د. عزمي بشارة: المفاوضات غير المباشرة هي الحل للتصعيد الأميركي - الإيراني

بث التلفزيون العربي لقاء خاصا على الهواء مباشرة مع الدكتور عزمي بشارة، قرأ خلاله في مآلات التصعيد الأميركي- الإيراني الأخير، على خلفية مقتل قائد "فيلق القدس"، الجنرال قاسم سليماني

د. عزمي بشارة: المفاوضات غير المباشرة هي الحل للتصعيد الأميركي - الإيراني

عزمي بشارة في لقاء سابق (تصوير شاشة)

في حوار على الهواء مباشرة مع الدكتور عزمي بشارة ضمن برنامج "حديث خاص" على التلفزيون العربي، مساء الإثنين، قدم مدير المركز العربي للأبحاث، قراءة في مآلات التصعيد الأميركي - الإيراني الأخير، على خلفية مقتل قائد "فيلق القدس"، الجنرال قاسم سليماني، والرد الإيراني على ذلك.

ورأى بشارة خلال الحوار أن إرادة الحرب غير متوفرة عند أميركا وإيران، وبالتالي فإن المفاوضات غير المباشرة هي الحل للتصعيد الأميركي - الإيراني، لأن العقل البراغماتي في إيران يُرجَّح أن ينتصر على الخطاب التعبوي الأيديولوجي.

في حين توقع بشارة ألا يخرج الأميركيون من العراق تحت الضغط، مع أن الرئيس دونالد ترامب مستعجل للخروج من كل المناطق التي لا تحقق لخزينة بلده ربحًا ماديًا مباشرًا، فإنه توقع أن يعتبر الأميركيون أي ضربة بالوكالة يتلقونها في العراق كأنها إيرانية، وأن يكون ردهم بناءً على هذا المعطى.

وفي سياق متصل، اعتبر بشارة أن إخماد الانتفاضة الشعبية في العراق ربما يكون من بين أهداف نقل إيران التصعيد للعراق، لحرف الأنظار عن الحراك الثوري المستمر منذ أربعة أشهر هناك.

ورأى بشارة أن المنطقة كانت على حافة حرب "نظريًا فقط"، لأن إرادة الحرب "لم تكن متوفرة لدى الدولتين، كل منهما لأسبابه". ووضع المفكر العربي ما يجري في إطار ما بدأ منذ الانسحاب الأميركي من اتفاق 2015 النووي، عام 2018، مع ملاحظته أن الجديد "هو انتقال المواجهة إلى العراق بعد فترة طويلة من الحروب بالوكالة (proxy wars). أما التهديدات المتبادلة الكبيرة، فكانت بالنسبة لبشارة، "للاستهلاك الإقليمي والمحلي في كل من أميركا وإيران، وجزءًا من الحرب النفسية".

لماذا سليماني تحديدًا؟

وردًا على سؤال حول لماذا اختار ترامب اغتيال قاسم سليماني تحديدًا، أجاب بشارة بأن سليماني "لم يكن الرجل الثاني أو الثالث أو الرابع في إيران، بل كان منفذ سياسات إيران في الإقليم، وهذا دور مهم جدًا لكن هناك مبالغة وأسطرة من الطرفين الأميركي والإيراني لدور قاسم سليماني".

وعاد بشارة ليذكر بأن الضربة الأولى وجهتها "كتائب حزب الله" العراقية قرب كركوك وقتلت فيها جنديًا أميركيًا، وهذا كان علامة لانتقال التصعيد من مياه الخليج إلى العراق، "ومن أسباب ذلك حرف الانتباه عن الحراك الشعبي في العراق". ورأى أنه إذا كان سليماني هو من اتخذ قرار محاصرة السفارة الأميركية، "فهذا كان خطأ كبيرًا في الحسابات"، لأن إيران، بمحاصرة السفارة، اقتربت من إيذاء ترامب انتخابيًا.

ومن بين أسباب اختيار سليماني لتصفيته، توقف بشارة عند العامل الإسرائيلي، ذلك أن ترامب في قضايا المنطقة يعتمد على ما يصله من إسرائيل، وإسرائيل تحرّض في إعلامها ومراكز أبحاثها منذ فترة على اغتيال أميركا قاسم سليماني، على حد تعبير مدير المركز العربي.

وعن أسباب الرد الإيراني الباهت مثلما شاهده العالم في قصف قاعدة عين الأسد، أشار بشارة إلى أن الإيرانيين كانوا مضطرين للرد، لكنّهم أيضًا كانوا يعرفون أن إيقاع خسائر بأرواح أميركية سيكون "ردّه حربيًا وموجعًا جدًا"، لذلك أبلغوا رئيس الوزراء العراقي سلفًا بالضربة، وتم تزويد الصواريخ البالستية بالوقود علنًا.

وخلص بشارة إلى أن صورة أميركا لم تهتز بالضربة الإيرانية، بل تغيرت قواعد اللعبة، وفي إطار ذلك التغيير، سيعتبر الأميركيون أي ضربة يتلقونها بالوكالة في العراق، على أنها ضربة إيرانية مباشرة.

وعن آفاق التصعيد، لفت بشارة إلى أن إيران تضررت كثيرًا من الحصار الاقتصادي، وقد حاولت أن تُشعر الطرف المحاصِر بأنه متضرر أيضًا (استهداف ناقلات النفط وأرامكو...)، لكن في النهاية العقوبات تزداد عليها "وسيكون على إيران أن تقرر ماذا تريد، وخصوصًا أنهم ينتظرون الانتخابات الأميركية التي قد تأتي بترامب من جديد وتتعقد الأمور أكثر، بالتالي الأمر غير مضمون بالنسة لطهران".

وبرأي بشارة، يرجح أن ينتصر "العقل البراغماتي في إيران"، علمًا أن القبول بالتفاوض بالشروط الأميركية سيكون إعلانًا لخسارة إيران، لذلك فإن الحل ربما يكمن في مفاوضات غير مباشرة هدفها التمهيد للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.

وعما إذا كانت هناك وساطات حالية لتنظيم مثل هذه المفاوضات غير المباشرة، اعتبر بشارة أن أي دولة تحب أن تؤدي دورًا في مثل هذه الحالات، وقد حاولت فرنسا وألمانيا تأديته، وبرأيه فإنه من الطبيعي أن تحاول قطر وعُمان مثلًا فعل شيء ما على هذا الصعيد. وحذّر بشارة من أن ترامب "لا بد أن يعرف أن الإيرانيين لن يفاوضوا بلا شروط لأنهم يريدون أن يضمنوا رفع الحصار، خصوصًا بعدما رأوا مصير المحادثات الأميركية ـ الكورية الشمالية".

لماذا العراق ساحة؟

وعن تهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بشعار أن "كل الاحتمالات واردة" وأن معسكره هو من يختار التوقيت للرد طويل المدى، رأى بشارة أن هذا الكلام قد لا يكون جديًا، مع أن الساحة الرئيسية ستكون العراق والهدف معلن، وهو إخراج القوات الأميركية منه. وشدد على أنه في اليمن، الحوثيون معنيون بالتهدئة، إذ ليس هناك أميركيون في مواجهة الحوثيين، بل سعوديون، كذلك فإن حزب الله أصبح حزب السلطة في لبنان، بالتالي لديه الكثير ليخسره وليس معنيًا بالتصعيد، وعنده همّ الخروج من مأزق الانتفاضة الشعبية. ولاحظ بشارة كيف أن الثابت الوحيد في المنطقة هو قتل السوريين، وليس هناك مواجهة مع الأميركيين في سورية، و"ربما يحصل تصعيد ضد إيران، وإلى حد ما قد تكون روسيا سعيدة بذلك". وتوقع أن يحصل الضغط في العراق عن طريق البرلمان والضغط الشعبي وربما بالاغتيالات مثلما حصل في تصفية علماء النظام السابق.

أثر التوتر على الانتفاضة في العراق

وفي إطار تبرير قوله إن همّ إنهاء الانتفاضة ربما يكون من أسباب نقل إيران التصعيد مع أميركا إلى العراق، اعتبر بشارة أن طهران وفصائل من الحشد الشعبي شعروا منذ الأشهر الأربعة الماضية أن الأمر يفلت من سيطرتهم، وأن نفوذهم مهدد في العراق. لكنه أعرب عن ثقته بأن الحراك ضد الطائفية والفساد والتبعية للخارج سيستمر، ولو اتخذ أشكالًا جديدة.

وعن احتمالات خروج الأميركيين من العراق، ذكّر بشارة بأن ما يسمى "الشيعية السياسية" هي التي طلبت قدوم الأميركيين إلى العراق، في 2003 وفي 2014، ورجح ألا يخرجوا تحت الضغط ومن دون ضمان مصالحهم. وأعرب بشارة عن خشيته من أن تحويل العراق إلى حلبة صراع بين أميركا والعراق، "قد يهمش الحراك وقد يتسبب باندلاع أعمال عنف وضغط على من يرفض علنًا وسرًا خروج الأميركيين من العراق". وفي هذا السياق، لاحظ بشارة كيف أن الأمور تزداد تراجيديةً عربيًا، "وكأنّ المواطن العربي مضطر أن يختار بين ترامب وخامنئي، أو بين بوتين وخامنئي". وفي إطار خيارات الرد الإيراني، أوضح بشارة أنه "إذا قررت إيران أن ترد على أميركا في أفغانستان، وهو أمر وارد، فالأمر لن يزعج كثيرًا أميركا، لأن ترامب أصلًا مستعجل للخروج من هذا البلد".

ليبيا

وتناولت أسئلة عدد من المشاهدين لبشارة عبر التلفزيون العربي، الملف الليبي في ظل تطوراته المتسارعة.

وعلى حد تعبير بشارة، فإن الحضور التركي في ليبيا ليس جديدًا، بل يعود إلى ما قبل الثورة في مجالات الاستثمارات والتفاوض حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية. لكن الوجود التركي اليوم في الموضوع الليبي، وفق مدير المركز العربي، "غيّر الموازين بعدما كانت الحكومة المعترف بها دوليًا غير مدعومة فعليًا". وحذّر من أن وقف إطلاق النار "يعرقل كل مشروع خليفة حفتر باجتياح طرابلس".

وتوقف عند عامل رفض الجزائر زيادة نفوذ مصر والإمارات في طرابلس. وعن طرابلس، نبّه بشارة إلى أنه "لا يمكن القبول ببقاء الوضع في طرابلس على ما هو عليه من فوضى مليشيات من دون بناء جيش وطني من قبل حكومة الوفاق، وإنهاء حالة المليشيات المحسوبة على الحكومة، وهذا ربما يكون تحديًا كبيرًا أمام تركيا لتوحيد الفصائل وتحويلها إلى جيش وطني". وختم بشارة بالإشارة إلى أن الهدنة في ليبيا تبدو جدية، بينما في سورية فروسيا تفرض ما تريده باسم عدم التصعيد والهدن.

التعليقات