30/07/2017 - 16:31

"العربي"... تلفزيون الزمن القادم

أسبوع مرّ على انطلاق التلفزيون "العربي" بحلّته الجديدة تمامًا، من إستديوهاته في لندن، التي تعد "الأكبر لقناة عربيّة في أوروبّا كلّها"، بدورة برامجيّة جديدة، عُرض جلّها خلال الأسبوع المنصرم.

أسبوع مرّ على انطلاق التلفزيون "العربي" بحلّته الجديدة تمامًا، من إستديوهاته في لندن، التي تعد "الأكبر لقناة عربيّة في أوروبّا كلّها"، بدورة برامجيّة جديدة، عُرض جلّها خلال الأسبوع المنصرم.

ويبدو "التلفزيون العربي" بحلته الجديدة، وكأنه ينبعث من "الزمن العربي الجميل"، زمن لندن، (حيث مقرّ القناة)، التي غادرتها وسائل الإعلام العربيّة مطلع القرن الجاري إلى العواصم العربيّة، وزمن بيروت، (حيث الانطلاقة الصباحيّة المطوّلة) التي تقاوم أزمة "التصحّر الإعلامي" التي تعاني منها بعدما نضب المال السعودي والإماراتي الإعلامي في محاولة الدولتين خلق مدن إعلاميّة جديدة، تارة في المنامة (فشلت، مع طرد قناة "العرب" بعد يوم من إطلاقها) وتارة أخرى في دبي، شسعت ردحًا من الزّمان، لكّنها، مع الأزمة الخليجيّة الأخيرة، بدأت في الغبور؛ وبالتأكيد، زمن فلسطين، التي باهى "التلفزيون العربي"، يومَ انطلاقته بمراسليه ومذيعيه فيها، من حيفا، مريم فرح، وبرنامجها الجديد "الخط الأخضر"، ومراسلي القناة، بشّار زغيّر من القدس المحتلة، ويارا العملة من الضفّة الغربيّة المحتلة، وباسل خلف من قطاع غزّة.

وتأتي الانطلاقة الجديدة "للعربي" في أوقات مضطرّبة تجعل القناة تحت مجهر المشاهد، خصوصًا وأنها اختارت أن تكون منافسًا لكبريات القنوات الإخباريّة، فأتت الحلّة الجديدة مع ما تشهده القدس المحتلة من انتصار للمقدسيين على الاحتلال وبواباته التي نصبها عند مداخل المسجد الأقصى المبارك، فكان مراسل القناة على مدار الساعة يواكب احتجاجات المقدسيين والفلسطينيين، إخبارًا وتقاريرَ، ثم تتوقف القناة عند هذا الكم الهائل من الأخبار على مدار الساعة، في برنامجي "العربيّ اليوم" بالتحديث والتلخيص والمواكبة، ثم في "للخبر بقيّة" بالتحليل والنقاش، فـ"الخط الأخضر" بالتدقيق وعرض الخلفيّات الأيديولوجيّة لإرهاب المستوطنين ولفكر حكومة الاحتلال ضد المسجد الأقصى؛ وهو رصدٌ للخبر وتحليله وخلفيّته وإلى ما سيؤول في قوالب مختلفة، دون إغراق بالمعلومات (ودون انتقاص) مع عرضٍ للتحليلات والآراء والخبرات.

وما يمكن قياسه بشكل خاص على أحداث الأقصى المبارك مؤخرًا، يمكن تعميمه على مواضيعَ أخرى في الوطن العربيّ، إذ أفردت القناة، بالإضافة إلى البرامج التحليليّة والإخبارية اليوميّة، برامج إقليميّة أسبوعيّة تتوقف بالتحليل والعرض للمواضيع المهمّة إقليميًا، مثل "المغاربي" الذي يناقش الأوضاع في دول المغرب العربي، و"خليج العرب" الذي يناقش قضايا الخليج العربي وأطلقته القناة قبل الحلّة الجديدة بأسبوعين، نظرًا للحصار المفروض على قطر، و"هنا فلسطين" و"الأسبوع السوري"، بالإضافة إلى البرنامج اليومي "بتوقيت مصر"، وبرنامج "تقدير موقف" الذي يقدّم وجبة فريدة وثريّة مع باحثين في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وخبراء في موضوع الحلقة.

ومثلما أفردت القناة برامج عديدة للسياسة، أفردت برامجَ مماثلة للثقافة مثل "فسحة فكر" الذي يحاور فيه الإعلامي المعروف مالك التريكي أهم مبدعي العصر العرب والعالميين من فلاسفة ومفكرين وكتاب وباحثين في العلوم الإنسانية للخوض في قضايا الفكر والإبداع الإنساني؛ و"عصير الكتب"، الذي يقدمه الكاتب بلال فضل ويتناول فيه كل ما يتعلق بالكتابة والكتاب، كما يقدّم فضل برنامج "الموهوبون في الأرض"، يستعرض حياة بعض الفنانين المصريين المخضرمين، وتجاربهم الفنية.

أمّا البرامج الأكثر جماهيريّة، والتي حققت مفاجآت على مستوى المشاهدات المليونيّة، فمستمرة في الحلة الجديدة أيضًا، مثل "ريمكس" الذي يقدّم فيه المغنّي المصري الشاب، حمزة نمرة، رحلة فنية ساحرة للبحث عن روائع الأغاني التراثية الجميلة وإعادة توزيعها بأسلوب يمزج بين سحر التراث الشعبي وحداثة الموسيقا الغربية؛ و"جو شو"، وهو برنامج سياسي ساخر يسلط من خلاله يوسف حسين الشهير بجو الضوء على ما آلت إليه بعض وسائل الإعلام العربية المحسوبة على بعض الأنظمة السياسية من خلال التناقضات والمفارقات التي تتناولها في برامجها.

كما تقدّم القناة برنامجين شبابيّين مبتكرين، هما "جدل" و"شبابيك"، والأول عبارة عن ساعة تلفزيونية تستعرض أبرز نقاشات الشباب العربي في القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، وتقوم فكرته على المناظرة بين فريقين من الشباب حول موضوع جدلي ويحكم بينهم خبير متخصص في الموضوع، ويتم تسجيل البرنامج في أماكن عامة كالمقاهي والمكتبات التي عادة ما تدور فيها مثل هذا النقاشات، في حين أن الثاني عبارة عن رصد لمواقع التواصل الاجتماعي وهموم الشباب العربيّ.

إذًا، في زمن تراجع الإعلام وتمنطقه، وهي نزعة بادية حتى على القنوات الكبرى، مثل الـ"إم بي سي"، التي تحولت إلى مخاطبة الجمهور السعودي فقط، بعدما ظلّت عقدًا من الزمان تحمل شعار "قناة كل العرب"، تبرز قناة "العربي" قناةً جامعةً للعرب، شبابيّة، تنحاز للإنسان وهمومه لا للأنظمة ومصالحها، وللربيع العربيّ الذي أعلنت أنها معه حتّى يزهر، وهو الزّمن العربي القادم.

التعليقات