28/08/2023 - 18:00

"العلاقات الأميركيّة الإسرائيليّة في أبرد حالاتها منذ 75 عامًا"

تتجاوز مخاوف البيت الأبيض عدم الاستقرار الداخليّ الحاليّ في إسرائيل، حتّى مع الاحتجاجات العامّة الأسبوعيّة الحاشدة ضدّ التغييرات القضائيّة الّتي حذّر الرئيس الأميركيّ جو بايدن الحكومة الإسرائيليّة من اتّباعها

(Getty)

كانت الولايات المتّحدة أقرب حليف لإسرائيل طوال معظم تاريخها الممتدّ منذ 75 عامًا، واستخدمت حقّ النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة لصالحها، واستعدّت على الدوام لتشجيع التعاون العسكريّ، بالإضافة إلى تقديم الكثير من المساعدات المباشرة. إلّا أنّ هذه العلاقة أصبحت متوتّرة للغاية في الوقت الحاضر، ويرجع ذلك في الأساس إلى تصميم حكومة نتنياهو على الحدّ من سلطة السلطة القضائيّة، وخاصّة المحكمة العليا، لصالح المزيد من السلطة للكنيست.

وكما قالت مجلّة تايم مؤخّرًا: "كثيرة هي الأمور الّتي لا تعجب بايدن". شكّل نتنياهو، منذ عودته إلى السلطة، ائتلافًا يمينيًّا متشدّدًا مليئًا بأصوات المحافظين المتشدّدين والأصوات الأرثوذكسيّة المتطرّفة، والّذين لقد تحرّكوا بسرعة لتوسيع الوجود الاستيطانيّ الإسرائيليّ في الضفّة الغربيّة، والاستيلاء على الأراضي الّتي يعتبرها الفلسطينيّون ملكًا لهم، ما يحيل فكرة نشوء دولة مستقلّة هناك مستحيلة على الإطلاق.

وتتجاوز مخاوف البيت الأبيض عدم الاستقرار الداخليّ الحاليّ في إسرائيل، حتّى مع الاحتجاجات العامّة الأسبوعيّة الحاشدة ضدّ التغييرات القضائيّة الّتي حذّر الرئيس الأميركيّ جو بايدن الحكومة الإسرائيليّة من اتّباعها. وتتعلّق أيضًا بأمن الضفّة الغربيّة المحتلّة، حيث تزايدت أعمال العنف بشكل واضح على مدى العامين الماضيين، ويرجع ذلك أساسًا إلى أعداد أكبر من المستوطنين اليهود ذوي القناعات الدينيّة العميقة، ويبلغ عددهم الآن أكثر من نصف مليون في جميع أنحاء الضفّة الغربيّة، ويرى كثيرون منهم أنّها "أرضهم الّتي وهبها اللّه لهم".

يواجه السكّان الفلسطينيّون الحاليّون في الوقت نفسه المزيد من القيود مع سيطرة القوّات الإسرائيليّة على الأمن. ويواصل المستوطنون المتطرّفون مضايقة وتعطيل حياة الفلسطينيّين، بما في ذلك تزايد الهجمات على القرويّين. وتقف قوّات الأمن الإسرائيليّة في كثير من الأحيان موقف المتفرّج حتّى في مواجهة العنف المباشر.

نادرًا ما تقول إدارة بايدن الكثير، ولكن حدث تغيير في موقفها العامّ، وهو ما ظهر في الاحتفال الأخير بالذكرى السنويّة الخامسة والسبعين لقيام إسرائيل. دعي الرئيس المعتدل نسبيًّا، وإن كان شرفيًّا إلى حدّ كبير، إسحاق هرتسوغ، إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام الكونغرس الأميركيّ في يوليو/تمّوز، وليس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

"الإرهاب" في الضفّة الغربيّة

أكثر ما ركّز عليها مؤخّرًا هو استخدام وزارة الخارجيّة لمصطلح "الإرهاب" ضدّ إسرائيل ردًّا على مقتل الشابّ الفلسطينيّ قصّي جمال معطان، البالغ من العمر 19 عامًا، بالقرب من رام اللّه على يد المستوطنين في 4 آب/أغسطس. وحاول وزير الزراعة الإسرائيليّ، آڨي ديختر، رفض ذلك باعتباره تعليقًا مضلّلًا، إلّا أنّ وزارة الخارجيّة أكّدت الاستخدام المحدّد لهذا المصطلح.

وتكمن وراء كلّ هذا مشكلة كبيرة يواجهها الإسرائيليّون في تأمين الضفّة الغربيّة للمستوطنين اليهود. ومع اعتماد حكومة نتنياهو لسياسة دعم السياسيّين المتشدّدين والقوميّين إيديولوجيًا في الكنيست، فلا بدّ من منح المستوطنين كلّ الحماية الّتي يحتاجون إليها، لكنّ قوّات الدفاع الإسرائيليّة متردّدة بشدّة في احتلال مناطق صغيرة من الأراضي بسبب المعارضة الحازمة الّتي قد تواجهها من حركة الجهاد الإسلاميّ الفلسطينيّة وغيرها من الجماعات شبه العسكريّة.

تعلّم جيش الدفاع الإسرائيليّ على مدى العقدين الماضيين الطريقة الصعبة للقيام بكلّ ما في وسعه لتجنّب أن تكون قوّات الخطوط الأماميّة على اتّصال قريب مع السكّان الفلسطينيّين لأيّ فترة من الزمن. وفي حدث نادر وقع في 3 يوليو/تمّوز، اقتحم جيش الدفاع الإسرائيليّ مخيّم اللاجئين الفلسطينيّين في جنين، وهو منطقة مكتظّة تضمّ 17 ألف شخص محشورين في بضعة شوارع وأزقّة. وشمل ذلك قوّة بحجم لواء تضمّ أكثر من 1000 جنديّ من قوّات النخبة، يدعمها عملاء استخبارات الشابّاك، وشرطة حدود ماغاف، وطائرات مسلّحة بدون طيّار، وطائرات هليكوبتر حربيّة، وناقلات جنود مدرّعة، وجرّافات مدرّعة.

كثّفت عمليّة تمشيط المعسكر بحثًا عن ورش إنتاج العبوّات الناسفة وغيرها من المواقع شبه العسكريّة المرتبطة بالجهاد الإسلاميّ في فلسطين في 48 ساعة فقط، وقتل خلال هذه العمليّة 13 فلسطينيًّا وجنديّ إسرائيليّ واحد، واعتقل العشرات من الفلسطينيّين.

وقد شنّت هذه الغارة، على الأرجح، ردًّا على كمّين منظّم بعناية نصبه الجهاد الإسلاميّ لدوريّة تابعة للجيش الإسرائيليّ بالقرب من جنين في حزيران/يونيو، وتضرّرت حينها خمس ناقلات جند مدرّعة، وتطلّبت عمليّة الإنقاذ اللاحقة الّتي قام بها جيش الدفاع الإسرائيليّ قوّة برّيّة كبيرة مدعومة بمروحيّات أباتشي AH-64 وباستخدام صواريخ جوّ-أرض واستغرقت تسع ساعات لتكتمل.

الأمن والمستوطنون

لماذا توجد مثل هذه المشكلة؟ توصّل معظم المحلّلين إلى أنّ إسرائيل لديها ما يكفي من القوّات اللازمة لضمان أمنها، سواء في جنوب لبنان، أو غزّة، أو الضفّة الغربيّة. يعود السبب إلى أكثر من عقدين من الزمن، حيث اكتشف جيش الدفاع الإسرائيليّ أنّه، أوّلًا في جنوب لبنان ومن ثمّ في غزّة بشكل خاصّ، أنّ قوّاته البرّيّة تتكبّد خسائر فادحة بشكل غير مقبول حين تواجه معارضين شبه عسكريّين متحمّسين ومدرّبين تدريبًا جيّدًا يقاتلون على أرضهم.

وكانت أكبر عمليّة للجيش الإسرائيليّ في غزّة في السنوات الأخيرة هي عمليّة الجرف الصامد الّتي استمرّت سبعة أسابيع في عام 2014 لقمع إطلاق الصواريخ على إسرائيل وتدمير المنشآت تحت الأرض. قاد لواء النخبة جولاني الطريق، لكنّه تكبّد خسائر فادحة حيث قتل 13 شخصًا وجرح 50 في اليوم الأوّل وحده.

وبلغ عدد القتلى من جنود الجيش الإسرائيليّ خلال الأسابيع السبعة 64، وأصيب 469. وكانت هذه الأرقام ضئيلة مقارنة بمقتل أكثر من 2000 فلسطينيّ وجرح حوالي 10000 آخرين، معظمهم من المدنيّين، ولكنّها لا تزال مرتفعة بشكل غير مقبول بالنسبة للإسرائيليّين. ولذلك اختارت إسرائيل منذ ذلك الحين الحرب عن بعد باستخدام الصواريخ والقنابل والمدفعيّة إلى جانب التقنيّات المضادّة للصواريخ وغارات الاغتيال الانتقائيّة الّتي تشنّها القوّات الخاصّة.

وكان من السهل نسبيًّا السيطرة على الضفّة الغربيّة قبل التوسّع في المستوطنات اليهوديّة، وإن كان ذلك صعبًا للغاية بالنسبة للفلسطينيّين. ويعيش العديد من المستوطنين بالقرب من البلدات والقرى الفلسطينيّة ويحصلون على الحماية من الحكومة الإسرائيليّة الّتي تسيطر عليها أحزاب يمينيّة متطرّفة متعاطفة مع حركة الاستيطان.

لقد كان هذا هو التغيّر في السياسة الإسرائيليّة، حتّى لو تراجعت السيطرة البرلمانيّة عن أمثال نتنياهو، فإنّ ذلك لن ينهي المشكلة. سيبقى المستوطنون، وهم مسلّحون بشكل جيّد ومقتنعون تمامًا بأنّهم على حقّ. لقد أطلق نتنياهو واليمين الدينيّ العنان لقوّة جديدة، وربّما يدرك البعض في إدارة بايدن تداعيات ذلك ولا يحبّون ما يرونه.


* نُشر هذا المقال في موقع "ذا كونفرزيشن"

التعليقات