" عطرية " - جديد معتز ابوصالح


"عرب48" / مجيد القضماني


صدرت مؤخرا عن " المؤسسة العربية للدراسات والنشر " - بيروت، الطبعة الاولى من رواية " عطرية " وهي جديد الشاعر والكاتب السوري معتز ابو صالح من قرية مجدل شمس في الجولان المحتل.


"..ذات يوم جلس على ضفّة النهر. أغمض عينيه واستسلم لخرير المياه، ثم راح يداعب فتاة أحلامه في مخيّلته. انحنى فوق وجه النهر الهادئ وحملق في الماء. ارتعش إذ لم يعثر على صورته، بل رأى وجه حبيبته الخياليّة متموّجًا تحت سطح الماء. داهمه السؤال: "هل تحبّني مثلما أحبّها؟" انتفض من مكانه ومشى بين الورود التي لبست ضفّة النهر، وراح يقطف منها.. كلّ مرة وردة من نوع مختلف، يستنشق عطرها ثم يذرّي تويجيّاتها واحدة تلو الأخرى فوق وجه النهر ويقول: "تحبّني!.. لا تحبّني!"، وظلّ هكذا حتى قطف من جميع أصناف الورود. وعندما انتهى من نزع تويجيّات الوردة الأخيرة تحوّل إلى وردة وجفّ النهر.
بعد سنين طويلة، مرّت في نفس المكان فتاة حائرة تفكّر بحبيبها الذي هجرها. راحت تمشي بين الورود وتتحسّسها بيديها. قطفت وردة وأخذت تذرّي تويجيّاتها فوق مجرى النهر الجاف وتقول: "يحبّني!.. لا يحبّني!"، وعندما نفدت التويجيّات انكشف لها قلب كانت تحضنه الوردة. وفجأة، جرت المياه في النهر من جديد، وانبثقت من ضفّتيه ينابيع من العطور صغيرة، كلّ ينبوع برائحة نوع من الورود التي نمت هناك. لكن الغريب أنّ العطور كانت
تتحوّل إلى مياه عادية حالما تغادر أفواه الينابيع."


تربطني بهذه الرواية علاقة حب، فعطرية (تلك المملكة الأسطورية) بالنسبة لي هي في نهاية الأمر امرأة حاضرة في خيالي وتجاوزت علاقتي بها ككاتب مع نصّه. لذا أريد أن أكون قريبًا من الحقيقة قدر المستطاع في أجوبتي عنها. "عطرية" هذه المملكة الغريبة ذات العالم الأسطوري بدايتها كانت قصيدة، وهي القصيدة التي تبدأ بها الرواية. كتبت تلك القصيدة بعد انفصالي عن فتاة كانت تربطني بها علاقة حب مميزة لم أعشها إلا معها. كنت كلما رجعت إلى القصيدة أرى عالمًا خياليًا، حتى صرت أراها أسطورة مثلها مثل الأساطير التي نعرفها من تاريخ البشر.. شاب لم يجد الحب الذي بحث عنه طيلة حياته، فقرر أن يستحضر حبيبته في خياله، المرأة الكاملة. لازمني شعور بأن القصيدة لم تكتمل، وصرت دون وعي أغوص في عالم الأسطورة التي تحمله القصيدة، أتجول فيه، أرى أنهارًا وورودًا كثيرة تفوح منها روائح عطرة تملأ الفضاء، وينابيع عطر، وأشخاصًا مختلفين.. لكن لسوء الحظ رأيت أولئك الأشخاص يعبثون في ذلك العالم الجميل ويستغلون الأسطورة لمصالحهم الشخصية. لم أجد مناصًا من الدفاع عن أسطورتي التي أحبها، فشرعت في كتابة ذلك العالم وما يحدث في داخله. أود أن أؤكد هنا أنني لم أحمل قبل كتابة الرواية أية مقولة، ولم يكن هدفي أن أختبأ خلف كلماتي خوفًا من أحد، كل ما في الأمر أنني كتبت عالمًا رأيته في خيالي تمامًا كما يسرد الحالم حلمه، وأنا شخصيًا لا أحبذ الكتابة الأدبية التي تبدأ من مقولة أو من فكر مسبق يريد الكاتب أن يلبسه جسد الرواية، فالفكر هو ناتج عن العالم الذي يبنيه الكاتب وفقًا لثقافته التي تأتي بشكلها العفوي بين كلماته، وليس غريبًا أن الكثير من الأفكار والنظريات الفلسفية والنفسية والاجتماعية.. إلخ، كانت قد استنبطت من الروايات العظيمة، وخير مثال على ذلك بعض نظريات فرويد في علم النفس، كعقدة أوديب التي استنتجها من مسرحية أوديب لسوفوكليس، والأفكار الفلسفية والثورية التي استنتجها الباحثون في روايات دستويفسكي، حتى أن هناك من قال إن روايته الأخوة كارامازوف مهّدت للثورة في روسيا، والسؤال: هل كان دستويفسكي يقصد ذلك!
الكاتب يكتب من لا وعيه أكثر من وعيه، وأقول وبكل صدق أنني في مرحلة معينة من كتابة عطرية كان عالمها يكتب نفسه، وأبطالها يكتبون أنفسهم أيضًا، كأنما هناك من كان يلقنني ما أكتب.. لا شك أن من يملك ثقافة في الأساطير سيجد نقاط تقاطع كثيرة بين الأساطير في عطرية والأساطير المعروفة، فمثلاً الأسطورة الرئيسية في الرواية، ذلك الشاب الذي كان يبحث عن حبيبته، الشاب يجلس عل ضفة النهر وينظر في الماء ليرى وجه حبيبته، قد يكون هناك تناص مع أسطورة نرسيس، الشاب الجميل الذي كان مغرمًا بنفسه ودائمًا ينظر في ماء البحيرة كي يرى صورة وجهه، لكن الفرق هنا هو أن الشاب في عطرية لم يرَ نفسه بل رأى حبيبته. قبل أن أكتب الأسطورة لم يكن ببالي أسطورة نرسيس، لكنني كقارئ رأيت وجه الشبه والاختلاف بين الأسطورتين، والاختلاف هنا واضح، نرسيس أحب نفسه، ومن هنا أتى مصطلح النرجسية أي حب الذات، أما في عطرية فالشاب "مرجان" أنكر ذاته عندما نظر في الماء ولم ير وجهه بل وجه حبيبته. وفوجئت عندما أخبرني أحد الأصدقاء عن أسطورة مشابهة لأسطورة العمالقة في عطرية، والتي تحكي عن ذلك الإله الذي بحث عن وطن عن طريق الاتحاد بامرأة، لكنه لم يجدها أبدًا.. لم أعد أذكر مصدر الأسطورة التي حدّثني عنها صديقي، لكن الشبه بين وبين أسطورة العمالقة هو أن التوحد مع الأرض يأتي عن طريق التوحّد مع امرأة. في عطرية ينابيع العطر تتلوث وتحمر كل شهر لتعود وتتجدد من جديد، وقد يجد القارئ في هذا تشابها مع الأساطير التي لها علاقة مع دورة القمر والتي صار لها علاقة بالدورة الشهرية مع المرأة والمجاز الذي تحمله، وقد يجد القارئ أيضًا علاقة مع أسطورة عنات التي تحيي بعل من العالم السفل مرة بعد مرة، لكي يجلب الخصب إلى الأرض، وهنا في عطرية تجدد الينابيع هو عودة الخصب. أما بالنسبة لأسطورة أوديب، في الحقيقة لم يأتِ ما حدث مع الملك الجديد "غاب" بناء على أسطورة أوديب المعروفة، لكنني بعد الكتابة وجدت نفسي أناقش تلك العلاقة كأي قارئ يفقه في أسطورة أوديب. ومهما يكن فالحالة هنا مقلوبة، في أسطورة أوديب الملك (أوديب) يتزوّج أمه دون أن يدري محققًا نبوءة العراف، أي أن قدره كان أن يتجه نحو تلك النبوءة، لكنه عندما يكتشف ذلك يقلع عينيه وينفي نفسه من موطنه، أي أن المعرفة هنا أدت إلى الكارثة، وقلع عينيه هو المجاز لإلغاء حالة المعرفة هذه. في عطرية الملك يقوده القدر إلى أن يجتمع بأخته في سرير واحد دون أن يعرفها، والغريب أنه لأول مرة يضاجع امرأة وبشهوة لا تقاوم، بعد أن كان في حالة تشبه حالة الموت، فتأتي هذه الفتاة الصغيرة لتوقظه من الموت وهي لا تعرفه أيضًا، مما يؤدي إلى انتحاره، لكن موته، وبخلاف أسطورة أوديب، يؤدي إلى كارثة هي بحد ذاتها بداية جديدة أي معرفة جديدة، وليس إلغاء للمعرفة. على أي حال هذه التشابهات وإن كانت عفوية، فهي ربما نتاج ذاكرة جماعية يملكها كل البشر، وأنا أومن بما قاله العالم والمحلل النفسي يونغ، أننا نشترك أحيانًا في نفس الخيال والأحلام، لأننا نتاج عقول بشرية متعاقبة منذ بداية تاريخ الإنسان.
أعتقد أن النصوص الأسطورية هي من أعظم النصوص التي كتبها الإنسان. والإنسان لا يستطيع أن يعيش دون الأساطير. ففي الأسطورة توجد العبرة التي لا يمكن أن تأتي عن طريق نصوص أخرى، لأنها تأتي مجردة وبعيدة عن أي واقع لتخاطب أي إنسان على الأرض، وهي من جهة أخرى تمثل اللاوعي الفردي والجماعي عند البشر، اللاوعي الذي ولدنا كي نتجه نحوه ونحاول أن نتعرّف عليه قدر المستطاع، وكما قال المحلل النفسي الشهير جاك لاكان أن وجودنا يتلخص بمقدار بعدنا عن ذلك المجهول الذي نفتقده دائمًا. ومن ناحية أخرى، كلما تعقدت حياة الإنسان في هذا العصر التكنولوجي كلما احتاج أكثر إلى الأسطورة والخيال كي يتوازن، وليس غريبًا أن العالم الغربي، الذي بلغ من التكنولوجيا حدًا يشبه الخيال، يعود دائمًا إلى الأسطورة والخيال. عدا عن ذلك فالخيال يبعد الإنسان عن نفسه، مما يعطيه القدرة على رؤية نفسه ببصيرة أوضح، وكلما ابتعد عن الأرض كلما ازداد إدراكه.. تخيل أنك رائد فضاء، ترى الكرة الأرضية بحجم كرة صغيرة تدور، بماذا ستفكر؟ وماذا سترى؟ لا بد من الخيال، وهو ضروري في كل مكان وزمان، ونحن العرب أحيانًا نخاف من المضي بعيدًا في الخيال، مع أن تراثنا القديم يحتوي خيالاً قرأته جميع الشعوب.
إن جمالية النص الأدبي أنه قابل لقراءات متنوعة، وقد تكون متناقضة أحيانًا، وفي النهاية "كل قراءة هي قراءة سيئة" على حد قول الفيلسوف ديريدا. لكن مما لاشك فيه أن كل قارئ يفكك شيفرات النص وفقًا لثقافته وسياقه هو. أعتقد أن الواقع العربي أرض خصبة لعطرية، والمقارنات التي ذكرتها في سؤالك قد تكون صحيحة. أما بالنسبة للجديد في عطرية، فهذا سؤال شائك، فالأدب ليست مهمته التنظير بقدر ما هي تفكيك للواقع من أجل استخلاص العبر والنتائج. ومع ذلك فأنا أرى في عطرية نقطة مهمة بالنسبة للسلطة والشعب. برأيي السلطة هي نتاج الشعب، فإذا كانت السلطة دكتاتورية فهذا يعني أن الشعب نفسه دكتاتوري، وهذه الدكتاتورية تتمثل في حياة الأفراد اليومية. المثقفون والمنظرون العرب دائمًا يتعرضون للسلطة وكأنها هي المشكلة الأساسية في العالم العربي، وهذا خطأ فادح، المشكلة هي في الشعب العربي نفسه.. حتى الآن لم ينجح أي تيار عربي معارض في إحداث تغيير جوهري في الحياة العربية، وليس غريبا ان التيارات الدينية هي التي تتمثل بها حركات الرفض والمقاومة .. لماذا؟ أعتقد أن الجواب هو أننا لسنا قادرين حتى الآن على حمل فكر جديد يتجاوز النص الديني.. في لغتنا اليومية دائمًا نقول: إن شاء الله! إنها جملة قد تكون محط كلام لكنها تعبر عن الغيب الذي ما زال معششًا فينا، وهذا بخلاف ما تقوله إحدى الشخصيات في عطرية: "إذا غرق مركبي فقطعة من الخشب ستنفعني أكثر من ألف إله". في عطرية الشعب مسكين وعبد للخرافات، ولكن من ناحية أخرى العرش نفسه مسكين ومأزوم ولا حول له ولا قوة. حتى "روزبة" الصوت المجهول في عطرية والذي كان يدفع إلى الثورة والتغيير كان مرفوضًا من قبل الشعب واعتبر زنديقًا.
لقد فكك المفكر إدوارد سعيد في كتاباته العلاقة بين الغرب والشرق، خصوصًا في "الاستشراق" و "الامبريالية والثقافة"، وعبر عن نظرة الغرب للشرق، الغرب الذي يبرر استعماره على أساس أنه المصلح وجالب الحضارة. حتى أن إدوارد سعيد تناول روايات غربية ليكشف عن اللاوعي الغربي في هذه المسألة، وفي عطرية العمالقة يبدون بهذه الصورة الجميلة التي يتظاهر بها المستعمر الغربي.. أمريكا اليوم تدعي أنها محور الخير في العالم، وتغزو العالم العربي بحجة الاصلاح والقضاء على الدكتاتورية، كما فعلت في العراق مثلاً، مع أن غاطسها لا يخفى على أحد.. أعتقد أن الكاتب يجب أن يكون حياديًا في روايته وفي عرض الأحداث، ويترك للقارئ حرية التحليل واتخاذ المواقف، في عطرية توخّيت الحيادية، وقمت بعرض رواية كل جهة دون انحياز، لكن النتيجة هي سيدة الأحكام في النهاية.. العمالقة، كما ذكرت، هم قوم أتوا كي يحتلوا عطرية وفقًا لروايتهم التاريخية، لكنهم شعب مأزوم أيضًا، يخضع لأسطورته كالآخرين.
ملاحظة جميلة وصحيحة. بالطبع، النص هو المحرك الأساسي لأحداث عطرية، وفي نهاية الأمر عطرية هي حرب نصوص. وهذه حقيقة بشرية، كل شعب في العالم ومنذ بدء التاريخ يحاول إثبات وجوده عن طريق روايته التاريخية التي تأخذ شكل الأسطورة أحيانًا، وخير مثال على ذلك اليهود، فقد صنعوا وطنًا من أسطورة لا تتقاطع مع التاريخ بشيء، وهذا مما يؤكد سلطة النص.
في عطرية الأسطورة الرئيسية هي ضحية الأشخاص، الملك يستغلها لمصلحته الشخصية، وقد وصل به الأمر إلى تغييرها من أجل أن يحصل على المرأة التي تعلّق بها، فالنص الأصلي للأسطورة لا يسمح له بالاقتران بامرأة. الوزير يستغل الأسطورة للقضاء على الملك، والحكيم المجهول "روزبة" يحاربها من أجل التغيير والثورة، "صبحات" في النهاية تقضي على الأسطورة عن طريق قراءتها الخاصة لها. والعمالقة يأتون بأسطورتهم التى تلغي أسطورة عطرية. وهنا لا بد لي من الاشارة إلى الاشكاليات التي تحملها النصوص عبر التاريخ. لقد ناقش الفيلسوف ديريدا فكرة الكتابة بتفكيكيته، ومن تحليلاته الجميلة في هذا الموضوع رجوعه إلى الأسطورة عن الكتابة في إحدى محاورات إفلاطون. أسطورة الإله المصري الذي طلب من وزيره أن يأتيه بابتكار جديد، فأتاه بالكتابة. ويدور نقاش بين الإله ووزيره عن هذا الابتكار، حيث يعتقد الإله أن الكتابة خطيرة في حياة الإنسان، ومن المفضل أن يعتمد على الذاكرة. أما الوزير فقد أسمى الكتابة بالـ "فارماكون" أي الدواء، وديريدا هنا يشير إلى أن كلمة "فارماكون" تعني أيضًا السم. فالكلمة هي بنفس الوقت دواء وسم. إنه تناقض غريب لكنه صحيح، النص قد يكون دواء وقد يكون سمًا، وما يحدد ذلك هو كيفية قراءته، أو كيفية استغلاله.
سأحاول أن أجيب عن هذا السؤال بشكل أولي، لأنني في الحقيقة لم أنتبه لهذه الحالة. أعتقد أن النهاية في الرواية مسؤول عنها العرش والشعب في نفس الوقت، وقد يكون ما حدث هو النبوءة التي تحقق نفسها، فالجميع في عطرية ساروا نحو هذه النهاية التي هي بنفس الوقت كارثة وبداية جديدة. الجميع كانوا يؤمنون بالاسطورة التي ليس بالضرورة أن تكون صحيحة، لكنهم سعوا جميعًا لتحقيقها. وفي النهاية ماتت الأسطورة وكل شيء تغير في لحظة، حتى أن الناس تساءلوا: هل حقًا كانت هناك ينابيع عطر. إنها حالة من الشك وكأن كل شيء كان وهمًا!
جهنم.. أعتقد أنها الاحتمال الأكبر، نحن العرب ما زلنا غيبيين، يحكمنا النص الديني أكثر من أي شيء آخر، وفي النص الديني حتمية الجنة/جهنم، وبما أن الدين سائد فسوف يسعى أصحابه إلى تحقيقه، فما حدث ويحدث ليس أقل من جهنم...
معقول جدًا. وقد يكون سؤالك تتمة لجوابي على سؤالك السابق.
"صبحات" تلك المرأة التي اعتبرت عاهرة، هي من يأتي بالنهاية في مملكة عطرية، وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى مبالغًا به، فهل يعقل أن امرأة واحدة تقلب المملكة وكل شيء رأسًا على عقب؟ لا ننسى أننا هنا في أجواء أسطورية، وفي الأسطورة قد يمثل الفرد مجموعة كبيرة لأنها في النهاية حالة رمزية. "صبحات" برأيي هي المرأة الكاملة المدعاة في الأسطورة، والمفارقة أنها كانت تعتبر عاهرة، وهي تمثل كل النساء في عطرية، النساء اللواتي كان دورهن الوحيد في المملكة هو أن يختارهن الملوك من المواكب. وكما قلت أنت، في الرواية صرخة أنثوية مجلجلة. الأساطير القديمة ألغت دور المرأة في التاريخ شيئًا فشيئًا وهذا ما نلاحظه في أول ملحمة وصلتنا من الإنسان القديم، ملحمة جلجامش، حيث جلجامش يرفض عشتار الأم الكبرى، وهكذا إلى أن تحول المجتمع البشري إلى مجتمع أبوي، وإذا كانت عطرية أسطورة حديثة فيها تأكيد لحق المرأة التاريخي، فهذا شرف كبير لي.


 


الأسماء في عطرية غريبة وغير مألوفة. واضح أنها تتلاءم مع أجواء الرواية، ملاحظتي هي أن الاسم "روزبة" (الحكيم المجهول) هو الاسم الوحيد الذي قد يسمح للقارئ بإرجاعه إلى التاريخ العربي، وأعني هنا سلمان الفارسي المعروف باسم "روزبة". أعتقد أن هناك تشابهًا بين الشخصيتين، فمن المعروف أنه كانت هناك علاقة غامضة تربط سلمان الفارسي بالنبي محمد، وكان من الداعمين للدعوة الاسلامية. هل هناك مكان لهذا التناص التاريخي في روايتك؟ وإذا كانت هذه القراءة ممكنة فما هو تفسيرك لهذا التناص؟


أحب هذا الاسم، لذلك اخترته، لكن هذا لا يمنع قراءته في الشكل الذي طرحته في سؤالك. حسنًا، تعال نلعب، أنا الآن قارئ لعطرية. "روزبة" (سلمان الفارسي) شخصية يكتنفها الغموض في علاقتها مع النبي محمد، ويقال أنه لولا هذه الشخصية لَنَقص الدعوة الاسلامية الكثير. ومن المؤكد أنه شخصية حكيمة وقفت خلف الدعوة الجديدة ضد السلطة السائدة. "روزبة" في عطرية حكيم مجهول يدعو إلى فكر جديد، فهناك تشابه إذن، ويبقى السؤال: ماذا يخدم هذا التناص؟ قد يكون مضرًا للرواية إذا اعتبر تناصًا من أجل التشبه بحالة تاريخية، على أنها مثالية. أعتقد أن التناص يقدم اختلافًا جوهريًا، سلمان الفارسي دعم فكرًا جديدًا أصبح فيما بعد سلطة عمياء، أما "روزبة" في عطرية فهو مجرد ناسف للأفكار، بغيته كانت أن يحطم كل شيء، وقد تكون هناك عبرة إضافية من هذا التناص ألا وهي أن كل فكر أو نص قد يكون دواء في سياقه التاريخي وقد يتحول إلى سم في سياق آخر.
لو تأخر عني طمثها عشر سنين لكنت كتبتها بشكل أجمل.



في هذه الاجواء الاسطورية يبني معتز ابوصالح عالما خياليا لا يتكئ على اي زمان او مكان.. خيال جامح هارب من اي سياق لكنه قد يحط على اي ارض في التاريخ حديثا كان ام قديما..

خيال قد يكون مفاجئا في ذهابه الى اقصى الحدود وبجرأته في محاولة تأسيس اسطورة جديدة في عالم " أتعبته " الاساطير، لكن ما يميز هذه الاسطورة انها تحاور شتى الاساطير العالمية بتناص ضمني قد لا يلاحظه القارىء في الوهلة الاولى.

تاتي الرواية بلغة ممزوجة بين الشعر والسرد مما يجعل الاجواء الاسطورية التي تتضمنها مقنعة وجذابة. ما أن يدخل القارىء في هذا العالم حتى يجد نفسه مرغما على تحسسه بكامل تفاصيله التي اجتهد الكاتب بسردها ليجعل عالمه المتخيل مكتملا الى حد انك تراه يتحرك امام عينيك..

وايضا ما يميز هذه الرواية هو تعدد ابطالها والعلاقات المركبة بينهم. لا شك انها رواية تستحق القراءة وليس اي قراءة بل قراءة صبورة تطمح بالاستمتاع في كشف خفايا هذا العالم الاسطوري او ربما " حقيقتنا " المبعثرة في تلك الـ " عطرية "..

فيما يلي الحوار مع الكاتب:





من العناوين الموزعة للرواية


مكتبة " النيل والفرات "


مكتبة " أدب وفن"



للكاتب :


* الجدار - شعر، حيفا 1998


* هكذا تكلم الغريب- شعر، اتحاد الكتاب الفلسطينيين - رام الله 2000


* رحيل المحطة - رواية، دار الشروق- عمان 2001


 بريد المؤلف الالكتروني :


abusaleh_m@yahoo.com

 


فلنقل إن عطرية هي عالم خيالي قائم بذاته، لا علاقة له بأي واقع كان، وربما ينوجد في أي زمان ومكان، ولكن هل هناك مناص للقارئ العربي من إسقاط هذا العالم على عالمه؟ فالرواية اذا ما ألبسناها الواقع العربي ستعبر عنه خير تعبير..ينابيع العطر ربما تكون كنوز العالم العربي، العرش قد يعبر عن الزعامة العربية المتوارثة، أسطورة عطرية قد تكون الدين، العمالقة قد يكونون المستعمر..إلخ. إذا كان هذا ممكنًا فما هو الجديد الذي تقدّمه الرواية لواقع صرنا نعرفه جيدًا؟

التعليقات