13/03/2023 - 11:27

هل نحن قلقون للغاية بشأن المعلومات الخاطئة؟

تزداد وتيرة إلقاء اللوم في أعقاب الأحداث الإخباريّة الكارثيّة الكبرى، مثل مشهد أحداث الشغب في 6 كانون الثاني/ يناير (في مبنى الكابيتول الأميركيّ) أو كما  تكرّرت في البرازيل

هل نحن قلقون للغاية بشأن المعلومات الخاطئة؟

(Getty)

أبلغ من العمر بما يكفي لأتذكّر وقتًا كان فيه الإنترنت يبعث على السرور عند الجميع، إلّا أنّ الأمور صارت الآن أكثر تعقيدًا: نتّفق على استفادتنا بقدر كبير من الإنترنت، إلّا أنّنا قد نلومه، وقد نلوم شركات التكنولوجيا الكبرى الّتي تهمّين عليه، على كثير من المشاكل الّتي أحاقت بنا مؤخّرًا.

وتزداد وتيرة إلقاء اللوم في أعقاب الأحداث الإخباريّة الكارثيّة الكبرى، مثل مشهد أحداث الشغب في 6 كانون الثاني/ يناير[1] (في مبنى الكابيتول الأميركيّ) أو كما تكرّرت في البرازيل ، وكلا الحدثين انطلقا ونظما، جزئيًّا على الأقلّ، على منصّات مثل تويتر وفيسبوك وتيليغرام، ولكن إلى أيّ حدّ مكّننا لوم هذه الشركات التكنولوجيّة؟

أفكّر في هذا السؤال طوال الوقت، بيد أنّي أكثر اهتمامًا بمعرفة وإجابة المتخصّصين عليه، وهو ما قادني للاتّصال بأليكس ستاموس، الرئيس السابق للأمن في فيسبوك، والّذي يرأس الآن مرصد ستانفورد للإنترنت، والّذي يبحث عميقًا في طرق إساءة البشر لاستخدام الإنترنت. ونتناول في هذه المقابلة القضيّة على مستوى أكثر دقّة: يحاجج ستاموس بأنّنا بالغنا في تقدير مدى قوّة وتأثير المخترقين الروس، مثلًا، على الانتخابات في الولايات المتّحدة، ويضيف أيضًا بأنّنا على الأرجح نتجاهل تأثير الجهات الحكوميّة الفاعلة على آرائنا حيال أمور لا نعرف عنها الكثير.

بيتر كافكا

- أريد سؤالك عن قصّتين مختلفتين تمامًا، ولكن مترابطتين في الأخبار: اقتحم الناس المباني الحكوميّة في البرازيل فيما بدا وكأنّه نسختهم من أحداث الشغب في 6 كانون الثاني/ يناير، وحصل نقاش فوريّ حول الدور الّذي لعبته منصّات الإنترنت مثل تويتر وتيليغرام في تلك الحادثة. نشرت دراسة في مجلّة نيتشر Nature في اليوم التالي، ونظرت في تأثير التدخّل الروسيّ على انتخابات عام 2016، وتحديدًا على موقع تويتر، وخلصت إلى أنّه لم يكن لجميع المعلومات المضلّلة والخاطئة الّتي حاول الروس زرعها أيّ تأثير جوهريّ على تلك الانتخابات، أو على آراء الناس وما فعلوه حيال تلك المعلومات؛ فهل نبالغ جماعيًّا في تقدير قوّة المعلومات المضلّلة والخاطئة على الإنترنت أم أنّنا نستخفّ بتأثيرها؟

أليكس ستاموس

- أعتقد بوقوع مبالغة كبيرة في قدرة المعلومات المضلّلة والخاطئة على تغيير آراء الناس، وفي قدرتها الإقناعيّة، وهذا لا يعني أنّ وجودها ليس إشكاليًّا، وإنّما يعني أنّ علينا تغيير الطريقة الّتي نتناولها بها، وألّا ننظر إليها على أنّها مقضيّة علينا، وإنّما على أنّها قضيّة عرض وطلب. نعيش في عالم يمكن للناس فيه أن يختاروا حبس أنفسهم في بيئة معلومات تعزّز مفاهيمهم المسبقة، وتعزّز الأمور الّتي يريدون تصديقها عن أنفسهم وعن الآخرين، وبذلك، المشاركة في دفع أنفسهم للتطرّف. يمكن لهؤلاء الناس أن يخدعوا أنفسهم فعلًا، ولكنّ هذا لا يعني أنّ الآخرين يدفعونهم للتطرّف دون وعي أو فعل منهم بالضرورة.

بيتر كافكا

- ولكن لدينا الآن دليل نعود إليه كلّما وقع حدث فظيع، سواء كان ذلك في 6 كانون الثاني/ يناير أو ما رأيناه في البرازيل، أو في أحداث مثل إطلاق النار في كرايست تشيرش في نيوزيلندا: «ما دور الإنترنت في هذا؟» ويبدو واضحًا في حالة 6 كانون الثاني/ يناير، وفي البرازيل أنّ من ينظّمون تلك الأحداث كانوا يستخدمون منصّات الإنترنت ليجتمعوا، وأنّهم استخدموا الإنترنت لزرع أفكارهم وللحشد لها؛ وبهذا يمهّدون الطريقة لسخطهم ولنشر أفكار مثل «سرقة الانتخابات». هل يمكننا التصديق بالأمرين معًا: مبالغتنا في تقدير أثر الروس في تعزيز استخدام الخوارزميّات والفلاتر واستخدام الجهات الحكوميّة وغير الحكوميّة الفاعلة للإنترنت لإقناع الناس بوقوع أحداث سيّئة؟

أليكس ستاموس

أعتقد ذلك. ما يحدث في البرازيل يشبه إلى حدّ كبير ما حصل في 6 كانون الثاني/ يناير من حيث تفاعل المنصّات مع ما يحدث: مجموعة كبيرة من الناس الغاضبين والساخطين على الانتخابات، ويقودهم فاعلون سياسيّون. من وجهة نظري، ما حصل في الحدثين، نحن فعلناه لأنفسنا، حيث يوجد سياسيّون لا يؤمنون حقًّا بالديموقراطيّة من الآن فصاعدًا، ولا يعتقدون بواقع خسارتهم للانتخابات، وبالتّالي فهم يستخدمون هذه المنصّات للالتفاف على الوسائط التقليديّة والتواصل مع الناس بشكل مباشر. وما حصل في الانتخابات الأميركيّة لم يكن تدخّلًا أجنبيًّا، بل ينبع من استخدام حرّيّة التعبير عن الرأي الّتي يحميها التعديل الأوّل في القانون الأميركيّ.

كان بإمكاننا، بشكل منفصل عن ذلك، وفي نطاق زمنيّ أصغر بكثير أن نرى مستوى التنظيم الداخليّ لدى الأشخاص المشاركين في أحداث 6 كانون الثاني/ يناير، حيث وجدت على هواتفهم لدى اعتقالهم محادثات تيليغرام ومحادثات واتساب ومحادثات آي ماسج، وسيغنال، تقودهم لما يفعلون، أوّلًا بأوّل، وحصل الأمر نفسه في البرازيل. ولهذا أعتقد أنّ النقاش حول القضيّة معقّد، لأنّه يقودنا إلى انتهاك خصوصيّة الناس، لأنّه من حقّهم التواصل الخاصّ عبر المجموعة، دون أن يراقب أحد هذه الاتّصالات، وهذا يعني أن يكون لديهم القدرة على تجميع أنفسهم حول مؤامرات فعّالة للإطاحة بالانتخابات.

بيتر كافكا

- وهذا يعني أنّ ما نقوله بشكل جماعيّ بعد حدث كهذا: «مرحبًا تويتر أو فيسبوك أو ربّما آپل، لقد سمحتم بحدوث هذا... ماذا ستفلون لمنع حدوثه مرّة أخرى؟» وأحيانًا تردّ علينا المنصّات: «لم يكن هذا خطأنا». وقال مارك زوكربيرغ إنّ فكرة تحميل المسؤوليّة للمنصّات كانت مجنونة بعد انتخابات عام 2016.

أليكس ستاموس

- ثمّ أجابت شيريل ساندبرغ، مديرة العمليّات السابقة في فيسبوك، بالردّ نفسه، بعد 6 كانون الثاني/ يناير.

بيتر كافكا

- ثمّ ترى هذه المنصّات تقدّم حلولًا مؤقّتة وغير فعّالة للمشاكل الّتي تتّهم بها.

سأزيد من تعقيد الأمر؛ لأنّني أريد إدخال الجائحة في النقاش، حيث سألنا هذه المنصّات في بداية الجائحة: «ما الّذي ستفعلونه للمساعدة في التأكّد من وصول الأشخاص إلى معلومات صحيحة حول هذا المرض الجديد؟» وقالوا، «لن نتّخذ هذه القرارات. نحن لسنا علماء، بل سنتبع نصيحة مراكز السيطرة على الأمراض والحكومات في جميع أنحاء العالم». وفي بعض الحالات، كانت تلك المعلومات متناقضة أو خاطئة، وكان عليهم التراجع عنها. ونرى الآن بعض التلاعبات الّتي وقعت مع إصدار ملفّات تويتر، حيث يقول الناس، «لا أصدّق أنّ الحكومة طلبت من تويتر حذف تغريدة فلان أو حساب فلان؛ لأنّهم كانوا يطلبون من الناس استخدام الإيڤرمكتين[2]».

أعتقد أنّ الطريقة الأمثل للتعامل مع المنصّات، وهي طريقتي، على أنّها منصّات حاولت فعل الأمر الصحيح، إلّا أنّها لم تكن مصمّمة للتعامل مع الجائحة أو للتعامل مع هذا القدر من المعلومات الخاطئة والمضلّلة على الإنترنت، ولكنّ هذا لا ينفي وجود أشخاص يعتقدون بأنّه لا يجب على المنصّات التدخّل إطلاقًا، وأنّه إذا نشر مستخدم ما منشورًا يدعو فيه الناس «للتداوي بعلاجات الأحصنة، ما أسوأ ما قد يحصل؟»، فإنّه يمارس حقّه الطبيعيّ، ويجب أن يسمح له لذلك.

إذًا لديك هذه المجموعة الكاملة من القضايا، وليس واضحًا ما الدور الّذي يجب أن تمارسه الحكومات مع هذه المنصّات، وليس واضحًا تمامًا دور المنصّات في التعامل مع هذه القضايا ككلّ. فهل يجب أن تشارك المنصّات في محاولة إيقاف سيل المعلومات الخاطئة أو المضلّلة؟ أم أنّ علينا أن نقول إنّ هذا، «مثل تغيّر المناخ وهو حقيقة من حقائق الحياة وعلينا جميعًا التكيّف مع هذا الواقع»؟

أليكس ستاموس

- تكمن المشكلة الأساسيّة في وجود خلاف جوهريّ في عقول الناس، فهم غير متّسقين حول مسؤوليّة الشركات التكنولوجيّة وواجباتها تجاه تحسين المجتمع. يعتقد الناس عمومًا أنّ المنصّات تتحمّل مسؤوليّة كلّ رأي أو فعل مخالف لأفكارهم. أمّا إذا وقع أمر ما في صالحهم، فلا تستحقّ المنصّات أيّ فضل. ومن المستحيل العثور على أشخاص متّسقين في وجهة نظرهم تجاه هذه المنصّات.

مررنا كمجتمع بهذه الثورات المعلوماتيّة، حيث أدّت صناعة المطبعة لحروب دينيّة استمرّت لمئات السنين في أوروبا. إلّا أنّ تلك الحروب لم تثر تساؤلات من قبيل «هل علينا إلغاء الطابعة؟»، وعلينا أن ندرك أيضًا أنّ السماح للناس بطباعة الكتب خلق الكثير من الصراعات. أعتقد أنّ مسؤوليّة المنصّات تتمثّل في محاولة منع دفع الأمور للأسوأ، أو للأحسن، وأتمنّى أن تكون صياغتي للأمر مفهومة.

بيتر كافكا

- لم أفهمك، ماذا تعني عبارة «محاولة منع دفع الأمور للأحسن»؟

أليكس ستاموس

- أعتقد أنّ الشكوى المشروعة وراء مجموعة من ملفّات تويتر هي أنّ تويتر كان يحاول جاهدًا جعل المجتمع الأميركيّ والمجتمع العالميّ أفضل، لجعل البشر أفضل. ما يجب أن يركّز عليه تويتر وفيسبوك ويوتيوب والشركات الأخرى هو، «هل نبني منتجات تجعل بعض هذه المشكلات أسوأ على وجه التحديد؟» يجب أن يكون التركيز على القرارات الإيجابيّة الّتي يتّخذونها، وليس على التأثير الخفيّ على خطاب الآخرين. وبالتّالي، إذا كنت تعمل في فيسبوك، ولديك مستخدم يؤمن بنظريّات QAnon[3]، فلا يجب أن تنصحه «قد ترغب أيضًا في اقتحام مبنى الكابيتول. إليك مجموعة موصى بها أو إليك حدثًا موصى به حيث يقتحم الناس مبنى الكابيتول».

يعادل هذا قرارًا إيجابيًّا على منصّة فيسبوك، ويختلف تمامًا عن ملاحقة الناس في مجموعاتهم الخاصّة الّتي يتحدّثون فيها عن الإيڤرمكتين وأنواع أخرى من العلاجات الشعبيّة بشكل غير صحيح. إذا كان الناس مخطئين، فإنّ ملاحقتهم وملاحقة ما يقولون في محاولة تصحيح معلوماتهم قد يفضي إلى تصعيد الأمور ودفعها للأسوأ. أعتقد أنّ تحقيق هذا التوازن صعب. ما أقوله: كونوا حذرين حيال خوارزميّات التوصيات والترتيب لديكم، ومن ميزات المنتجات/المنصّات الّتي تزيد الأمور سوءًا عن قصد. ارسموا الخطّ الفاصل في المنتصف. لا إفراط ولا تفريط.

وخير مثال على هذه القضيّة هي القصّة الّتي نسجت حول لابتوب هانتر بايدن[4] المحمول. وما فعله فيسبوك وتويتر تجاوز حدّ الاتّزان، لأنّه مسألة ما إذا كان لدى صحيفة نيويورك پوست أخلاقيّات صحفيّة أو لا، ومسألة استخدام الصحيفة في حملة تسريب معلومات مقرصنة، هي مشكلة الصحيفة نفسها، وليست مشكلة فيسبوك أو تويتر.

بيتر كافكا

- اعتاد العاملون في وادي السيليكون رفع شعار متكرّر حول التكنولوجيا قبل عام 2016 «إذا صنعت شيئًا جديدًا، فحاول قدر المستطاع أن تجعل العالم أفضل به، وأفد العالم من خلاله». ولكنّنا نجد أنفسنا دائمًا أمام مقايضات وإيجابيّات وسلبيّات. فنحن نصنع السيّارات، والسيّارات تؤدّي للناس خدمات كثيرة وجليلة، إلّا أنّها تسبّب الكثير من الوفيات، ونحن نتعايش مع هذه المقايضة، ونحاول أن نجعل السيّارات أكثر أمانًا. إلّا أنّنا نعيش على الدوام مع فكرة وجود جوانب سلبيّة لمثل هذه الاختراعات... ما رأيك في هذا؟

أليكس ستاموس

- لا يعتمد الأمر على الطريقة الّتي أرى فيها الأمر، لأنّك تتحدّث عن حقيقة. أيّ ابتكار تكنولوجيّ يحتاج إلى نوع من التوازن. والمشكلة تكمن هنا في أنّ مناقشتنا السياسيّة لهذه الابتكارات لا تدفع إلى خلق حالة التوازن. إذا كنت تتمتّع بالخصوصيّة الفائقة، فعليك أيضًا أن تدرك أنّه عندما تقدّم اتّصالات خاصّة للأشخاص، فإنّ مجموعة منهم ستستخدم ذلك بطرق قد لا توافق عليها، وبطرق غير قانونيّة، وأحيانًا في بعض الحالات ضارّة للغاية. الحقيقة هي أنّه يجب أن تكون لدينا هذه الأنواع من المقايضات. كانت هذه المقايضات واضحة في مجالات أخرى من السياسة العامّة: إذا خفضت الضرائب، ستقلّ عوائدك، وستقبل نفقاتك. هذه هي أنواع المقايضات الّتي لا يفهمها الناس في عالم السياسة التكنولوجيّة أيضًا. وبالتّأكيد لا يفهم صانعو السياسة ذلك أيضًا.

بيتر كافكا

- هل هناك ما يمكن للحكومة فرضه في الولايات المتّحدة وأماكن أخرى؟

أليكس ستاموس

- الحكومة في الولايات المتّحدة مقيّدة للغاية بموجب التعديل الأوّل [من] دفع المنصّات لتغيير الكلام. ولكنّهم في أوروبا يقومون بإجراءات عديدة، حيث ينشئ قانون الخدمات الرقميّة مجموعة من المسؤوليّات الجديدة للمنصّات، وهذه القوانين ليست محدّدة بشكل كبير، ولكن هنا، من منظور ديمقراطيّ، سيتشكّل أكبر صراع حول المسؤوليّة. ثمّ ترى في البرازيل والهند والديمقراطيّات الأخرى الّتي تتراجع نحو الاستبداد، ترى رقابة أكثر عدوانيّة على الأعداء السياسيّين. ستبقى قضيّة المنصّات مشكلة حقيقيّة في جميع أنحاء العالم.

بيتر كافكا

- أنشأت المنصّات الكبيرة على مرّ السنين أدوات مهمّة جدًّا لمحاولة التحكّم في دورها. كنت جزءًا من هذا العمل في فيسبوك. ويبدو أنّنا الآن نمرّ بتجربة في الوقت الفعليّ على تويتر، حيث قال إلون ماسك، إنّه لا يعتقد، من الناحية الأيديولوجيّة، أنّ على تويتر أن يشرف على أيّ شيء يتجاوز النشاط الإجراميّ الفعليّ. علاوة على ذلك، فإنّ توظيف الأشخاص الّذين يبوحون في تغريدات الناس يكلّف الكثير من المال، وهو رفاهية لا يستطيع تويتر تحملها، لذا، فهو يتخلّص بشكل أساسيّ من كلّ من عمل في أقسام الإشراف ومتابعة الأخبار الكاذبة والزائفة. كيف تتخيّل تأثير ذلك؟

أليكس ستاموس

- تويتر صار الآن منصّة مفتوحة للاستغلال. إذا كنتم من الروس، وإذا كنتم من إيران، وإذا كنتم من جمهوريّة الصين الشعبيّة، وإذا كنتم متعاقدين لصالح وزارة الدفاع الأميركيّة، فهذا موسم مفتوح على تويتر. تويتر هو أفضل هدف لك على الإطلاق. ومرّة أخرى، الدليل الكمّيّ هو أنّه ليس لدينا الكثير من الأمثلة الرائعة حيث أجرى الناس تغييرات هائلة على معتقداتهم العامّة [بسبب المعلومات الخاطئة].

كانت المعركة بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب الموضوع الأكثر مناقشة على كوكب الأرض بأكمله في عام 2016. لذا، بغضّ النظر عمّا فعله [الروس] بالإعلانات والمحتوى، لم يكن شيئًا، لا شيء على الإطلاق مقارنة بكمّيّة المحتوى الّتي كانت موجودة على وسائل التواصل الاجتماعيّ حول الانتخابات. إنّها مجرّد قطرة صغيرة جدًّا في محيط هائل من المعلومات. مقال واحد عن دونالد ترامب لن يغيّر رأيك بشأن دونالد ترامب. لكن قد يكون مقال واحد عن حرب المملكة العربيّة السعوديّة [ضدّ اليمن] هو الشيء الوحيد الّذي تستهلكه فيها.

ثمّة مساحة أخرى أعتقد أنّها ستكون فعّالة حقًّا، وهي مهاجمة الأفراد ومحاولة مضايقة الأفراد. هذا ما رأيناه كثيرًا في الصين. خاصّة إذا كنت مواطنًا صينيًّا، وغادرت الصين وانتقدت الحكومة الصينيّة، فستكون هناك حملات ضخمة تنشر الكذب عنك. وأعتقد أنّ هذا ما سيحدث على تويتر، وإذا كنت لا توافق، أو إذا اتّخذت موقفًا سياسيًّا معيّنًا، فسوف ينتهي بك الأمر مع مئات أو آلاف الأشخاص الّذين يقولون إنّه يجب القبض عليك، وأنّك حثالة، وأنّه يجب عليك أن تموت. سيفعلون أمورًا كثيرة، كأن يرسلوا لك صورة لعائلك دون أيّ سياق. سيفعلون ذلك مرارًا وتكرارًا. وهذا هو نوع المضايقات الّتي رأيناها من QAnon وما شابه. وأعتقد أنّ تويتر سيستمرّ في هذا الاتّجاه، إذا اتّخذت موقفًا سياسيًّا معيّنًا، فإنّ مزارع الترول الضخمة لديها القدرة على محاولة دفعك لكي تترك الإنترنت.

بيتر كافكا

- في كلّ مرّة أرى فيها قصّة تشير إلى وجود مثل هذه المعلومات الخاطئة على يوتيوب أو تويتر، أعتقد أنّه يمكنك كتابة هذه القصص إلى الأبد. قد يتّخذ تويتر أو يوتيوب أو فيسبوك إجراءات صارمة بشأن مشكلة معيّنة، لكنّها لن تخرج من هذه الحلقة أبدًا. وأتساءل عمّا إذا كانت جهودنا ليست في غير محلّها هنا وأنّه لا ينبغي أن نقضي الكثير من الوقت في محاولة الإشارة إلى أنّ هذا الشيء خاطئ على الإنترنت وبدلًا من ذلك نقوم بشيء آخر. لكنّي لا أعرف ما هو الشيء الآخر. لا أعرف ما الّذي يجب أن نفعله. ما الّذي يجب أن نفكّر فيه؟

أليكس ستاموس

- أودّ أن أرى المزيد من القصص حول الهجمات المحدّدة ضدّ الأفراد. أعتقد أنّنا ننتقل إلى عالم تحصل فيه قضايا مثل غيمرغيت GamerGate[5] يوميًّا، حيث يوجد ممثّلون ذوو دوافع سياسيّة يشعرون أنّ وظيفتهم هي محاولة جعل الناس يشعرون بالسوء تجاه أنفسهم، ولإبعادهم عن الإنترنت، ولقمع حقّهم في الكلام. وبالتّالي لا يتعلّق الأمر بالإقناع الواسع بقدر ما يتعلّق باستخدام الإنترنت كميدان معركة ضارية لتدمير الأشخاص الّذين لا تتّفق معهم شخصيًّا. ولذا أودّ أن أرى المزيد من المناقشات والملفّات الشخصيّة للأشخاص الّذين يتعرّضون لهذه الأنواع من الهجمات. نحن نشهد هذا الآن. [الرئيس السابق لإدارة الغذاء والدواء] سكوت غوتليب، وهو عضو في مجلس إدارة شركة فايزر، يظهر في ملفّات تويتر، ويتلقّى عشرات التهديدات بالقتل.

بيتر كافكا

- ماذا يمكن لأيّ شخص يقرأ هذه المقابلة أن يفعل حيال الأمر؟ الناس قلقون بشأن حالة الإنترنت، وحالة العالم. إنّهم لا يديرون أيّ شيء. لا يديرون فيسبوك. وليسوا في الحكومة. بالإضافة إلى التحقّق من خصوصيّتهم الشخصيّة للتأكّد من عدم اختراق حساباتهم، ما الّذي يمكن وما يجب أن يفعله الناس؟

أليكس ستاموس

- الشيء الأساسيّ الّذي يجب على الجميع القيام به هو توخّي الحذر عند استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعيّ. لقد أخطأت في إعادة تغريد أمر أعجبني، وكان متوافقًا مع أفكاري المسبقة، ثمّ تبيّن بعد ذلك أنّه غير صحيح. لذلك أعتقد أنّنا جميعًا نتحمّل مسؤوليّة فرديّة: إذا رأيت أمرًا مذهلًا أو صادمًا، ويترك فيك إحساسًا قويًّا، اسأل نفسك قبل إعادة نشره: هل ما رأيته صحيح حقًّا؟»، والجزء الأصعب، أنّك إذا رأيت أحد أفراد عائلتك يمارسون عادة النشر المكثّف، أن تجري محادثة صعبة معهم، لأنّ الدلائل في حقل العلوم الاجتماعيّة تفيد بأنّ أكثر من يتداول الأخبار الزائفة هم من جيل ما بعد الحرب العالميّة الثانية[6]. على اليسار واليمين، أكثر من ينشر هذه الأخبار هم أشخاص في جيل آبائنا أو أجدادنا، حسب عمر القارئ.

بيتر كافكا

- أتمنّى أن أقول إنّها مشكلة جيل ما بعد الحرب العالميّة الثانية. لديّ طفل مراهق وآخر في مرحلة ما قبل المراهقة، ولا أعتقد أنّهم بالضرورة أكثر ذكاء بشأن ما يستهلكونه على الإنترنت من أجدادهم.

أليكس ستاموس

- مثير للاهتمام.

بيتر كافكا

- أعمل على توعيتهم أوّلًا بأوّل.


إحالات:

[1] اقتحم مثيرو الشغب الداعمين للرئيس الأميركيّ الأسبق دونالد ترامب مبنى الكابيتول الأميركيّ في 6 كانون الثاني/ يناير رافعين لواء إلغاء الانتخابات الّتي أفضت إلى خسارة رئيسهم، وأدّى الاقتحام إلى إخلاء مبنى الكابيتول وإغلاقه.

[2] من الأدوية المضادّة للطفيليّات، ويستخدم الإيڤرمكتين لعلاج الأمراض البشريّة الّتي تسبّبها الديدان الشريطيّة والطفيليّات الخارجيّة، وقدر روج لها على أنّه علاج فعّال ضدّ فايروس كوڤيد-19 مع تفشّي الجائحة حول العالم في عامي 2020 و2021.

[3] نظريّة مؤامرة اختلقها اليمين الأميركيّ المتطرّف حول الدولة العميقة في الولايات المتّحدة، والّتي وضعت خطّة مفصّلة للإطاحة بالرئيس وقتها دونالد ترامب وأنصاره، وقد كان لهذه المؤامرة دور في نشر عدد من الأخبار والادّعاءات الخاطئة مثل بيتزاغيت أو حتّى المساهمة في مشاركة الناس في غزو مبنى الكابيتول في السادس من كانون الثاني/ يناير من عام 2021

[4] نجل الرئيس الأميركيّ الحاليّ جو بايدن.

[5] حملة نشأت على الإنترنت عبر استخدام هاشتاغ #GamerGate وتركّزت حول قضايا التحيّز الجنسيّ والانفتاح الجنسيّ في ألعاب الفيديو.

[6] استخدم الكاتب كلمى Boomer، وهي كلمة تستخدم لوصف الجيل التالي للجيل الصمت (جيل الحرب العالميّة الثانية)، والسابق للجيل إكس، ويغطّي كافّة المواليد بين عامي 1946 و1964.

التعليقات