06/06/2016 - 10:17

بالفست 2016؛ لقاء أدب الوطن والشّتات والعالم في فلسطين

إنّ غاية الاحتفاليّة، منذ تأسيسها، التّعاون مع الفلسطينيّين على كسر الحصار الثّقافيّ الّذي يفرضه الاحتلال الإسرائيليّ على البلاد

بالفست 2016؛ لقاء أدب الوطن والشّتات والعالم في فلسطين

مصدر الصّورة: بالفست

تُعدّ احتفاليّة فلسطين للأدب (بالفست)، من أهمّ الأحداث الأدبيّة الّتي تُنظّم في فلسطين منذ عام 2008، وهي تُقام سنويًّا في شهر أيّار (مايو)، في عدد من مدن فلسطين، بحضور شخصيّات أدبيّة من العالم. وإنّ غاية الاحتفاليّة، منذ تأسيسها، التّعاون مع الفلسطينيّين على كسر الحصار الثّقافيّ الّذي يفرضه الاحتلال الإسرائيليّ على البلاد، لذا يتنقّل الكتّاب الضّيوف بين المدن الفلسطينيّة، في جولات سياسيّة وتاريخيّة، يتعرّفون فيها إلى الواقع السّياسيّ الفلسطينيّ، ويلتقون بالجمهور الفلسطينيّ الّذي منعه الاحتلال من التّنقّل في وطنه، ويقدّمون أمسيات أدبيّة وشعريّة إلى جانب كتّاب وشعراء فلسطينيّين.

مدن متعدّدة... أدباء عالميّون وعرب

هذا العام، وفي الدّورة التّاسعة لاحتفاليّة فلسطين للأدب الّتي بدأت من رام الله يوم 21 أيّار (مايو)، واستمرّت إلى كلّ من القدس، نابلس، بيت لحم، الخليل، حيفا، حضرت مجموعة من الشّخصيّات الأدبيّة البارزة عالميًّا، مثل الكاتب الأفريقيّ، الحائز على جائزة نوبل، جي. م كوتزي، والإيرلنديّ كولم ماكان، والأمريكيّ باريس لوبيز، بالإضافة إلى كتّاب فلسطينيّين لاجئين يصلون وطنهم لأوّل مرّة، أمثال الشّاعرة جيهان بسيسو والشّاعر غياث المدهون.

الأدباء الضّيوف في جولة سياسيّة في مدينة الخليل | مصدر الصّورة: بالفست

بالإضافة إلى المدن الفلسطينيّة التي زارها الكتّاب الضيوف، كان من المفترض تنظيم أمسية في مدينة غزّة بالتّوازي مع أمسية افتتاح الاحتفاليّة في رام الله، حيث كان من المقرّر عرض فيلم 'أنا مع العروسة'، وهو مشروع لكلّ من  أوغوليار، وخالد سليمان النّاصريّ، وغابريله دل غرانده، يليه نقاش عبر السّكايب مع مخرجه خالد سليمان النّاصريّ، بالإضافة إلى أمسية تضمّ قراءة عبر السّكايب للشّاعر خالد جمعة، وورشة مع سائد السّويركي، إلّا أنّ الفعاليّة أُلْغِيَت، وقالت الاحتفاليّة عبر صفحتها الرّسميّة في موقع فيسبوك: 'لقد تقرّر إلغاء فعاليّات ’بالفست‘ في غزّة نظرًا لتأخّر الحصول على الموافقة الأمنيّة من الحكومة في غزّة، وبالتّالي تأخّر التّحضيرات اللّازمة ليتسنّى للجمهور الكريم في غزّة المشاركة بالفعاليّة. ويذكر أنّ ’الموافقة الأمنيّة‘ هي سابقة بحدّ ذاتها، لم تُطلب في السّنوات الماضية، لذا اقتضي التّنويه! شكرًا لتفهّمكم/ ن.'

جيهان بسيسو: سأعود دائمًا...

في حديث لمجلّة فُسْحَة مع الشّاعرة الفلسطينيّة جيهان بسيسو، والّتي زارت فلسطين لأوّل مرّة وقرأت في الأمسية الافتتاحيّة للاحتفاليّة في مدرّج المحكمة العثمانيّة في البلدة القديمة برام الله، قالت: 'أنا شاعرة فلسطينيّة من الشّتات، منحتني المشاركة في بالفست إمكانيّة أن أكون في الدّاخل والخارج، أن أمسك كلا الواقعين؛ من جهة أن أكون في الوطن، ومن جهة أخرى أن أشعر بأنّني غريبة. منحتني الاحتفاليّة فرصة قضاء أسبوع كامل في حافلة مع كتّاب وشعراء رائعين، أكاديميّين وصحافيّين من كلّ العالم. تنقّلنا بين رام الله، القدس، الخليل، حيفا، مررنا عبر الحواجز العسكريّة والجدار، تحدّثنا إلى ناشطين، مشينا مع أطفال في مخيّمات لاجئين، وأقمنا قراءات أدبيّة مفتوحة وعامّة في فضاءات جميلة. بالفست حدث خاصّ وسط مهرجانات الأدب، كونه مهرجانًا متحرّكًا، لأنّ الفلسطينيّين لا يمكنهم التّنقّل بحرّيّة بين مدنهم وفي أرضهم. ببساطة، الوجود هناك، أن نكون شاهدين على الواقع، نقرأ ونكتب عنه، هذا يجعل الاحتلال غير مرتاح.'

جيهان بسيسو | مصدر الصّورة: بالفست

وفيما يتعلّق بمشاعرها إزاء زيارتها الأولى لفلسطين، قالت بسيسو: 'جاءت عائلتي من غزّة، ومع ذلك، أنا الشّخص الوحيد من العائلة الّذي زار فلسطين. أشعر بمسؤوليّة كبيرة. قبل أن أسافر إلى فلسطين سألت أفراد عائلتي: ماذا تريدون أن أحضر لكم من هناك؟ كانت الإجابات متنوّعة، ما بين: ولا شيء، سلامتك، أو احضري أيّ شيء حتّى لو كان حفنة من الرّمال. التّجوّل في وطني مع بالفست، كانت تجربة سورياليّة فعلًا. اليوم، وبعد أسبوع من عودتي، لا زلت أجد صعوبة بالتّعبير عن شعوري حينما كنت في مخيّم بلاطة للّاجئين، والتقيت بلاجئين فلسطينيّين في وطنهم، عندما قرأت قصائد عن الحرب على غزّة في جامعة بيت لحم لجمهور كبير من الطّلّاب، رؤية البحر في حيفا الّذي يبدو أكثر جمالًا في الحياة الحقيقيّة منه في القصص الّتي سمعتها عنه. جمع بالفست حبّي للأدب مع حبّي لفلسطين، لن أنسى أبدًا هذه التّجربة. بعد يوم كامل على الحدود، أنتظر وأُعامل بذلّ من خلال الأسئلة الّتي سألوني إيّاها، كلّ هذا أغضبني جدًّا، لكنّني ارتحت عندما سمحوا لي بالدّخول. العودة،
الوجود هنا، هو حقّنا، وسأعود دائمًا.'

ياسر خنجر: الانتصار للإنسانيّة في مواجهة القمع

ياسر خنجر، شاعر سوريّ من الجولان المحتلّ، اعْتُقِلَ مدّة 7 أعوام ونصف بتهمة مقاومة الاحتلال، أصدر خلالها مجموعته الأولى 'طائر الحرّيّة' (الفارابي/ 2003)، بعدها أصدر مجموعتين؛ 'سؤال على حافّة القيامة' (مركز فاتح المدرّس/ 2008)، و'السّحابة بظهرها المحنيّ' (دار راية/ 2014). وقد شارك في احتفاليّة فلسطين للأدب في مدينة حيفا، والّتي تنظّمها سنويًا جمعيّة الثّقافة العربيّة.

قال ياسر خنجر عن الاحتفاليّة في حديثٍ مع مجلّة فُسْحَة: ' تمثّل احتفاليّة فلسطين للأدب بالنّسبة لي صوت الشّعر فيما هو هويّة شخصيّة تستمدّ دلالاتها من الهُويّة الجمعيّة، وتضيف إليها على قدر ما يتيحه الشّعر من رفض للواقع وانتصار لمشروع الحرّيّة. احتفاليّة فلسطين للأدب هي إحدى أوجه تحوّل الثّقافة، والشّعر تحديدًا، من صوت ذاتيّ يُنتجه المثقّف في وحدته، إلى مقاومة تصرخ في وجه مؤسّسات الاحتلال، أن ها نحن ذا نرفض تحويلنا قسرًا عن لغتنا وثقافتنا، عن هويّتنا وامتدادنا في عمق فلسطيننا.'

ياسر خنجر

ويضيف: 'على الصّعيد الشّخصيّ، فإنّ مشاركتي - أنا السّوريّ من الجولان المحتلّ، والّذي يعيش وقته كلّه على إيقاع ممارسات القمع والقتل في فلسطين وفي سوريا - ضمن الاحتفاليّة هذه السّنة، تعني الكثير بالنّسبة لي، لا سيّما من حيث تعرية الظّلم من تسمياته المواربة، ومحاولة البوح بأنّ أحلام النّاس هنا في فلسطين، وهنا في سوريا، واحدة في مقاومة الاحتلال والاستبداد، وواحدة في مواجهة الظّلم والظّلاميّين. سوريا وفلسطين على منصّة واحدة، اليمن أيضًا، وتونس والمغرب والعراق، وكلّ من ينتصر لإنسانيّته في مواجهة سلطة القمع.'

تمّام هنيدي: تمرينٌ على العودة الحقيقيّة

في حيفا، وخلافًا لسنوات سابقة، قرّرت جمعيّة الثّقافة العربيّة أن تنظّم احتفالًا بالأدب والشّعر في الفضاءات العامّة للمدينة، بالتّعاون مع مقاهٍ ومساحات ثقافيّة وفنيّة، بالإضافة إلى إقامة الاحتفال المركزيّ في المركز الثّقافيّ العربيّ. قرارها هذا جاء من منطلق رؤيتها بأنّ الشّعر والأدب يجب أن تكون لهما حصّة من الفضاءات العامّة، بالإضافة إلى ضرورة إشراك مساحات عديدة في المدينة في هذا الجوّ الاحتفاليّ.

لم يقتصر اختلاف احتفاليّة حيفا على التّعاون مع الفضاءات العامّة في المدينة، إنّما مشاركة أصوات شعريّة فلسطينيّة لاجئة وعربيّة عبر الفيديو، في مشاركات بُثّت في المقاهي والمساحات الثّقافيّة.

كانت من بين هذه المشاركات، مشاركة الشّاعر السّوريّ المقيم في السّويد، تمّام هنيدي، والّذي في رصيده مجموعتان شعريّتان؛  'وشوم الضّباب' (منشورات المتوسّط/ 2014)، و'كما لو أَنِّي نجوت' (منشورات المتوسّط/ 2016)ن وقد قال عن مشاركته عبر الفيديو في حديث مع فُسْحَة:  'لم تكتسب المشاركة عبر الفيديو في احتفاليّة فلسطين للأدب أهمّيّتها من حيث أنّها مشاركة لشاعر في احتفاليّة أدبيّة، بالنّسبة لي على الأقلّ، إذ أنّ كلّ مشاركة في قراءة الشّعر تُعدُّ توريطًا جديدًا للشّاعر في الكتابة. المشاركة في أيّ احتفاليّة حبل جديد يضاف إلى الحبال الكثيرة الّتي تلتفّ حول عنق الكاتب. ذلك أنّه يتورّط في تصديق صورته، وذلك مرعب حقًّا. بالنّسبة لي على الأقلّ! لكنّ المشاركة في احتفاليّة فلسطين للأدب، اكتسبت أهمّيّتها عندي من زاوية الاسم؛ فلسطين. أن أكون هناك، في ذلك المكان الّذي لطالما أخذ في ذاكرتي شكل الصّحراء، أسوةً بكلّ أرض محتلّة.'

 كسر الصّورة الاحتلاليّة

وأضاف هنيدي حول ذلك: 'لقد نجح الاحتلال في جعل صورة أرضنا راسخة في ذاكرتنا على نحو مشّوه. ومن هنا؛ من هذه النّقطة، كانت المشاركة بالنّسبة لي تمثّل فرصة لكسر صورة المكان المفروضة على اللّاوعي، وإحلال صورة أخرى له. صورة حقيقيّة. سنقرأ في المراكز الثّقافيّة، في المطاعم، في الحانات، في مسارح وبيوت قديمة، وسيحضر أناسٌ طبيعيّون يسمعون شعرًا وهم يتناولون طعامهم ويأخذون شرابًا، وربّما يثرثرون بالطّبع! هذا يعني أنّ هناك حياة في فلسطين، وهي ليست صحراء قاحلة خالية من البشر، بل إنّ في حياتِها تفاصيل وأناس وأماكن وسهرات وشواطئ ونزهات أيضًا! كانت المشاركة ضروريّة ومهمة إذًا، فهي فلسطين، الّتي يجب علينا الانتباه إلى أنّه بالإمكان بعدُ المساهمة في إحيائها من موتها بالتّقادم. الذّهاب إليها عبر الفيديو، ليس إلّا تمرينًا أوّليًّا على ذهاب حقيقيّ، لن يطول انتظاره كثيرًا بالنّسبة لي.'

أهداف سويف: حضور الأدباء من الشّتات أهمّ ما يميّز بالفست

تأسّست احتفاليّة فلسطين للأدب بعد فكرة انطلقت من نقاش بين الكاتبة المصريّة البريطانيّة أهداف سويف، والكاتبة والصّحافيّة البريطانيّة بريجيد كينان، وبدأ التّنسيق لها عام 2006، حيث كانت الدّورة الأولى لبالفست عام 2008.  بعد انتهاء الدّورة التّاسعة للاحتفاليّة، تواصلت مجلّة فُسْحَة مع أهداف سويف للحديث عن مميّزات دورة هذا العام وتحدّياته، وغيرها.

قالت سويف عن الأمور التي ميّزت دورة 2016: 'الحقيقة هي أنّ كلّ سنة يكون المميّز فيها مشاركة أصوات جيّدة في الاحتفاليّة، ومن أجمل ما تقوم به بالفست، إتاحة الفرصة لأدباء من الشّتات الفلسطينيّ لزيارة البلاد لأوّل مرّة، وأذكر من أدباء هذا العام جيهان بسيسو، الّتي قرأت في بيت لحم ورام الله، وغياث المدهون الّذي قرأ في رام الله وحيفا. وكان استقبال الجمهور للشّاعرين في كلّ مكان مفعمًا بالدّفء.'

أهداف سويف | مصدر الصّورة: بالفست

أمّا عن تحدّيات هذا العام الّتي واجهت الاحتفاليّة، قالت سويف: 'يكون التّحدّي في كلّ مرة، كيف توجد بالفست في أماكن أكثر، وكيف تتيح نفسها لقطاعات أكثر من الجمهور من أهلنا في فلسطين، وكيف تتيح أبعادًا أكثر من التّجربة الفلسطينيّة للأدباء الضّيوف. والاحتفاليّة محدودة دائمًا بفترة الخمسة أيّام، وبالحرص – طبعًا – على جهود الضّيوف وطاقتهم.'

مبادرة أهليّة

بعد انتهاء الاحتفاليّة بأيّام، انتشر عتاب من أصوات أدبيّة وثقافيّة فلسطينيّة مفاده بأنّ 'أحدًا لم يعلم بخبر وصول الأديب جون ماكسويل كوينتزي' إلى فلسطين، بالإضافة إلى أنّ بعض الأصوات سجّلت تحفّظها على غياب وزارة الثّقافة الفلسطينيّة، لأنّها رأت في الأمر فرصة لاستقبال الأدباء الضّيوف، وكي تقدّم الوزارة الدّعم الّلازم.

عن هذا قالت سويف: 'تصدر بالفست بيانًا إعلاميًّا قبل الاحتفاليّة بأيّام، تعلن فيه عن الفعاليّات، كما تترك المنشورات في الأماكن المتاحة في مختلف المدن. وفي الواقع أنّ النّاس تعرف بفعاليّات الاحتفاليّة بدليل الحضور الكبير للجمهور في كلّ الأماكن التي أقيمت فيها.' وتضيف: 'بالفست مبادرة أهليّة، من مجموعة أفراد، وجدنا أنّنا نستطيع توظيف صداقتنا الشّخصيّة مع أدباء من الخارج لنأتي بهم إلى فلسطين، لاعتقادنا أنّ هناك جمهورًا في فلسطين يجب أن يتفاعل معهم، وأنّ تعرّض ضيوفنا لهذه التّجربة سيكون رافدًا يصبّ في النّهاية – بشكل ما – في استنارة الرّأي العامّ في الخارج في التّعامل مع القضيّة الفلسطينيّة. بالفست تعلن عن نفسها بقدر استطاعتها، وهي تتشرّف أيضًا بالعمل مع مؤسّسات ثقافيّة أهليّة داخل البلاد، تقوم هي أيضًا بالإعلان عن الفعاليّات، وكلّ ما نستطيعه هو أن نطلب من كلّ من يهتمّ بحضور الفعاليّات أن يتابع صفحة بالفست عبر الفيسبوك.' 

التعليقات