الناصرة: السياحة الوافدة تتأثر بالأحداث العاصفة

تقفُ المجموعات السياحيّة الدينيّة على رأس هرم المنعشات الاقتصاديّة في مدينة النّاصرة، المدينة التاريخيّة التي تعود بآثارها إلى ألفي عام وأزيد، تستقطبُ السائحين المسيحيين الأجانب من كلّ حدبٍ وصوب في العالم،

الناصرة: السياحة الوافدة تتأثر بالأحداث العاصفة

السياحة الوافدة في الناصرة

تقفُ المجموعات السياحيّة الدينيّة على رأس هرم المنعشات الاقتصاديّة في مدينة النّاصرة، المدينة التاريخيّة التي تعود بآثارها إلى ألفي عام وأزيد، تستقطبُ السائحين المسيحيين الأجانب من كلّ حدبٍ وصوب في العالم، غير أن الأحداث التي تعصف بالعالم والبلاد، أثّرت سلبًا على توافد السائحين إلى البلاد بشكلٍ ملحوظ.

50% من الهبوط

وقال مدير عام جمعية الناصرة للثقافة والسياحة، طارق شحادة، لـ'عرب 48' إنّه 'لاحظنا دومًا ارتفاعا وتحسنا في الوضع السياحي في مدينة الناصرة على مدار السنوات السابقة رافقه ازدياد في عدد المرافق السياحية، لكن الإشكاليّة تكمن في كل فترة تندلع فيها حرب أو أزمة سياسية في المنطقة، فالأزمة الأخيرة كانت قبل سنتين في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولمسنا خلال السنتين المنصرمتين تراجعا بنحو 50% في السياحة الوافدة من خارج البلاد، وهذا التراجع كان مباشرة بعد العدوان على غزة بإلغاء كافة الحجوزات في البلاد، وهي معطيات مستقاة من عدد الحجوزات في غرف الضيافة أو الفنادق، وبهذا نرى أنّ هناك هبوطا تدريجيا لنصل إلى نصف عدد السائحين الذي كان قبل سنتين'.

أمّا صاحب كشك لبيع العصائر في ساحة العين، زياد دانيال، فقد شكا من سوء الأوضاع السياحيّة، وقال لـ'عرب 48' إن 'السياحة بوضع مترهل جدًا منذ سنتين، وذلك يعود للمشاكل والحروب والإرهاب في العالم، السائح أصبح يخاف أن يأتي لمنطقة الشرق الأوسط رغم أنّ الإرهاب منتشر في كافة أرجاء العالم، ومنها أميركا التي طالتها الأحداث الإرهابيّة، وتركيا كذلك التي انخفضت بها السياحة وتم إلغاء الكثير من الرحلات'.

وأعرب الخادم في كنيسة البشارة الروم الأرثوذوكس، باسل عبد المسيح، عن رأيه بأنّ 'الحركة السياحية اليوم أخذت بالنهوض نسبةً لما كان قبل سنتين، ففي العام المنصرم عانت السياحة من تراجع رهيب، أما هذا العام فهناك تحسّن، وبشكل عام في شهري حزيران وتموز تنخفض السياحة الدينيّة لتعود وتتجدد في آخر آب وأوّل أيلول، وخاصةً في عيدي الميلاد والفصح المجيد'.

الأمن والاقتصاد

ومن جهة أخرى، أشار المرشد السياحي، جوزيف قزموز، إلى أن 'السياحة الدينيّة في الناصرة تشهد تراجعًا وتغيّرًا، فالسياحة الأوروبية من إيطاليا، فرنسا، إسبانيا وغيرها اختفت من الناصرة والبلاد، واستُبدل السوق السياحيّ بالسائحين الآسيويين، وبشكل خاص من الصين وكوريا ونيجيريا وإثيوبيا وإندونيسيا، والقليل منهم من أميركا'.

وأضاف قزموز في حديثه لـ'عرب 48' أنّ 'هناك حركة سياحية، لكنها لم تبق مزدهرة كما كانت قبل سنتين، وذلك بسبب تغيّرات أمنيّة واقتصادية في أوروبا، فهناك أزمة مالية في اليونان وأوروبا تتدهور اقتصاديًا، عدا عن الوضع الأمني الذي جعل معظم السياح يخافون من القدوم، ويفضلون الذهاب إلى مدن آمنة أخرى'.

وعن الوضع الأمنيّ في الأراضي المقدسة وصورته في الإعلام الغربيّ، أشار إلى أنّ 'أكثر المناطق تأثيرًا على السياحة إعلاميًا هي القدس وتل أبيب، فإذا رُمي حجر في تل أبيب تبثه التلفزة الغربيّة على أنّه حدث كبير جدًا، وهناك مبالغة إعلاميّة في الصورة التي تنقل عن الأوضاع السياسيّة هنا نوعًا ما، فإذا أحدهم حاول طعن آخر بسكّين على خلفية قوميّة يبث الإعلام الغربيّ ذلك ضمن تضخيم هائل لعدد سيارات الإسعاف وأفراد الشرطة، ما يؤثر سلبًا على الأوروبيّين الذين يشاهدون التلفاز، فيشعرون بالرعب والخوف، ويفضلون إلغاء الحجز وخسارة بعض النقود بدلاً من زيارة البلاد'.

وبالمقابل، أفاد عبد المسيح أنّ 'الأوضاع السياسة والاقتصاديّة لها طابع مهم جدًا في السياحة، فعلى الصعيد الاقتصاديّ انخفض الروبل في روسيا مقابل الدولار، وأصبح الوضع الاقتصاديّ لا يسمح لهم بدفع التكاليف الباهظة للسفر إلى البلاد المقدسة'.

ما بين الخدمات

'الناصرة في موقع مركزي في السياحة الدينيّة وصناعة السياحة محليًا وعالميًا، وهي نقطة هامّة في زيارة السائح المسيحي في كل أرجاء العالم، لكن عمليًا الناصرة بدأت متأخرة في تطوير وتسويق المنتج السياحي، فبعد العام 2000 بدأت نهضة بناء الفنادق وإضافة غرف ضيافة في البلدة القديمة، وتقديم منتجات كالمطاعم والمقاهي التي تتعامل مع مجموعات سياحية، ومراكز جذب كقرية الناصرة السياحيّة، ومركز مريم الدولي، وهي منتج إضافي للمنتج المركزي وعامل جاذب للسائح'، هذا ما أكده شحادة.

وأوضح أنّ 'الناصرة توفر كل ما يحتاجه السائح، من فنادق وبيوت ضيافة ومطاعم وأسواق ومراكز جذب، لكنها بحاجة لتطوير بصورة مستمرة، خاصةً في البلدة القديمة، وتنجح بيوت الضيافة في البلدة القديمة باستيعاب الحجاج الذين يتوقون لرؤية الحضارة والتاريخ الخاص بالمدينة، وقد نجحت هذه الغرف بتسويق ذاتها ضمن سياحة الأفراد، وهي غرف قديمة يتم ترميمها واستصلاحها لتصبح غرف ضيافة، لكن حياة الليل بحاجة لتطوير وخاصةً في البلدة القديمة مما يستوجب تضافر الجهود من قِبل كافة المؤسسات والهيئات لإعادة إحيائها، فكلّما بقي السائح وقتا أطول في الناصرة فهذا يعود بالفائدة الاقتصادية على العائلات'.

وأكد دانيال من جهتهِ أنّ 'هناك وعودات من قِبل بلدية النّاصرة بأنّها ستعمل على تحسين ساحة العين'، فالأوضاع الاقتصادية، كما يعبّر عنها، 'صعبة جدًا على العائلات في الناصرة'.

'كل بلدة في العالم لها معالمها التراثية والمركزية، وفي الناصرة ساحة العين والبلدة القديمة لهما أهمية خاصة، ويحب العمل انعاشهما وتحسينهما بهدف جذب السياح بشكل أفضل، وإن لم ينعشها السائح يجب أن ينعشها أهل المدينة ذاتهم لأنّها دخل اقتصاديّ مدرّ على عائلات الناصرة'، معبّرًا أننا 'نحن سكان الناصرة الحجارة الحيّة لهذه البلاد، فالسائح قد يغيب فترة، لكنّه سيعود حتمًا، ويجب علينا استقبال السائحين بأفضل صورة لعكس مثال حيّ وإيجابي عن شعب هذه البلاد'، هذا ما اختتم به قزموز حديثه لـ'عرب 48'.

اقرأ/ي أيضًا | الليوان: مقهى ثقافي بديل يحاول هز رئتي سوق الناصرة

التعليقات