22/06/2017 - 14:00

تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد انقلاب على مسار الخلافة الملكي

صعود ولي العهد يعني على الصعيد المحلي استمرارية السياسة السعودية الحازمة نحو الخارج والتحالف القوي مع الإمارات العربية المتحدة لتحقيق هذه السياسات.

تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد انقلاب على مسار الخلافة الملكي

(أ ف ب)

(ترجمة خاصة لـ'موقع عرب 48'؛ المصدر: Washington Post)

رفع ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، أمس الأربعاء، ابنه البالغ من العمر 31 عامًا ليصبح وليًا للعهد، منحيًا ابن أخيه ضمن تحول مزلزل في مسار الوراثة الملكية، والتي يمكن أن تحمل نتائج عميقة للمملكة، الغنية بالنفط، وأبرز دول الشرق الأوسط.

في سلسلة من المراسيم الملكية، والتي صدرت من الوكالة الإخبارية السعودية الرسمية، جرَّدت المملكة ولي العهد محمد بن نايف من منصبه، فهذا الرجل القوي الذي أشرف خلال عمله كوزير داخلية على أمن المملكة وعلى عمليات محاربة الإرهاب كان على مقربة من وراثة العرش. ولكن تم إعفاءه من جميع مناصبه بحسب ما صدر عن هذه المراسيم.

وسيصبح محمد بن سلمان، ولي العهد الجديد، نائبًا لرئيس الوزراء مع احتفاظه بمنصبه كوزير للدفاع بالإضافة للمناصب الأخرى. وتؤكد المراسيم على أنه هو من سيكون حاكم للدولة التي تعد حليفة أساسية للولايات المتحدة وصاحبة أضخم اقتصاد في العالم العربي.

يضع هذا الإعلان المفاجئ علامة لأول مرة منذ أيام أول حاكم للسعودية، الملك عبد العزيز بن سعود، يقوم فيها تعيين ابن الحاكم بدلًا من أخيه كولي للعهد. وهي المرة الثانية أيضًا منذ تأسيس المملكة في عام 1932 يقوم فيها تعيين حفيد لابن سعود وليًا للعهد، أي كملك مستقبلي. كما تعمل هذه الخطوة على تركيز السلطة في يد عائلة الملك سلمان، في حين يتم إضعاف تأثير عائلات إخوانه وأولاده.

يأتي هذا التغيير في وقت حرج للمملكة التي تتصارع مع الأزمة الاقتصادية، من انحدار أسعار النفط والحملة العسكرية المكلفة التي تتزعمها ضد الحوثيين في جارتها اليمن. كما تتصدر المملكة جبهة من الدول العربية التي بدأت حملة جدلية لعزل دولة قطر الصغيرة الموجودة في الخليج العربي، متهمةً إياها بدعم وتمويل الإرهاب.

إن صعود محمد بن سلمان، بالتوازي مع التعيينات الأخيرة من قِبَل والده، تستكمل عملية الانتقال لجيل شاب من القادة ضمن العائلة الحاكمة، جيل يمكن أن يقود التحولات الاقتصادية والاجتماعية لدولة لا زالت تُمنع فيها المرأة من القيادة وتُحظر فيها دور السينما ويُفصل فيها بين الجنسين في المقاهي. كما يتبنى الأمير الشاب خطة لخلق الوظائف للنساء ولتحديث المجتمع الذي تشكل الأعمار دون 30 فيه حوالي الثلثين وتشكل فيه المرأة نسبة 22% من القوى العاملة.

قالت الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، كريستين سميث ديوان، 'لقد كنا نترقب تحول السلطة هذا منذ مدة، وتحديدًا تركيز السلطة في يد الملك سلمان وتأثير ابنه'.

وتضيف أن صعود ولي العهد يعني على الصعيد المحلي استمرارية 'السياسة السعودية الحازمة نحو الخارج والتحالف القوي مع الإمارات العربية المتحدة لتحقيق هذه السياسات'، من أجل تحقيق أهدافهم المشتركة التي تتمثل في تقليص تأثير إيران وبذل جهد أقوى ضد الحركات الإسلامية السياسية المستقلة مثل جماعة الإخوان المسلمين، والتي تعتبر هدفًا قديمًا للحكومة الإماراتية.

وحتى عندما كان ولي ولي العهد، حصل محمد بن سلمان على قوة هائلة من والده. فقد أدار الحملة السعودية في اليمن كوزير للدفاع، كما أشرف على الجهود القائمة من أجل تجديد سياسات الطاقة عندما كان رئيس مجلس الاقتصاد، بالإضافة لإشرافه على بناء اقتصاد متنوع يحافظ على نفسه لمدة طويلة إلى حين انقطاع احتياطيات النفط.

وعلى عكس محمد بن نايف، والذي كان مشهورًا ومقدَّرًا في واشنطن لقيادته عمليات المملكة ضد القاعدة، فإن السعوديون بالكاد يعرفون محمد بن سلمان قبل استلام والده في كانون الثاني/ يناير 2015. وقد تفاجئ العديد من السعوديين والمحللين عندما أعطى الملك قوة واسعة لابنه بالرغم من وجود مرشحين أكثر خبرة وكفاءة.

لم تكن هناك إشارات فورية بادية من المقاومة داخل الملكية نحو التغيرات المرتقبة، والتي جاءت بعد أن قام محمد بن سلمان – بحسب ما تقوله ديوان – 'ببناء التحالف الذي يريده، من أجل التأثير على مسار نقل السلطة'.

وبعد أقل من ساعة بعد الإعلان، دعم معظم أبناء العائلة المالكة هذا القرار، وأذاعه التلفزيون الرسمي السعودي، مزيلةً أي مخاوف ضئيلة لتحدي ولي العهد الجديد. وفقط من أجل التأكيد، طلب الملك سلمان من جميع كبار العائلة المالكة بالتعهد بولائهم لابنه في مراسيم جرت مساء الأربعاء في مكة، مدينة الإسلام المقدسة ومولد النبي محمد.

في حال وجدت المقاومة فإنها ستصدر عن أولئك المحيطين بمحمد بن نايف، الذي تعهَّد بالولاء على الملأ، معركة تلفزيونية تم تكرارها عدة مرات على التلفزيون السعودي، الأربعاء. وفي لحظة بدت وكأنها مرتبة مسبقًا، شوهد محمد بن سلمان وهو يقبل يد نايف، ثم ينحني له كعلامة على الاحترام والتواصل.

تقول ديوان: 'ثمة العديد من الصراعات داخل العائلات الحاكمة جرت قبل عملية الانتقال، وبمجرد تثيبت الانتقال، ظهر أثر المسايرة'.

يقول بعض المحللين إن صعود ولي العهد كان يتم إعداده منذ عدة أشهر. ففي نيسان/ أبريل، عملت سلسلة من المراسيم الملكية على تحديد تعيينات أساسية – يتضمن معظمها مناصب دبلوماسية وأمنية حساسة – لشبان من العائلة المالكة يدينون بالولاء لمحمد بن سلمان. وكان من بينهم الأمير خالد، 28، وهو الأخ الأصغر لولي العهد، والذي تم تعيينه كسفير في الولايات المتحدة، بالإضافة لأخ غير شقيق تم تعيينه كوزير للطاقة. وفي تلك الأثناء، تم استبدال أقارب ومناصري نايف بداعمي ولي العهد في كل من الوزارات والأجهزة الاستخباراتية.

يقول المحلل في برنامج الشرق الأوسط لمركز كارنيغي، جوزيف باهوت، 'بالإضافة لما يمثله ذلك من دفع مفاجئ لمحمد بن سلمان، فإن المراسيم الملكية عيَّنت الجيل الشاب أيضًا في كل من العائلة الملكية وأجهزة الدولة'. ويضيف قائلًا: 'إن ولاء هذا الجيل الجديد موجه بالكامل للأمير الصاعد'.

إن تركيز السلطة بين يدي ولي العهد الجديد يتضمن أيضًا خطوات لتقويد محمد بن نايف من خلال تقييد منافذه للملك عبر المجلس الملكي وسحب سلطة المدعي العام من وزارة الداخلية كما حصل في الأيام الأخيرة.

منذ مجيء والده للسلطة، أصبح محمد بن سلمان شخصًا بارزًا وصريحًا وطموحًا. وعلى عكس الكثير من الأمراء السعوديين الذين التحقوا بالجمعات الغربية النخبوية، تعلَّم ولي العهد في السعودية كما لا يستطيع تحدث الإنجليزية بطلاقة. ولكنه خلفيته العائلية جعلته مشهورًا بين العديد من السعوديين، خاصة الشبان منهم.

ومن الواضح اهتمام والده به وتأثيره على مجتمع الأعمال في السعودية. فقد أوكلت له مسؤولية إحدى أصعب المشكلات في المملكة: وهي إعادة تخيل دورها ومصادر تمويلها في عصر انحدار أسعار النفط ومع التأكيد الدولي على الطاقة المتجددة.

وفي عام 2016، قدَّم خطة ما بعد البترودولار التي تتضمن بيع بعض أجزاء شركة أرامكو السعودية النفطية الضخمة، وخلق تمويل مستمر للرفاهية لمنافسة جيرانها كقطر والإمارات.

ولكن أتت هذه الخطة أيضًا ببعض الشكاوى من مجتمع معتاد على السخاء الشامل لدولة السعودية. فمن بين تدابير شد الحزام حصلت اقتطاعات على دعم الوقود والكهرباء، كما حاول الاقتطاع من الرواتب والمكافآت، ولكنه اضطر للتراجع عن الخطوة مع كثرة الشكاوى.

وبالرغم من سعيه لإعادة تخيل المملكة العربية السعودية، يبدي محمد بن سلمان حذرًا من الاعتداء على المؤسسات الدينية شديدة المحافظة في المملكة. فيبدو أنهم أحد أبرز العقبات أمام تحقيق أهدافه الداعية للبرلة ثقافة المملكة وخلق المزيد من الفرص أمام جيل الشباب.

وولي العهد هو المسؤول عن رؤية 2030، وهي خطة طويلة المدى لإصلاح الاقتصاد والمجتمع السعودي، تتركز حول الحفلات الحية والمهرجانات الفنية وغيرها من أشكال التسلية الغربية التي لم يجربها السعوديون على الأرجح إلا خارج المملكة. ولكن جاءت هذه الجهود أيضًا بالشكاوى من السعوديين المحافظين الذي حاول ولي العهد أن يغير مجتمعهم بسرعة.

وأخبر وكالة 'لومبيرغ نيوس' في عام 2016: 'أريد أن أذكِّر العالم بأن المرأة الأميركية اضطرت للانتظار طويلًا لتحصل على حقها في التوصيت، لذا فإننا نحتاج بعض الوقت، وقد قطعنا خطوات كثيرة حتى الآن'.

ومثل والده، احتفى ولي العهد بإدارة ترامب. في مقابلة جرت في بداية السنة مع الكاتب في صحيفة 'واشنطن بوست' ديفيد إغناتيون، قال إنه كان 'متفائلًا جدًا' من الرئيس ترامب، ووصفه بأنه 'رئيسٌ سيعيد أميركا للمسار الصحيح' بعد باراك أوباما، الذي لم يثق به المسؤولون السعوديون. ولكن في نفس الوقت كان يجتمع الأمير مع روسيا، باحثًا عن فرصة لتوظيف دبلوماسية نفطية ليُخرِج موسكو عن دائرة إيران.

وبغض النظر عن زياراته للعواصم الأجنبية، يبدو أن ولي العهد الجديد يعرف خارج المنطقة بمهندس حالة التداعي السعودية والتدخل العسكري الدموي في اليمن. فقد قادت السعودية تحالفًا عربيًا عسكريًا يسعى لاستعادة الحكومة اليمنية للسلطة بعد أن تم خلعها من قِبَل المتمردين الحوثيين.

ولكن بعد أكثر من سنتين، لم يتمكن السعوديون لا من هزيمة المتمردين ولا من استعادة الحكومة، وقد أدى التحالف الذي تزعموه إلى مقتل آلاف المدنيين في واحدة من أكثر حملات التفجير الجوية دموية في التاريخ المعاصر للمنطقة. وآخر ما وصلت إليه المأساة في تلك البلاد هو انتشار وباء الكوليرا الذي أصاب أكثر من 150000 منذ نيسان/ أبريل.

كما أن تقييم ولي العهد كـ'إصلاحي' – بحسب معايير المملكة – لا يعني أنه سينحرف عن السياسات التي أدانها ناشطو حقوق الإنسان، ووصفوها بالوحشية، بما فيها حملات الإعدامات الجماعية.

تقول مايا فوا، مديرة مجموعة 'ريبريف'، وهي مجموعة دولية لحقوق الإنسان: 'إن الحقيقة هي أن الأمير محمد قد وقف إلى جانب الملك ودافع عنه علنًا عندما تم تعذيب وإعدام شباب قاموا بالتظاهر بشكل سلمي'.

إن التغيرات في بنية السلطة السعودية، مع كل ما تبعها من أحداث درامية، لن يؤدي لعمل تغييرات جوهرية في طبيعة أكثر ملكيات المنطقة تقييدًا وخنقًا، حيث لا يحق للعامة تحديد من يحظى بالمناصب العليا، وحيث يتم إسكات أو سجن الأصوات المعارضة.

في مقالة في الأسبوع الماضي حول التخمينات المحتدمة المتعلقة بتغير مسار الخلافة، كتبت الأستاذة الزائرة في معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، مضاوي رشيد: 'يلجأ السعوديون لبث الشائعات حول هذه المكائد ليدخلوا أنفسهم في دائرة السرديات السياسية حول الدراما الخفية'، ولكنها تضيف: 'إلا أنهم يبقون مهمشين كمحض متفرجين'.

التعليقات