07/11/2022 - 20:28

إيلون ماسك لم يشترِ "تويتر" دفاعًا عن حرية التعبير

يعتمد مدى هذه التغييرات على التوازن بين اهتمامات ماسك المالية ومخاوفه الأيديولوجية. لقد فشلت البدائل اليمينية لتويتر لأن المحافظين يريدون جعل الليبراليين بائسين، وليس بناء مجتمع لا يتبقى فيه لليبراليين شيء لامتلاكه.

إيلون ماسك لم يشترِ

(Getty Images)

"يميل أباطرة الأعمال إلى الاهتمام بحرية التعبير إلى أن يضر الأمر بأرباحهم النهائية"


رحّب المحافظون بإيلون ماسك عبر "تويتر"، وكأنه كاسر قيدهم ومحررهم، إذ اشترى الملياردير الأكثر ثراءً في العالم منصة التواصل الاجتماعي، بهدف إعادة توجيهها نحو ما يسميه بـ"حرية التعبير".

احتفل الكاتب المحافظ بن شابيرو بأخبار حقبة حرية التعبير الجديدة من خلال إصراره على مشاركة ماسك في عمليات طرد جماعي ذات دوافع سياسية لموظفي تويتر، بناءً على ميولهم السياسية المُتصورة.

بالنسبة لغير المطّلعين على أخبار الإنترنت، سنوافيكم بالشرح الآن. بالمقارنة مع عمالقة وسائل الإعلام الاجتماعية الكبيرة، فإن تويتر عبارة عن شبكة اجتماعية صغيرة نسبيًا، ولكنها مؤثرة، وذلك نظرًا لاستخدامها من بعض الأشخاص المُهمين على مستوى الخطاب السياسي. وعلى الرغم من أن سياسات الاعتدال للشركات الخاصة لا تنطوي على الأسئلة التقليدية المتعلقة بحرية التعبير، أي تقييد الدولة للتعبير، فقد لعبت سياسات تويتر دورًا بارزًا في طرح الحجج حول "حرية التعبير" عبر الإنترنت، أي كيف تحدد المنصات من تريد استضافته.

عندما يتحدث الناس عن حرية التعبير في هذا السياق العام، فإن ما يقصدونه هو أن بعض الكيانات قد تكون قوية جدًا بحيث تحاكي أو تقترب من قسرية الدولة، وتكمن المشكلة في أنه عند مشاركة جهات فاعلة خاصة، لا يوجد خط واضح بين حرية التعبير لدى شخص وآخر: يمكن للمنصة الخاصة أيضًا أن تقرر عدم استضافتك إذا أرادت، وهذا أيضًا ممارسة لحقها في التعبير. تشير المطالب اليمينية بالتطهير السياسي لموظفي تويتر، إلى مدى إخلاص المحافظين في التعامل مع هذا الفهم الثانوي كمسألة مبدأ وليس خطابًا.

(Getty Images)

الصراع على مستقبل تويتر لا يتعلق حقًا بحرية التعبير، لكنه حول الأجندة السياسية التي قد ينتهي بها المطاف بالمنصة. ونظرًا لأن الأميركيين يعتمدون بشكل متزايد على عدد متضائل من الأفراد والشركات التي تقدم الخدمات، يعتقد المحافظون أن امتلاك ملياردير متعاطف لتويتر، يعني شركة أقل حجمًا أو نفوذًا، في حين يحتاج الحزب الجمهوري إلى قوته لخدمة أغراضه.

ومهما كان ما سيفعله إيلون ماسك في نهاية المطاف. تعد "حرية التعبير" محاولة خادعة لتأطير الصراع السياسي حول استخدام تويتر كسؤال محايد حول الحريات المدنية، لكن النتيجة التي يأمل المحافظون في تحقيقها هي تلك التي يتم فيها تفضيل الخطاب المحافظ على المنصة وعدم تفضيل الخطاب الليبرالي.

ويؤكد المحافظون أنهم تعرضوا لـ"الرقابة" من شركات وسائل التواصل الاجتماعي لسنوات، إما من خلال فرض شروط الخدمة التي يشكون من أنها عقابية غير عادلة، أو من خلال الحظر المفروض على مستخدمين معينين، ولكن الأدلة تشير إلى عكس ذلك، إذ أن شبكات التواصل الاجتماعي تستثني باستمرار، المنافذ المحافظة من قواعدها لتجنّب ردّ الفعل السياسي، وهو خوف نادرًا ما يظهر عندما يتعلق الأمر بخنق المحتوى اليساري، وعلى الرغم من التصور اليميني للتحيز الليبرالي على تويتر، وجد تدقيق داخلي أن خوارزميات الموقع "تضخم المحتوى السياسي ذي التوجه اليميني، أكثر من المحتوى ذي التوجهات اليسارية". وتشير الأدلة إلى أنه على الرغم من غضبهم، فإن المحافظين يتلقون باستمرار معاملة تفضيلية من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم متعجرفون للغاية بشأن تجاهل شروط الخدمة، للدرجة التي تدفع المنصات إلى حظرهم في بعض الأحيان.

ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن العديد من المحافظين، ما زالوا يشكون من أنهم يخضعون للرقابة، حتى مع استمرار خوارزميات هذه المنصات في تفضيل المحتوى اليميني. يفسِّر نجاح هذه الشكاوى، في الواقع، استمرارها إذا توقف المحافظون عن الشكوى، فقد تتوقف المعاملة التفضيلية. صار إيلون ماسك الآن من الجمهور المتعاطف مع اليمين، حتى لو لم يحدد ذلك بالضرورة الاتجاه الذي سيتخذه تويتر تحت ملكيته.

(Getty Images)

استقبل المستخدمون الليبراليون في تويتر، نبأ استحواذ ماسك على المنصة بالتدرج بين من اللامبالاة واليأس، في حين أن امتدت ردود الفعل المحافظة من التفاؤل إلى التمجيد، مع بعض المديح اليميني الذي يشبه الإطراءات على النمط الكوري الشمالي في سنوات ترامب. قال ماسك من جانبه إن أولويته هي "حرية التعبير "، وهو أمرٌ كررته بعض وسائل الإعلام السائدة بمصداقية، وذلك إلى جانب وتغريدات ماسك اللاحقة، والتي تشير إلى أن تويتر يجب أن يحظر المحتوى "غير القانوني" فقط، وأن "الناس إذا كانوا يريدون قدرًا أقل من حرية التعبير، سيطلبون من الحكومة إصدار قوانين لهذا الغرض"، مما يشير إلى أنه لم يفكر كثيرًا في هذه القضية. إن حظر الدولة على نطاق واسع لأشكال معينة من التعبير، هو انتهاك أكبر بكثير لحرية التعبير من سياسات الاعتدال على المنصات الخاصة، والتي يمكن لأي شخص أن يختار عدم استخدامها.

فرض كل بديل يميني رئيسي لتويتر سياسات اعتدال وهو يقدم نفسه على أنه بديل لـ"حرية التعبير" في تويتر، والأكثر هزلية، أن نشر تعليقات مهينة حول ترامب ينتهك في الأصل شروط خدمة تطبيق ترامب الخاص Truth Social، الذي يستمر في حد ذاته في حظر المحتوى "القذر" والمضايقات واللغة "المسيئة أو العنصرية"، و"الألفاظ النابية". الاعتدال في المنصات المملوكة للقطاع الخاص، هو في حد ذاته شكل من أشكال الكلام المحمي؛ تعني ملكية ماسك لموقع تويتر ببساطة أنه سيقرر ماهية تلك السياسات.

وهذا هو بالضبط بيت القصيد؛ يفترض المستخدمون من اليسار واليمين أنه خلال فترة ماسك، ستعمل سياسات تويتر على تضخيم المحتوى المحافظ وخنق المحتوى ذي الميول اليسارية. يشك كلا الجانبين في أن سياسات الاعتدال في تويتر في ما يتعلق بالتحرش، سيتم تغييرها للسماح للمستخدمين، باستخدام لغة مهينة بشكل متكرر حول الأقليات الدينية والعرقية والنساء والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية. يعتمد مدى هذه التغييرات على التوازن بين اهتمامات ماسك المالية ومخاوفه الأيديولوجية. لقد فشلت البدائل اليمينية لتويتر لأن المحافظين يريدون جعل الليبراليين بائسين، وليس بناء مجتمع لا يتبقى فيه لليبراليين شيء لامتلاكه. إذا نجح المحافظون في طرد أهدافهم من تويتر، أو إذا أصبحت الشبكة مكانا غير صالح للاستعمال، فستصبح عديمة القيمة من الناحيتين المالية والسياسية. محاولات منصات وسائل التواصل الاجتماعي للتعامل مع المضايقات والمعلومات المضللة، لها علاقة أقل بالتأثير السياسي الليبرالي وعلاقة أقوى بجعل برامجها مفيدة للمعلنين.

(Getty Images)

ومع ذلك، فإن حقيقة أن المخاوف المحافظة بشأن الشركات التقنية الكبرى تتلاشى، عندما يشتري ملياردير متعاطف، منصة وسائط اجتماعية، توضح ضحالة شكاواهم حول قوة وادي السيليكون. لا يسجل المحافظون قلقهم بشأن توطيد سلطة الشركة، بقدر ما يحاولون ضمان أن التوحيد يخدم مصالحهم. يأمل المحافظون ببساطة في أن يصبح تويتر الآن وسيلة أكثر استعدادًا للدعاية اليمينية. حتى إذا كانت المنصة تميل أكثر في اتجاههم، فسيكون لديهم الدافع للاستمرار في الإصرار على أنهم يخضعون للرقابة، ومن المرجّح أن تستثني انتقاداتهم ماسك نفسه، لصالح مهاجمة الموظفين ذوي الياقات البيضاء في تويتر، والذين يعتبرهم المحافظون، للمفارقة، "النخبة"، بينما يمتدحون رؤساءهم المليارديرات كأبطال شعبويين. يتمثل عدم صدق الشعبوية اليمينية في حقيقة أن هؤلاء "الشعبويين"، يجدون أنه من الأفضل أن يحكمهم بارونات متعاطفون أيديولوجيًا، بدلًا من مشاركة الديمقراطية مع أشخاص قد يضعون ضمائرهم (هي/هو/هم) في توقيعات بريدهم الإلكتروني.

يتباهى الحاكم رون ديسانتيس في ولاية فلوريدا التي يسيطر عليها الجمهوريون، بمعاقبة ديزني لمعارضتها التشريع الأخير الذي يجبر المعلمين المثليين على عدم الإفصاح عن هويتهم الجنسية في أثناء العمل. حذر زعيم الأقلية ميتش ماكونيل في العام الماضي في مجلس الشيوخ من "عواقب وخيمة" إذا استمر المستفيدون من الحزب في إصدار بيانات مهدئة معارضة لتشريع الحزب الجمهوري الذي يهدف إلى حرمان الناس من الدوائر الانتخابية الديمقراطية. إن قرار المحكمة العليا الذي فتح الباب على مصراعيه للمال غير المحدود من الشركات في الانتخابات الأميركية يحمل اسم ماكونيل، ولكن يبدو أن المال مؤهل ليكون خطابا محميا دستوريًا، فقط عندما يمكن الاعتماد عليه لخدمة الحزب الجمهوري. بقدر ما قد يكونون قلقين بشأن الاعتدال في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن المحافظين يشاركون حاليًا بلَيّ الأذرع، في أكبر حملة لرقابة الدولة منذ الخوف الأحمر الثاني (بعد الحرب العالمية الثانية بين عامي 1939 و1949 أو كما عرف باسم المكارثية).

لقد مثل دعاة الدعاية المحافظون مطلبهم بأن تعمل الشركات الأميركية على تعزيز مصالح الحزب الجمهوري على أنها "فتح" شعبوي مع الشركات الكبرى، وقد كان ذلك على شكل إنذار نهائي: اخدمونا أو ستعانون. إن مشكلة الطليعة الأيديولوجية الحالية للحركة المحافظة ليست مع الشركات الكبرى، ولكن مع الديمقراطية، وتسعى لإبقاء العمالة ضعيفة، وإبقاء الدولة أسيرة، وقوة الشركات والمؤسسات الدينية خاضعة لمطالبها. المال هو التعبير، طالما أنك تمول مصالحنا، لديك الحق في التصويت، طالما أنك تصوت للجمهوريين، لديك حرية التعبير طالما أنك تقول ما يود الحزب أن تقوله.

(Getty Images)

لقد جعل موضوع تقوية الشركات، تحول الحزب الجمهوري إلى الاستبداد أسهل بكثير. يجب على الليبراليين الذين يركزون على كيفية تأثير اكتساب ماسك لتويتر على تجربتهم على المنصة، أن ينظروا إلى الصورة الأكبر. لقد ملأت الشركات الأميركية الفراغ في المجتمع المدني الذي خلفه ضعف العمالة المنظمة، مما ترك عددا ضئيلا من الأثرياء للغاية يتمتعون بنفوذ خارجي. كل الخطاب اليميني "الشعبوي" في أميركا موجه ليس نحو إضعاف هذا النفوذ، ولكن نحو تسخيره.

وصفت العديد من وسائل الإعلام ماسك بفضول، بأنه "مدافع عن حرية التعبير"، وهو مصطلح فسّره المتحمسون لماسك على أنه تعبير ملطّف لشخص يتمتع بدرجة عالية من التسامح مع التعصب الأعمى ضد المجتمعات المهمشة تاريخيًا. لكن ماسك كان على استعداد تام لتأييد معاقبة أولئك المنخرطين في الكلام الذي يعارضه. على سبيل المثال، تم تأديب "تيسلا" من قبل المجلس الوطني لعلاقات العمل لفصلها عاملا كان يحاول تنظيم نقابة. وبالمثل، يمتلك جيف بيزوس صحيفة "واشنطن بوست"، لكن التزامه بحرية التعبير يتعثر عندما يتعلق الأمر بتشكيل نقابات عمال المستودعات، الضرورية لنجاح أعماله.

يميل أباطرة الأعمال إلى الاهتمام بحرية التعبير إلى أن يضر الأمر بأرباحهم النهائية. عندما يتعلق الأمر بتنظيم القوى العاملة لديهم، فإن شكلًا من أشكال حرية التعبير يمكن أن يكون بمثابة مراجعة لسلطتهم وتأثيرهم، وحينها يختفي التسامح مع حرية التعبير. وينبغي للعمال الذين يخشون الكيفية التي ينوي بها رؤساؤهم الأثرياء استخدام هذه السلطة، أن يأخذوا هذا الواقع في عين الاعتبار.


* كاتب المقالة هو آدم سيروير، وهو مؤلف كتاب "The Cruelty Is the Point"، وقد فاز بجوائز عديدة متعلقه بعمله الصحافيّ.

التعليقات