01/01/2019 - 10:23

2018: عام تورط فيسبوك بالتجارة بخصوصية "الأغبياء"

حصرُ انتهاكات "فيسبوك" لحقوق مستخدميه، في بضع فقرات، ظلمٌ بحق عملاق التواصل الاجتماعي وحجمه، وتأثيره على ربع تعداد سكان العالم على الأقل، لأنّ الفضائح التي عصفت بالشركة في عدّة محطات عام 2018، أثبتت تورطها في ما يتعدى المصالح الرأسمالية المحضة

2018: عام تورط فيسبوك بالتجارة بخصوصية

مارك زوكربيرغ في جلسة استماع حول فضيحة "كامبريدج أناليتكا" (أ ب)

حصرُ انتهاكات "فيسبوك" لحقوق مستخدميه، في بضع فقرات، ظلمٌ بحق عملاق التواصل الاجتماعي وحجمه، وتأثيره على ربع تعداد سكان العالم على الأقل، لأنّ الفضائح التي عصفت بالشركة في عدّة محطات عام 2018، أثبتت تورطها في ما يتعدى المصالح الرأسمالية المحضة، إلى المشاركة الفعالة في خلق المناخات السياسية في كل مكان تُستخدم فيه منصاتها. 

لم يكن هذا العام مميزًا من حيث تنوع الانتهاكات التي مارستها "فيسبوك" بحق مستخدميها، بل بالكشف عنها. فالأمر الذي بدأ بفضيحة الكشف عن تفاصيل التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، تطور لاحقا إلى قضيّة رأي عام عالمي، وغربي بشكل خاص، دفع معظم الصُحف ووكالات الأنباء العالمية إلى صب جزء كبير من عملها على فضح "فيسبوك"، إما عبر التحقيقات الصحافية، أو بمقالات رأي حفزت الناس على التوقف عن استخدام منصتها الرئيسية وتطبيقاتها الأخرى. 

وأقرت "فيسبوك" في نيسان/ أبريل الماضي، باستغلال روسيا للبيانات الشخصية لأكثر من 87 مليون مستخدم أميركي، في دعم حملة المرشح الرئاسي حينها، والرئيس الحالي، دونالد ترامب، بعد أن كشفت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، عن تفاصيل سرقة شركة الاستشارات السياسية "كامبريدج أنالاتيكا" للبيانات الشخصية التابعة لعشرات ملايين الأميركيين وتوظفيها في دعم ترامب. 

وبدأت إدارة الشركة، بعد ذلك، بتقديم الاعتذارات والوعود بأنها ستعمل على منع "ثغرات" مشابهة في المستقبل، بل واستدُعي الرئيس التنفيذي، مارك زوكربيرغ، لاستجواب علني في الكونغرس، نجح في تخطيه بـ"سلام".

وقدم زوكربيرغ وأعضاء آخرون من طاقم الإدارة، في الأشهر التي تلت ذلك، تبريرات كثيرة لتسريب هذه البيانات، زاعمين أنهم لم يكونوا على "دراية" بتصرفات الشركة الاستشارية التي استغلت ثغرة لديهم في الموقع وفي آلية جمع البيانات، إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، كشفت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أن المسؤولين التنفيذيين في شركة "فيسبوك"، أخفوا أدلةً على أن التدخل الروسي في الانتخابات الأميركيّة عبر موقعهم امتد لمدّة أطول بكثير من تلك التي أعلن عنها، كما تعاقدوا مع شركة أبحاث سياسية معارضة، بهدف تشويه سمعة المنتقدين.

الرد ليس بحجم فداحة الفضائح

قد تكشف السنوات المُقبلة تفاصيل أعمق حول مدى تورط "فيسبوك" في محاولات التأثير على الناخب الأميركي عبر استغلال المعلومات التي جمعتها عنه، إلا أن الأمر المؤكد أن الشركة أصبحت بالغة السيطرة والثراء، إلى حد مكنها احتكارُها للسوق من امتلاك نفوذ سياسي في الولايات المتحدة، ينعكس بدوره على بقية العالم.

رغم فضائح "فيسبوك" المتتالية هذا العام، لم تعمل القوى السياسية الأميركية بشكل جدي على ردع سيطرة الشركة على هذا الكم الهائلة من المعلومات الشخصية، والتي أثبت تقرير تلو الآخر أن سوء استخدامها لأغراض سياسية، هو مسألة وقت ويُصبح محض تحصيل حاصل في المدى القريب كما البعيد. 

بل إنّ الديمقراطيين الذين يُسوقون أنفسهم على أنهم "تقدميّون"، يمتنعون أو يرفضون تمامًا، كأندادهم الجمهوريين، "المتخلفين/ التقليديين"، مهاجمة "فيسبوك" وعمالقة التكنولوجيا الأخرى، أو العمل على تقييدها بشكل جدي، وربما يعود ذلك إلى التمويل السياسي الضخم الذي ضخّته هذه الشركات في الحزب الديمقراطي، ففي الانتخابات النصفية للعام الحالي، كانت منصة جمع التبرعات الخاصة بالمرشحين التقدميين (الديمقراطيين) "آكت بلو"، أكبر مستفيد من عطاءات الشركات التكنولوجية الكبرى، فجمعت نحو مليار دولار.

التمويل السياسي الذي تمنحه الشركات بشكل عام، قد يقيها من المحاسبة الحقيقية التي تأتي على شكل تشريعات داخل الكونغرس، إلا أن دور "فيسبوك" السياسي ربما يكون أكثر تعقيدا من ذلك.

إبادة جماعية تمر بأزرار الـ"إعجاب" 

بعيدًا عن مشاكل الدول الغربية، ومدى نزاهة ديمقراطياتها، فإنه بالنسبة للكثيرين من الدول الأخرى في العالم، والتي يوصف بعضها بـ"العالم الثالث"، تُعتبر فضيحة "كامبريدج أنالاتيكا" أمرا يكاد يكون هامشيا بالنظر إلى ما أضافته "فيسبوك" من معاناتهم. 

ونال مسلمو الروهينغا نصيبهم من ممارسات عملاق التواصل الاجتماعي، ففي آذار/ مارس الماضي، اتهم خبراء من لجنة تحقيق أممية شركةَ "فيسبوك" بلعب دور أساسي في نشر خطاب الكراهية في ميانمار في الوقت الذي كان الجيش وميليشيات بوذية متطرفة، يشنون حملة عسكرية شرسة أدت إلى مقتل الآلاف وتهجير نحو مليون شخص من هذه الأقلية إلى بنغلادش ودول أخرى. 

وعن دور "فيسبوك" بالتطهير العرقي والمجازر التي ارتُكبت بحق الروهينغا، قال محققو الأمم المتحدة إن "فيسبوك" استُخدم مصدرًا أساسيًا لنشر المعلومات في ميانمار، ما جعله جزءا كبيرا من الحياة العامة والمدنية والخاصة، إلى درجة أن الحكومة استخدمته لنشر معلومات لمواطنيها، ما سهل عملية نشر البوذيين المتطرفين لخاطب الكراهية ضد الأقلية المسلمة، دون أن تعمل "فيسبوك" على إزالة هذا المحتوى العنصري.

وفي أحداث مشابهة، لكن أقل وحشية في الهند، اعتمد المتطرفون الهندوس على نشر الأخبار الكاذبة في حزيران/ يونيو الماضي، لتأجيج المشاعر ضد الأقلية المسلمة، من خلال استخدام تطبيق "واتساب" المملوك لـ"فيسبوك"، الأمر الذي أدى إلى موجة من عمليات القتل الجماعي لمسلمي الهند. 

وتكمن المشكلة في هاتين الحالتين، أن الشركة قدمت وعودا كثيرة لمحاربة ما يوصف بـ"الأخبار الكاذبة" على منصاتها وتطبيقاتها المختلفة، الأمر الذي يبدو أن فيه انحيازا لفئات دون الأخرى في مدى تقييد الخطاب الموجه ضدها. 

الانتقائية وطرق تنفيذها

وفي خطوة أحدثت ضجة إعلامية، أغلقت "فيسبوك" صفحات اليميني المتطرف الأميركي، أليكس جونز، في تموز/ يوليو الماضي، وسط حملة شنتها شركات التكنولوجيا على المحتوى المتطرف ونظريات المؤامرة التي بثها جونز بفيديوهات ومنشورات وصور. وبدا الأمر، للوهلة الأولى على الأقل، أنه يأتي ضمن سعي عملاق التواصل الاجتماعي لإزالة "خطاب الكراهية"، خصوصا أنه أعلن عن ذلك، لكن في المقابل، لم يذكر أسباب إزالة آلاف الصفحات الخاصة أو العامة لناشطين يساريين داخل الولايات المتحدة أو خارجها.

وتعمل "فيسبوك" منذ العام 2016، على تطوير آلية الرقابة الخاصة بها جرّاء الضغط الذي مارستها الحكومات (الغربية بشكل خاص) عليها لتطهير المحتوى غير المرغوب فيه بحسب تعريفاتها، و"الأخبار الكاذبة" من وجهة نظر القائمين على الشركة بالطبع.
وأعلنت "فيسبوك" ضمن سعيها هذا، في كانون الثاني/ يناير الماضي، عن تغيير آلية عمل معادلاتها (الخوارزميات)، بحيث ضيقت الخناق على المحتوى الحر وحصرت إمكانيات الاطلاع على المحتوى بذلك الذي يشاركه الأصدقاء والعائلة، والذي عادة ما يُشكل تفاعلا أقل مع الآراء السياسية والأخبار التي يتناقلها مستخدمو الموقع. فمثلا، أصبح احتمال رؤية رأي ناشط سياسي في الانتفاضة الشعبية الدائرة في السودان، مصادفة، أمرا شبه معدوم، مقارنةً مع كميّة المعلومات التي أُتيحت لنا حول الثورات العربية عام 2011. 

وبينما يرى زوكربيرغ، بحسب منشور كتبه حول موضوع تعديل الخوارزميات، أن "الأبحاث أثبتت أن تقوية العلاقات بيننا (وبين الأصدقاء والعائلة) تحسن صحتنا وسعادتنا"، فإن الرقابة على "خطاب الكراهية" لا تأتي مُتسقة بالنسبة للجميع، فرغم أن البعض قد يرى "فلسفة" زوكربيرغ إيجابية، إلا أنها لا تحافظ على "سعادة" أولئك الذين يعانون من الاستعمار مثلا. 

عملاق التواصل الاجتماعي يُساهم في قمع الفلسطينيين

كان تعامل "فيسبوك" مع الفلسطينيين في العام 2018، بمثابة تأكيد إضافي على انحياز الشركة "غير المنحازة" إلى الرواية الإسرائيلية، ففي عدّة محطات هذا العام، قام عملاق التواصل الاجتماعي، بإزالة مئات الصفحات الخاصة بناشطين فلسطينيين ووسائل إعلامية فلسطينية، وحظر صفحات آخرين كآلية عقابية لمشاركتهم محتوى ينتقد سياسات الاحتلال القمعية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحاصر والقدس، بحجة "خطاب الكراهية". 
وأتى ذلك بطلبات مباشرة من الحكومة الإسرائيلية، أو بمجرد الارتكاز إلى قاعدة معادلة معينة لا تُفصح عنها الشركة بوضوح، وفي معظم الحالات لا تقوم بتبرير هذا النوع من الرقابة، أو تكتفي بوصمه بـ"الأخبار الكاذبة". 

وليس غريبا أن نرى هذا "التحالف" بين الرواية الإسرائيلية و"فيسبوك"، ففي السنوات الأخيرة، استغلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، منشورات الفلسطينيين (في أراضي الـ48 أيضا) لملاحقتهم وابتزازهم، دون تقديم "أدلة" دامغة على تشكيلهم أي خطر، بل عن طريق مجرد استخدام خوارزميات تستهدف المحتوى الفلسطيني، واختراق حسابات أشخاص والحصول على معلوماتهم الخاصة متى شاءوا. 

قامت "فيسبوك" بإزالة مئات الصفحات لناشطين فلسطينيين ووسائل إعلامية فلسطينية

بل أن لجنة رسمية إسرائيلية، أقرت في تموز/ يوليو الماضي، "قانون فيسبوك" الذي يخوّل الحكومة الإسرائيليّة الطلب من المحاكم بإجازة حذف ما تعتبره "منشورات تحريضيّة" من مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم إطلاق ناشطين فلسطينيين لوسم (هاشتاغ) "فيسبوك تحارب فلسطين" باللغة الإنجليزية في شباط/ فبراير الماضي، إلا أن ذلك لم يؤثر كثيرا على حظر المحتوى الفلسطيني.

وكمثال على "مرونة" مفهوم "خطاب الكراهية" بالنسبة لـ"فيسبوك" التي تتلاعب بها بحسب مصالحها، حظرت منصات الشركة في تشرين الثاني/ نوفمبر، صور نشرتها كتائب "القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، لأفراد القوة الإسرائيلية الخاصة التي نفذت "عملية خان يونس" العدوانية داخل غزّة في الشهر ذاته، بمجرد نشرها، حتى أنها حظرت حسابات شخصية لناشطين شاركوا الصور، في حين أنها لم تحظر صفحة إسرائيلية متطرفة باسم "عاد كان"، حرضت بشكل مباشر على ناشطين فلسطينيين، رغم تقديم بلاغات كثيرة ضدها، بل أن المنشورات التحريضية لم تُحذف أيضا.

وصدرت تقارير كثيرة منذ بداية العام الحالي تُثبت تورط "فيسبوك" عالميا، ببيع معلومات مستخدمي منصاتها، حتى الأكثر خصوصية منها، رغم الوعود التي قدمتها بأنها حظرت مثل هذه الممارسات، وبإضافة ذلك لكل ما ورد أعلاه، بات من الممكن أن نرى حاضرا أسوأ من واقعنا اليوم، وهو مرهون بإشارة من شخص وصف مستخدمي منصته في بدايات إطلاقها، بأنهم "أغبياء".

التعليقات