"لا رعد بدون برق"..

[[.. لم يمت أحد، حتى كتابة هذه السطور، من الصواريخ بعد انتهاء التهدئة الرسمي. لا يعني هذا أنّ من الممكن أن نتعايش مع هذا الوضع، لكن يبدو أن رد الفعل الشعبي الهستيري، بشكل عام، ولدى السياسيين، بشكل خاص، إنما هو نابع من كون الدولة في فترة انتخابات. ففي فترة الإنتخابات يتحدّثون من خلال البطن وليس من خلال الرأس، حيث يسرح التضليل ويمرح. وفي حين أن الجمهور يبدي عصبيّة وقلقا من الحالة ولسان حاله يقول بأن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، فإن المتنافسين على السلطة يصبّون الزيت على النار لأغراضهم الشخصية البحتة.

تبدو طلبات أعضاء الكنيست والوزراء من وزير "الأمن" الدخول إلى غزة كأنها خطابات انتخابية. لكن أكثر من يغضب هو الوزير إيلي يشاي، الذي يمثل حزبا دين أغلب أبنائه الأصحّاء وديدنهم هي التوراة بدل الخدمة في الجيش، لكن إيلي يحث على الحرب أكثر من الجميع. حيث أنه، كما يبدو، منشغل بتهيئة الأرضية للإنضمام إلى ائتلاف مع بنيامين نتنياهو.

وبما أن الجمهور لا يملك معلومات كافية أو أدوات لتقرير ما إذا كان مجديا الخروج إلى حرب أو لا، فلا يوجد الآن من يمكن الإعتماد عليه سوى الأجهزة الأمنية. لكنك تسمع أشخاصا لا يقطنون بالضبط في مجال الصواريخ يطلقون صيحات القتال، فلا تفهم كيف أنهم تحوّلوا فجأة إلى قبضايات. هل نسي هؤلاء حرب لبنان الثانية ونتائجها الفادحة بسبب تقدير متسرّع وغبيّ؟

لقد نشأ هنا وضع غريب، أن الممثلين المركزيين في حلبة الإنتخابات يتهربون من المسؤولية بإلقائها على عاتق الأجهزة الأمنية. فتسيبي ليفني، ومنذ سنتين، هي واحدة من الثلاثية في الحكومة التي تقرّر في أمور الحياة والموت.لكنها، وإيهود أولمرت لا يقولان ماذا يجب على الحكومة أن تفعل، إنما يشيران إلى إيهود براك.

براك نفسه في حيرة سياسية. فهو لم يقرّر بعد إذا كان يبغي السلام أكثر من ميرتس أو أنه وزير "أمن" له رصيده. ولقد لاحظت حماس التردّد هنا. وعليه فإن من المريح لها أن تستمر التهدئة لكن وفق شروطها، أي أنها تستطيع من مرة إلى أخرى أن تطلق الصواريخ، في الوقت الذي تنعم فيه من معابر مفتوحة، فيما يشبه التهدئة الساخنة في شروط ممتازة. وهي حالة لا يمكن تصورها كتسوية دائمة.

يمكن التخمين بأن لبراك أيضا اعتبارات سياسية شخصية قبل أي عملية عسكرية في غزة. فهو يدرك أنه لن يكون على ما يبدو رئيس حكومة في الدورة التالية. لكنه إذا ما بقي على تردّده وتعامله الحالي، فسيفقد وزارة "الأمن" أيضا. إذ أن هنالك وزراء بدائل لدى ليفني ونتنياهو: موشيه يعلون لدى ليكود، وشاؤول موفاز لدى كديما. فهنالك احتمالات أن تمارس بعد الإنتخابات ضغوطات للتنازل عن خدمات براك في المجال الذي لا ثاني له.

إذا كان هنالك حلّ لمشكلة غزة، فهو لن يتأتى من خلال الهستيريا والضغط، إنما بالعقلانية والتفكير. وفي هذا لا منافس لبراك ولتفكيره البارد. فالدخول إلى غزة ليس من نوع ضربة خاطفة والنتهى الأمر. فهنالك درجات في سلم الردّ، التي يتوجّب دراسة نتائجه في كل مرحلة. هنالك من يعتقد أنه يجدر التوجه أولا إلى مصر، والأردن وأبو مازن وإعلامهم أن هذه الحالة لا يمكن أن تدوم، وسؤالهم ما هي الوصفة التي يقترحونها أو أن يتبنوها. فمن غير المعقول أن يقفوا جانبا بل أن يدينوا إسرائيل إن هي فعّلت ردود أفعالها المخزّنة في الأدراج.

من المهم أيضا أن يكون لإسرائيل تأييد عالمي لكل عملية تقرّرها – فالتجربة تؤكّد أنه في اية عملية عسكرية داخل التجمعات المدنية تثير علينا العالم كله، خاصة إذا ما أصيب أطفال ونساء.

من يعتقد أن بالإمكان إسقاط حماس دون احتلال غزة، فإما أنه لا يريد أن يسمع تقديرات جيش "الدفاع" الإسرائيلي، أو أنه يكذب على نفسه. هل استطاع الأمريكان أن يقضوا على طالبان؟

ومن يعتقد أن عملية في غزة هي عملية سهلة فإنه يغالط ذاته ويضلل الناس، علما أن حماس تملك صواريخ يصل مداها إلى يفنه وضواحي بئر السبع، لكن هنالك في سلّم الردود الإسرائيلية درجات كثيرة، وإني أعتقد أن القرار بالردّ قد اتخذ.

اينما يكون الرعد يكون البرق أيضا، والأمر يتعلّق بحالة الطقس..]]

التعليقات