من كنعان إلى كناعنة: أسئلة حول رحلة التراث الفلسطينيّ

خلال الجلسة الثالثة بعنوان "فلسطين المسكونة"

"العودة والسياسات اليوميّة"، و"حوار بين أزرا أكساميجا وبنجي بوياديان"، و"فلسطين المسكونة"، و"علقان في غيار ثاني"، هي عناوين الجلسات الأربع التي تضمّنها اليوم الثاني من سلسلة "لقاءات قلنديا"، الذي عُقِدَ في مركز خليل السكاكينيّ برام الله بتاريه 13 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2016، مستضيفًا مجموعة من الفنّانين والأكاديميّين الفلسطينيّين والأجانب، في إطار محفل "قلنديا الدوليّ" بنسخته الثالثة، تحت شعار "هذا البحر لي".

العودة فنًّا بصريًّا

 رصد الفنّانون والأكاديميّون المشاركون تحوّلات الفنّ والسياسة، والتحدّي الذي يواجهه التراث والفلكلور الفلسطينيّ، للانتقال به لما هو أوسع من المتعة، فيؤثّر في التعليم والإعلام والثقافة الخاصّة والعامّة.

جانب من الجهور في الجلسة الأولى بعنوان "العودة والسياسات اليوميّة"

افتتحت مديرة البرامج الأكاديميّة الدوليّة للفنون، تينا شيرويل، الجلسة الأولى من اللقاء تحت عنوان "العودة والسياسيات اليوميّة"، مفسحة المجال لكلّ من الباحث علم الاجتماع آصف بيات، والفنّانة البصريّة عدنيّة شبلي، والباحث سليم تماري، ليجيبوا على عدّة تساؤلات حول كيفيّة مساهمة الفنّ في استفزاز الصور البصريّة والحكايات والقصص المتعلّقة بالفرد، والانتقال بهذه الصورة من الرمزيّة "كمفتاح العودة" مثلًا، إلى صورة بنائيّة أكثر ارتباطًا بالمستوى الوجدانيّ للتاريخ الفلسطينيّ وجغرافيّته.

عُقِدَتْ هذه الجلسة بالشراكة مع متحف جامعة بيرزيت وزينتم موديرنز أورينت.

الجانب الإنسانيّ للتراث

وبطريقتها الفريدة التي جسّدت فكرة العودة عن طريق الفنّ البصري، عرضت أستاذة التطوّر المهنيّ، أزرا أكساميجا، في الجلسة الثانية، عدّة مشاريع أطلقتها الأكاديميّة الدوليّة للفنون، ومن ضمنها أشكال هندسيّة لمواقع أثريّة حول العالم طُبِعَتْ على مكعّبات بلاستيكيّة خضراء، جُمِعَتْ وعُلِّقَتْ على واجهة الأبنية الحديثة، لتتلألأ باللون الأخضر وتصدر صوتًا مع هبوب الرياح، ما يعيد الذاكرة إلى قصّة وراوية البناء التاريخيّ المطبوع على المكّعبات.

من الجلسة الثانية بعنوان "حوار بين أزرا أكساميجا وبنجي بوياديان"

ومن الضوء والصوت انتقلت الجلسة إلى الفنّان بينجي بوياديان، الذي عرض لوحته المكوّنة من أربعة مشاهد، والتي أسماها "في القدس"، وهي تتحدّث عن منطقة أثريّة فلسطينيّة، أظهر من خلالها التغيير الذي حصل للمنطقة بعد تهجير سكّانها، حتّى تحوّلت إلى مكان صامت إنسانيًّا.

وأثارت الجلسة عدّة نقاشات حول كيفيّة إعادة ترميم المناطق التي كانت ضحيّة للاحتلال الإسرائيليّ، والمساعدات الدوليّة التي تأتي لترمّم الجسم المادّيّ دون الأخذ بعين الاعتبار تاريخيّة المكان، والجانب البشريّ للتراث.

كنعان وكناعنة

ولا بدّ أن يكون الفلكلور حاضرًا عند الحديث عن الإرث التاريخيّ والفنّيّ الفلسطينيّ، فقسمت الجلسة الثالثة "فلسطين المسكونة"، والتي افتتحتها لارا الخالدي، إلى قسمين، أوّلهما عرض لدراسات أكاديميّة عن تاريخ الفلكلور، وثانيهما زيارة ومناقشة لمعرض "يا حوت، لا توكل قمرنا"، بتنظيم من مركز خليل السكاكيني.

من الجلسة الرابعة بعنوان "علقان في غيار ثاني"

بدأ القسم الأوّل بعرض وجهتي نظر متناقضتين تمامًا، حيث عرض الباحث حمزة أسعد دراسة فلكلوريّة بعنوان "من كنعان إلى كناعنة"، لخّص فيها أسباب تغيّب الحركة الفلكلوريّة في فترة النكبة وما بعدها، حتّى أواخر السبعينات، تلخّصت في توجّه الفلسطينيّين نحو الاقتصاد والسياسة في بناء الدولة والهويّة، مقابل الابتعاد عن التاريخ الأصيل للفلكلور، ما فتح الباب أمام المستشرقين لتأريخ الفلكلور والحكايات الشعبيّة برؤية توراتيّة قادها المؤرّخ توفيق كنعان (1882-1964)، ورصد تحوّلاتها المؤرّخ شريف كناعنة (1936 – ).

 وعارضت الباحثة د. كيارا دي تشيواري في بحثها عن الفلكلور، رؤية حمزة، وشدّدت على كون الفلكلور أثناء وبعد النكبة حراك سياسيّ عسكريّ قادته المرأة، وقدّمت مثالًا على ذلك الثوب الفلسطينيّ المطرّز، وكيف كان جزءًا أصيلًا في رمزيّة تحرّر المرأة الفلسطينيّة.

خلال زيارة المشاركين لمعرض "يا حوت، لا توكل قمرنا"، عاشوا الأجواء المسكونة بالأرواح التي طُبِعَتْ على رسومات للفنّانة جمانة إميل عبّود، ووقفوا على عملها التركيبيّ الذي يتضمّن بالونات عائمة وتسجيلًا سمعيًّا لحكاية شعبيّة عن الغولة التي تسرق أعين الناس ونفوسهم وتحبسهم في الجرار السحريّة، بالإضافة إلى أعمال أخرى. وقد أُنْجِزَ قسم كبير من هذا المعرض بعد جولة الفنّانة جمانة مع المصوّر عيسى فريج، لرصد الأماكن والينابيع المسكونة في فلسطين.

 

وجهًا لوجه مع التسعينات

ووضع لقاء قلنديا هذا الأطروحات والبحوث والمعارض الفنّيّة التي تضمّنها محفل "قلنديا الدوليّ" بنسخته الثالثة، على طاولة النقاش، وذلك في جلسة رابعة بعنوان "علقان على غيار ثاني: وجهًا لوجه مع التسعينات"، والتي نظّمها رواق - مركز المعمار الشعبيّ، وأدارها الباحث سليم تماري.

بحثت هذه الجلسة سبل مواجهة القصور المؤسّساتي الرسميّ وغير الرسميّ في الحفاظ على هويّة المناطق الأثريّة وترميمها، لتوجّه الأسئلة بعدها لجيل التسعينات، كونه الجيل الذي عاش أجدادهم وجدّاتهم النكبة، وشهد آباؤهم وأمّهاتهم النكسة، وشهدوا بأنفسهم الانتفاضة الثانية، لكنّهم لم يشاركوا في صنع الأفكار والنماذج أو المقاربات لنواحي الحياة التي يعيشونها، بل لُقِّنوا الأفكار جاهزة، وسط جغرافيّة ما فتئت تتقلّص وتتشرذم، وفق بعض ادّعاءات المشاركين.

 

مجد حثناوي

 

 

من مواليد جنين. تعمل صحافيّة، وهي  خرّيجة قسم الصحافة والإعلام في جامعة النجاح الوطنيّة - نابلس. عملت منسّقة إعلاميّة في عدد من المشاريع، وتكتب في عدد من المنابر الإعلاميّة الفلسطينيّة.