كتاب: حرب تشرين نشبت بسبب الإصرار الإسرائيلي على بقاء الاحتلال

"استعادة القوة": كتاب جديد حول حرب 1973، في الذكرى الخمسين لنشوبها، يتهم 3 ضباط بالمسؤولية عن الإخفاق الإسرائيلي، وخاصة عدم تفعيل جهازين لرصد تحركات الجيش المصري، ويدافع عن رفض الانسحاب من القناة والتهيئة لهجوم مضاد

كتاب: حرب تشرين نشبت بسبب الإصرار الإسرائيلي على بقاء الاحتلال

جنود مصريون يرفعون علم بلادهم فوق نفق في "خط بار ليف" الإسرائيلي أثناء الحرب (أ.ب.)

صدرت في إسرائيل مؤخرا عدة كتب حول حرب تشرين الأول/أكتوبر عام 1973، التي تصادف الذكرى السنوية الخمسين لنشوبها اليوم، الجمعة. وأبرز هذه الكتب هو كتاب صدر مؤخرا بعنوان "استعادة القوة – الجيش الإسرائيلي في اختبار حرب يوم الغفران"، من تأليف المؤرخ بروفيسور أوري بار يوسف، الذي يعتبر أهم باحث إسرائيلي في هذه الحرب، والأكثر اطلاعا على الوثائق المتعلقة بها في الأرشيفات، وفق أقواله في مقابلتين للقناة 12 التلفزيونية وصحيفة "هآرتس".

ويعترض بار يوسف في كتابه على الرواية التي ترسخت في إسرائيل، بأن الإخفاق في الحرب ونشوبها بشكل فاجأ إسرائيل نابع من حالة اطمئنان في أعقاب حرب حزيران عام 1967، وأن مصر وسورية لن تجرؤان على شن حرب أخرى.

ويصف بار يوسف وضع الجيش الإسرائيلي عشية حرب 1973، بأنه "جيش استعد للحرب جيدا وجميع عناصره تقريبا كانت في حالة جهوزية لها. وهو جيش شدد بشكل كبير على بناء قوة الدبابات وسلاح الجو، وتزود بأسلحة جيدة وتدرب بشكل مكثف، وجمع خبرات عسكرية مثيرة للإعجاب وكان يعلم جيدا ماذا سيفعل خلال الحرب".

وأضاف أن أداء عدد من الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي هو الذي تسبب بالإخفاق في توقع الحرب، وفي مقدمة هؤلاء الضباط رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان")، إيلي زاعيرا، الذي أصرّ على عدم تفعيل منشأتي وسائل جمع المعلومات الاستخباراتية، "رامي" و"غادي".

وأشار بار يوسف إلى أن قائد المنطقة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، شموئيل غونين (غوروديش)، وبشكل مخالف لأوامر رئيس أركان الجيش، دافيد إلعزار، بالاستعداد للحرب، منع صبيحة "يوم الغفران" (أي يوم نشوب الحرب) نشر القوات المتأهبة، وقائد سلاح الجو، بيني بيلد، أصدر أوامر، قبيل نشوب الحرب، ألحقت ضررا بجهوزية سلاح الجو عندما بدأت الحرب.

غولدا مئير تستمع لأقوال أريئيل شارون في سيناء (الجيش الإسرائيلي)

وتابع أن "الثمن الباهظ الذي تم دفعه لم ينجم عن فشل أساسي في مفهوم الأمن الإسرائيلي أو عن استعداد الجيش الإسرائيلي للحرب، وإنما نتيجة سلسلة أخطاء شخصية لضباط، وأخطاء تقييم شخصية أنشأت إخفاق الإنذار من حرب واستمرت باتخاذ قرارات متسرعة وخاطئة لضباط معدودين".

وبحسبه، فإنه "بسبب فشل استخباراتي من جانب رئيس أمان، لم يتلق صناع القرار الإنذار الذي توقعوه والجيش الإسرائيلي لم يستعد للحرب في موعدها. ومن هنا حدثت سلسلة أحداث أثّرت الواحدة على الأخرى، وكانت بمثابة تزامن أخطاء من شأنه أن يؤدي إلى كارثة".

وتطرق بار يوسف إلى الفوضى في الجيش الإسرائيلي والنقص في العتاد الحربي، وقال إنه "بسبب المفاجأة وعملية التجنيد المتسرعة (لقوات الاحتياط) لم يكن هناك وقتا لاستكمال تجهيز العتاد. وفعليا، عمليات التجنيد والتزود بالعتاد كان سريعا وناجعا أكثر من المتوقع".

وأضاف أنه "بموجب التخطيط المسبق، كان يفترض أن تتحرك قرابة 650 دبابة لمسافة 50 كيلومتر تقريبا. وفعليا، تحركت 1432 دبابة لمسافة 300 كيلومتر، وكان هناك خلل في 168 دبابة فقط وتم إصلاحها بسرعة". واعتبر أن "هذا الدليل الأفضل على وجود منظومة لوجستية ممتازة".

وينفي بار يوسف وجود مسؤولية للقيادة السياسية الإسرائيلية في الحرب. واعتبر أنها تحلت بالمسؤولية "خلافا للقيادة السياسية الحالية".

لكن تتعالى في إسرائيل انتقادات لرئيسة الحكومة في حينه، غولدا مئير، بأنها قادت إسرائيل بشكل واعٍ إلى الحرب لأنها رفضت الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967.

وقال بار يوسف في هذا السياق، إنه "كان هناك عدد غير قليل من الإسرائيليين، وأنا بينهم، الذين اعتقدوا في حينه أنه غولدا مصيبة كبيرة في هذا السياق وأنه ينبغي التقدم في عملية سلام. لكن غولدا عملت انطلاقا من مسؤولية حسبما كانت تدركها هي. واعتقدت أن المناطق (المحتلة) توفر الأمن. ولم تكن مستعدة للانسحاب إلى حدود 1967 ورأت بخطوة كهذه أنها كارثة. وآمنت بالتفوق العسكري للجيش الإسرائيلي، وأنه إذا نشبت حرب فإن الجيش الإسرائيلي سيمني العرب بهزيمة خلال يومين".

في الفترة التي سبقت الحرب، طرح الرئيس المصري حينها، أنور السادات، من خلال الولايات المتحدة، إبرام سلام مع إسرائيل مقابل انسحابها من قناة السويس وشبه جزيرة سيناء. ورفضت غولدا مئير هذا الاقتراح كليا.

وقال بار يوسف إن "سلم أفضليات غولدا كان معاكسا تماما لسلم أفضليات السادات. فقد أرادت أكثر من أي شيء آخر الحفاظ على الوضع القائم، وبدون وجود خيار فضّلت حربا تنتصر فيها إسرائيل على عملية سياسية تعيد إسرائيل إلى حدود العام 1967".

وأضاف أن "استمرار الوضع القائم بالنسبة للسادات كان كارثة متواصلة، وفضّل عملية سياسية على حرب قد تخرج مصر منها بخسائر فادحة. ولأن إسرائيل رفضت البدء بعملية سياسية كبيرة، فإنه اتجه، مضطرا، إلى الحرب".

وفيما يبدو أنه تم على مر الخمسين عاما الماضية تناول جميع جوانب هذه الحرب، إلا أن بار يوسف رفض ذلك، وقال إن "هناك أجزاء كبيرة في الحرب التي لم يتم البحث فيها حتى الآن".

"الخدع التي سببت الإخفاق"

يطرح بار يوسف في كتابه الجديد تفسيرا من مجال علم النفس للأخطاء التي ارتكبها الضباط الثلاثة، زاعيرا وغونين وبيلد. "توجد نظريات في علم النفس التي تفسر لماذا يتصرف أحيانا أشخاص لديهم كفاءات وأذكياء ويصلون إلى القمة بشكل يصعب علينا فهمه. والتاريخ مليء بأشخاص كهؤلاء، وكذلك حاليا في إسرائيل. وهذا ما يوصف في علم النفس بأنهم ’الشخصيات ذات الحاجة العالية للإغلاق المعرفي’، أي الذين يواجهون صعوبة بالعيش في بيئة رمادية، ويحتاج أن تكون الأمور إما أبيض أو أسود. وغوروديش هو طاغية، وأي شيء لديه هو إما أسود أو أبيض. ولا يمكنك السيطرة على ذلك".

نقل جنود إسرائيليين قتلى وجرحى خلال الحرب (Getty Images)

وأضاف أن "انغلاق عدد من ضباط الاستخبارات الكبار فقط حيال معلومات تناقضت مع أفكارهم أدى إلى عدم صدور إنذار في الوقت الصحيح".

وبحسب بار يوسف، فإن "مخططي الحرب العرب كانوا يدركون جيدا التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي. ولذلك، وفق ما أفادوا بأنفسهم، لم يحلم أيا منهم بأن العملية العسكرية ستفاجئ العدو في ثلاثة مستويات – الإستراتيجية، العملياتية والتكتيكية".

وتابع أن المصريين والسوريين اعتقدوا أن يستحيل منع رصد إسرائيل لتسريع الاستعدادات للحرب في الـ15 يوما التي سيقت الحرب، ولذلك بادروا إلى خدع مختلفة غايتها إخفاء الأنشطة كأنها مناورة وتخوفا من عدوانية الجيش الإسرائيلي".

ويرى بار يوسف أن "أساس المشكلة هو أن أمان تعهد بتزويد إنذار قبل 48 ساعة من الحرب على الأقل، بينما تم تزويد الإنذار عمليا قبل 8 – 9 ساعات من نشوب الحرب، واللحظة الأولى في الحرب هي المفاجأة المطلقة، فلم يتوقعها أحد في الساعة الثانية بعد الظهر".

"الوسائل الخاصة" لم تعمل

يعتبر بار يوسف أن "الفشل كان بعدم تشغيل الأدوات الهامة لجمع المعلومات وتجاهل معلومات أو تشويه معلومات زودها الآخرون". ويوضح أن "أدوات جمع المعلومات" هما منشأتي "غادي" و"رامي" السريتين، التي يكشف بار يوسف عنهما لأول مرة في كتابه، الذي أرفِق بوثيقة تفيد بأن هاتين المنشأتين عملتا لفترة قصيرة ولتجربتهما.

وأشار بار يوسف إلى أن ضباط "أمان" طالبوا زاعيرا بتفعيل المنشأتين، إلا أن "الفيتو الذي فرضه زاعيرا، بسبب تمسكه بفكرته، بشأن تفعيل الوسائل الخاصة بجمع المعلومات، كان الخطأ الأكبر من جميع الأخطاء. وعدم تفعيلها منع عن أمان معلومات أغلى من الذهب. وزاعيرا وجد أنه من الصواب تخفيف تخوفات رئيس هيئة الأركان العامة ووزير الأمن، من خلال استخدام كذبة التي بموجبها الوسائل تعمل لكنها لا توفر إشارة لحرب تقترب".

وأضاف أن رفض زاعيرا تفعيل المنشأتين "سببه تأكده من أن مصر ليست جاهزة لحرب. وهذا إخفاق قاطع، وربما الإخفاق الأخطر في تاريخ دولة إسرائيل".

ويوضح بار يوسف أن الدور المركزي لـ"الوسائل الخاصة" هو توفير إنذار أو التحذير من "تغييرات كبيرة في الأنشطة العسكرية الاعتيادية المصرية في سيناء". وهذا ما حدث في الأيام التي سبقت حرب حزيران/يونيو عام 1967. وبحسبه، فإنه في حينه "زودت معلومات بالغة الأهمية حول تحركات القوات في سيناء، ومواقعها وحجمها، إلى جانب معلومات حول الأنشطة الروتينية لسلاح الجو المصري".

السادات وضباط الجيش المصري أثناء الحرب (Getty Images)

وتم نصب منشأة "رامي" على شبكة اتصالات مركزية في سيناء قبل حرب الاستنزاف. وكانت تعمل على بطاريات عادية، ولذلك "نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية معقدة وخطيرة من أجل تغيير البطاريات". وتبين في العام 1972 أن قدرة المنشأة بتزويد معلومات "لم تكن كافية للحصول على معلومات استخباراتية كافية بشأن نوايا الحرب المصرية".

إثر ذلك تقرر وضع جهاز جمع معلومات آخر مع قدرات أخرى، يحمل تسمية "غادي"، ويعمل على بطارية نووية كبيرة نسبيا وبإمكانها العمل لعدة سنوات. ويشير بار يوسف في كتابه إلى أن عدة تقارير أميركية ذكرت أن هذه البطارية صُنعت سرا في مصنع في الولايات المتحدة بناء على طلب إسرائيلي خاص. وتم نصب "غادي" على شبكة اتصالات مركزية في مصر، وخلال نصبه جرى اشتباك مسلح بين قوة الكوماندوز الإسرائيلية وحرس الحدود المصري، لكن عملية نصب الجهاز انتهت بنجاح، حسب بار يوسف.

وقبل نشوب الحرب بيوم واحد، سأل وزير الأمن ديان إذا كانت هناك معلومات تمر من خلال "رامي" و"غادي"، وأجاب زاعيرا أنه يوجد "هدوء مطلق". ولفت بار يوسف إلى أن إجابة زاعيرا عززت الاعتقاد ديان ورئيس هيئة الأركان العامة أن مصر لا تخطط لحرب.

ديان يدعو "لإظهار القدرات النووية"

يتناول الكتاب مداولات عُقدت في اليوم الثاني للحرب، 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقدم ديان خلال هذه المداولات صورة كئيبة ويقول إن "هذا أصعب وضع منذ 1948". ووفقا للإفادات التي أوردها بار يوسف، فإن "ديان لم يتوقف عن قول جمل حول خراب الهيكل" في إشارة إلى نهاية إسرائيل.

وحذر مدير مكتب رئيس أركان الجيش، أفنير شاليف، السكرتير العسكري لغولدا مئير، يسرائيل ليئور، من أن ديان "في حالة هستيرية". وكان ديان قد قال خلال المداولات إنه "لم أقدّر بالشكل الكافي قوة العدو، وقدراته القتالية، وبالغت في تقييم قواتنا وقدرتها على الصمود".

غولدا مئير وموشيه ديان في هضبة الجولان أثناء الحرب (Getty Images)

ولفت بار يوسف في الكتاب إلى أقوال ديان بعد انتهاء المداولات، ولذلك ليست موجودة في البروتوكول. وهذا حدث بعد أن غادر رئيس أركان الجيش غرفة الاجتماع وكذلك جميع المساعدين باستثناء سكرتير غولدا مئير العسكري.

ووفقا للكتاب، قال ديان لدى خروجه من الغرفة إنه "بسبب الوضع الصعب وعلى إثر التغييرات السريعة في الوضع يجب القيام باستعدادات لإظهار القدرة النووية الإسرائيلية، ويجدر الحصول على مصادقة على ذلك الآن".

وأجابت غولدا مئير أن "هذا ما ينقصني فقط"، وعارض ديان الوزيران يسرائيل غاليلي ويغآل ألون. وقالت غولدا لديان "انسى هذا الأمر". وقالت ذلك لمدير عام اللجنة للطاقة الذرية أيضا.

"السلطة العليا لإدارة الحرب"

يدافع بار يوسف في كتابه عن قرار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب، دافيد إلعزار، بمنعه انسحاب إسرائيل من قناة السويس، يعتبر أن ذلك هيأ الظروف لهجوم إسرائيلي مضاد. وأشار إلى أنه في أعقاب المداولات في اليوم الثاني للحرب، أصبح إلعزار "من هذه النقطة فصاعدا السلطة العليا في طريقة إدارة الحرب، وغولدا وديان نفسه وافقوا على ترجيحه الرأي طوال الحرب".

رغم ذلك، يقول بار يوسف إن "ضلوعه إلعزار الضئيل في إدارة الهجوم المضاد في الجنوب كان الفشل الأخطر طوال الحرب. وأخطأ بأنه لم يدخل إلى تفاصيل خطة غوروديش الهجومية قبل أن تبدأ ولم يمنع خطواته المهووسة".

دافيد إلعزار (في الوسط) في الجولان أثناء الحرب (Getty Images)

وأضاف حول تعيين إلعزار لرئيس أركان الجيش السابق، حاييم بار ليف، قائدا للمنطقة الجنوبية بدلا من غوروديش، أن "لا خلاف على أن هذا القرار كان في مكانه، وربما توجب اتخاذه في وقت مبكر أكثر".

ويعتبر بار يوسف أن عنوان كتابه الجديد، "استعادة القوة"، يعكس النقطة الأساسية في هذه الحرب، وهي أنه بعد عامل المفاجأة في بدايتها، الذي أحدث فجوة كبير بين خطط الحرب وسيرها، فإن الهجوم المضاد في اليوم الثالث للحرب في الجبهتين المصرية والسورية شكل "العودة إلى التوازن" من وضع كهذا كان الاختبار الأكبر لأي جيش.

وبحسبه، فإنه "لا يوجد مثال في التاريخ العسكري المعاصر لجيش فعل ذلك بسرعة كبيرة كهذه مثل الجيش الإسرائيلي في العام 1973. واستعادة القوة هذه هي إنجاز عسكري غير مسبوق".

التعليقات