وإذا الموؤودة سئلت...(11)/ د.إلياس عطاالله

-

وإذا الموؤودة سئلت...(11)/ د.إلياس عطاالله

تحليقة نحو النّسر الحرّ


 


والنسر الحرّ، اسم أو لقب مستعار لعاشق للعربيّة مأخوذ بها، ورغم أنّ هذه البضاعة نادرة في أيّامنا المتسمة بالانفتاح على الآخر وحضارته ولغته، إلا أنّه يتابع ما أكتب في هذه الزاوية، ويعقّب غالبا على ما يقرأ، وللحقيقة، أجده في تعقيباته نسرا ذوّاقة تزيده العربيّة تحليقا، ولأنّني في مجال الحقيقة، أو بلغة المحاكم" تحت اليمين" أصدقكم القول إنّ إطراءاته وتعقيباته تدغدغ الأنا فيّ، وتحقنني، مع تعقيبات الأحبّة الآخرين، بمصل المواصلة في الكتابة، على صعوبتها.


في آخر تعقيب لهذا النّسر العربيّ، سأل عن العلاقة بين العربيّة والعبريّة، وأيّهما أعتق، بعد أن أعطى نماذج من التقائهما في أسماء أعضاء جسم الإنسان، وفي كلمة كَنَف، وانتظر إجابة منّي في الأمر، ويقضي الواجب بالاستجابة:


موضوعة العربيّة والعبريّة أوسع من أن تحتملها هذه الزاوية، والكتابة في أصل اللغتين من المباحث "العلميّة" التي لا يجد العلم فيها جدوى، شأنها شأن الكتابة في أصل اللغات، لأنها تدور في حلقات من الحدس والعبثيّة والاتّكاء على أسس قد يدحضها العلم؛


علينا أوّلا يا أخي أن نفصل بين اللغة المنطوقة واللغة المكتوبة- على اختلاف أنواع الكتابة، منذ النقش والتصوير حتى يومنا هذا-، فاللغات ولدت قبل كتابتها، ولذا من الخطل أن يلجأ بعضهم إلى وجود نقوش باللغة كذا، وعدم وجودها بلغة أخرى، فالأمر لا يفضي إلى القول بأنّ الأولى أقدم من الثانية.


ومنهم من يتّكئ على النصوص الدينيّة، فيجعل العبريّة قبل غيرها لأنّها سابقة للمسيحيّة والإسلام، وهذ خطل وتخليط لا يستحقّ تعقيبا، لأنّ معتنقي هذه الأديان موجودون قبل أنبياء ورسل هذه الأديان، عليهم أفضل الصلاة، وقبل الكتب المقدّسة، ناهيك عن أنّ الديانات الموحّدة، مرحلة متأخرة في تاريخ المعتَنَق في العقائد البشريّة.


ومنهم من يتّكئ على بعض الدّراسات التاريخيّة المعتمدة على التنقيبات والحفريّات، وعلى أهمّيّة هذا المتَّكَأ، يضعف دعواهم أمران؛ كون اللغة مشفوعة بحفريّات ونقوش، لا يرصد ماذا كان قبل هذه النقوش، ولا يقول شيئا عن اللغات المتحدّث بها قبل انتقالها إلى مرحلة النقش والكتابة، ناهيك عن أنّ الحفريّات ما زالت نشطة، والنقوش المزاح عنها غبار السنين تفاجئنا بكلّ جديد، وتنسف نظريّات في أصل اللغات وأصل الخطّ عُمِل بها لعشرات من السنين.


ومنهم من يتّكئ على مقارنة اللغات التي ما زالت حيّة بلغة أمّ مفترضة، متتبعا أوجه الشبه بينهما، ومواطن القرب، فكلّما اقتربت اللغة الحيّة من اللغة الأمّ المفترضة في أصواتها وألفاظها وميزاتها، كانت، برأيهم، أعتق وأقدم تاريخيّا، وهذا أيضا مبحث لا حسم فيه.


وعلى صعيد آخر، تجد من يتساءل عن اللغة التي خاطب بها الخالق، جلّت أسماؤه، أنبياءه ومرسليه، ولا يكتفي هؤلاء بالتساؤل، بل يعطون إجابات قاطعة بأن الله تحدّث بالعبريّة أو اليونانيّة أو الآراميّة أو العربيّة، جاعلين من الله واحدا من أبناء دينهم، تعالى الله عمّا يقولون!


والقضيّة يا أخي أشغلت العلماء منذ القدم، حيث بحث غير واحد في كون اللغات توقيفيّة منزلة بالإلهام، أو موضوعة مصطلحا عليها، أو في كونها مزيجا من الأمرين، أو في كونها محاكاة لأصوات الطبيعة... ولعلماء العربيّة في المبحث مساحة واسعة، بل إن النّصّ الدّينيّ المقدّس في التوراة والقرآن الكريم، فيه إشارات إلى هذه المسألة، راجع مثلا: سفر التكوين: الأصحاح الثاني: 19- 20، وسورة البقرة: 31- 32، وسورة إبراهيم: 4، ولك أن تستزيد من النصّ التوراتي كيف كان الناس يتحدّثون لغة واحدة، ثمّ رأى الخالق أن يبلبل ألسنتهم... تكوين: الأصحاح 11: 1، 7، ومن هذه البلبلة سمّيت بابل بهذا الاسم. وعلى صعيد المصادر، جميل أن تقرأ، من باب المتعة فقط، ما ورد عند ابن جنّي في كتابه الخصائص، وعند ابن فارس في الصاحبيّ، والخفاجيّ في سرّ الفصاحة، وابن خلدون في المقدّمة، وإن أردت إجمالا لكلّ نظريات النشوء اللغوي، فما عليك إلا أن تعود إلى كتابنا: الفعل الرباعيّ،دراسة تأثيليّة دلاليّة.


أما أوجه الشبه بين العربيّة والعبريّة من حيث الجذور والمفردات والأوزان والجرس  الموسيقيّ، فهي فوق الحصر، وعلىصعيد الجذور، هنالك المئات من الجذور المشتركة، التي توسّعت بالصرف والاشتقاق إلى آلاف المفردات، ناهيك عن التقارض اللغويّ بينهما، والأمر ينسحب على بقيّة أخواتهما ممّا سمّاه شلوتسر "اللغات الساميّة"، اعتمادا على المصطلح التوراتي الوارد في سفر التكوين غير مرّة.


 


الله لا يفضح حريشك يا غوّار


 


" يفضح حريشك" المقولة الشتيمة المأثورة عن غوّار الطوشة، توقفنا أمام "حريشك" هذه، وهي، كما أرى، تحتمل تفسيرين: أن يكون المقصود هو " حريمك"، ومن باب لطف العبارة وتجنّب المحظور اللغوي، أو تجنّب ما لا تحمد عاقبته، غيّر أهلنا الميم، تماما كما فعل المهذّبون الغاضبون منّا وهم يشتمون: " يلعن/ يحرق ديكك"، مقحمين الكاف الأولى خشية الكفر ونار جهنّم، ولا ضير عليهم، فقد فشّوا الخلق دون إغضاب للخالق ورجاله من الكهنة والشيوخ. أمّا الثاني، فهو بعيد عن المحظور اللغويّ، وقائله لا يخشى شيئا، فالحرش هو الجماع، والحريش على وزن فعيل بمعنى اسم المفعول، والمقصود هو المرأة أو الزوجة... هذا يوم كان الحرش ملتزما، ظاهريّا، بوصايا الدين، أما اليوم، والعصر قد تغيّر، والمِثْلِيُّونَ ( اللوطيّون) والمِثْلِيَّاتُ( السُّحاقيّات) كُثْرٌ، فما عادت الشتيمة موجّهة إلى زوجة الرجل أو إلى نساء بيته، وعشْ ترَ.


 


الْمَرَة ما بتِخْرَفْ


 


والخرف، لا عرفتموه، هو ذهاب العقل من كبر أو مرض، وهو وَقْفٌ على الرجال فقط! فإذا كثر كلام الرجل من الخرف، قيل هو مُفْنَد ومفنَّد. والاسم الفنَد... أفندته وفنّدته: خطّأتُ رأيه.


والأنثى لا تُفَنَّدُ ولا تصلُ إلى مرحلة الخرف... وها هو ابن سيده يعطينا العلّة الذّكوريّة التي لا نقاش فيها: " ولا يُقالُ ذلك للأنثى... لأنّها لم تكنْ ذاتَ رأيٍ في شبابها فتفنّد". المخصّص: 1: 43. 


كان ذلك في عهد مضى، وكان الكَتَبَةُ، على اتّساع معرفتهم، يقفون من المرأة موقفا مستمدّا من البنية الاجتماعيّة، أو من تربية دينيّة أسريّة، ولهم في مصنّفاتهم مواقف شبه فضيحيّة، وكأنّ موضوعة المرأة كانت شغلهم الشاغل، أو شيئا يسكنهم، ولذا، سالت من أقلاهمهم وألسنتهم "بلا شور ولا دستور"، وفي مواضيع لا شأن لها بالمرأة، ومن هذا ما أورده هذا العلاّمة الموسوعيّ الغضيب نفسه، نقلا عن ابن السِّكِّيت، في معرض حديثة عن أسماء عضو التناسل، قال: " ... وهو سَوأةُ الإنسانِ وعَوْرَتُهُ. وكلّ ما يُسْتَحْيَا منه عورةٌ والنساءُ عورةٌ" المخصّص: 2: 30.


ونلقاكم بإذنه دون تخريف، تاركين سوءات الناس للناس.


 

التعليقات