11/12/2018 - 14:35

"الذباب الإلكتروني"... تنمّر السلطة السعودية غير الرّسمي

يبدو أنّ هجمات "الذّباب الإلكتروني" الموجّهة من السلطات السّعودية، لم تعد تفرّق بين من تعاديهم السّعودية ومن تتّخذهم حلفاء أو أصدقاء، مثل السودان والمغرب والكويت، إذ صارت تبدو منظّمةً بشكل ممنهج للقضاء على العلاقات الدبلوماسية وتدميرها، تمثّلت بمهاجمة دولٍ بأكملها

ملصق ساخر (تويتر)

يبدو أنّ هجمات "الذّباب الإلكتروني" الموجّهة من السلطات السّعودية، لم تعد تفرّق بين من تعاديهم السّعودية ومن تتّخذهم حلفاء أو أصدقاء، مثل السودان والمغرب والكويت، إذ صارت تبدو منظّمةً بشكل ممنهج للقضاء على العلاقات الدبلوماسية وتدميرها، تمثّلت بمهاجمة دولٍ بأكملها بالإضافة إلى شخصيّات معروفة بدعمها للسياسات السعودية أو العائلة المالكة.

وظهر بشكل لافت مسؤولان سعوديان أحدهما سابق والآخر حالي، في صدارة مشهد الهجوم الإلكتروني في أحيان غير قليلة، أولهما سعود القحطاني المتهم في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والذي أقيل من منصبه في الديوان الملكي مؤخرًا، والثاني هو رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في السعودية، تركي آل الشيخ.

وخلف ستار الأزمة الخليجية في صيف 2017، نظمت لأول مرة بوضوح هجمات من حسابات إلكترونية سعودية متزامنة على أشد وجه، ضد من تعتبرهم خصومًا للمملكة، قبل أن يتسع الأمر ويتحول تدريجيا إلى مساس بالحلفاء، وتدمير ممنهج للعلاقات متى دعت الحاجة.

ولكن ربّما تكون بداية هذه الهجمات على "أصدقاء" السعودية، من قبل "الذباب الإلكتروني" في آذار/ مارس الماضي، حين هاجم آل الشيخ المغرب، وهو المعروف بكونه بلدًا حليفًا للرياض، والذي كان البلد العربي الوحيد المتقدّم لاستضافة مونديال 2026، إذ قال الشيخ حينها في تغريدة على حسابه في "تويتر" إنّه " إذا طلب من السعودية دعم ملف مونديال 2026، ستبحث الرياض عن مصلحتها أولًا، اللون الرمادي لم يعد مقبولًا"، مشيرًا إلى الدّعم السعودي للمف الأميركي، الذي فاز بالفعل في نهاية المطاف.

وتلت هذه التغريدة آلاف التغريدات التي بدت أنها موجّهة كهجوم إلكتروني ضخم على المغرب، وهي تغريدات تفاعلية لا شك أنها تركت أثرًا كبيرًا على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لتساهم في تراجع العلاقات وحشرها في زاوية يصعب تجاوزها حتّى الآن.

الكويت أيضًا، الشقيقة الخليجية للرياض، لم تسلم من أذى الذباب الإلكتروني، حين هاجم آل الشيخ، وزير الشباب الكويتي خالد الروضان في تغريدة بحسابه "تويتر"، بعد لقاء وفد ترأسه المسؤول الكويتي بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد في 21 كانون الثاني/ يناير الماضي.

وغرد آل الشيخ قائلًا إنّ "الروضان، باختصار، هو: الارتزاق تحت مظلة المناصب وضد الحقائق المثبتة"، لتنطلق حسابات إلكترونية سعودية، فورًا بعدها تنتقد الكويت، وتدشن وسومًا مسيئة، منها #الروضان_يلعب_بسمعة_الكويت.

تلت هذه الموجة هجمة شرسة على مصر وعلى النادي الأهلي المصري، بعد أن اعتذر آل الشيخ عن رئاسته الشرفية في أيار/ مايو الماضي، موجّهًا انتقادات لرئسسه اللاعب المصري الشهير محمود الخطيب، لتتطور الأمور مع هجمات متتالية من الذباب الإلكتروني، ويعلن المسؤول السعودي عن سحبه استثماراته الرياضية من مصر، ما ولد حالة من الاحتقان الشعبي بين البلدين "الحليفين"، فقد تلا أزمة السباب والانسحاب حملات منظمة إلكترونية سعودية تسيء إلى مصر والنادي الأهلي.

كذلك وجّه الذباب الإلكتروني هجمة على السودان بعد إصدار تصريحات رسمية سودانية تلمح إلى إمكانية سحب الخرطوم قواته الموجودة في اليمن ضمن ما يسمى "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية.

ووصل الأمر إلى أن قناة "العربية" السعودية طرحت استفتاء لها عبر صفحتها الرسمية في "تويتر" في تموز/ يوليو الماضي، تساءلت فيه عن سبب انضمام شباب وبنات السودان إلى تنظيم "داعش" الإرهابي؛ ليثير هذا الاستفتاء رفضًا سودانيًا، واعتبره مدونون سودانيون بمثابة حرب تشويه على الخرطوم.

كذلك فقد طالت هجمات الذباب الإلكتروني شخصيات معروفة بتأييدها لولي العهد محمد بن سلمان، مثل الكاتب الكويتي أحمد الجار الله، المعروف بتأيده لابن سلمان، والذي تلقّى هجمة ضاريةً ما أن غرّد في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر مخاطبًا بن سلمان بـ"أمير محمد"، لتهاجمه العديد من الحسابات بأنّ " من صيغ الاحترام (الألقاب) فهو صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وليس أمير فقط".

كما تعرّض الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله لمثل هذه الهجمة، حين نشر صورة للأكاديمية السعودية الناشطة المعتقلة هتون الفارسي، معقّبًا عليها أنها " صديقة عزيزة وزميلة أكاديمية جادة أتمنى أن أراها قريبًا"، وذلك في أيلول/ سبتمبر الماضي، لتنقضّ عليه آلاف التغريدات وتتهمه بالتدخل بالشأن السيادي السعودي.

ولم تقتصر الهجمات على غير السعوديين، فلم يسلم الكاتب السعودي زياد الدريس من هذه الهجمات، رغم أنه معروف بتأييده المطلق لابن سلمان، حين أطلق وسم #الدريس_يسيء_لمغردي_الوطن، حين كتب في صحيفة "الحياة" السعودية أن: " ابتليت بلادي الحبيبة، السعودية، بأن بعض الذين يدافعون عنها (خصوصا ممن يسمى الذباب الإلكتروني في موقع "تويتر")، هم على مستوى من البذاءة والسوقية" في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، ليحصد الوسم أكثر من 30 ألف تغريدة.

وعن ممارسات الذباب الإلكتروني السعودي، قال مؤسس منصة جمهرة الرقمية، أحمد حذيفة، إنّ "الذباب الإلكتروني مكون من 3 فاعلين أو فئات، أولهم من يظهرون بأسمائهم وصفاتهم الحقيقية، كصحفيين ومسؤولين مثل سعود القحطاني، وثانيهم موظّفو السّلطة وهم أشخاص حقيقيون لكن يكتبون دون أسمائهم الحقيقية، وثالثهم حسابات وهميّة وخوارزميات تنشأ عبر البرامج، ومهمتها إعادة التغريدات، لتنشئ حالة من التفاعل الوهمي على السوشيال ميديا".

ولفت حذيفة إلى أن "السلطة لا تلتزم بهم، وتعلن رأيًا مخالفا لهم، من باب التمويه، ولكن بالنهاية معروف من يؤسس ويروج لها، ومن هنا يمكن أن يزداد الشرخ بين الدول والشعوب حتى الحليفة منها".

وشدد حذيفة على أنه "يمكن للذباب الإلكتروني خلق عداء مع دول أخرى حليفة، رغم أن الدولة الموجهة للذباب الإلكتروني لا تعلن هذا العداء، ولا تعترف به، ولكن بالنهاية معروف أن هذا الذباب يمثل هوى الدولة وميولها الداخلية".

أما خبير التسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية، بسام شحادات، فقال إنّ "الذباب الإلكتروني نوع من الدعاية السوداء للسيطرة على الرأي العام، والقيام بحملة من التنمر، لرصد أي تعليقات، وقمع أي اعتراضات، وهو أمر سلبي جدًّا".

موضحًا أنه "يتم توظيف استخدام الذباب الإلكتروني للتعبير عن مواقف من الدول، خصوصًا في حال الخلافات، إلا أن النموذج السعودي يزرع الشحناء والبغضاء والكراهية بين الشعوب".

التعليقات