"إذ قال يوسف": فعلُ تذكُّر مُغمّس بالأسى

-

قد تثير مسرحية ما في وقت ما مشاعر المرء لسبب مَنشئها؛ وهذه هي الحال هنا مع هذا العمل الفلسطيني المثير للإعجاب، الذي أخرجه وكتبه نزار زعبي، الذي يتطرق إلى الكوارث التي تلت نهاية الانتداب البريطاني في فلسطين في أيار 1948 {يُعرض العمل في هذه الأيام وحتى 6 فبراير القادم في مسرح "يانغ فك" في لندن}. هذا العمل المُقدّم باللغتين الإنجليزية والعربية هو –في أساسه- فعل تذكّر، يسعى من خلاله الفلسطيني الشاب إلى تذكر الفقدان والفراق اللذين عاناهما أسلافه.

وكما يليق بالكثيرين من المسرحيين الدهاة، فإنّ زعبي يتحرك منطلقًا من الشخصيّ إلى السياسيّ. فهو يبدأ بقصة أخوين اثنين في قرية بيسمون الجليلية في العام 1948. علي يتحلى بالصلابة الدنيوية؛ أخوه يوسف مجنون البلد. ولكن سرعان ما يتضح أنّ يوسف يشكل أحد أهم العوائق الماثلة أمام زواج علي من معشوقته ندى. وتزداد مشاكل علي وندى عندما ترى فيه مسؤولاً عن مقتل أبيها وعندما يفترقان بعد تدمير قريتهما. ما يحدث بعد هذا هو قصة تتمحور في سعي علي اليائس في أعقاب ندى، يرافقه يوسف المخلص والمثابر.

فمن جهة، يضعنا زعبي أمام قصة كلاسيكية حول مُحبيْن محكوم على حبهما بالفشل منذ البداية. إلا أنه يعرض أمامنا، أيضًا، كيف أنّ الفقدان الجسمانيّ والعاطفيّ في فلسطين العام 1948 غاب قهرًا وحتمًا في ظلّ السياسة. فالأمر لا ينحصر في أنّ والد ندى قُتل بالرصاص لأنه اُعتبر متعاونًا، فقط، بل إنّ كلّ شيء فسد نتيجة للانسحاب البريطانيّ والحرب الفلسطينية-الإسرائيلية التي تلت هذا الإنسحاب، بطبيعة الحال. وبمهارة فائقة، ينقل زعبي مسؤولية البريطانيين الأخلاقية عن الفوضى العسكرية. فالحضور البريطاني يتجسّد بواسطة جنديّ يتوق للعودة إلى شيفيلد، ولكنه رغم كونه شعبيًا على المستوى الشخصي، فإنّ تأكيده السّخيف للقرويين بأنّهم سيكونون مَحميين، يُترجم على يد المعلم المحلي بـ "بعض الأكاذيب بأنّ الانتداب البريطاني يعتني بنا".

مع ذلك، فإنّ ما يبعث على المفاجأة هو أنّ نبرة مسرحية زعبي هي نبرة شعرية أكثر من كونها نبرة حقودة، وهي مغمّسة بالأسى أكثر من كونها مغمّسة بالكراهية. كما أنه يدرك مبتغاه عن طريق الصور عوضًا عن المواقف الجدلية. وعندما نرى علي متروكًا في الماء ومُحاطًا بأرواح اللاجئين، فإننا نخضع لشعور لا يُقهر يُعيننا على أن نفهم كيف أنّ الموتى الفلسطينيين سيظلون جزءًا أزليًا من الذاكرة الجمعية.

تخاطب هذه المسرحية عواطفنا وشعورنا بالذنب، مباشرةً. ونرى أداءً جيدًا من عامر حليحل في دور يوسف المُحبّب، وعلي سليمان في دور علي المشتاق وبول فوكس في دور بريت التواق إلى بيته.

تذكرنا مسرحية زعبي الجميلة بأننا لا زلنا نحيا اليوم في ظل عواقب التاريخ المُميتة.



(المقالة في "غارديان:
http://www.guardian.co.uk/stage/2010/jan/22/i-am-yusuf-brother-review)

التعليقات