الأول/ ديسمبر 2015 أن عدد مستخدمي "فيسبوك" في مصر وصل إلى 28 مليون مستخدم خلال العام نفسه، بما يمثل 31% من عدد السكان وبزيادة عن العام 2014 بلغت 17%.

التعليقات