05/12/2017 - 12:26

علي عبد الله صالح والرقص على رؤوس ثعابين الإعلام

اغتيال رئيس ليس خبرًا عاديًا في وطننا العربي، ولا يقلل أن يكون الضحيّة رئيسًا سابقًا أو مخلوعًا، ففي وطن عربيّ تحكمه تجاذباتٌ قاتلة، لا تقل مفاعيل اغتيال رئيس مخلوع عن مفاعيل اغتيال رئيس حالي (مثلما حدث بعد اغتيال الحريري)، وتغطيات

علي عبد الله صالح والرقص على رؤوس ثعابين الإعلام

إعلاميّات "العربية" يتشحن بالسواد (تصوير شاشة)

اغتيال رئيس ليس خبرًا عاديًا في وطننا العربي، ولا يقلل أن يكون الضحيّة رئيسًا سابقًا أو مخلوعًا، ففي وطن عربيّ تحكمه تجاذباتٌ قاتلة، لا تقل مفاعيل اغتيال رئيس مخلوع عن مفاعيل اغتيال رئيس حالي (مثلما حدث بعد اغتيال الحريري)، وتغطيات الإعلام لن تكون عاديّة، بالتالي.

وبالإضافة إلى أن حدث الإعدام نفسه "استثنائيّ"، فإنه جاء في ظروف لا تقلّ استثنائيّة، وهو تذبذب عليّ عبد الله صالح بين التحالف السعودي الذي يشنّ حربًا على اليمن، وبين تحالف الحوثي الذي يقود انقلابًا واختطافًا للدولة؛ وهنا، وجد الإعلام شبه الرّسمي في الإمارات والسعوديّة من جهة، والمحسوب على الحوثي من جهة أخرى، نفسه في مأزق، كيف نعرّف صالح؟

حتى قبل يومين: عُرّف صالح في إعلام التحالف السعوديّ على أنه "المخلوع" أو "عفّاش" سخريّة منه، وجلس هو، في لقاء تلفزيوني، يتباهى بأنه هو من أطلق الصاروخ الباليستيّ على العاصمة السعوديّة، الرّياض، في "ليلة السكاكين الطويلة"؛ وكان علي صالح، في المقلب الآخر، عند إعلام "محور الممانعة" رئيسًا سابقًا وبطلًا يتصدّى للعدوان السعودي بكل ما أوتي من قوّة.

الجمعة الماضي: اشتبك الحليفان اللدودان صالح والحوثي في العاصمة، وقام الأوّل، مستغلا معرفته بصنعاء أولًا، ومأزق التحالف السعودي ثانيًا، بالسيطرة على معاقل الحوثي في العاصمة صنعاء لساعات قليلة، خسرها بعد أن استعاد الحوثي زمام المبادرة عسكريًا؛ هنا تنبّهت السعوديّة والإمارات لدور صالح، وانتقلت إلى وصفه بأنه "رئيس سابق" لا "مخلوع"، وقامت بإظهاره على أنه بطل انتفاضة "صنعاء العروبة" ورسمت صحف سعوديّة رسوما كاريكاتوريّة تصوّر الحوثي وأشخاصًا مركولين إلى خارج صنعاء.

أمّا على المقلب الآخر، عند إعلام "الممانعة"، فقد تحوّل صالح من رمزٍ للكفاح ضد العدوان السعودي إلى "عفاش" و"خائن" و"غادر" و"رأس الفتنة" بالإضافة إلى استذكار حروبه الستّة التي شنّها ضد الحوثيين منذ مطلع القرن الجاري قبل أن يقودهما العداء للتحالف العربيّ إلى إنشاء "تحالف الضرورة" بينهما.

ومنذ يوم الجمعة الماضي تقلبّت مواقف صالح غيرَ مرّة، بين داعٍ السعودية لوقف حربها على اليمن ورفع الحصار مقابل أن يتكفّل بطرد الحوثي، وهو تصريح تراجع عنه في اليوم التالي، قائلًا إنه فُهِم في غير سياقه الذي ريد له أن يكون، طالبًا الوساطة من "حزب الله اللبنانيّ وإيران" بينه وبين الحوثي (وفقًا لـ"الجزيرة")، ثم تراجع عن التراجع على وقع تراجعه العسكريّ وعاد إلى مهاجمة الحوثي؛ وبين التصريح والتراجع والتراجع المضاد والتحولات العسكريّة المتغيّرة كل ساعة، تبدّل وصف صالح تباعًا في هذا الإعلام، تارةً عبر ذمّه وتارةً أخرى عبر مدحه، لكن الثابت الوحيد في كل تلك التبدّلات أن صالح، كما قال عن نفسه، يتقن "الرّقص على رؤوس الثعابين".

ثم جاءت لحظة الإعدام، فسارعت القنوات السعوديّة التمويل - الإماراتيّة المقرّ إلى وصفها بأنها مفبركة وأنها "جاءت لتعطي الحوثيين نصرًا معنويًا بين أنصاره" وتضاربت تعليقاتهم، رغم أن إعلام الحوثي جزم بأنه قد قُتل قبل الإعلان الرّسمي بساعات وفتحت قنوات محسوبة عليه مثل "المسيرة" (اليمنيّة) و"الميادين" (اللبنانيّة المقرّ) الهواء طوال ساعات "للاحتفاء بالخبر" وإعلان مقتل "الحليف الغادر".

فتحت "العربيّة" و"الحدث" و"سكاي نيوز" مأتمًا على الهواء مباشرةً، وبدّلت المذيعات ملابسهنّ فورًا بأخرى سوداء وأزلن المكياج عن وجوههنّ، وطُلِبَ ضيوف من كل مكان تطاله خطوط هواتف هذه القنوات من أجل تأبين "الرّئيس المغدور" (كما وصفته "سكاي نيوز" مرارًا).

خلال أيامٍ ثلاثة تحوّل علي عبد الله صالح، في إعلام التحالف السعودي من "مخلوع إلى سابق فمغدور" (ولا يُدرى، ربما يصبح، لاحقًا، "الشهيد الرّمز") وفي الإعلام المحسوب على المحور الإيراني من "سابق إلى عفّاش فرأس الفتنة المقطوع".

التعليقات