آفاتار: استعارات.. وإحالات../ بسام الهلسه

-

آفاتار: استعارات.. وإحالات../ بسام الهلسه
في توليف حكائي درامي يقرب من قصص الاطفال والفتيان الغرائبية، تمت تغطية بساطته بالابهار التقني البصري واستخدام التصوير ثلاثي الأبعاد، وامتد لأكثر من ساعتين ونصف الساعة، يقدم المخرج الكندي جيمس كاميرون شريطه السينمائي الجديد "AVATAR " الذي استوحى اسمه و منحه الدلالة من عقيدة التجسد القديمة التي تعزا للإله الهندي "فيشنو"، واستعار إيحاءه من أسطورة "باندورا " الإغريقية.

واذا كان المخرج كاميرون قد تناول، في معالجة متميزة في فيلمه السابق، قصة حقيقية استمدها من حادثة غرق السفينة التي تنقل المهاجرين الى أميركا و تحمل اسم "تايتانيك"، فإنه في هذا الشريط الذي بلغت تكلفته ثلاثمائة مليون دولار، يبني قصة خيالية، افتقد بناؤها الى العمق، عن مركبة فضائية يريد روادها المبعوثون الاستيلاء على أحد الكواكب ( باندورا ) وإخضاع و تهجير سكانه الاصليين الذين أطلق عليهم في الفيلم اسم فاني ( VANI ).

* * *

لكن خيالية القصة وغرائبية بيئتها وشخصياتها وأحداثها، لا تمنع مشاهدي ومشاهدات الفيلم الذي يحظى بنسبة عرض ومشاهدة عالية في العالم، من إحالتها إلى نظائرها ومعادلاتها الواقعية التي غزت فيها قوى استعمارية عنصرية متفوقة ـ عسكريا و ماليا و تقنيا و علميا ـ بلادا وشعوبا عديدة لا تعيش في الفضاء بل على سطح هذا الكوكب: الأرض.

وكما جرى في تاريخ الاستعمار ـ وما زال يجري حتى الآن ـ برَر تحالفُ مصالح العسكريتاريا والمال في الفيلم رغبته الاغتصابية للكوكب، ببدائية السكان الذين يجب أن يخلوا كوكبهم ( وطنهم ) للسادة الجدد الذين سخّروا العلم والتقنية العالية لتحقيق مطامعهم.

* * *

مثل قبائل وشعوب الأميريكيتين الأصلية، يمكن لقبائل وشعوب أفريقيا، وكذلك شعوب أفغانستان والعراق وغيرها من الشعوب المحتلة، أن ترى في فيلم آفاتار ذاكرتها، أو واقعها الحالي، الذي تواجه فيه غزاتها. وقد يجد فيه الفلسطينيون تشابها مع قصتهم وهم الذين تعرضوا ـ وما زالوا ـ لاجتياح صهيوني يهودي عنصري استعماري اجلائي.

لكن عليهم ـ كما على كل الشعوب المستباحة ـ أن يحذفوا ما قدمته قصة الفيلم من رؤية لسبيل الخلاص. فليس عليهم ان ينتظروا مُخلِصاً يأتي من بين غزاتهم، حتى وإن تمرد على هؤلاء الغزاة كما عرضت معالجة الفيلم المبسطة.

فالمتمرد المتعاطف معهم، يمكن له أن ينضم اليهم وأن يساند القضية التي يعملون لأجلها، اما خلاصهم فهم بالذات من يتعيَّن عليهم صنعه. ومن بين أبنائهم و بناتهم الواعين والمكافحين، يختارون القادة الذين سيسيرون بهم في معارك صد ومواجهة الغزاة الغاصبين.

اما القائد المخلّصُ الابيضُ، الذي تقترحه السينما الاميركية بين حينٍ وآخر، فعليه أن يبرهن عن صدقيته وجدارته الاخلاقية، بتخليص قومه اولاً مما هم فيه من عنصرية واستعلاء ومطامع لصوصية. ففي هذا يكمن ميدان اختباره، وتتجلى رسالته في خدمة الانسانية ومساهمته الحقيقية في خلاصها.

لكن ذوي النوايا الطيبة من الغربيين، وبخاصة الاميركيين، يفترضون أنهم أدرى من الشعوب بأنفسها! بل يتماهون معها إلى درجة التجَسُّد (AVATAR).

التعليقات