12/03/2023 - 18:57

جذور الأخبار الزائفة: جوع الشركات للربح من الإعلام

دعوى قضائية ترفعها شركة دومينيون فوتينغ سيستمز ضد قناة فوكس نيوز بقيمة 1.6 مليار دولار لنشرها ادعاءات كاذبة عن الاحتيال الانتخابي خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020. وتتهم الدعوى قناة فوكس نيوز بنشر نظريات المؤامرة التي لا أساس لها

جذور الأخبار الزائفة: جوع الشركات للربح من الإعلام

(Getty)

ربما لا يأتي خبر كذب فوكس نيوز على جمهورها على أنه مفاجأة للمتابعين من خارج قاعدة مواليها، إلا أنه ومع نص دعوى التشهير التي رفعتها شركة دومنيون لأنظمة التصويت Dominion Voting Systems، وجد خلاف حول ما يلي: في أعقاب المنافسة الرئاسية لعام 2020، لم تضلل الشبكة مشاهديها فقط حول شرعية تزوير الانتخابات، لكنهم نشروا هذه الأخبار المُضللة، وهم يعرفون تمامًا بعدم وجود أي أساس لصحتها.

التمييز بالمعنيين القانوني والأخلاقي مُهم، فحتى مع وجود موارد هائلة تحت تصرفها، قد تقع وسائل الإعلام في الخطأ أحيانًا دون قصدٍ منها، وتصدر بعدها تصحيحات منتظمة لاستدراك الخطأ المنشور، أمَّا أن تنشر وسيلة إعلامية أخبارًا تعرف تمامًا أنها غير صحيحة، فالقصة هنا تختلف. لا يوجد أسوأ من أن تصنع وتبني مصداقيتك أمام الناس، ثم تستخدم هذه المصداقية في نشر الكذب.

شككت شبكة فوكس ومضيفوها طوال فترة الأسبوعين التي أعقبت إعلان فوز جو بايدن وفقًا لأحد التحليلات التي أجراها موقع ميديا ماترز Media Matters الليبرالي في نزاهة نتائج الانتخابات ما يقرب من ثمانمائة مرة وهاجموا دومنيون لأنظمة التصويت بانتظام بتهم من قبيل «التزوير» و«قلب» الأصوات. ردت دومنيون بعد عدة أشهر برفع دعوى تشهير، وانشترت محتويات هذه الدعوى، وتقدم، من بين أمورٍ أخرى، تسجيلات لحالات عديدة يرفض فيها مذيعو وموظفو تحرير فوكس نيوز البارزون بشكل خاص مزاعم تزوير الانتخابات باعتبارها لا أساس لها في الوقت التي كانت تطرح الشبكة هذه المزاعم على الهواء بانتظام.

فيما يلي بعض الأمثلة التي جمعتها ميديا ماترز:

• قال نجم فوكس تاكر كارلسون لمنتجه أليكس فايفر عن سيدني باول، أحد محامي حملة ترامب الانتخابية: «باول تكذب». [11/16/20]

• قالت المذيعة لورا إنغراهام لكارلسون وزميلها المذيع شون هانيتي: «سيدني باول مجنونة بعض الشيء. آسف لكنها كذلك». [11/15/20]

• قال كارلسون لإنغراهام: سيدني باول تكذب بالمناسبة. ولدي الدليل. الأمر يتجاوز الجنون. أجاب إنغراهام: «سيدني مجنونة بالكامل. لن يعمل معها أحد. نفس الشيء مع رودي». أجاب كارلسون: «وهذا مهين لي بدرجة لا تصدق. مشاهدينا أناس طيبون وسيصدقونها». [11/19/20]

• قال محرر السياسة في فوكس، كريس ستيروالت، حول ما إذا كان الادعاء بأن دومنيون زورت الانتخابات صحيحًا: «لا يعتقد أي شخص عاقل ذلك».

• أرسل منتج إنغراهام، تومي فيرث، رسالة نصية إلى أحد مدراء شركة فوكس رون ميتشل: «سيصيبني هذا الهراء عن شركة دومينيون بجلطة دماغية، وأخبرت لورا عدة مرات أن ما يقال كذب، إلا أنها ترى في هذا الكذب ملصقات قوية يعيد تغريدها ترامب على حسابه». [11/8/20]

• اشتكى كارلسون إلى زميله المذيع شون هانيتي من مراسل فوكس جاكي هاينريش، الذي «كان يتحقق من صحة تغريدة ترامب التي ذكرت دومنيون، وذكر على وجه التحديد نشرات هانيتي ودوبس في ذلك المساء التي تناقش دومنيون» ورد أن كارلسون كتب: «يرجى طردها. بكل جدية... ما هذا بحق الجحيم؟ أنا مصدوم! علينا أن نوقف هذا الهراء الليلة، لأنه يضر بالشركة فوق ما نتخيل، وبدأت أسعار أسهمنا بالانخفاض فعلًا. لا مزحة في ذلك».

وقد كانت الاقتباسات الأخرى من موظفي فوكس مفيدة، والتي أشارت إلى أن الدافع الرئيسي لاحتضان الشبكة لمؤامرات الانتخابات كان الخوف من فقدان مشاهديها لصالح شركة نيوزماكس Newsmax المنافسة، ويشير ملف الدعوى إلى أنه بعد إعلان فوكس فوز بايدن للانتخابات في 7 نوفمبر 2020، واجهت القناة ردّ فعل عنيف وسريع من جمهورها لدرجة أن المراسلين الرئيسيين والموظفين أصبحوا قلقين بشأن مكانتهم.

أرسل كارلسون المذعور بعد الإعلان رسالة نصية إلى منتجه «هل يفهم المسؤولون التنفيذيون مقدار المصداقية والثقة التي فقدناها مع جمهورنا؟ نحن نلعب بالنار، حقيقة.... وجود منافس مثلٍ نيوزماكس قد يكون مدمرًا لنا». بعد بضعة أيام، أرسل رئيس الشبكة جاي والاس والرئيسة التنفيذية سوزان سكوت رسائل نصية لبعضهما البعض، حيث علق والاس، «إن اندفاع نيوزماكس مقلق بعض الشيء، وقد يكون بديلًا فعليًا للمشاهدة، ولا يمكن تجاهله». ووافقته سكوت، مشيرة إلى أنها كانت «تحاول إقناع الجميع بأننا على قدم وساق لحل المشكلة».

توجد الكثير من الاقتباسات في نفس السياق، لكن الأكثر إثارة للاهتمام، بصرف النظر عن الانفصال بين ما تبثه فوكس وما يعتقده أبرز العاملين فيها، هي الصورة المقدمة حول كيفية تأثير اعتبارات الربح وحصة السوق على القرارات التحريرية للشبكة. يبدو أن هذه الآراء، بدلًا من وجود أي دليل حقيقي على سرقة الانتخابات، ومع تجاهل انحياز المذيعين إلى الجمهوريين، كانت القوة الأكثر أهمية في حسابات فوكس.

ولعل هذا الأمر، من بين عددٍ من الفضائح الأخرى، يعد تذكيرًا لنا بأن القنوات ذات الاشتراك، مثل فوكس، هي شركات ربحية بالمقام الأول، ويكون الواقع الموضوعي لديها والاعتبار الحزبية أيضًا متصلة بالربح أولًا وأخيرًا. غالبًا ما نتناسى في ذعرنا المستمر من الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة حقيقة أن الشبكات الإخبارية الرئيسة أكثر تواطؤًا في الترويج للأكاذيب من منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي عادةً ما يتم إلقاء اللوم عليها. يعتبر احتضان فوكس الانتهازي في هذا الصدد لرواية الاحتيال في الانتخابات الترامبية مثالًا جيدًا بشكل خاص: كانت الشبكة تخشى المنافسة، وكانت مصممة جدًا على الحفاظ نسب مشاهدتها ومصالحها التجارية لدرجة أنها بثت بشكل منتظم المعلومات التي يعرف مذيعوها وموظفو التحرير فيها أنها غير صحيحة.

بقدر ما تستحق فوكس النقد بشكل خاص، إلا أن مشكلة المعلومات المضللة ودافع الربح في كثير من الأحيان في جذورها لا يقتصران بأي حال من الأحوال على وسائل الإعلام اليمينية، إذ تنشر الشبكات غير المحافظة مثل سي إن إن بانتظام تأطيرها للقضايا العامة المهمة بما يتناسب ومصالح المعلنين. ونجحت رواية «القرصنة» الخاطئة التي روجت لها بعض المنافذ الليبرالية في أعقاب انتخابات عام 2016 في إقناع أعداد كبيرة من الناخبين الديمقراطيين بأن حكومة أجنبية قد غيرت بالفعل نسب الأصوات لانتخاب دونالد ترامب. وسوَّقت تلك الشبكات التي كرهت ترامب طوال العام نفسه لترامب رسميًا تقدر قيمتها بعشرات الملايين من الدولارات في صورة إعلانات مجانية؛ لأنها كانت جيدة بالنسبة لتصنيفاتها.

يؤدي التحيز الحزبي، بلا شك في، وسائل الإعلام دورًا مهمًا في تقويض الحقيقة وقمع الحقائق المزعجة ونشر المعلومات المضللة، لكن الجاني الحقيقي في الأخبار الكاذبة لا يكون في الغالب سوى صافي أرباح الشركة.

التعليقات