دراسة إسرائيلية: 7 أكتوبر يستدعي وضع عقيدة أمن قومي

حسب الدراسة، لا توجد لدى إسرائيل عقيدة أمن قومي موثقة خطيا، وإنما وثيقة "مفهوم أمن قومي" فقط صيغت منذ أكثر من 70 عاما، تستند بالأساس إلى القوة العسكرية وتتجاهل التسويات السياسية كجزء من الأمن القومي

دراسة إسرائيلية: 7 أكتوبر يستدعي وضع عقيدة أمن قومي

أضرار لحقت بكيبوتس "كفار عزا" في 7 أكتوبر (Getty Images)

لا توجد لدى إسرائيل عقيدة أمن قومي موثقة خطيا، وإنما وثيقة "مفهوم أمن قومي" فقط، صاغها رئيس حكومة إسرائيل الأول، دافيد بن غوريون، في تشرين الأول/أكتوبر العام 1953، واستندت إلى فكرة "الجدار الحديدي" التي وضعها زئيف جابوتنسكي، في عشرينيات القرن الماضي، وفقا لدراسة نشرها "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الأسبوع الحالي.

وأشارت الدراسة إلى أن هذه الوثيقة هي، عمليا، بمثابة تقييم وضع إستراتيجي لمسائل متعلقة ببناء قوة الجيش الإسرائيلي. "ولحقيقية عدم وجود عقيدة أمن قومي مكتوبة ويتم تعديلها (من حين إلى آخر) توجد تبعات سلبية جوهرية، وأولها غياب ’بوصلة أمنية’ تمكن صناع القرار من اتخاذ قراراتهم".

إلى جانب ذلك، لا يصدر جهاز الأمن الإسرائيلي وثائق معدلة في فترات محددة أو بعد أحداث أمنية بارزة، ولا يُجري مداولات واسعة ومعمقة حول "البيئة الإستراتيجية المتغيرة" وحول شكل مواجهة تحديات جديدة، وحول ضرورة التوقف عن بذل مجهود في التعامل مع تحديات قديمة وبالية.

وتابعت الدراسة أنه نتيجة لذلك لا توجد أيضا عملية دراسة لإخفاقات ونجاحات الماضي. وأشارت إلى أن مجموعة إخفاقات سياسية وإستراتيجية برزت خلال العدوان على غزة، في العام 2014. "ومما هو معلوم حول الحرب الحالية في غزة، واضح أن الإخفاقات نفسها باقية، وأضيفت إليها إخفاقات جديدة. ومعظم الباحثين الذين تناولوا سياسة الأمن القومي الإسرائيلي ركزوا على الجانب العسكري لهذه السياسية وعلى مقترحات لتحسين عملية اتخاذ القرارات".

والادعاء المركزي في هذه الدراسة هو أن "المفهوم الأبرز لدى واضعي سياسة الأمن القومي، منذ أكثر من سبعين عاما، وبموجبه أن الرد على تهديدات أمنية هو تحسين القدرة العسكرية والاستناد إلى الردع والإنذار والحسم، كان صحيحا وواقعيا حتى حرب الأيام الستة. لكن منذ حزيران/يونيو العام 1967، فإن التمسك الذي يكاد يكون مطلقا بهذا المفهوم والارتداع من خيار التسويات السياسية على أساس ’أراض مقابل سلام’، باستثناء اتفاق السلام مع مصر، قاد إسرائيل إلى طريق مسدودة وصلت ذروتها في حرب السيوف الحديدية (الحالية على غزة)".

وتوقعت الدراسة أن "المستقبل يبدو أخطر: ترسانة صواريخ حزب الله وجهات أخرى في المحور الراديكالي تنشئ خطرا شبه وجودي من دون وجود رد عسكري فعّال، وإذا تحولت إيران إلى دولة نووية ستقف إسرائيل أمام تهديد وجودي، والرد الوحيد عليه، بالردع، قد فشل في الماضي".

وتوصلت الدراسة إلى استنتاجه مفاده أن "أمن إسرائيل يجب أن يستند إلى الدمج بين التوصل إلى تسويات سياسية تُنشئ وضعا قائما مقبولا على جميع الأطراف وبضمنهم الفلسطينيون، بهدف تقليص محفزات العداء لدى الخصوم المحتملين، وبين الحفاظ على قدرات عسكرية توفر دعما للتسويات التي سيتم إنجازها. ومن شأن دمج كهذا أن يمنح دولة إسرائيل أمنا معقولا بثمن معقول".

ووفقا للدراسة، فإنه "بالرغم من التغييرات الإقليمية التي جلبتها حرب الأيام الستة، استمر المفهوم الأمني الإسرائيلي بالاستناد، وبشكل أكبر، إلى الردع والإنذار والحسم. لكن بدأت تتضح محدوديتها الآن. فالرفض العربي للموافقة على استمرار السيطرة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة أدى إلى جهوزية غير مسبوقة لتحدي الردع الإسرائيلي... وصولا إلى حرب تشرين العام 1993، التي أوضحت محدودية الردع الإسرائيلي. كذلك تم في هذه الفترة كشف محدودية الإنذار (الاستخباراتي) بشكل واضح" بعد تمكن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من توقع توقيت نشوب الحرب.

وتابعت أن "الواقع الذي فيه انتشر الجيش الإسرائيلي عند خطوط أمنية أفضل بكثير من الماضي، أظهر ضعف العنصر الثالث في المفهوم الأمني، وهو عنصر الحسم. فالجيش الإسرائيلي لم ينتصر على مصر في حرب الاستنزاف، وبسبب المفاجأة لدى نشوب حرب يوم الغفران (1973) وبالرغم من تفوقه، لم ينجح الجيش الإسرائيلي بالحسم في هذه الحرب أيضا".

ولفتت الدراسة إلى أنه "على إثر الفوائد الأمنية الكامنة بالاستجابة لمبادرة السلام العربية، واضح التجاهل المتواصل لإنهاء الصراء بشروط معقولة يعكس التحولات السياسية التي مرّ بها المجتمع الإسرائيلي في العقود الأخير، وبشكل أقل الاعتبارات الأمنية الحقيقية. وذلك، لأنه منذ عقود ومن دون الانتباه لذلك تقريبا، خضع المفهوم الأمني لعملية تغيير كبيرة. وبرز هنا خصوصا ثِقل قادة الجيش".

وحسب الدراسة، فإنه منذ العام 2009، الذي عاد فيه بنيامين نتنياهو إلى منصب رئاسة الحكومة، منع السياسيون بدوافع أيديولوجية وضيق أفق دفع عملية لتسوية شاملة، وليس من خلال اعتبارات أمنية".

وخلصت الدراسة إلى أن "هجوم حماس، في 7 أكتوبر، وجه ضربة قاتلة إلى المفهوم الذي اعتبر أن التفوق العسكري يكفي لضمان أمن إسرائيل. الردع انهار، الإنذار فشل، الدفاع اختفى لساعات طويلة والحسم لا يحصل. ورغم أن الإخفاق الرهيب والثمن الباهظ هو نتيجة مجمل أخطاء بشرية، لكن حقيقة أنه في الهجومين المفاجئين الوحيدين في تاريخها (1973 و2023) دفعت إسرائيل ثمنا بسبب تمسكها بمفهوم أمني لم يصمد أمام الاختبار، وهو مؤشر واضح على أن استمرار هذه السياسة من شأنه أن يجبي ثمنا أكبر في المستقبل".

التعليقات