04/04/2018 - 15:31

الإعلام الغربي ومسيرة العودة: عندما تنحاز الصورة والمصطلح لإسرائيل

وسائل إعلام غربيّة كبرى، مثل "نيويورك تايمز" و"بي بي سي"، اختارت مصطلحات وكلمات غير دقيقة لوصف ما حدث بالفعل، وتجنبت تغطيتها إظهار الاعتداءات الإسرائيليّة على المسيرات، التي وصفتها بالمواجهات وترجيح كفّة التغطية لصالح الرواية الإسرائيليّة

الإعلام الغربي ومسيرة العودة: عندما تنحاز الصورة والمصطلح لإسرائيل

قناصة الاحتلال يستهدفون الفلسطينيين في مسيرة العودة

وسائل إعلام غربيّة كبرى، مثل "نيويورك تايمز" و"بي بي سي"، اختارت مصطلحات وكلمات غير دقيقة لوصف ما حدث بالفعل، وتجنبت تغطيتها إظهار الاعتداءات الإسرائيليّة على المسيرات، التي وصفتها بالمواجهات وترجيح كفّة التغطية لصالح الرواية الإسرائيليّة

كيف تُغطي وسائل الإعلام الغربيّة الأحداث الجارية في غزّة منذ انطلاق مسيرة العودة وقمعها يوم الجمعة الماضية؟ سؤال نطرحه بعد متابعة قام بها موقع "عرب 48" لعدد من وسائل الإعلام الغربيّة المركزيّة حول مسيرة العودة الكبرى في قطاع غزّة وما رافقها من قمع إسرائيلي وحشي للمتظاهرين السلميين، الذي خلّف 17 شهيدًا وأكثر من 1500 جريح في يوم واحد. إذ يتضّح أن وسائل إعلام غربيّة كبرى، مثل صحيفة "نيويورك تايمز" و"بي بي سي" وهي معاقل الليبراليّة الغربيّة الإعلاميّة، اختارت مصطلحات وكلمات غير دقيقة لوصف ما حدث بالفعل، وتجنبت في أسلوب تغطيتها إظهار الاعتداءات الإسرائيليّة على المسيرات، التي وصفتها بالمواجهات التي اندلعت بعد قيام الفلسطينيين برمي الحجارة ومحاولة اجتياز الحدود، وترجيح كفّة التغطية لصالح الرواية الإسرائيليّة.

"نيويورك تايمز" تُغيّب الاعتداء الإسرائيلي

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركيّة على سبيل المثال، وصفت ما جرى يوم الجمعة بالصدام/المواجهة Gaza Clash، وفي أخبار لاحقة بـ"اشتعال الحدود" و"جمعة العنف"، دون الإشارة إلى أن العنف الذي استعمل كان لقمع المسيرة السلميّة، موهمة القارئ أن العنف من الطرفين. ففي الخبر الأول حول الأحداث المنشور في نفس يوم المسيرة اختارت الصحيفة العنوان التالي: "الجيش الإسرائيلي يقتل 15 فلسطينيًا في مواجهات عند حدود غزّة" ليُصوّر الأمر على أنه مواجهات متبادلة من الطرفين. ثم وفي الخبر نفسه، تستعرض الصحيفة خلفية مسيرة العودة كنشاط سلمي، إلا أن الامور تحوّلت عندما بدأ البعض برمي الحجارة والمولوتوف والإطارات المشتعلة مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الرد. ثم نقلوا ادّعاءات الجيش الإسرائيلي بأن هناك من حاول اجتياز الحدود وهو مسلّح ولذلك أطلقوا النار عليهم. بعد هذه الفقرة، يأتي مباشرة تصميم لصورة متحركة لشاب فلسطيني يرمي الحجارة وبجانبه إطار يشتعل. بعد ذلك يأتي تصريح لشاب فلسطيني عمره 18 عامًا يقول فيه "نستطيع استرجاع بلادنا بقوّة السلاح والمسدسات وليس بالمسيرات".

-عن نيويورك تايمز-

 

في خبرٍ آخر، في اليوم التالي، ادّعت الصحيفة أن العنف اندلع بسبب قيام مجموعات فلسطينيّة صغيرة باستعمال العنف عند الحدود أثناء المسيرة مما دفع الجيش الإسرائيلي إلى الرد. وهو متناسق تمامًا مع الإدّعاء الإسرائيلي، دون الإشارة إلى أن قادة إسرائيليّين صرّحوا أكثر من مرة قبل المسيرة وهددوا باستعمال القوّة لقمع المسيرة. وكانت الصورة لشاب فلسطيني يحمل مقلاعًا وخلفه دخان يتصاعد.

بعد يومين من المسيرة، نشرت الصحيفة تقريرًا جديدًا حول ما بعد المسيرة بعنوان "بعد صدام غزّة، إسرائيل والفلسيطينيون يتبارزون في الفيديوهات والكلمات"، نقلت فيه تصريحات لقادة دول ومؤسسات وشخصيّات متعددة حول ما جرى، دون نشر فيديوهات، خصوصًا تلك التي انتشرت بعد المسيرة وأظهرت إقدام الجيش الإسرائيلي على إطلاق النار على متظاهرين من الخلف.

تضليل "بي بي سي"

وصف الموقع الرسمي لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الأحداث، يوم الجمعة الماضي، من خلال العنوان التالي: "حدود غزّة إسرائيل: مواجهات خلّفت 16 قتيلًا فلسطينيًا ومئات الجرحى". وكانت الصورة الرئيسيّة لمجموعة فلسطينيين غاضبين أفواههم مفتوحة وخلفهم إطارات مشتعلة. لم يعتمد التقرير على حقيقة أن هناك 16 فلسطينيًا قتلوا بنيران القنّاصة الإسرائيليّين كحقيقة وإنما نسبوا ذلك إلى "مصادر فلسطينيّة". وكان موقف الجيش الإسرائيلي حول ما جرى في الفقرة الثانية من الخبر. وفي عنوان فرعي داخل الخبر تساءلت "بي بي سي": ما الذي حصل عند الحدود؟ وكان السطر الأول في الإجابة نقلا عن ادّعاءات الجيش الإسرائيلي، التي أخذت معظم المساحة المخصصة للإجابة على هذا التساؤل، وغاب أي تصريح أو مقابلة لشخصيّة فلسطينيّة للإجابة حول ما حصل. واكتفت "بي بي سي" في تغطيتها هذه بنقل تصريحات عن حماس دون نقل أي صوت من المنظمين أو المشاركين في المسيرة.

تغطية الـ"بي بي سي" لأحداث يوم الجمعة من مسيرة العودة

أستاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا في نيويورك والمحاضر الزائر في معهد الدوحة للدراسات العليا، حميد دبّاشي، علّق على أسلوب وسائل الإعلام هذه في التعامل مع مسيرة العودة وبشكل خاص على ما قامت به "بي بي سي" في الخبر المذكور بالقول إن "بي بي سي مقيتة، بي بي سي غادرة، بي بي سي جزء لا يتجزأ من آلة الدعاية لإسرائيل. يضعون من الأعلى صورة مقربة للفلسطينيين برفع القبضة وفتح الأفواه ووجوه غاضبة ورفع العلم، ولا يفتحون الإطار ولا يُظهرون القنّاصة الإسرائيليين وهم يطلقون الذخيرة الحية على الآلاف من المدنيين العزل الذين يحتجون على السرقة النظامية لوطنهم الذي سهله الاستعمار البريطاني. ثم يأتي التأطير للخبر من خلال مصطلحات كـ’الاشتباكات’ و’الصدام’ وكأنها مواجهة قوة متساوية..الرصاصة الحيّة لا ’تصطدم’ مع جسد أعزل".

كاميرات خلف الجنود

وأضاف دبّاشي في منشور له عبر "فيسبوك" أنه "يضعون ’ترك 16 قتيلاً فلسطينياً ومئات الجرحى’ في علامات

حميد دباشي

الاقتباس ويُضللون الحقيقة، الصحفيون ذوو الشعر الأشقر في مسرح الأحداث هم بكم وعميان لا يرون الفلسطينيين يُقتلون ويجرحون من قبل الجنود الأوغاد الإسرائيليين، لذا ينسبون ’التقرير’ - وليس الحقيقة – حول من ذبحهم إلى مصادر فلسطينيّة. ’هم’ يقولون إن الكثير من القتلى أو الجرحى، بي بي سي لا تعترف بحقيقة أن هؤلاء الفلسطينيين المستغلين يمكن تشويههم وقتلهم".

وقال أيضًا: "يُشككون في الحقيقة: يقول المسؤولون الفلسطينيون’ إن الكثير من الجرحى والقتلى - وليس بي بي سي - بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانيّة يبقى على الإبلاغ الرسمي للحقائق فقط إذا قُتل الإسرائيليون أو جرحوا وليس الفلسطينيين. إن حقيقة وواقع القتل الوحشي لأرواح الفلسطينيين وانتهاك حرياتهم التي يرتكبها الصهاينة يُوضع بين قوسين. عندما يتعلق الأمر بالاتهامات المغلوطة ضد معاداة السامية ضد جيرمي كوربين وحزب العمال، فإن هيئة الإذاعة البريطانية تكون في المقدمة والوسط، أمّا عندما يتعلق الأمر بذبح الفلسطينيين، فإن كاميرات بي بي سي والكلمات تقف خلف الجنود الإسرائيليين مباشرة".

واتّهم دباشي كل مراسِل ومنتج كاميرا من "بي بي سي" بأنه مذنب بالمساعدة والتحريض على الذبح الإسرائيلي للمدنيين الفلسطينيين العزل الذين يصرخون ضد الظلم الهائل الذي بدأه الاستعمار البريطاني واستمر به الاستعمار الصهيوني في فلسطين.

 

التعليقات