02/09/2018 - 15:51

صيغة حديثة لقصّة تقليديّة: "الخالةُ زَرْكَشات تَبيعُ الْقُبَّعات"

صيغة حديثة لقصّة تقليديّة:

من لوحة غلاف قصّة "الخالةُ زَرْكّشات تبيعُ القُبّعات"

 

مصدر القصّة

"القرد يرى، القرد يفعل"، مقولة ظهرت في الثقافة الأمريكيّة، في عشرينات القرن الماضي، وهي تشير إلى تعلّم نشاط معيّن أو عمليّة، دون فهم آليّة القيام به/ ا أو معناه/ ا. ثمّة إمكانيّة أخرى تُنسَب إلى المقولة، هي آليّة التقليد الأعمى، الّذي يصاحبه، غالبًا، معرفة ضئيلة وإدراك محدود بالعواقب، وتُنسَب عادة هذه المقولة إلى نصوص من الفولكلور الماليّ في غرب أفريقيا، ولا سيّما إلى قصّة "قبّعات للبيع".

 

تتحدّث القصّة عن بائع قبّعات، ذي شوارب، يعتمر على رأسه قبّعة مزيّنة، فوقها كثير من القبّعات الملوّنة للبيع (خضراء، وصفراء، وزرقاء، وحمراء). في أحد الأيّام، غفا بائع القبّعات في قيلولة سريعة تحت شجرة كبيرة، واستيقظ فوجد أنّ القبّعات كافّة قد اختفت، وسرعان ما وجد القبّعات على رؤوس مجموعة قرود، تقفز بين أغصان الشجرة. تروي القصّة محاولاته المختلفة والمتنوّعة لمحاولة استعادة القبّعات. بعد فشل كلّ محاولاته، يغضب البائع ويلقي بقبّعته المزيّنة على الأرض، فتقلّده القرود وترمي هي أيضًا القبّعات الّتي كانت تعتمرها على الأرض؛ يجمعها بائع القبّعات بسرعة، ويكمل طريقه.

 

صياغات مختلفة

هذه الصيغة التقليديّة للقصّة، إلّا أنّ "قبّعات للبيع"، مثلها مثل غالبيّة نصوص الأدب الشعبيّ، قد حصلت على العديد من الصياغات المختلفة والمتنوّعة.

نُشِرت القصّة في صياغات عدّة مختلفة، أشهرها عالميًّا صيغة المؤلّفة والرسّامة النسويّة الأمريكيّة أسفير سلوبودكينا، الّتي نشرتها عام 1938. بلغت مبيعات الكتاب أكثر من مليونَيْ نسخة؛ إذ كان كتابًا طلائعيًّا في تقنيّة كتابته، الّتي تعطي الأطفال شرعيّة قراءة جزء من النصّ.

 

 

صيغة أخرى اشتهرت كثيرًا، وتُرجمت إلى العديد من اللغات، منها العربيّة، صيغة المؤلّف بابا واغيه دياكيتي، وهو حكواتيّ وكاتب ورسّام لقصص الأطفال من مالي، مصدر القصّة الأوّليّ. عام 1999، نشر كتابه بعنوان "بائع القبّعات والقرود".

صدرت عام 2012 صيغة لبنانيّة للقصّة، عن كتب "الفراشة" لمكتبة لبنان ناشرون، بعنوان "طاقيّة قوس قزح". كتبت النصّ آني أديني، ورسمته كريستينا برتشيندر، وأَعدّ النصّ العربيّ ألبير مطلق. أمّا عنوان القصّة الأصليّ فكان "القرد يرى، القرد يفعل" (Monkey see, Monkey do)، إلّا أنّ القصّة جاءت لتشكّك في معنى هذه المقولة.

تحكي "طاقيّة قوس قزح" قصّة الجدّ مسعود، ينطلق إلى قرى الغابة المختلفة ليبيع الطواقي، ويحدث مع الجدّ مسعود ما حصل مع بائع القبّعات في القصّة التقليديّة، إلّا أنّ القرود قد تحوّلت هنا إلى نسانيس، وهي نوع من القرود يمتاز بشدّة الحذر والمكيدة، ويقتبس العلم ببطء ولا ينساه.

 

 

وكما في القصّة التقليديّة، يرمي الجدّ مسعود قبّعته على الأرض؛ فتقوم كلّ النسانيس بالعمل نفسه. يعود الجدّ مسعود إلى حفيده جوجو ويحكي له القصّة. عندما يكبر الجدّ مسعود في السنّ، ويعجز عن الذهاب إلى القرى لبيع القبّعات، يذهب جوجو بدلًا عنه، لكنّه سرعان ما يمرّ بالتجربة ذاتها؛ فتختطف منه النسانيس قبّعاته، يرمي جوجو قبّعته أرضًا منتظرًا النسانيس لتقلّده؛ إلّا أنّها تأبى وتذكّره بأنّ لها أيضًا أجدادًا!

 

صيغة فلسطينيّة

أحدث صيغة للقصّة صيغة الكاتب الفلسطينيّ علاء حليحل، الصادرة عن "دار كتب قدّيتا"، عام 2018، بعنوان "الخالة زَرْكَشات تبيع القبّعات". حضّر الكاتب علاء حليحل الرسوم المميّزة للنصّ أيضًا، دمج فيها تقنيّات مختلفة، من الرسم والألوان الّتي تضفي عليها تقنيّة الكولاج.

عن الغلاف: "أَثْنَاءَ غَفْوَتِهَا القَصِيرَةِ فِيِ الغَابَةِ، تَتَسَلَّلُ القُرُودُ الشَّقِيَّةُ إِلَى عَرَبَةِ الْخَالَةِ زَرْكَشَاتَ - بَائِعَةِ الْقُبَّعَاتِ - وَتَسْرِقُ الْقُبَّعَاتِ الْمُلَوَّنَةَ. تُحَاولُ الْخَالَةُ زَرْكَشَاتُ أَنْ تَسْتَرْجِعَ قُبَّعَاتِهَا بِالْكَلَامِ الْمَعْسُولِ؛ لَكِنَّ القُرُودَ تَتَمَسَّكُ بِهَا! أَخِيرًا، تَهْتَدِي الْخَالَةُ إِلَى حِيلَةٍ ذَكِيَّةٍ، مِنْ مُنْطَلَقِ أَنَّ الْقُرُودَ تُحِبُّ التَّقْلِيدَ؛ وَهَكَذَا رَمَتِ الْخَالَةُ قُبَّعَتَهَا عَلَى الْأَرْضِ؛ فَرَمَتِ الْقُرُودُ قُبَّعَاتِهَا كَذَلِكَ؛ لِتُسْرِعَ الْخَالَةُ إِلَى جَمْعِهَا!".

 

 

أكثر ما يميّز نصّ حليحل تحويل البطل إلى بطلة؛ فالجدّ مسعود أصبح الخالة زْرْكَشات، الّتي ترتدي الثوب المزركش. مميِّز آخر في القصّة، أنّ الخالة زَرْكَشات لا تفقد أعصابها، وتحاول الحصول على القبّعات بطرق شتّى، بل منذ البداية تستعمل عقلها وتفكيرها وحيلها الذكيّة للحصول على القبّعات. تحاول الخالة زَرْكَشات إغراء القرود بالسمسميّة والشوكولاتة والبالونات وغيرها، إلّا أنّ هذه القرود لا تشبه نسانيس الجدّ مسعود؛ فقرود الخالة زَرْكَشات قرود مستقلّة أكثر، ذات آراء وأفكار خاصّة، وحتّى أنّه يمكن أن يميّز القارئ فيها حبّ الاستطلاع والفطنة.

 

طفولة منفتحة وعفويّة

بمقارنة بين الصيغتين الأخيرتين (اللبنانيّة والفلسطينيّة)؛ نجد أنّ الخالة زَرْكَشات وقرودها وصلت إلى مرحلة جديدة من التفكير والعقلانيّة؛ إذ تقترح الخالة زَرْكَشات اقتراحًا على القرود؛ فتردّ عليها بحجج منطقيّة وعمليّة، ولا ترفض المقايضة باستهتار ولامبالاة، كالقرود في القصص السابقة، لكن نهاية النصّ، نجد أنّ قرود الخالة زَرْكَشات تقع هي أيضًا في مكيدة التقليد، فماذا يقصد حليحل من إعطاء القرود فكرًا، مع تحديده بالعفويّة والتقليد؟

 

 

أظنّ القراءة المركزيّة الّتي يوجّهنا إليها حليحل، مقارنة القرود بأطفال اليوم؛ فمن جهة أصبح أطفال اليوم منفتحين على الثقافة العالميّة عامّة؛ ما جعلهم متطلّعين على العالم الواسع بكلّ أطرافه، فمنهم من يحاول توفير الظروف المناخيّة الصحيحة له للتفكير (ستحمي رأسي من الشمس وأنا أفكّر)، ومنهم من يحاول مراقبة الكواكب والنجوم (منظارًا أرى به نجوم السماء)، وآخرون قد تعرّفوا صور الحضارة والثقافة المختلفة (أحبّ العروض المسرحيّة).

على الرغم من كلّ هذا "البلوغ" السريع، والتقدّم نحو الحداثة بسرعة، ما زال الأطفال أطفالًا يتميّزون بعفويّتهم وزلّاتهم أحيانًا؛ فليس علينا تحميلهم ثقل الحضارة بأكملها، ولا هموم العالم بأسره. وفوق كلّ هذا، علينا أن نتصرّف بطبيعيّة ولباقة أمامهم، فإضافة إلى ذكائهم المذكور، هم أحيانًا كذلك يقلّدون البالغين.

 

القناعة في التربية

في هذه القراءة، يكون التوجّه المركزيّ إلى الأهالي؛ إذ إنّ "الخالة زرْكشات تبيع القبّعات" كتاب عن القناعة في التربية أوّلًا، وكذلك تقبّل الأطفال على عفويّتهم وبساطتهم، بغير الاستهتار بقدراتهم، بل العكس تمامًا.

وفي قراءة تتوجّه إلى الأطفال، فقد يجدون شرعيّة حججهم ومنطقيّتها، في كلّ جملة يردّدها أحد القرود على الخالة زَرْكَشات؛ ما يعطيهم كذلك إمكانيّة تطوير القدرات على التفاعل والنقاش، بالإضافة إلى تحذيرهم من التقليد الأعمى، الّذي قد يُفقدهم مبتغاهم.

 

 

إنّها صيغة جديدة لقصّة تقليديّة، تضيف عليها حيّزًا جديدًا يجعلها قيّمة ومثيرة للتفكير، أكثر ممّا كانت عليه.

بالإضافة إلى إصدار الكتاب، أخرجت "دار كتب قدّيتا" فيلمًا مصوّرًا ونشرته، يحكي قصّة الكتاب، يمكن الاطّلاع عليه بالضغط هنا.

 

لؤي وتد

 

 

باحث في ثقافة الأطفال والشباب، ومحرّر موقع "حكايا".

 

 

 

 

التعليقات