19/01/2017 - 20:47

هكذا يدمر ترامب الثقة بالاستخبارات الأميركية!

لم يقم دونالد ترامب بالعديد من المؤتمرات الصحفيّة. ولكن، عندما فعل، كما حصل في الحادي عشر من يناير – لأوّل مرّة منذ شهر يوليو – فإنّ مؤتمره الصحفيّ كان مختلفاً ومُغايراً تماماً عن أيّ مؤتمر صحفيّ قام به أيّ من الرؤساء الأميركيين.

هكذا يدمر ترامب الثقة بالاستخبارات الأميركية!

لم يقم دونالد ترامب بالعديد من المؤتمرات الصحفيّة. ولكن، عندما فعل، كما حصل في الحادي عشر من يناير – لأوّل مرّة منذ شهر يوليو – فإنّ مؤتمره الصحفيّ كان مختلفاً ومُغايراً تماماً عن أيّ مؤتمر صحفيّ قام به أيّ من الرؤساء الأميركيين في مرحلة ما قبل تولّي منصب الرئاسة. تحدّث ترامب مرتجلاً دون العودة إلى ملاحظات مكتوبة، مهدداً ومتملّقاً للمكسيك وصناعة الدواء (التي تراجعت أسهمها). تفاخر ترامب كعادته بعبقريّته كرجل أعمال (وحاول بطريقة ما أن يقلل من صراع المصالح الخاصّ به). صبّ ترامب جام غضبه على التقرير الذي نشرته شبكة 'CNN' وشبكة 'BuzzFeed'، والذي أشار إلى أنّ المخابرات الروسيّة تحتفظ بمستمسكات شخصيّة على ترامب وأنّها عملت مع فريقه خلال فترة الانتخابات، حيث أسكت ترامب مذيع القناة التلفزيونية التي كشفت عن وجود هذه التقارير.

يُشير هذا المشهد ويؤكّد على الأصوات التي يُريد ترامب إسكاتها، للحفاظ على أمن وسلامة الولايات المتحدة، كما يُشير إلى عدائه المتواصل لوكالات الاستخبارات الأميركيّة.

الاستخبارات خارجاً

إنّ العلاقات باردة ومتحجّرة بالفعل. فقبل الانتخابات، كشفت الاستخبارات عن استنتاجاتها حول الاختراق الروسي، الذي توصّل إلى ملفّات تضرّ بهيلاري كلينتون وقام بتسريبها، لصالح السيّد ترامب. تعتقد معظم وكالات الاستخبارات - وليس جميعها - بأنّ روسيا كانت تهدف إلى مساعدة ترامب على الفوز. أجاب ترامب بالسخرية من هذه الوكالات التي كانت مخطئة باعتقادها بوجود أسلحة دمار شامل لدى نظام صدام حسين قبل غزو العراق في 2003. على أنّ الأمور بدأت تصبح أكثر سوءاً هذا الأسبوع، عندما تمّ تسريب خبر أنّ وكالات الاستخبارات قد زوّدت ترامب بملخّص لتقريرها - الذي لم تتأكّد نتائجه بشكل قاطع بعد -، على الرغم من الجهود الكثيرة التي بذلك في سبيل ذلك. على موقع تويتر، اشتكى ترامب من أنّ التسريبات المستمرّة تجعلنا نعيش فيما يُشبه 'ألمانيا النازيّة'. وقد أشار في مؤتمره الصحفيّ الأخير إلى أنّ وكالات الاستخبارات قد قامت بهذا التسريب بشكل متعمّد، مُلقياً باللوم على سلوك هذه الوكالات وولائها.

لن يكون ترامب أوّل رئيس يمتلك علاقة متوتّرة وخشنة مع أجهزة الاستخبارات. فقد كان مسؤولو الاستخبارات قلقين من تردد أوباما من الوقوف في وجه الصين وروسيا، ومما اعتبروه نهجاً ناعماً وليّناً في التعامل مع شبكات التجسس. على أنّ خلافات ترامب مع أجهزة الاستخبارات تقع على مستوى آخر، لأنّها تهدد بنسف الثقة تماماً بين الطرفين.

إنّ مهمّة الاستخبارات تتمثّل في إخبار الرئيس بالمخاطر والفرص التي تواجه الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنّ أجهزة الاستخبارات الأميركية هي الأكبر على مستوى العالم، فإنّها تتعامل مع التوقّعات والاحتمالات لا مع حقائق يقينيّة بالضرورة. وبحكم واجبهم في قول الحقيقة لأصحاب القرار في السلطة، فإنّ على مسؤولي الاستخبارات أحياناً أن يحملوا الأخبار السيّئة. إنّ عليهم أن يتحمّلوا هذه المخاطرة وعلى الرؤساء أن يستمعوا إليهم أياً كان ما لديهم ليقولوه لأنّ ذلك سيجعل الولايات المتحدة مستعدّة بشكل أفضل لمواجهة ما هو قادم.

عبر السخرية من النتائج التي توصّلت إليها وكالات الاستخبارات، كان حال ترامب يقول إنّه لا يُريد الاستماع إلى الأخبار السيّئة التي يحملونها. وعبر القول بأنه منزعج من التقارير اليوميّة التي تُرسل إلى الرئيس، فكأنّه هو يُشير إلى أنّ عملهم ليس مهمّاً وأنّه خالٍ من القيمة. وعبر القول بأنّ وكالات الاستخبارات لديها أجندة سياسيّة، فإنّ مؤيّديه يقومون بتسييس نتائج العمل الاستخباري. وعبر التشكيك بدوافعهم، فإنّه يقوّض الثقة الشعبيّة بهم، والتي قد تضررت بالفعل بعد إدوارد سنودن، هذه الثقة، الضروريّة لكي تتمكّن هذه الأجهزة من أداء مهامّها وواجباتها.

إن كان ترامب يُريد لأميركا أن تكون آمنة، فإنّ عليه تعديل نهجه. لقد قام ترامب بخطوة صائبة بانتقاده الاختراق الروسي للحزب الديمقراطي - ولو أنّ انتقاده كان على مضض، وغير كافٍ. على خلاف مرشّحه لمنصب مستشار الأمن القومي، فإنّ مرشّحيه لإدارة وكالة الاستخبارات المركزيّة ومركز الأمن القومي يتمتّعون بتأييد ودعم جيّد. لقد قال ترامب، بأنّهم سيُقدّمون تقريراً عن الاختراق خلال 90 يوماً: وعلى ترامب أن يقبل بنتائجه ويتبع توصياته. باعتباره رئيساً، على ترامب أن يتوقّف عن انتقاد وكالات الاستخبارات وأن يُظهر بأنّ هذه الوكالات تحظى بدعمه. وهذا ليس أمراً صعباً، فكلّ ما يتطلّبه الأمر هو تحكّم ترامب بنفسه.

التعليقات