30/06/2014 - 17:12

طقوس حوارية في "شمال الأندلس غرب الوطن" قصص قصيرة لسهيل مطر

يصحبنا الكاتب ويأخذنا بجمالية إلى رحلة جغرافية وإنسانية يقوم بها في إسبانيا. يختار المضامين والشخصيات ويربطها بتضاريس زمن ومكان مختلفين يجمعهم بلد واحد في الغربة وهو إسبانيا

طقوس حوارية في


"يا أيُّها السائر، ما بصماتك
إلا الطريق التي تسلك،
يا سائر، لا يوجد مسار،
تُشقُّ الطريق خلال السير"
انتونيو ماتشادو

يختار الرحالة الشاب سهيل مطر هذه الأبيات الشعرية ويُسقطها في وسط كتابه "شمال الأندلس، غرب الوطن" ليس عفوًا، إنما ليؤكد مسار رحلته التي خطاها منذ بداية الكتاب وحتى نهايته. خطا فعلاً وفكرًا في إسبانيا وتعمّق بذاته ليكتشف هويته، ويكتشف عُمق أفكاره ويتعلم في هذه الرحلة الكثير ليُطلعنا عليه من خلال اختياره السردي للجانر الأدبي "القصص القصيرة".

يصحبنا الكاتب ويأخذنا بجمالية إلى رحلة جغرافية وإنسانية يقوم بها في إسبانيا. يختار المضامين والشخصيات ويربطها بتضاريس زمن ومكان مختلفين يجمعهم بلد واحد في الغربة وهو إسبانيا.

إنه المتمكن من خلق شخصيات جديدة في كل قصة وأخرى، وبلغة سلسة نقية، يومية، تلميحية وبعيدة عن اللغة المتكلسة التقليدية. فاللغة هنا تكشف عن وعي وفكر وقراءات حيث يرى في الثقافة والمعرفة قضية، وفي القضية السياسية الفلسطينية موضوعا ثقافيا يحاوره بلغة أنيقة، بسيطة وواضحة.

إن لذاكرتنا الفلسطينية وجود جمعي في أدبنا وإنتاجنا الفني، وإن تعددت الأقلام والإنتاج الفني وحتى الكتابة التاريخية، فهي تسكن كل فلسطيني حيثما وجد في الوطن أو خارجه، ويحملها في جعبته اينما حلّ. وككل فلسطيني يحمل الكاتب ذاكرته الجمعية ويقلب معايير الكتابة، حيث مألوف لنا أن نكتب من جو المكان الذي نحن فيه لتنتمي اللغة أيضًا إلى مفهوم المكان والزمان. إنه على العكس يحمل الذاكرة إلى إسبانيا وينبهنا إليها، ويثيرها ببساطة وشبابية وحداثة. يُخرجها من رحمها المقفل ويكتب بها من خلال الربط وبرقة بين مدن وأخرى في إسبانيا ومدننا وقرانا الفلسطينية. يكتب سهيل مطر من خلال المقارنة والعرض الصوري والكلامي في مسيرته. وبوضوح ينبهنا لمُركبات الذاكرة من خلال السياق:

المكان، النبات والشجر، اللهجة، اللغة، فصائل السكان، السينما، الشعر، الفن، الأحداث.

إن كتابة القصص عند سهيل مطر تأخذ منحى بنائي/تسجيلي، يعكس الحاضر في انعكاسه على الإنسان وانعكاس الإنسان على الحاضر والمكان. ومع أن الواقع هو اضطهادي، مخالفٌ لانتمائه وهويته فإنه لا يتعامل معه بشكل درامي ويضع الذاكرة بمأتم سوداوي، إنما كتابته مشاركة فكرية عميقة مع شخصيات متحررة في غالبيتها.

كل قصة تحمل فكرة بارزة، إضافة إلى جميع الأفكار المرتبطة بها أو البعيدة عنها. أذكر بعضها على سبيل المثال:
بلنسا: يافا والبرتقال.
برشلونة: لهفة الفلسطيني بلقاء شخص عربي آخر.
سان سبستيان: الفلسطيني غير المرغوب فيه في كل مكان.
سانتياغو: محاولة جيدة جدًّا لنقل الشارع الفلسطيني إلى إسبانيا ومقارنة طقوس التظاهر، وهنا إبراز لأهمية المكان وارتباطه بالحدث.
رُندة: اتصال مباشر مع أرنست همنغواي.
قصرش: الشاب اليهودي يلخص غضبه المُبطن بجملة (تبًّا لذاك الوضع الإقليمي الحاضر معك أبدا أينما تذهب).
غرناطة: اللهجة الحيفاوية. ومفهوم الموت.
ماو: قلب الشخصيات؛ الإسباني في نابلس.
مدريد: الحقيبة.

إن لنهايات قصصه القصيرة نكهة خاصة، مثيرة للدهشة فهي مفاجئة، وغير مألوفة كنهايات قصائد شعرية تعكس الموجود او ترجع إلى مفهوم التناقض كقصة سانتياغو.

برأيي، رؤية المبدع سهيل مطر وبحثه وكشفه لذاكرتنا الجماعية وولوجه إلى التفاصيل الدقيقة كدارس في العلوم وربط ذلك من خلال السرد القصصي هو نتاج يستحق فعلاً القراءة والتأمل.

تنويه: حصلت مجموعته القصصية "شمال الأندلس غرب الوطن" على الجائزة الأولى في مسابقة الكاتب الشاب في 2012 من قبل مؤسسة القطان في رام الله.

التعليقات