"خارجون عن القانون"/ ألجي حسين

أياً يكن، وبغضّ النظر إذا ما اعتبرنا الخروج على القانون جرما يعاقب عليه القانون أو هو بحث عن حقيقة الأشياء، تبقى العديد من المسائل غامضة ما لم تتطرّق أو تغوص في أحداث الفيلم الجزائري (خارجون عن القانون) للمخرج الفرنسي - الجزائري (رشيد بوشارب).

من سماع اسم الفيلم أو قراءته على البوسترات، قد يتساءل المشاهد : أيّ قانون خرج عنه هؤلاء؟ أو قد يضع تساؤلاً آخر بطريقة مغايرة : الخارجون عن القانون أم القانون المستخرَج من الخارجين؟

أياً يكن، وبغضّ النظر إذا ما اعتبرنا الخروج على القانون جرما يعاقب عليه القانون أو هو بحث عن حقيقة الأشياء، تبقى العديد من المسائل غامضة ما لم تتطرّق أو تغوص في أحداث الفيلم الجزائري (خارجون عن القانون) للمخرج الفرنسي - الجزائري (رشيد بوشارب).

ثلاثيّةُ الفكرِ.. ثلاثيّة العملِ:

عائلة مكوّنة من أمّ وثلاثة أبناء، هذا ما يبقى منها بعد مجازر سطيف الجزائرية في الثامن من أيار عام 1945م، تنتقل للعيش في أحد الأحياء العشوائية الكرتونية في العاصمة الفرنسية، وتغرق في مظاهرات تهديد وتنديد بالحكومة الفرنسية، من خلال قصة الأبناء الثلاثة في كبرهم، فالابن الأكبر (مسعود) يلتحق بالجيش الفرنسي وبكتائبه المقاتلة في فيتنام ويعود بعد انتهاء الحروب إلى منزله فاقداً لإحدى عينيه، ليشكّل مع أخيه الثاني الأوسط (عبد القدر)، إثر خروجه من السجون الفرنسية وتشبعه بالأفكار والإيديولوجيات التحررية، حركة استقلال الجزائر أو جبهة تحرير الجزائر في (باريس) ويتزعّماها، انتهاء بالابن الأخير الصغير (سعيد) الذي لا يجد بداً من العمل في مجال الدعارة والحانات لشدّة حاجته، لكنه يمتلك بعد ذلك حانة خاصة به وحلبة للملاكمة كحلم راوده منذ الصغر.. وهو بذلك يملك المال فقط.

وفقاً لحكاية الأبناء الثلاثة تتمحور القصة التاريخية للمجازر الفرنسية في الجزائر والمهاجرين القاطنين في فرنسا، حب الابنين للثورة يوازيه حبّ الإخوة لوالدتهم وانتظارهم لكلمتها قبل الخروج من البيت والبدء بأي عمل، رغم عدم رضا الأم عن عمل ابنها الصغير (سعيد).

المالُ، والقوّةُ، والعقلُ حرّرت الجزائر:

بعد ترحيلهم من منزلهم في إحدى القرى الجزائرية في الصحراء، وأثناء موت الأب نتلمس وجهة الحبكة الأولى للفيلم في حثه على استعادة الأرض وتحريضه لأبنائه على تعلّم فنّ التشبّث بالأرض، وعدم السماح للمستعمر بوطئه وكيفية انقلاب الحياة رأساً على عقب في باريس، وتحول عبد القادر إلى المنظم الأول لثورة تحرير الجزائر من خلال تجنيده الشعب إيديولوجياً وفكرياً ومادياً لمصلحة الثورة وشراء السلاح لها، بعد إرسال التبرعات إلى البنوك الفرنسية عن طريق فتاة فرنسية تحدث بينها وبين (عبد القادر) بوادر قصة حبّ خجولة، لكن تفخيخ سيارتها واغتيالها على أيدي المخابرات الفرنسية يشعل الحرب وقوداً، وصولاً إلى مقتل (عبد القادر) نفسه في تظاهرات السابع عشر من تشرين الأول عام 1961، أي قبل استقلال الجزائر بعام واحد، في حيت يموت الأخ الأكبر (مسعود) في حادثة إطلاق النار مع الشرطة الفرنسية أثناء توزيع السلاح على الثوار.

 

 

القارئ للسير الشعبية أو للحكايات التي تتحدث عن تاريخ الشعوب وقيم الحق والعدالة والخير سيلاحظ التشابه بين طريقة عملهما، ففي فيلم (خارجون عن القانون) هناك ثلاثة إخوة وثلاث قيم.. إن جاز التعبير.

المال والقوة والعقل، ثلاثية استطاعت بشتى الاحتمالات تأجيج نار الثورة، لدينا الشخصية الإيديولوجية المفكّرة المنظّمة الحافظة للمبادئ الحزبية العقائدية، اجتمعت في شخص (عبد القادر) وهو بذلك امتلك دافع الإيمان والدفاع عن الوطن من خلال عقائد منهجت عمله، وأدخلته في نفق مزدحم بالأسئلة من مثل: من أين أحصل على القوة؟

سؤاله هذا لقي إجابة سريعة بعد لقائه أخيه (مسعود) الذي على العكس أو المتكامل منه جمع قيم الرباطة والجأش والعضلات وعدم التساهل، وبغضّ النظر إذا ما كان اكتسب هذه الصفات من خدمته الإلزامية في فيتنام، يبقى (مسعود) مالكاً لأسباب القوة ولأكبر امتيازاتها، ومن هنا اجتمعت القوة مع الفكرة فأنتجت العمل والمعجزات، هذه المعادلة هي التي جمعت أطياف الشعب الجزائري.

لكن كان لا بدّ لهذين العنصرين من الحصول على أموال تسهل لهما حركتهما، ودونه لا يمكن إكمال مشوارهما العقائدي المسلح، فكان أخوهما الثالث (سعيد) داعماً بالمال كلما طُلب منه ذلك.

هذه الطريقة في التعامل أوصلت المتلقي إلى فك المعادلة الثورية وتحليل مضمونها الذي اعتمد الكفاح المسلح والنضال السياسي ورأس المال المنظم، فكانت بذلك أعظم أسباب الثورة الجزائرية التي مهدت لها الأسباب السالفة الذكر.

الدّراما تاريخيّةٌ لكنّها وجهةُ نظر:

منذ الدقائق الأولى للفيلم تشنّجنا أمام الفيلم وحبسنا أنفاسنا وسبحنا في بحر سينمائيّ متلاطم المشاهد واللقطات، كلما غصنا ازددنا عمقاً حتى وصلنا برّ الأمان في نهاية كلّ فقرة درامية.

في الدراما التاريخية، ثمة إشكالية تقول : إن الدراما التاريخية تساوي التاريخ مضافة إليها وجهة نظر الكاتب طبعاً دون نسيان العنصر الدرامي، وفي هذا الفيلم لم ألاحظ سيطرة عنصر على آخر أو إيقاع على ثان، وصحيح أن التكهنات بمدى جدية الموضوع التاريخية ستخلق مشاكل عدة، فمن الطبيعي أن يحدث ذلك الشرخ بين الشعوب عندما توضع أمام حقيقتها.

 

 

الفيلم احتوى معلومات تاريخية تم تدعيمها ببعض الصور التسجيلية، رغم أن الفيلم بواقعيته الوائدة اقترب من الفيلم التسجيلي، فكان تأثيره أكبر، وأفلام عديدة اعتمدت طريق الوثائقية في سرد تفاصيل التاريخ السياسي الحربي بين الدول، لكن القالب الإنساني عندما يسيطر على الأحداث سيكون لمصلحة الحالات الأخرى المتشابهة في المصير.

في الوقت ذاته، احتشدت صور الموت والجثث والمذابح والقتل الجماعي المنظم على الأرصفة، وفي هذا كانت الصورة السينمائية أقدر على النفاذ وسط الحوادث التاريخية، وكانت صعوبات المخرج كثيرة، ولطالما حاول إيجاد نوع من المصالحة بن الأحداث التاريخية الحقيقية المؤرشفة بالصور في المتاحف الحربية، وبين الصور السينمائية المرئية بالكاميرات الحديثة، فأيهما يختار؟

هل يهتم بالصور على حساب التاريخ أم بعرض الوقائع وسردها على حساب الصورة؟

اعتقد أن هذه الإشكالية تم تلافيها نهائياً ولاسيما في إبراز مدى التوافق بينهما، فكمية العمل ونوعيته على الحدث لم تقل عن الصورة والعكس صحيح، رغم خروج بعض الآراء المنددة إثر عرضه في مهرجان كان السينمائي لهذا العام، خرجت تظاهرات ضمّت أغالبية شرائح المجتمع الفرنسي ومن بينها شخصيات رسمية، في وقت أُنتج الفيلم برعاية جزائرية فرنسية بلجيكية من خلال الشراكة الجزائرية (ستالايت) وتمويل المركز السينوغرافي الوطني الفرنسي التلفزيون الفرنسي.

هي الرّسالةُ.. الصّورةُ المؤرشفة:

هذا ما يفترض أن يقدّمه أيّ فيلمٍ سينمائي بعد عرضه، وما يهم الجمهور إذاً هو التأثير ولكنه لا يتساءل عن العناصر المؤدية إلى إحداث التأثير هذا.

الحديث يقودنا إلى تتبّع سير العناصر التي شُكلت منها الصورة السينمائية في هذه المادة الفيلمية، سواء في حركتها أو ألوانها، أو حتى في تموضعها ضمن الإطار الصوري، في هذا أبدع المخرج في لقطاته التي تنوعت حسب الحالات الإنسانية، وأضافت بذلك إلى رصيد السينما الجزائرية الكثير، ووجد الفيلم في أرشيفها السينمائي مكاناً بارزاً له إثر ترشحه لجائزة الأوسكار. 

بطاقةُ الفيلم:

الانتاج: الجزائر، بلجيكا، فرنسا 2010.

إخراج: رشيد بوشارب.

سيناريو: رشيد بوشارب - أوليفر لوريل.

الممثلون:

سامي بوعجيلة: عبد القادر.

جميل ديبوزة: سعيد.

رشدي زيم: مسعود.

التعليقات