"مناطق الإبادة": الجيش الإسرائيلي يقتل أي أحد يقترب منها ثم يصفه "مخربا"

الجيش الإسرائيلي يزعم أن عدد المقاتلين الفلسطينيين الشهداء في الحرب على غزة يقارب 9 آلاف، لكن ضباطا "يشككون جدا" في صحة معطيات الجيش وبأن هؤلاء الشهداء هم مقاتلون، وإنما "تمت ترقيتهم إلى رتبة ’مخرب’ بعد موتهم"

جثامين شهداء بنيران الجيش الإسرائيلي في خانيونس (Getty Images)

ارتفعت حصيلة الشهداء منذ بداية الحرب على غزة إلى أكثر من 32,700، استشهد معظمهم بإطلاق قوات الجيش الإسرائيلي النار بشكل عشوائي على مدنيين عُزل، وبدون أي سبب يبرر جريمة الإبادة الجماعية هذه.

ويزعم الجيش الإسرائيلي أن بين الشهداء يوجد حوالي 9 آلاف مقاتل، يصفهم بأنهم "مخربون"، لكن ضباطا إسرائيليين في الخدمة العسكرية الدائمة والاحتياط "يشككون جدا" في صحة معطيات الجيش وبأن هؤلاء الشهداء هم مقاتلون، وفق ما نقلت عنهم صحيفة "هآرتس" اليوم، الأحد.

وأضاف الضباط أنه "ليس مستبعدا أن فلسطينيين الذين لم يلمسوا سلاحا طوال حياتهم، تمت ترقيتهم إلى رتبة ’مخرب’ بعد موتهم". وقال أحد الضباط الإسرائيليين في الاحتياط وشارك في القتال في قطاع غزة إن "المخرب، باختصار، هو أي شخص قتله الجيش الإسرائيلي داخل منطقة القتال مع القوة العسكرية".

وشكك ضابط كبير في قيادة المنطقة الجنوبية للجيش الإسرائيلي بالمعطيات التي ينشرها الجيش. "إنه لأمر مذهل سماع التقارير حول كم مخربا قتلت القوات بعد أي عملية عسكري. وبعد نصف سنة من القتال لا ينبغي أن تكون عبقريا كبيرا كي تدرك أنه لا يهرول الآن عشرات المسلحين، حاملين أسلحتهم ويقاتلون الجيش الإسرائيلي، في أحياء خانيونس أو جباليا".

قوات إسرائيلية داخل مبنى في قطاع غزة (الجيش الإسرائيلي)

وأضاف ضابط في الاحتياط حول طبيعة القتال في القطاع، حاليا، أنه "في غالب الأحيان يختبئ مخرب، أو اثنان – ثلاثة، داخل مبنى ويكتشف مكانهم جنود مع وسائل خاصة ودرونات" أي طائرات مسيرة صغيرة.

وأشارت الصحيفة إلى أن إحدى مهمات هذا الضابط هي إبلاغ المستوى الرفيع في القيادة الجنوبية بعدد المقاتلين الفلسطينيين الذين استشهدوا في المنطقة التي قاتل فيها هو وقواته.

وقال الضابط نفسه إن "هذا ليس تحقيقا يطلبون منك أن تحضر جميع الجثث. هم يسألون ’كم’، وأنا أقول العدد الذي أعرفه مما نشاهده وندركه في الميدان، ونمضي قدما. ونحن لا نختلق جثثا، لكن لا يوجد أي أحد بإمكانه القول بشكل مؤكد من المخرب ومن الذي استُهدف لأنه دخل لسبب أو آخر إلى منطقة القتال التي خاضتها تلك القوات".

وأفادت الصحيفة بأن مجموعة من عناصر الاحتياط والجنود الذين شاركوا في العمليات العسكرية في القطاع، يشيرون إلى "السهولة التي يدخل فيها قتيل فلسطيني إلى فئة معينة بعد موته. ويبدو أن السؤال هو ليس ماذا فعل، وإنما أين قُتل".

ويطلق الجيش الإسرائيلي على مناطق القتال تسمية "مناطق الإبادة"، وهي عبارة عن منطقة تتمركز فيها قوات، داخل بيت مهجور في غالب الأحيان، وتتحول المناطق من حوله إلى "منطقة عسكرية مغلقة" غير معلنة.

وقال ضابط في الاحتياط إنه "في أي منطقة قتال يحدد الضباط مناطق إبادة. وهذه تعني أنه توجد خطوط حمراء واضحة يحظر على أي أحد، ليس جزءا من قوات لجيش الإسرائيلي، الدخول إليها، بهدف منع إمكانية استهداف القوات في المكان".

أطفال ينتظرون الحصول على طعام في جباليا، الأربعاء الماضي (Getty Images)

وأضاف الضابط نفسه أنه "عندما يدخل أشخاص، وخاصة رجال، إلى منطقة الإبادة، يصدر الأمر العسكري بإطلاق نار، بهدف القتل أيضا، وحتى إذا لم يكن ذلك المشتبه مسلحة". وأشارت الصحيفة إلى أنه بهذه الطريقة قتلت القوات الإسرائيلي ثلاث رهائن إسرائيليين بعدما هربوا من الأسر.

وأشارت الصحيفة إلى أنه عدد المدنيين الفلسطينيين إلى استشهدوا في "مناطق الإبادة" ليس واضحا. وقال جندي إنه "لم نتلق تعليمات بشأن إطلاق النار، ولا أذكر أنهم (الضباط) ركزوا على أي حدث".

ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع قوله إنه "يبدو أنه توجد قوات كثيرة في القتال التي تقرر لنفسها تعليمات إطلاق النار". وأضاف أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، مطلع على هذا الوضع، "لكن للأسف هناك ضباط آخرون، ورفيعو المستوى أيضا، الذين ينفذون أي شيء يريدونه داخل قطاع غزة".

ويدعي الجيش الإسرائيلي أنه أصدر تعليمات حول إطلاق النار، والسماح بذلك لدى اقتراب أحد من منطقة القتال، "وفيما الاقتراب هو تعريف غير واضح أبدا، ولذلك فإن التفسيرات في ميدان القتال واسعة جدا".

واعتبر ضابط في الاحتياط أنه "واضح أن للسن والخبرة دور. والجنود النظاميون يسارعون أكثر في الضغط على الزناد من زملائهم في الاحتياط".

وقال جندي إنه ليس بالإمكان التعرف على فلسطيني إذا كان مدنيا أو مقاتلا. "وبالنسبة للضباط، فإنه رصدنا شخصا في المنطقة التي نعمل فيها وهو ليس من قواتنا، فإننا نطلق النار من أجل القتل. وقيل لنا بشكل واضح إنه حتى في حالة هرب فيها المشتبه إلى داخل مبنى يتواجد فيه أشخاص، فعلينا أن نطلق النار على المبنى وقتل المخرب. حتى بثمن استهداف الأشخاص الآخرين".

وقال ضابط كبير إن المواطنين في شمال قطاع غزة الذين لا يتواجدون في "مآو إنسانية" معرضون لخطر واضح. "وإذا رصدتهم القوة فإنهم يُستهدفون على الأغلب".

وأفادت الصحيفة بأن الجيش الإسرائيلي أصدر أمرا عسكريا يمنع صعود المدنيين على أسطح المباني، وأن يتم إطلاق النار على الذين يتواجدون في الأسطح. وقال الضابط إنه "أثناء صعود المدنيين إلى الأسطح يتم إطلاق النار عليهم"، بزعم أن "يحاولوا الوصول إلى القوات واستهدافها".

وتحدث ضابط عن بقاء القوات الإسرائيلية في حالة "جمود" في مناطق واسعة في القطاع ومن دون الانتقال إلى مناطق أخرى، في الأسابيع الأخيرة. "وبدلا من البدء في الترميم وإخراج النازحين من هذه المدارس، فإنهم يُدخلون الجنود مرة أخرى إلى الأماكن نفسها التي باتت مكتظة ويتواجد فيها سكان ليس لديهم شيئا يخسرونه"، حسبما نقلت عنه الصحيفة.

وأضاف الضابط نفسه أنه يعتقد أن "في الجيش الإسرائيلي وفي جهاز الأمن عموما يوجد إدراك واضح أنه في نهاية الحرب، ستضطر إسرائيل إلى مواجهة هذه الأحداث وعواقبها مقابل المجتمع الدولي. وفي هذه الأثناء، تعمل فرق التحقيقات التي شكلتها هيئة الأركان العامة في الميدان، وتنقل استنتاجاتها إلى النيابة العامة العسكرية. لكن في الوقت الذي فيه لا أحد يعلم كم مخربا قُتل وكم مواطنا اعتبروا كمخربين، يبدو أن عمل فرق التحقيق ليس سهلا".

التعليقات