10/10/2017 - 17:00

"تقبيل الموت": مراسل الحرب والفاصل الأخلاقي

مراسل الحرب المخضرم من "بي بي سي"، جيريمي بوين، عن تلك الصور التي التقطها المصور الكردي علي أركادي، إنها "أكثر الصور الشريرة والمزعجة التي شاهدتها في حياتي".

صورة وزعتها لجنة جوائز "بايو-كالفادوس" لمراسلي الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2017 والتقطها المصور العراقي علي أركادي في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، في قرية "قبر العبد" قرب الموصل.

تعيد الصور التي كوفئت وكرّمت في فرنسا، الأسبوع الماضي، الجدل حول عمل مراسل الحرب، والحدود الأخلاقية الفاصلة التي عليه الوقوف عندها، وسلطت الضوء على الطرق التي تتبعها وكالات الأنباء الدولية في كتابة تقاريرها، فهي صور مدنيين في الموصل يواجهون الاغتصاب والتعذيب والقتل على أيدي جنود جيشهم بعد استعادته السيطرة على مدينتهم من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

ويقول مراسل الحرب المخضرم من "بي بي سي"، جيريمي بوين، عن تلك الصور التي التقطها المصور الكردي علي أركادي، إنها "أكثر الصور الشريرة والمزعجة التي شاهدتها في حياتي".

وكانت مجموعة من الصور بعنوان "تقبيل الموت"، التقطها أركادي أثناء مرافقته وحدة من القوات الخاصة العراقية، الأسبوع الماضي، قد حصلت على جائزة "بايو"، أكبر جائزة فرنسية لمراسلي الحرب.

وقال بوين، الذي رأس لجنة التحكيم لجائزة "بايو – كالفادوس" إن الصورة ليس "قوية حقا" فحسب، "إنها شريرة".

لكن ليس المحتوى فقط هو ما أزعج لجنة التحكيم. فقد أقر أركادي (34 عاما)، بأنه تعرض للضغط من أجل ضرب اثنين من المشتبه بهم أوقفتهم القوات العراقية، وأنه أقدم على صفع رجل وضرب آخر، خلال جلسة تعذيب بهدف إنقاذ نفسه، وأنه "ليس فخورا" بذلك.

لكن مراسلي حرب آخرين تساءلوا ما إذا لم يتخطى أركادي بذلك خطًا أحمرًا.

وفيما أصر رئيس لجنة تحكيم المسابقة على أن "الخدمة التي قام بها بالتقاط تلك الصور أقوى من حقيقة ارتكابه بعض الأخطاء"، لم يقنع ذلك آخرين.

وقال عضو آخر في اللجنة، طلب عدم ذكر اسمه، إنه يشعر بالقلق إزاء المسائل الأخلاقية التي تثيرها تلك الصور "الصادمة".

وأضاف "القصة غير واضحة. أشخاص كثيرون يعتقدون انه أبدى شجاعة كبيرة في إخبار القصة... لكنني أعتقد أننا لا نوجه الرسالة الصحيحة في مكافأة هذا النوع من العمل".

"أقر بارتكاب أخطاء": مراسل الحرب والفضاء الأخلاقي

واضطر أركادي إلى الفرار من العراق مع أسرته في وقت سابق، هذا العام، حاملا معه صورا وأفلاما قال إنها تثبت ارتكاب "وحدة الرد السريع" التي رافقها لشهرين، جرائم حرب.

وقال أركادي إنه استمر في العمل مع تلك الوحدة بعد حصول التعذيب، لشعوره جزئيا بالذنب، لأنه كان قد رسم صورة بطولية عن هؤلاء الجنود في تقرير سابق لشبكة التلفزيون الأميركية "إيه بي سي".

وقالت وكالة الصور "VII" (سبعة) التي يعمل لها، ومقرها الولايات المتحدة، والتي ساعدته على الخروج من العراق، "ما بدأ قصة إيجابية بالنسبة لعلي حول جنود الحشد الشعبي والجيش العراقي الذين يقاتلون في المعسكر نفسه ضد عدو مشترك، تحول إلى رحلة مروعة تشمل التعذيب والاغتصاب والقتل وسرقة مدنيين أبرياء على أيدي عناصر وحدة الرد السريع".

وقال أركادي "رأيت اثنين من الأبطال (قادة الوحدة) يرتكبون أمرا سيئا"، مضيفا "بدأوا بتعذيب أشخاص واغتصاب نساء. كل شيء تغيّر في ذهني، أصبحت مشوشا. قررت أن أقوم بالمزيد من التحقيق".

وقال بوين، الذي أمضى عقودا في كتابة تقارير عن الشرق الأوسط، إن حقيقة كشف أركادي عن انتهاكات لم تكن لتنكشف لولاه، هي العامل الأهم.

وتابع "أعتقد أن إقراره بالأخطاء التي ارتكبها أمر مهم جدا. أخلاقيا، لم يقم بالتعذيب".

ورفض مراسل الحرب البريطاني من صحيفة "ذي غارديان" والحائز على جائزة "شون سميت" بدوره "إدانة" أركادي.

لكن بالنسبة له "النظام الذي وضعه في ذلك الموقف، حيث غالبا ما يقوم مراسلون محليون يعملون على حسابهم الخاص بتغطية التقارير من مناطق حروب خطرة، هو المشكلة الحقيقية".

نظام المراسلين تغير

وتابع "النظام كله تخلخل، لأن كبرى المجموعات الإعلامية باتت ترسل عددا أقلّ من أصحاب الخبرة".

وأوضح "لا يوجد أحد. عمليا كل التغطية تأتي من مراسلين يعملون لحسابهم الخاص، ومن وسائل التواصل الاجتماعي".

ويعتمد عمل المراسلين المستقلين إلى حد بعيد على خياراتهم الشخصية ومعاييرهم الخاصة، فـ"إما لا يقومون بأي تغطية، وإما يذهبون إلى تغطية أكثر المواضيع إثارة للجدل. هم فقط يغذون" وكالات الأنباء التي تريد أن تظهر أنها "لا تزال تعمل رغم أنها لم تعد تغطي معظم المواضيع".

وتابع "وعندما تحدث مشكلة ما، يصبح الشخص كبش فداء ويبدأ الجميع بالكلام عن الأخلاقيات".

وقال غاري نايت، أحد مؤسسي وكالة الصور "VII" (سبعة)، لوكالة "فرانس برس": الوكالة لم تعرف ما الذي اكتشفه أركادي عندما كان يعمل على التقرير، مضيفا "لم نضغط على علي لنشر الصور".

وأضاف "اقترحنا عليه التفكير مليا... لأننا كنا نعرف أنه سيضطر إلى مغادرة البلاد حفاظا على سلامته، ربما إلى الأبد، إذا ما قام بذلك".

وقال نايت إنه قام مع مصوري الحرب المخضرمين، كريستوفر موريس، ورون هافيف، "بتقديم الدعم والنصح لعلي لسنوات".

وقال سميث إن أركادي لم يكن يجدر به المشاركة في عمليات تعذيب، لكن المصورين أحيانا يجدون أنفسهم في مواقف صعبة.

وأوضح "إذا رافقت أشخاصا كهؤلاء لا يمكنك القول، لا أوافق على ما تفعلونه، تسير معهم وتختفي، وربما ينتهي بك الأمر للشرب حتى الثمالة معهم".

وأكد أن هناك دائما "خطرا حقيقيا بأن ينتهي بك الأمر مرميا على جانب الطريق برصاصة في رأسك".

التعليقات