20/10/2021 - 17:06

حالة سقوط

حالة سقوط

المجموعة القصصيّة «محاولات نجاة»

 

شيء ما يسقط، وأشياء كثيرة قيد السقوط... هكذا بدأ الأمر قبل أنْ يصير حالة من السقوط. تلك حقيقة لا يعتقد بها إلّا المجانين، وقد أصبحت مؤخّرًا واحدًا منهم.

البداية كانت في البحث عن الحقيقة، كنت واحدًا من فرقة مسرح تحضّر لعرضها الجديد، وكنّا جميعًا نبحث في عروضنا عن الحقيقة، تلك الّتي نؤمن بغيابها بشكلها الكامل، وإنّما نسعى نحوها ونخوض الرحلة، قد يكون المسرح بهذا المعنى ما هو إلّا رحلة إلى الأبد، ومع هذا علينا كممثلين أْن نعثر على حقيقة ما ونصدّقها كي يصدّقنا الجمهور، وهذا لن يحدث إلّا إذا صدّقنا نحن أوّلًا، وكيف أصدّق ما لا أعرفه؟

لست أعرف إلّا عبارات مرصوصة في نصّ يحتاج لتجسيد، وقد كان عليّ أنْ أبحث عن الجسد الحقيقيّ للنصّ إذْ تكون الحقيقة مجسّدة، ولكن قبل أنْ أذهب إلى هناك حيث الشخصيّة الحقيقيّة؛ أي التجسيد، عليّ أنْ أحصّن نفسي تمامًا، حتمًا أنّكم سمعتم عن ممثّل ما يتورط بالشخصيّة. والشخصيّة هنا بأبسط كلمة هي شخصيّة مجنون، وهل ثمّة من تجسيد آمن لشخصيّة مجنونة؟ لا أعرف، ولذا وجب التحصين.

إذنْ فقد قرّرت الذهاب إلى مصحّة للأمراض العقليّة والنفسيّة، وهناك التقيت بمديرة المصحّة "السيّدة رضوى" وقد استقبلتني ببساطة وهدوء تشوبهما ابتسامة عريضة تبدو حقيقيّة تمامًا، ولكنّي لم أصدّقها، فقد كانت طويلة جدًا، امتدّت على مدى المحادثة، أقلت محادثة؟ لا ليست كذلك، فوحدي من كان يتحدث.

أخبرتها عن مشروعي المسرحيّ، وطبيعة الشخصيّة الّتي سأجسّدها، لم أقل لها تجسيد وحسب، بل عدت وزدت في هذا الأمر، ربّما لأنّي أحبّ أنْ أستخدم مصطلحات أخرى ولم أعترف لنفسي بذلك حينها، بل قلت في نفسي "سأكرّر كي تفهمني بشكل أوضح" فقلت مثلًا: "أعايشها" ثمّ قلت "أمثّلها" وكرّرت "ألعبها" أمّا السيّدة فلا شيء. فقد اختفت البسمة عن شفتها فجأة، قلت بأبسط عبارة: "أريط مقابلة أحد يعاني من تهيؤات" وواصلتْ الصمت، وبعد لحظة حَكّتْ حاجبها من أعلى عويناتها، ثم عطستْ ولا شيء آخر، بل استمرّ صمتها.

كان يجب أنْ أشْغَلَ نفسي بأيّ شيء يخفي ذاك التوتر الغريب الّذي سبّبهُ لي صمتها، وكوني ممثّل فلم أجد غير التأمّل في طبيعة شخصيّتها، وحركاتها عساني أَجِدُ فيها ما هو مُجْدٍ للنصّ، جذبتني العطسة مثلًا، إنّها تعطس دون أن تعتذر أو تضحك حتى، ولم تستخدم منديلًا، هي تعطس وحسب، يحمرّ أنفها البارز الكبير، ثمّ تومض عيناها فتعطي ردّة فعل لا إراديّة بأنْ ترمُش، ثمّ تغلق جفنيها وتشدّها فتبدو أهدابها وكأنّها تتكاتف بشكل عنيف، وببساطة تُخْرِجُ من الجارور منديلًا، إنّها تمتلك منديلًا إذنْ، وتمسح به سائلًا خفيفًا انساب من عينيها. لست أقول "دموع"، الأمر له علاقة بالعطسة وإغلاق العين، ولا شيء آخر.. بالطبع لا تبكي بل تبتسم، مجدّدًا عادت تبتسم.

ما هي إلّا دقائق حتّى قرّرتْ أن تحكي، بدا ذلك واضحًا عندما عدّلت من جلستها، مسكت قلمًا وراحت تطرق به ملفًا ما على المكتب، ثمّ نظرت صوبي من أعلى عويناتها وشقّت شفتيها قليلًا، هذه جميعها مؤشرات جيّدة أنّها ستحكي، لقد عرفت ذلك وما لم أعرفه أنّها لن تنطق إلّا بكلمة ونصف: "لا بأس".

فرددت بسرعة: "ما الّذي يتوجّب عليّ فهمه من هذه "اللا بأس؟".

ولم تجب بل ابتسمت، وخرجت من المكتب متجاهلة وجودي؛ ما جعلني أشعر بإهانة بالغة دفعتني للّحاق بها كي أصرخ في وجهها وأجد لنفسي طرقًا ما لإهانتها، وما أن خرجتُ حتّى اصطدمت بالمشرفة على الحالات المرضية جميعها، ترتدي بطاقة مكتوب عليها اسمها "عنايات"، ومن المثير للغرابة والدهشة أنْ تعلّقها على صدرها، أيعقل أنّ هذه المصحّة تحاول الاقتصاد بالحديث لدرجة أنّهم لا يريدونك أنْ تسألهم حتّى عن اسمهم؟ وقبل أنْ أسألها عن أيّ شيء ابتسمت لي، وقد بادلتها البسمة ببلاهة، وقبل أنْ أشرح لها الأمر قاطعتني قائلة: "لا بأس". كدت أفقد صوابي وأصرخ في وجهها وأستخرج كلّ الكلمات العاهرة من معجمي اللغويّ، إلّا أنّها ضحكت. "إنّه تطوّر جيّد، من البسمة إلى الضحك" ثمّ أردفت: "تفضّل معي". وهنا كان لا بدّ من أنْ أهدأ تمامًا.

ساقتني صوب غرفة لم تُسجّل عليها أيّة أرقام أو أسماء، سحبتْ المفتاح من حقيبتها وفتحت الباب، طلبت منّي الدخول وغادرت تاركة الباب مفتوحًا. وهناك التقيت بحلمي، وقد كان يندفع إلى الأمام آخذًا وضعيّة الهجوم، وعندما شاهدني انسحب من وضعيّته وجلس على الكرسيّ.

ربّما تحصّنت جيدًا كي لا أُجَن، ولكنّي بالتأكيد لم أتهيّأ جيّدًا للمقابلة؛ فها أنا ذا أجلس قبالة حلمي دون أنْ أجد أيّة عبارة أبدأ بها الحديث، ليس ثمّة من عبارات عفويّة عاديّة تدفعنا للثرثرة في أيّ شيء؛ فليس المهمّ ما يقوله حلمي، بل في كيف يقول، وماذا يفعل؟ أردت أنْ أرى كيف يتعامل مع جسده، كيف يعبّر به عن حالته، ولكن عبثًا، لم يفعل شيئًا، وقد بدا وجهه فارغًا تمامًا من أيّة ملامح.

 ما هي إلّا دقائق حتّى دخلت عنايات وبيدها كأسي ماء وحّبة دواء. وما لبثت أنْ خطت خطوتها الأولى داخل الغرفة حتّى اندفعَ بوضعيّة مهاجم تشبه تلك الّتي شاهدته فيها لحظة دخولي، جسده منحنٍ إلى الأمام، فيما ينزل رأسه قليلًا ويرفع بؤبؤ عينيه إلى الأعلى حيث ينصبُّ نظره على وجهها تمامًا، وراح يزمجر:

"أين رامز؟"

قدّمت لي كأس الماء، وقدّمت الآخر لحلمي مع حبّة دواء. وهمّت بالمغادرة دون أنْ تعير ما قاله حلمي أدنى اهتمام، فأسرع صوب الباب وكأس الماء في يده، التفتت إليه فيما راح يرفع الكأس عاليًا ويوشك أنْ يصفعه برأسها، أمّا عنايات فلم تحرّك ساكنًا، بل نظرت صوبي وقالت:

"إنّها إحدى أعراض التهيّؤات الّتي حدّثتك عنها"

صرخ في وجهها حلمي:

"قلت لك ألف مرّة أنّي لا أتهيّأ، بل أحلم.. كيف اختفى رامز؟؟.. اعترفي"

ولم تنبس ببنتِ شفة بل غادرته ببطء فيما تشنّجت يداه حول كأس الماء لهنيهة قبل أنْ يرخي يده ويعود إلى الكرسيّ، ثمّ التفت إليّ قائلًا:

"لم تعطك واحدة، أليس كذلك؟ حتّى لو أعطتك فلا تشربها. يظنّون أنّني مجنون.. حماقة!"

ثمّ شرب حبّة المهدّئ بملء إرادته وأردف: "أنا أعاني من "الحلموفوبيا" وحسب"

كان عليّ أنْ أشكر عنايات؛ ليس لأنّها قدّمت لي الماء بل لأنّها قدّمت لي حديثًا أجريه مع حلمي، ولنبدأ بمرضه، سألته:

"ماذا تعني بالحلموفوبيا؟"

بدا واضحًا استغرابه من سؤالي حتّى أنّه صارحني قائلًا: "ألست تدري حقًا؟" ثمّ ضحك وأردف: "إفراط مزمن بالحلم" منعت نفسي من الضحك، فهل ثمّة من مشكلة بالحلم؟ ومن المصاب بالفوبيا تحديدًا؟ هل يفرط في الحلم فيخشاه؟ أم يُخشى منه لأنّه يحلم؟ سألته عمَ يقصد فضحك ساخرًا منّي.

إنّه يفترض أنّ الناس جميعهم يعرفون هذا المرض، ويخافونه حتّى، وكي لا نتوقف طويلًا هنا سألته عن سبب إصابته بهذا المرض، فقال: "تلقّيت العدوى من رامز".

قلت بتوجّس: "لقد قالت أنّ رامز ليس موجودًا."

ارتسمت على وجهه ملامح الحزن وهزّ رأسه آسفًا على إجابتي كما يبدو، فاعتذرت إليه، ثمّ قال:

"أرأيت في حياتك قطْ كائنًا "أيًا يكن" يكون ثمّ فجأة لا يكون؟.. كان هنا بالفعل، وقد تحدّثنا طويلًا، أخبرني عن مشروعه.. أجل.. رامز كان لديه مشروع وهذا أمر مشروع أليس كذلك؟ لمَ يخفونه عنّي إذنْ؟"

لا أستطيع أنْ أزعم أنّني اكتفيت بهذا القدر من الثرثرة، ولست أدري إنْ كان ما قبل محض ثرثرة أم أنّه يحكي شيئًا ما مهمًّا، وفي الحالتين كان يجب أنْ أرحل، لست هنا كي أعرف إنْ كان رامز موجودًا بالفعل أم أنّه من خلقِ مخيّلة حلمي وإحدى أعراض تهيّؤاته.. أنا هنا لأفهم حلمي، لأرقب شخصيّته، لأسمع كيف يحكي وماذا يفعل، ولكن إنْ بقيت هنا قد أتورّط بقصص لا شأن لي بها، ولهذا كلّه وجب رحيلي، استأذنت منه كما يستأذن من العقلاء وابتعدت صوب الباب إلّا أنّه هاجمني ولكن بصورة أخرى مختلفة عن طريقته في الهجوم على عنايات، فلحظتها لم يحمل في ملامحه أيّ ازدراء أو نزق، بل كان في وجهه شيء من الرجاء والتوسّل، ومع هذا فقد دفعني إلى الكرسيّ وراح يبكي.

لم أكن أتصوّر أنّه جادّ إلى درجة البكاء، الحق أقول، إنّه يبكي ويقترب من الكرسيّ المقابل لي، يجلس فوقه وينقبض على نفسه، فيبدو وكأنّه طفل صغير تمّت معاقبته دون ذنب اقترفه.

قررت أنْ أستمع إليه، دون أنْ أفهم إنْ كنت أبحث عن تجسيد النصّ فيه، أم أنّني بالفعل أستمع وأصغي لكل ما سيقوله.. وكي لا تقولوا بأنّي أكذب، سأدعكم مع القصة كاملة كما رواها حلمي.

"رامز يسقط سهوًا"

ستقول أنّني أكذب فما سأقوله عصيٌّ عن التصديق، تمامًا كالحقيقة...

لقد كان حالمًا وقد خذلت الحياة أحلامه، ولم أعرف بعد إنْ كان الحلم مرضًا أم أنّ الحقيقة لا ترى إلّا عبر الحلم، كثيرة هي الأشياء الّتي لا أعرفها، وما أعرفه تمامًا أنّ رامز كان هنا عندما جئت أوّل مرّة.

أوّل الأمر أطلعني على مشروعه في المصحّة، وكان عبارة عن تأسيس نقابة تكفل حقوق المجانين، هزئت بالفكرة في سرّي رغمَ أنّها راقت لي بل وأثارت اهتمامي لأعرف أكثر شخصيّة رامز، ربّما من باب الفضول وربّما من باب التعرّف على هذا المجنون.

حدّثني عن علياء، قال أنّها كانت تشاركه مشروعه وفكرته عن الحياة، قال أنّها تجسر على فعل وقول ما لا يجسر عليه أعقل العقلاء، قال أنّها قُتِلَت، أمّا عنايات فقد قالت حينها أنّها انتحرت، قالت أنّ علياء صعدت إلى أعلى المصحة وألقت بنفسها، الكلّ كان يبكيها، أمّا رامز فلم يبك، أصرّ على جموده وقوله: "علياء قُتِلَت.. حتّى لو انتحرت، فثمّة قاتل ما".

ودون فواصل أو ترتيب منطقيّ لقصّته راح يحدّثني عن المجانين هنا، كان يحبّ مصطلح مجنون كثيرًا، بل ويؤمن بأنّ المجانين وحدهم من يلامسون أذيال الحقيقة، أولئك المجانين الّذين فُرِضَ عليهم أنْ يعيشوا حياة عاديّة في عالم غير عاديّ، هكذا يقول، وقد بذلوا في سبيل ذلك شتّى وسائل القمع، نعم لقد قالها بوضوح، قال: "القمع". وقد حدّثني كيف تتهرّأ أجسادهم لفرط الحبوب المهدّئة ولكن لم يهدأ أحد، كان رامز يعرف جيّدًا أنّ الحياة العاديّة الرتيبة المنشودة من قبل إدارة المصحّة ليست أكثر من خطّة للقبول بالمعاناة.

كان يؤمن أنّ فساد هذا العالم ينصبّ على المقهورين وحدهم، وأنّ الحياة في عالم كهذا لا يمكن لها أنْ تنجب أناسًا عاديّين إلّا بالتخدير، فالمجانين برأيه هم أولائك الّذين لم تستجب عقولهم وأجسادهم للتخدير الحياتيّ اليوميّ، فوضعوهم في مصحّة ليقدّموا لهم جرعات أقسى وأكثر عنفًا. "علياء لم تطق رتابة الحياة" قال لي وأردف باكيًا: "علياء تعجز عن الصمت، فباحت بما يجري فقتلوها محاولين إسكاتها بإسقاطها عن سطوح المصحّة".

اسمعني جيّدًا، فأنا أقول لك ما حدث، أرجوك أنْ تصغي لما أقوله.. لم يعجبهم أنْ يتعثّر رامز بالحقيقة، أو فلأقل أنّه وجد لنفسه حقيقة ما يعيش لأجلها. وكان لا بدّ من علاجه فجرّبوا معه وسائل أخرى وكان كلّ يوم يعود إلى هذه الغرفة منهكًا دون أنْ أعرف ماذا يفعلون به، سألته مرّة عن ذلك، فأجابني: "يقحمون أشياء غريبة في جسدي وعقلي فأخرج وأتبرّز في الحمّام لأتخلّص من ترّهاتهم" وظلّ على تلك الحال إلى أنْ أخذته مديرة المصحّة خارج الغرفة، ولم يعد.

بعد عدّة أيّام، سمعتهم يحتفلون لأعرف فيما بعد أنّهم نجحوا، ولم أعرف كيف.. في تلك اللحظة شعرت بأنّ كلّ شيء قيد الانهيار، أيعقل أنْ تسقط كلّ الأحلام بهذا الشكل؟ تلك الأحلام المعدية الغريبة، تلك الّتي تحمل في طيّاتها حقيقة ما، إنّها تسقط دفقة واحدة.. كان يحلم بالعدالة في هذه المصحّة الّتي رفض أنْ تصحّحه ولم يصحّ أبدًا، فهو يدرك جيّدًا بأنّ الجنون هو الاعتراف بقذارة العالم، أمّا الآن فيستسلم للعلاج ويتعافى من حلمه وجنونه وفيما كنت منهمكًا بهواجسي سمعت شيئًا ما يسقط.

كان الارتطام قويًّا جدًّا، يكفي أنْ تسمعه لتصحو من هواجسك ثمّ تتساءل ببساطة: "أين رامز إذنْ؟ وإنْ كان فعلًا قد تعافى أم هي محض خدعة؟" لم أقبل بهذه النهاية، ورحت أطرق الباب بقوّة؛ لأفهم ما الّذي حلّ برامز فعلًا.

استجابت عنايات لصوت الطرق، وجاءتني، سألتها عن رامز وعن مصدر ذاك الارتطام الغريب، فقالت: "هما شيء واحد" ثمّ أخبرتني أنّ رامز قرّرَ أنْ يصعد إلى أعلى المصحّة، وظلّ يصعد حتّى وصل أعلى نقطة ومن هناك هوى، سألتها: "كيف سقط؟" فأجابتني: "سقط سهوًا".. قد تضحك وتقول أنّني أقول شعرًا سخيفًا، فكّر كما شئت، ولكن هذه هي الحقيقة، أسقطوه سهوًا، وأسقطوا اسمه من القوائم، فقد جاءت مديرة المصحّة وأخذت عنايات كي لا تواصل حديثها عن سقوط رامز، وبقي الأمر معلّقًا إلى أنْ قالت المديرة بصراحة ووقاحة ووضوح: "رامز لم يوجد قطْ".

***

سمعتُ القصة حرفًا حرفًا، ونسيت أنْ أتأمّله كيف يحكي وغرقت بما يحكي، بل نسيت دوري كلّه في المسرحيّة... من القسوة أنّنا جميعًا في الفرقة نعرف نصوص شخصيّاتنا ولا نعرف قصصها، فكيف لمجنونٍ حلّق إلى أعلى درجات الحلم أنْ يهوي؟ كيف لشخص كان هنا ألّا يكون لا هنا ولا في قوائم المصحّة؟ وممّا لا ريب فيه أنّ حلمي تأثر برامز كثيرًا، وبسببه أصيب بالحلم والجنون معًا.

وما هي دقائق إلى أنْ جاءت السيّدة رضوى ومعها حارسان، استلما حلمي وأخذاه خارجًا، أمّا رضوى فقالت بهدوء: "لا بأس" وسكتت برهة، ها هي تستعدّ لتواصل، ستشرح لي الأمر بالتأكيد، ستقول أكثر من "لا بأس" وبالفعل انشقّت شفتاها مجدّدًا وقالت: "يريد أنْ يرتاح قليلًا فذهنه مشوّش" وخرجت لتتركني وحيدًا في الغرفة أنتظر عودة حلمي، وعندما لم يعد قرّرت البحث عنه، اقتربت من الباب محاولًا الخروج بحثًا عن حلمي فوجدته موصدًا.

بقيت هناك في الغرفة، أنتظر أنْ يأتني أحدهم لأعرف ما الّذي يحدث؟ هل نسوني هنا؟ أم هو سهو آخر؟ ولم يحدث شيء. وفي اليوم التالي فُتِحَ الباب لتدخل عنايات ومعها رجل أربعينيّ يحمل بيده جهاز تسجيل، وما أنْ دخلا حتّى صرخت في وجه عنايات:

"لمَ أنا هنا؟ وماذا حلّ بحلمي؟"

ولم تجبني بل ارتسمت على وجهها ملامح الحزن وقالت للرجل:

"إنّها إحدى أعراض التهيؤات الّتي أخبرتك عنها"

وهنا تمامًا، سمعت شيئًا ما يسقط ويرتطم بالأرض.

 


 

غسّان ندّاف

 

 

 

كاتب، ممثّل، ومؤلّف مسرحيّ يقيم في مدينة رام الله. ألّف ومثّل وأخرج العديد من العروض المسرحيّة ومنها: «وجهة سفر»، و«هويّة غريب»، ونشر له مجموعة قصصيّة بعنوان: «محاولات للنجّاه» (2021). 

 

 

التعليقات